الأكثر مشاهدة

إعداد/ أمينة فلاتة يشهد الفن السعودي نهضة عالمية واسعة النطاق في مختلف فروعه، مد …

الفن السعودي.. من أعماق المحلية إلى آفاق العالمية

منذ 4 أيام

234

0

إعداد/ أمينة فلاتة

يشهد الفن السعودي نهضة عالمية واسعة النطاق في مختلف فروعه، مدعومًا برؤية المملكة 2030 التي تهدف لتعزيز الثقافة والفنون كقوة ناعمة ومساهمة في الاقتصاد الإبداعي. وتلعب وزارة الثقافة وهيئاتها المتخصصة دورًا محوريًا في دعم وتمكين الفنانين السعوديين عبر توفير منصات عرض محلية ودولية، يهدف هذا الحراك إلى التعريف بالثقافة والفنون السعودية وإبراز التنوع والثراء الإبداعي للبلاد على الساحة العالمية. 
هذه النقلة تثير أسئلة مهمة حول هوية الفن السعودي: هل هو انعكاس للروح المحلية يُعرّف العالم بنا؟ أم أنه محاولة للاندماج في أفق الفن العالمي بملامحه المختلفة؟
فرقد الإبداعية تطرح تساؤلاتها على نخبة من ذوي الرأي، من خلال المحاور التالية:
1. رحلة الفن السعودي: كيف انتقل من المحلية إلى العالمية؟
2. الفنون الأكثر تأثيرًا: السينما، الموسيقى، الفن التشكيلي.. أيها كان بوابة السعودية للعالم؟
3. بين الأصالة المعاصرة.. هل حافظ الفن السعودي على خصوصيته؟ أم ذاب في المدارس الغربية؟
٤- هل هناك تحديات تواجه استمرارية العالمية للفن السعودي؟

التصوير الفوتوغرافي لغة عالمية  

يعلق المصور الفوتوغرافي محمد قاسم (الحاصل على جائزة ثالث  أفضل مصور عربي لعام ٢٠٢١) على محاور القضية، بقوله: نجد أن المشهد الفني السعودي يعتلي قمة تصل به بإذن الله، إلى نهضة لافتة في مختلف مجالاته، ويأتي التصوير الفوتوغرافي في طليعة هذه الفنون، باعتباره لغة عالمية قادرة على توثيق اللحظة وإيصال الرسالة بعمق وجمال. ومن خلال تجربتي كمصور فوتوغرافي سعودي، انطلقت من فضاءات المحلية عبر مشاركات داخلية، ثم واصلت المسيرة نحو العالمية بفوزي بعدد من الجوائز الدولية والمشاركة في معارض خارجية أتاحت لي تمثيل وطني أمام جمهور عالمي، كرسالة واقعية بأننا قادرون بعون الله، على الوصول بثقافة وطننا الغالي إلى العالمية وإلى مصاف رواد الفن الثقافة في أنحاء العالم. ولا شك أن ما تحقق بفضل الله، ثم بفضل الدعم الذي تقدمه الجهات المختصة بالثقافة والفنون، انسجامًا مع أهداف رؤية المملكة 2030، التي جعلت من الثقافة والفنون محورًا أساسيًّا للتنمية، عبر تمكين المواهب الوطنية وتعزيز حضورها على الساحة العالمية.

ومن أبرز النماذج المضيئة في هذا المجال: جائزة فنون المدينة التي أطلقتها إمارة منطقة المدينة المنورة، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة المدينة المنورة.. ونشر ثقافة الفنون البصرية وأثرها في النهوض الفكري والثقافي للمجتمع.. وتطوير مجالات الفنون البصرية وتمكينها لتحقيق أهدافها.

أيضًا بث روح المنافسة بين المشاركين بما ينعكس إيجابًا على الفن والمجتمع المدني؛ حيث إن رسالة المصور تتجاوز حدود الصورة، فهي توثيق للتحول الكبير الذي تعيشه السعودية في شتى المجالات، ومن المدينة المنورة حيث الحرم النبوي الشريف والمواقع التاريخية يتجدد الإلهام لإبراز جماليات المكان وعمق الروح، إلى جانب النهضة العمرانية والحضارية التي تشهدها المدينة اليوم. بذلك يواصل الفن السعودي رحلته من أعماق المحلية إلى آفاق العالمية، حاملًا معه أصالة الهوية وروح العصر ورؤية وطن طموح لا تضعفه التحديات و الصعاب مهما كانت.

 ثقافاتنا المتنوعة جديرة بالعالمية

ويؤكد المنشد خليل الضاني على أصالة  الفن السعودي، بقوله: الفن السعودي فن أصيل وعريق وليس وليد اللحظة، فهو ضارب في عمق التاريخ بداية من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، عندما كان الشعراء يتغنون ببطولاته وكتابة الأشعار الحماسية في المعارك؛ مثل الشاعر الكبير (ابن دحيم) كاتب كلمات العرضة المشهورة (نجد شامت لابو تركي) ثم توالت من بعده في عهد أبنائه الملوك الإبداعات الأصيلة للفن السعودي، الذي بدأ ينتشر ويثبت عراقته وأصالته على الساحة العربية. ومن أساطين الفن آنذاك إبراهيم خفاجي وسراج عمر وجميل محمود وفوزي محسون، وغيرهم الكثير ممن قدموا ودعمو مسيرة الفن السعودي الأصيل، إلى أن وصلنا إلى عهدنا الزاهر مع صاحب الرؤية الرشيدة سمو الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، الذي وصل فيه الفن السعودي والثقافة السعودية إلى العالمية.  ويتميز الفن الثقافي السعودي بثرائه وتعدد ألوانه، ولدينا في المملكة العربية السعودية ثقافات متنوعة.. في الشمال والجنوب والشرق والغرب.. كل منطقة لها روائع وجماليات من الفنون الخاصة تختلف عن الأخرى، أثرت الحركة الثقافية بتشكيل فني وصل إلى العالمية مع الحفاظ على خصوصيته وطابعه السعودي الأصيل.

وتبذل المملكة ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام بكل فروعها، جهودًا كبيرة للحفاظ على التراث الفني والثقافي ذي الطابع السعودي الأصيل من غناء وإنشاد وفلكلور وشعر، وذلك في كل المناسبات الوطنية والترفيهية والثقافية والمجتمعية. 

وقد تشرفت بتقديم عدد كبير من أعمالي  كمنشد في المحافل الوطنية والأدبية والثقافية والمجتمعية، وبعض أعمالي  بفضل الله، وصلت إلى خارج الوطن من عالمنا العربي. ماضون بعون الله بخطا ثابتة نحو العالمية وبصمتنا واضحة ومتفردة.

الفن السعودي بين الأصالة والمعاصرة 

وتشيد الكاتبة رنا الحربي بعالمية الفن السعودي، بقولها:  يشهد الفن السعودي نهضة عالمية واسعة النطاق في مختلف فروعه، مدفوعًا برؤية المملكة 2030، التي تهدف لتعزيز الثقافه والفنون كقوة ناعمة ومساهمة في الاقتصاد الإبداعي.

في البداية كان الفن السعودي محصورًا في الأغاني الشعبية والفلكور؛ مثل العرضة النجدية، البحري، والخبيتي. كانت الأعمال الفنية موجهة إلى الجمهور السعودي والخليجي.. ومعظم الفنانين اشتهروا داخل المملكة والخليج فقط. في مرحلة الانتشار والتحول مع الانفتاح الإعلامي، صعدت أسماء كبيره مثل طلال مداح، محمد عبده، خالد عبدالرحمن وغيرهم الكثير.. ومع دخول القنوات الفضائية والإنترنت، التي ساعدت في وصول وانتشار الفن السعودي إلى العالم.. رغم أن الفن كانت له بصمة عالمية قديمًا، فإنه انتقل للعالمية بقوة في السنوات الأخيرة، ومع رؤية المملكة 2030 والانفتاح الثقافي، أُعطيت الفرصة للمواهب المحلية أن تعرض إبداعاتها الثقافية أمام الجمهور العالمي. إضافة إلى دخول الأفلام السعودية مهرجانات سينمائية عالمية مثل فيلم (نورة- هوبل- ناقة). وبرزت مواهب جديدة في السينما السعودية منذ عام 2016. إضافة إلى أن دفعة كبيرة وانتشار عالمي جاء عبر تدرج طبيعي، منذ أن تحدث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “حفظه الله” عن الرؤية. انتقالة كبيرة من التراث المحلي إلى الانتشار العالمي، جعلت الثقافة والفنون جزءًا أساسيّامن قوة الثقافة السعودية الناعمة. أصبح تأثيرها سريعًا إلى العالم كالموسيقى والغناء، والسينما، والعمارة والتصميم. والفن التشكيلي البصري المعاصر، والأدب والشعر، وغيرها الكثير من المدن العالمية والمشاريع؛ مثل القدية ونيوم التي جعلت السعودية وجهة ثقافية وسياحية بين العالم. أيضًا كانت السينما تنقل القصص وتجعل العالم يرى السعودية والمجتمع من الداخل. 

ومن أبرز التأثيرات الموسيقية الغنائية، هيئة الموسيقي التابعة لوزاره الثقافة، التي بذلت جهدًا رائعًا في الأوركسترا السعودية. حيث برزت مواهب السعوديين في الغناء، بدءًا من الرياض، وصولًا إلى العالم. ومع جولات الفرق الموسيقية التي انتشرت سريعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أما الأصالة، فقد حافظ الفن السعودي على أصالته ولونه. فما بين الفن والسينما لا تزال الإيقاعات الشعبية من العرضة والسامري حاضرة. حتى الأغاني الحديثة، على كثرتها.. إلا أن الفنانين حافظوا على أصالة الفن السعودي؛ ومن أبرز الأصوات التي لم ولن تنسى الفنان طلال مداح والفنان محمد عبده وغيرهما ممن حافظوا على الهوية السعودية بأصواتهم وألحانهم. أما المسلسلات فقد حافظت على أصالة الفن السعودي وناقشت قضايا المجتمع المحلي (العادات والتقاليد/ العلاقات الأسرية/ البطالة/ التعليم.. وزوايا عدة تمس احتياجات وشغف وتطلعات الجمهور السعودي والعربي.

كما أبدعت باستعمال تقنيات وأساليب إخراج عالمية في الأفلام مثل فلم وجده.. وأعتقد أن الفن السعودي لم يذب بالكامل، لكن هناك محاولات حثيثة من ذوي الخبرة و الاختصاص للعمل على الموازنة ما بين الأصالة السعودية بكامل هويتها وجميع اللهجات وتراثها العريق مع معاصرة الفنون العالمية، واستخدام تقنيات حديثة لتسهيل وصوله للعالم.

وبما أن السعودية دخلت بقوة في الاستثمار الثقافي، فهي تعمل على بناء أساس متين لتجاوز هذه التحديات الكبيرة؛ ذلك لأن المحافظة على هذا الزخم يحتاج إلى وعي وتخطيط واستعداد لمواجهة عدد من التحديات.. كالحفاظ على الهوية وسط العولمة، حتى لا تنغمس بعض الأعمال في واحة الأعمال الغربية وتفقد خصوصيتها. البنية التحتية والصناعية الفنية، رغم التقدم، ما زالت صناعة الموسيقى والسينما في طور التأسيس مقارنة بهوليوود وبوليوود، فهذا تحدٍ كبير للسعودية جعلها تتساءل وتدرس ذلك “كيف يتحول الفن السعودي إلى تيار دائم وليس مجرد حدث موسمي؟”.  الفن السعودي اليوم أمام فرصة تاريخية يعمل على استغلالها في محافل عدة عالمية، حيث إن سر العالمية في الفنون تكون من خلال أصالتها لا رقمها.. مستندًا على الموسيقى والفن المعاصر كالعمارة والتصميم والسينما وغيرها الكثير. يبقي التحدي في الحفاظ على الهوية وبناء صناعة مستدامة تضمن استمرارية الحضور العالمي.

ثقافتنا تعكس الرؤية الطموحة  

وتشارك الكاتبة منيرة عوض الله الحربي برأيها حول القضية المطروحة، بقولها: بفضل الله علينا، ثم بجهود ولاة أمرنا تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة نهضة ثقافية وفنية غير مسبوقة، يتجلى ذلك في الاهتمام المتزايد بجميع ألوان الإبداع. خاصة في مجالات الفنون الأدبية؛ مثل الشعر، والقصة القصيرة، والمقالة الأدبية، إضافة إلى دعم النشر، وتعزيز اللغات، والترجمة كجسور للتواصل الحضاري مع العالم.

*الفنون الأدبية.. روح الثقافة السعودية.. لطالما كانت الفنون الأدبية جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية السعودية، حيث يحتل الشعر مكانة مرموقة في الوجدان الشعبي، بوصفه وسيلة للتعبير عن المشاعر والقيم والتقاليد. وقد شهد الشعر تطورًا لافتًا، من الشعر النبطي والشعبي، إلى الشعر الفصيح والحديث، مع ظهور أصوات شابة تضيف أبعادًا جديدة للتجربة الشعرية السعودية.. أورد هنا مثالًا للشعر النبطي: 

لا ضاقت الدنيا تفتح لك أبواب                                    وتفرج بعد ماكنت بالحيل ضايق                                  اسجد وقله يالولي جيت طلاب                                    طالبك يا مصور جميع الخلايق

أما القصة القصيرة، فقد برزت كأداة تعبيرية تعكس تحولات المجتمع، وتتناول قضاياه بأسلوب أدبي راقٍ. وقد شهدت الساحة الأدبية ظهور كتاب وكاتبات أبدعوا في هذا الفن، وحصلوا على جوائز إقليمية ودولية. كما أخذت المقالة الأدبية مكانها كوسيلة للطرح الثقافي والنقدي، حيث يستخدمها المثقفون والكتاب للتعبير عن آرائهم، ومناقشة قضايا المجتمع، وتقديم رؤى فكرية حول قضايا العصر. ولأن النشر صناعة متنامية:  شهد قطاع النشر في السعودية نموًا ملحوظًا، بفضل المبادرات الحكومية والهيئات الثقافية مثل *هيئة الأدب والنشر والترجمة*.. حيث ساهمت معارض الكتب الدولية والمحلية، وعلى رأسها معرض الرياض الدولي للكتاب، في دعم صناعة النشر، وتشجيع القراءة، وإتاحة الفرصة للكتاب السعوديين لنشر أعمالهم والوصول إلى جمهور أوسع.

واللغات والترجمة.. جسور للتواصل الثقافي: تُولي المملكة اهتمامًا خاصًا بمجال الترجمة، باعتبارها وسيلة لتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب. وقد أُطلقت الكثير من المشاريع لترجمة الأعمال الأدبية والعلمية من وإلى اللغة العربية، في محاولة لنقل المعرفة، وتعزيز التبادل الثقافي مع العالم.

كما أصبح تعلم اللغات الأجنبية جزءًا من الخطة الاستراتيجية لتأهيل الشباب السعودي، وزيادة فرص التفاعل مع الثقافات الأخرى في مختلف المجالات، خصوصًا في ميادين التعليم، والبحث العلمي، والأدب.

* ختامًا:  إن ما تشهده المملكة من تطور في ميادين الثقافة والفنون، لاسيما الفنون الأدبية، يعكس الرؤية الطموحة التي تتبناها رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية، وإبراز الوجه الحضاري للمملكة على الساحة الدولية. إنها نهضة ثقافية تؤسس لمستقبل إبداعي واعد، يجعل من السعودية مركزًا ثقافيًا متقدمًا في المنطقة والعالم.

 سنرسم نبضًا.. يصنع مجدًا.

وتتحدث الكاتبة والفنانة التشكيلية عبير الحبيشي، رئيسة فريق المدينة كرافترز للفنون عن حضور المشهد الثقافي عالميًا، بقولها: يشهد الفن السعودي منذ عقود، نهضة متنامية بدأت مع إنشاء الجمعية السعودية للفنون التشكيلية عام 1979، ومعارض محلية في الثمانينات والتسعينات، ثم تعزز الحراك مع مطلع الألفية؛ حيث أصبح الفن التشكيلي والمسرحي والموسيقي أكثر حضورًا في المشهد الثقافي. ومع إطلاق رؤية المملكة 2030، دخل الفن مرحلة نوعية جديدة جعلته أحد أعمدة القوة الناعمة وأداة للتعريف بالثقافة السعودية عالميًا.

لقد أسهمت التقنية والإنترنت في فتح نوافذ واسعة للفنانين والجمهور؛ فأصبح الوصول إلى الفنون السعودية بمختلف مدارسها متاحًا للعالم عبر المنصات الرقمية والمعارض الافتراضية، كما وفّرت وسائل التواصل الاجتماعي فرصًا للتفاعل والمشاركة وتبادل الخبرات بين الفنانين محليًّا ودوليًّا عبر المعارض الحضورية الميدانية. 

وكان للفنون التشكيلية حضور ريادي في هذا التحول، إذ عبرت بريشة الفنان عن التراث والعمران والهوية، إلى جانب السينما والموسيقى التي وجدت طريقها السريع إلى العالمية. ومع ذلك، ظل الفن السعودي محافظًا على أصالته، يمزج بين الرموز المحلية والأساليب الحديثة دون أن يفقد هويته.

ورغم النجاحات، تبقى تحديات الاستدامة والهوية قائمة أمام هذا الحراك، لكنها لا تقلل من حقيقة أن الفن السعودي اليوم أصبح جسرًا حضاريًا يُعرّف العالم بثراء هذه الأرض وإنسانها المبدع.

تعدد مسارات الفن شاهد على التطور

ويستعرض الروائي علي محمد الماجد لمحة من مسيرة الفن التشكيلي ومبدعيه وطريقهم إلى العالمية، حيث أفاد: فن الرسم  السعودي، خاصة المتعلق بالسنوات الأخيرة، تنوع نتاجه ما بين التجريد والواقعية و الفانتازيا والانطباعية والتشكيلية. كما شهد خلال العقود الأخيرة تطوراً ملحوظًا، ولم يعد الفن السعودي مغمورًا، بل ناهز العالمية. وأصبحت مشاركات رواده أساسية في المحافل الدولية الفنية.

الرسم  أسلوب تعبيري عن دواخلنا، حيث أصبح مجالًا للتعبير عن الهوية والذاكرة والواقع الاجتماعي، وفيه تتقاطع الأصالة مع الحداثة لتكوين خطاب بصري يعكس روح المجتمع. وقد برز عدد من الفنانين التشكيليين السعوديين الذين أثروا المشهد المحلي والعربي، ومنهم عزيز ضياء، وغدير حافظ، وتغريد البقشي، وعبد العظيم الضامن.

عزيز ضياء: يُعد عزيز ضياء من الرعيل الأول في الساحة التشكيلية السعودية.. تميز بأعماله التي تمزج بين الجانب الأدبي والفني، بحكم أنه أديب قبل أن يكون رسامًا، فانعكس ذلك على لوحاته التي غالبًا ما تحمل بعدًا رمزيًا وفكريًا. لوحاته تعكس هواجس الإنسان والبحث عن الهوية في ظل التحولات الثقافية، وكان من أوائل من رسخوا فكرة أن الفن أداة للتعبير وليست للزينة فقط. وآخر لوحاته تعبر عن معاناة أبناء غزة في ظل الاحتلال والتجويع، تميزت لوحاته أيضًا بالأصالة الإسلامية التي تدل على بيئة مترعة بالفن والدين. 

غدير حافظ: تعد من أبرز الفنانات السعوديات المعاصرات.. أعمالها ترتكز على سبر روح المرأة السعودية والتعبير عن تطلعاتها وقضاياها من خلال لوحات تمزج بين الفانتازيا التعبيرية.. تحرص على استلهام ألوانها من البيئة المحلية، فتظهر في أعمالها جدلية الانتماء والحداثة، وتُبرز المرأة في سياقها الإنساني والاجتماعي بجرأة لافتة.

تغريد البقشي: أما تغريد البقشي، فهي من الفنانات السعوديات اللواتي نجحن في بناء أسلوب بصري مميز يعانق الروح الإنسانية.. لوحاتها تتسم بالحس الصوفي والبعد الغنائي، حيث توظف الألوان الزاهية والحركة في التكوين لتجسيد مشاعر الحب والصفاء.. تستلهم أعمالها من التراث الإحسائي والنخيل والموروث الشعبي، ما يجعل فنها جسرًا يربط بين الحداثة والتراث.

عبد العظيم الضامن: الفنان عبد العظيم الضامن يُعتبر صوتًا مبدعًا في التشكيل السعودي والعربي، وقد عُرف بمشاريعه الفنية التي تجاوزت اللوحة إلى فضاءات أوسع مثل جداريات السلام ومشاريع التفاعل المجتمعي بالفن.. أعماله تستند إلى رؤى إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية، إذ يرى أن الفن دعوة للسلام والتواصل الحضاري، فجعل من إبداعه حركة تجمع الشعوب على المحبة.

عبد الحميد البقشي: أما عبد الحميد البقشي، فقد أبدع بفن خاص مبتكر من الفانتازيا كأنه يحاكي عوالم خفية وكائنات موجودة فقط في مخيلة الفنان، هنا عمق جديد يعكس طبيعة الفنان القلقة التي تعكس في ألوانها حقيقة مغيبة، ثم يدمجها مع التراث السعودي لإبراز عناصر الحياة الإنسانية. 

عبدالله حماس: هذا الفنان السعودي الجنوبي الذي أخذ على عاتقه حمل روح الجنوب في لوحاته لتصبح جواز سفر فني عالمي في الفن التجريدي والتعبيري، مستلهمًا الثقافة الجنوبية والاحتشام وقبعات الرأس بألوان زاهية قلما استخدمها الفنانون بالعالم. 

خاتمة: إن تجربة هؤلاء الفنانين تعكس تنوع المشهد التشكيلي السعودي؛ فبين الفكر الرمزي عند عزيز ضياء، والبحث عن هوية المرأة لدى غدير حافظ، والروحانية الشعرية عند تغريد البقشي، والنزعة الإنسانية العالمية لدى عبد العظيم الضامن؛ تشكلت لوحة كبرى تُجسّد غنى الفن السعودي وتعدد مساراته، ليكون شاهدًا على تطور مجتمع ينفتح على العالم وهو متمسك بخصوصيته.

الفن السعودي في قلب المشهد العالمي

وتشاركنا الحرفية خولة عبد الرحمن البيجاوي، تجربتها الحرفية وما لمسته من نقله نوعية للفن السعودي، بقولها: أستهل بكتابة نبذة من رحلتي مع الحرف السعودية: أنا خولة عبدالرحمن البيجاوي، حرفية سعودية من المدينة المنورة ومالكة متحف غندورة التراثي، كرّست سنوات طويلة لإحياء الحرف اليدوية بروح معاصرة. أعمالي من الرواشين والمجسمات الحجازية، السدو، الكروشيه، التطريز، والسيراميك، كانت نافذة أظهر من خلالها جماليات التراث السعودي إلى العالم.

ومن خلال خبراتي في هذا المجال الشاسع، أرى أن الفن السعودي يشهد نقلة نوعية، مدعومة برؤية المملكة 2030 لتعزيز الثقافة والفنون كقوة ناعمة ومساهمة في الاقتصاد الإبداعي. فقد انتقل الفن من المعارض المحلية إلى منصات دولية، ما أتاح للفنانين السعوديين تقديم إبداعاتهم بلغة يفهمها العالم، مع الحفاظ على الخصوصية المحلية. وقد استلهم الفن السعودي من التراث الرمزي، واستفاد في الوقت ذاته من المدارس الحديثة والتقنيات الرقمية، محافظًا على هويته، دون أن يذوب في الأنماط الغربية، حتى أصبح يوازن بين الأصالة والمعاصرة.. كما أن أبرز التحديات، حماية الهوية البصرية، دعم التعليم الفني، وتوسيع المنصات الدولية للفنانين.

لكن التجربة أثبتت أن الفن السعودي ليس مجرد منتجات، بل رسالة ثقافية وجسر حضاري يربط الماضي بالحاضر ويضع المملكة في قلب المشهد الإبداعي العالمي.

قوم بلا تراث.. لا تاريخ لهم   

ويأخذنا الكاتب عمر محمد الجهني، إلى لمحات من عالم الفنون  الشعبية الخالدة للمجتمع السعودي: الفنون الشعبية الأدائية في السعودية جزء لا يتجزأ من التراث السعودي.. وهي كثيرة وتصل إلى ٤٠ فنًّا، أبرزها: السامري.. فن يمزج بين الشعر الشعبي بالغناء والرقص مع قرع الطبول

العرضة: فن أدائي جماعي راقص في المناسبات مع حمل السيوف والأسلحة.

الخطوة: ترديد الأهازيج مع إيقاع الضرب على الأرض بالأقدام.

وغيرها الكثير والكثير في مملكتنا الحبيبة، كما أنّ كل عرض شعبي منها يتمثل في منطقة معينة، فالعرضة تكثر في نجد والخطوة في الجنوب، ولكل منطقة من مناطق المملكة عرض شعبيٌّ خاص. هذه الفنون لها أثرٌ كبير في الشعب السعودي، فهي تشكل التراث والتاريخ والهوية السعودية الحالية، فهي مزيجٌ من الشعر الشعبي التراثي المتأصل في عمق الهوية السعودية، وما زالت لليوم تقام هذه العروض في المناسبات الوطنية والاجتماعية؛ كاحتفالات الزواج وما إلى ذلك، ففي فن المحاورة يكون هنالك صفان متقابلين وشاعران بالمنتصف يلقي الأول بيتًا شعبيًا فينشده الصف الأول ويرقص على لحنه، فيرد الآخر وينشد الصف الآخر ويرقص ردًا على الأول، حيث يمدح في بدايتها العريس وأهل الزفاف ثم ينتقلان للرد على بعضيهما. أما هذه الفنون  الشعبية فلها أهمية كبيرة فهي تشكل جزءًا كبيرًا من الثقافة والتراث والهوية السعودية، وقومٌ بلا تراث وهوية، هم قومٌ بلا تاريخ، والتاريخ جزءٌ مهم في الشعوب وحضاراتها وأفكارها، إذ لا يستطيع الناس فهم المجتمعات الأخرى إلا بفهم حضاراتهم وثقافتهم.

فكل فنٍّ من الفنون له تاريخه العريق وثقافته الأصيلة فيه، التي تشكل حضارة هذه المنطقة وفكرها وطرق ترحيبها وترفيهها، وقومٌ بلا حضارة هم قومٌ بلا تاريخ.

 ضرورة التطوير والترويج.. حفاظًا على العالمية 

وترى الكاتبة وفاء التونسي، ضرورة تطوير البنية التحتية وأساليب التسويق للحفاظ على الانفتاح العالمي: قبل سنوات، كان من النادر أن تجد فنانًا سعوديًا يعرض أعماله في متاحف عالمية، أو فيلمًا سعوديًا ينافس في مهرجانات سينمائية دولية أو عروضًا مسرحية بالإمكانات العالية.

ما زلت أذكر مشاركتي الأولى في عرض مسرحي فبراير 2013، حيث كانت حقبة مليئة بالمواهب الخفية والإمكانات العالية لطاقات الشباب الإبداعية، صاحبها قلة الدعم الإعلامي والمالي. أما اليوم، مع دعم حكومتنا العظيم للفنون، فقد أصبح الفن السعودي حاضرًا في محافل كبرى، خاصة بعد رؤية 2030، بدأت الفنون السعودية في اكتساب شهرة عالمية، هذه القفزة النوعية لم تكن محض صدفة، بل جاءت نتيجة مسار طويل بدأ من المحلية العميقة، وانفتح تدريجيًا على العالم.

ما يميز التجربة الفنية السعودية في السنوات الأخيرة قدرتها على الحفاظ على هويتها الأصيلة، حتى وهي تنفتح على تقنيات ومدارس الفن المعاصر. فالفن التشكيلي، على سبيل المثال، لا يزال يستلهم من الزخارف المعمارية النجدية، والنقوش الصخرية، ورموز البادية، لكنه يُقدّم اليوم عبر وسائط حديثة كالفيديو آرت، والواقع المعزز، والتركيب الفني. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة أحد أسرار تفرّد المشهد الفني في المملكة.

ولعلّ السينما السعودية تقدم نموذجًا آخر على هذا التلاقي بين المحلي والعالمي. فالأفلام السعودية، التي بدأت قبل عقدين فقط كأفلام قصيرة بميزانيات محدودة، باتت اليوم تحصد الجوائز وتعرض في دور العرض الدولية.

فالسؤال المطروح اليوم: كيف نحافظ على هذا الزخم؟ ثمّة تحديات فعلية، منها ضرورة تطوير البنية التحتية الثقافية، واستمرار الاستثمار في تعليم الفنون، وتطوير أساليب الترويج والتسويق الثقافي لمواكبة العالمية. في نهاية المطاف، لا يمكن الحديث عن الفن السعودي العالمي، دون الإشارة إلى دور التحولات الكبرى التي شهدتها المملكة في إطار رؤية 2030.. إذ أسهم الانفتاح الثقافي الواسع، ودعم وزارة الثقافة والهيئات الحكومية في تمكين جيل جديد من الفنانين ليعبّر عن صوته، بلغة سعودية تتحدث إلى العالم دون أن تفقد لهجتها الأصلية.

ختامًا: الفن السعودي لا يعيش فقط لحظة عالمية عابرة، بل يبدو أنه في طريقه إلى ترسيخ حضور دائم، يجمع بين الخصوصية والتأثير، ويحوّل الثقافة من هامش محلي إلى مركز عالمي.

الدعم المستمر.. أوصل إبداعنا إلى العالمية  

وتجيب الكاتبة وفاء عمر بن صدّيق، على طرح فرقد، بقولها: ازدهر الفن السعودي في الآونة الأخيرة، وخطا خطوات واسعة نحو الإبداع؛ حيث سعى إلى تأكيد وجوده في المشهد الثقافي مرتكزًا على قاعدة فنية راسخة انطلق من خلالها إلى العالمية تجسيدًا لرؤية المملكة العربية السعودية (2030).. وبدعم كبير من المؤسسات المعنية والهيئات المتمثلة في وزارة الثقافة ذات المبادرات المستمرة في محاولات دؤوبة، إلى تمكين الموهوبين والمبدعين بتوفير جميع ما يحتاجونه من دعم معنوي ومادي تأهيلًا لهم؛ ليصبحوا جزءًا من المشهد الفني العالمي يتعرف العالم من خلاله على الإبداع السعودي عن قرب في مجالات متنوعة، منها: فنون السرد، والفنون التشكيلية، والتصوير الفوتوغرافي، والسينما؛ وغيرها، تعد من أبرز الأبواب القادرة على إيصال الثقافة والفنون السعودية عبر إقامة المهرجانات بأفكار مبتكرة، ومن خلال التواجد المستمر والمشاركة في المهرجانات العالمية بأعمال تحمل الهوية المحلية.. والأمثلة كثيرة ولا مجال لذكرها هنا، إلا أن ما يجمع بينها هو المزج بين الأصالة المستمدة من التراث المحلي وبين المعاصرة التي تواكب التطور العالمي.. بذلك، تعزّز هذا الحراك بفضل وجود بنية تحتية داعمة، وبرامج منظمة، وفنانين مؤهلين، وغيرها من العوامل التي تذلّل الصعاب، وتمهد الطريق إلى الفن السعودي؛ ليحافظ على استمراريته في ترسيخ حضوره محليًّا وعالميًّا.

الفن السعودي.. بين الجذور والآفاق 

وتشيد التشكيلية غدير حافظ، بالنقلة النوعية والانفتاح العالمي للفن السعودي وخاصة الفن التشكيلي، حيث أفادت: يعيش الفن السعودي اليوم مرحلة ازدهار لافتة تعكس تاريخه العريق وتطلعاته المستقبلية.. أعتز بأنني كنت أول سعودية تمثل المملكة في كوسوفو ومقدونيا وألبانيا وفيينا والصين منذ عام 2009، حاملةً رسالة ثقافية وفنية تعرّف العالم بثراء الهوية السعودية.. هذه المشاركات تؤكد أن انطلاقة الفن السعودي نحو العالمية لم تكن وليدة اللحظة، بل ثمرة عمل دؤوب وجذور ضاربة في المكان والذاكرة الشعبية.

ومع دعم رؤية 2030 وبرامج وزارة الثقافة، حصل الفنانون السعوديون على منصات أوسع للعرض والحوار، ما أتاح للفن التشكيلي خصوصًا أن يتطور من رسم الطبيعة والنقل الحرفي للواقع إلى تبنّي أساليب أكثر جرأة ورمزية تنقل المتلقي إلى عوالم الخيال والتأمل. هذا التحول أسهم في توسيع وعي الجمهور وإبراز أن الفن ليس مجرد محاكاة للواقع، بل أداة لإعادة صياغته. وفي مزيج من الأصالة والمعاصرة، تحررت الرموز التراثية من إطارها التقليدي لتقدَّم بأساليب تعبيرية وفنتازية، ما أضفى بعدًا جديدًا على الفن السعودي وحافظ على هويته.. ويبقى التحدي الأكبر اليوم، ضمان استدامة هذا الحراك الثقافي ونقله للأجيال القادمة؛ ليبقى الفن السعودي جسرًا بين الجذور والآفاق العالمية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود