56
0
265
0
78
1
17
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12042
0
11682
0
10918
0
10050
5
8262
0
بقلم: الحسن الكامح*
تُمثّل نصوص الشاعرة خديجة إبراهيم الشهري، نافذة على تجربة شعرية عميقة، تتسم بتداخل الرؤى الروحية مع الشجن الوجودي.. يرتكز جمال شعرها على أربعة محاور متكاملة: العمق الأدبي، الثراء البلاغي، الرصانة اللغوية، والتناغم الإيقاعي.
تدور نصوص الشاعرة حول ثنائيات درامية متناقضة: الحلم والواقع، اللقاء والفقد، اليقين والضياع.
يبدأ النص بوعد روحي يتم فيه الاتحاد والسمو (معًا ستكون كل الرؤى حُلمًا وآمالًا تزهر).. يشير استخدام مفردة “الطين” إلى الأصل البشري الفطري المشترك (نحكي حكايات الطين للطين).. تكمن المأساة في الخاتمة حيث يكون اللقاء ذاته سببًا لضياع الثبات الداخلي:
“وبأنّا حين التقينا
ضاع منّا اليقين…!”.
هذا التناقض يرفع من قيمة التجربة لتصبح منارًا للتائهين.
هو نص تشريحي لليأس، حيث يتجاوز الحزن حدود الشعور ليصبح “لجة” عميقة يغرق فيها الحالم.. تبرز فيه حالة الانسداد الزمني وتوقف الحياة، وصولًا إلى مرحلة الاستنكار والالتماس في مواجهة المصير.
يجسدان هشاشة اللحظة الدافئة وقسوة الواقع البارد.. ففي “حلم”، يترك الطيف العابر أثرًا حسيًا “بعض من عطر مسكوب”، كناية عن حقيقة الزيارة المؤقتة، بينما في “صمت الأماكن”، تُقيد إرادة الرحيل في مشهد جمود يائس.
تعتمد الشاعرة على التشخيص والاستعارة الكونية والمفارقة لخلق عمق درامي مكثف.
تتميز لغة الشهري بـ الجزالة والدلالة الوجودية، وتعتمد على صيغ صرفية ترسخ الشعور بالدوام والرسوخ.
تعزز البنية الإيقاعية الإحساس بالتأمل والهدوء الدرامي.
تعتمد القصائد على إيقاع سيولة الجملة الشعرية (التدوير) التي تناسب تدفق الوجدان.
إن هذه العناصر مجتمعة تجعل من شعر الشاعرة خديجة الشهري تجربة قراءة غنية، حيث كل كلمة وكل تركيب يخدم العمق الوجداني لتصوير لحظة الحب المشتهاة ومأساة اليقين المفقود.
ختامًا:
يتضح أن شعر خديجة الشهري، كما تجسد في نصوص “مواسم تشتهي ظلها”، ليس سجلًا عاطفيًا وكفى، بل هو بناء فني متماسك يستلهم الجمال من صراع الإنسان مع مصيره. لقد نجحت الشاعرة ببراعة في تسخير كل أدوات اللغة؛ فجعلت من الجزالة اللغوية وعمق الصيغ الصرفية مرساة تُثبّت المشاعر المتدفقة، ومن التشخيص العنيف والاستعارة الكونية جسرًا يعبر بالعاطفة الفردية إلى آفاق الوجود المشترك.
إن هذه الرحلة النقدية عبر دلالات “الطين” و”لجج الحزن” و”بقايا الحلم” تؤكد أن الشاعرة تمتلك صوتاً شعرياً أصيلاً ومؤثراً. فبواسطة التناقض الدرامي في فقدان اليقين، والإيقاع الهامس الذي يرافق الذكرى، تترك الشاعرة خديجة الشهري بصمتها الخاصة؛ بصمة تجمع بين القوة والشفافية، وتجعل من كل نص لديها، رغم مرارة الفراق، منارًا فنيًا يضيء لتائهي الوجد.
*شاعر من المغرب
التعليقات