الأكثر مشاهدة

* أنا لستُ حريصًا على نشر قصائدي. * الشعراء انصرفوا عن المتلقي وليس العكس. * هذا …

د. محمد أبو شوارب: النقاد تلاميذ الشعراء وأقل منهم ثقافةً ووعيًا

منذ يومين

87

0

* أنا لستُ حريصًا على نشر قصائدي.
* الشعراء انصرفوا عن المتلقي وليس العكس.
* هذا ما فعله شعراء القطيعة والانفصال.
* في مؤسسة البابطين لم نركز على الدعاية.
* تركيزي على مشروعي النقدي.
بابتسامة عريضة وجذابة تتوسط كلماته عندما يتحدث، وبروح الباحث الغيور على لغته والشاعر ذي الحس المرهف، دائمًا ما يظهر الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب، تكرم مشكورًا بقبول الحوار معه وسألته عن موهبته الشعرية وقلة إنتاجه كما سألته عن جائزة البابطين الشعرية ومستقبلها، وعن سلبيات الجوائز الشعرية عمومًا.. كما سألته بوصفه ناقدًا عن حال الناقد العربي اليوم، وعن “النقد الثقافي” بين من يراه منهجًا مستقلًا ومن لا يراه شيئًا وهي المعركة التي دارت مؤخرًا بين د . عبدالله الغذامي و د. سعد البازعي.
حصل الشاعر والناقد والباحث د.محمد ابو شوارب على الدكتوراة من جامعة الإسكندرية عام ٢٠٠١ م مع مرتبة الشرف الأولى، وموضوعها: موقف نقاد القرن الرابع من الشعر في القرنين الثاني والثالث الهجريين. يشغل الآن منصب نائب الأمين العام لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري لشؤون الأبحاث والدراسات، كما أنه أستاذ الأدب والنقد بكلية التربية جامعة الإسكندرية.. أترككم مع الحوار.
حوار – محمد بن يحي عسيري –
1 – أنت مقل في الشعر، فلم تنشر سوى ديوان شعري وحيد وذلك منذ ٢٧ عامًا.. هل طغت الحياة الأكاديمية والدراسات النقدية على موهبة الشعر لديك؟
غزارة الإنتاج الشعري أو ندرته ظاهرة معروفة في كل العصور، وهي ترتبط بعوامل عدة؛ من أهمها مساحة الموهبة وأصالتها، ومدى الإخلاص في الانصراف إلى الشعر والانشغال به.
ولا شك في أن الحياة الأكاديمية أخذتني بالفعل من الشعر؛ فلم يعد لدي هاجس إنجاز مشروع شعري، بل أصبحت أركز على إنجاز مشروع نقدي يسعى إلى كشف النصوص الشعرية وتأويلها. والأخطر من ذلك أن التمرس بمحاولة الكشف عن القيم الفنية في النصوص الشعرية الفارقة يضع الناقد الشاعر، إذا كان قادرًا على الخروج من أسر الإعجاب بالذات، أمام حقيقة موهبته وحقيقة مقدرته الشعرية.. ولعلي ما أزال أكتب الشعر باطراد، وأحب ما أكتب من نصوص شعرية مختلفة؛ لأنها تعبر عني وتمثلني، لكنني غير حريص على نشر هذه النصوص أو إذاعتها؛ لأنني حينما أنظر إلى كتاباتي الشعرية من الخارج، أستطيع أن أرى بوضوح أن هذا الشعر لا يحمل قيمة فنية مضافة تستحق أن أقدمها لقارئ الشعر العربي.
2 – على الرغم من كثرة جوائز الشعر ومحاولات إبرازه. لكنه اليوم وفي أوساط الجيل الجديد من الشباب؛ ليس له تلك المكانة التي تحظى بها الرواية مثلًا. هل تؤيد هذا؟
الشعر فن يقوم على التكثيف في كل مقوماته؛ الرؤى والتصورات وعناصر الأداء الفني، وغيرها.. من ثم فهو يحتاج بداية إلى جهد مختلف في التلقي، وهذا هو أحد الفوارق الأساسية بينه وبين غيره من فنون القول.
وأعتقد أن هناك عوامل كثيرة أسهمت في ذيوع الرواية على حساب الشعر، من أبرزها في وجهة نظري؛ ابتعاد غير قليل من الشعراء عن التعبير عن الحياة ذاتها وتركيزهم في محاولة إبراز قدراتهم الإبداعية- على الإغراق في الاتكاء على التقنيات التشكيلية المعقدة؛ خاصة المجلوبة إلى القصيدة العربية. وقد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى انقطاع كثير من السبل بين النص الشعري والمتلقي الذي لم تعد هناك روابط واضحة بينه وبين هذا اللون من الشعر.
وفي قناعتي أن الشعراء هم من انصرفوا عن المتلقي، فكان من المنطقي أن ينصرف المتلقي عنهم إلى فنون أدبية أخرى تعبر عنه وعن عالمه وتعالج قضاياه ومشكلاته.
* تركيزي على مشروعي النقدي.
3 – البعض يرى أن بعض جوائز الشعر تكون لجان التحكيم فيها أقل من مستوى الشعراء، ما يضعف المنافسة ويفتح المجال لأدعياء الشعر والمستشعرين.. كيف ترد؟
ربما يقع هذا أحيانًا بالفعل، لكن المؤكد أنه ليس مطردًا على الإطلاق، بل العكس هو الصحيح..
وبقطع النظر عن جدلية العلاقة بين الشاعر والناقد.. فأنا مقتنع تمامًا أن الشعراء الحقيقيين هم دائمًا أكثر ثقافة ووعيًا من ناقديهم، وهو ما يمكن أن نتلمس الشواهد الناصعة عليه عبر تاريخ الشعر ونقده..
والشعراء المبدعون هم من يملكون القدرة على ابتكار النماذج الفنية الفريدة التي يقدمون من خلالها تجاربهم ومحاولاتهم المستمرة من أجل اكتشاف العالم واكتشاف اللغة. أما النقاد فدورهم يأتي في مرحلة تالية تنظيرًا أو تطبيقًا؛ سواء من خلال تقويم الشعر والحكم عليه، أو تفسيره وكشف قيمه الفنية، أو تأويله وإعادة إنتاج قيمه الموضوعية والجمالية.. والثابت في نظري وتقديري أن الشاعر الحقيقي هو المعلم الذي يقتفي الناقد أثره لا العكس.
4 – يقول برنارد شو: “إنني أغفر لنوبل اختراعه للديناميت، لكني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل”.. برأيك هل سيأتي يوم نندم على إنشاء جوائز للشعر، ونكتشف أن تلك الجوائز أدت الى ضعف الشعر وانحطاطه؟
أختلف تمامًا وبشدة مع مثل هذا الطرح.. ففي رأيي أن الجوائز والمسابقات المتنوعة منحت الشعر العربي قبلة الحياة، بعد أن تلقى سلسلة متوالية من الصدمات والطعنات على يد من أسميهم (شعراء القطيعة والانفصال) الذين تسبب إفراطهم في التجريب وأدت مبالغتهم في التغريب إلى انصراف المتلقي العربي عن الشعر إلى فنون أدبية أخرى على نحو ما تكلمنا من قبل..
إضافة إلى ما تمثله الجوائز من أهمية معنوية ومادية بالنسبة للشعراء المبدعين، وفضلًا على ما توفره من طاقات تحفيزية هائلة لدى هؤلاء الشعراء- ففي تصوري أن جوائز المسابقات الإذاعية والمتلفزة على وجه الخصوص؛ تتيح مساحة واسعة من التواصل بين الشاعر وجمهوره؛ بما يجعل الشعراء ملزمين بالاعتداد باستجابات الجماهير وتفاعلاتها وآفاق توقعتها، من حيث مضامين النصوص وطرائق تشكيلها؛ ما يجعلني لا أتحفظ في إطلاق القول بأن هذه الجوائز تعد بحق خطوة جريئة على طريق استعادة الشعرية العربية الأصيلة، بكل طاقاتها الإبداعية التي ترتبط بالإنسان العربي وتملك القدرة على التعبير عنه والتأثير فيه.
5 – مؤسسة البابطين الثقافية عمل مؤسسي كبير يتجاوز الجائزة، وقد أنجز للثقافة العربية ما لا يمكن حصره، لكن الناس لا تعرف سوى الجائزة.. برأيك ما السبب؟
أوافقكم تمامًا في ذلك.. فبالفعل وعلى مدى أربعة عقود، قدمت مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية الكثير من المنجزات الفكرية والفنية، لكن بريق الجائزة دائمًا ما يخطف الإبصار.. وربما كان هناك عدد من الأسباب وراء ذلك. ومن أبرز هذه الأسباب أهمية الجائزة وريادتها، ومنها قيمتها المالية والفنية، ومنها ارتباطها بشخوص الشعراء الحاصلين عليها.
علاوة على عدم تركيز المؤسسة على الجوانب الإعلامية والدعائية التي تروج لمنجزاتها ومشروعاتها الثقافية الخطيرة والمؤثرة.
* هذا افتراض غير منطقي!
6 – هل سنرى جائزة البابطين تمنح في يوم من الأيام للرواية أو القصة أو أي نوع أدبي آخر غير الشعر؟
نظام العمل في مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية نظام مؤسسي احترافي بصورة مطلقة، والقرار فيها يرجع إلى رئيس المؤسسة ومجلس أمنائها.
لكن على المستوى الشخصي أعتقد أن مثل ذلك الاتساع سيكون تغييرًا في مسار جوائز المؤسسة الذي اختطه مؤسسها رحمه الله، وسيكون إهدارًا لتميزها واختصاصها بالتركيز على الشعر بوصفه الأكثر تمثيلًا للغة العربية التي تعد جهود إثرائها وحمايتها وتمكينها، هدفًا أصيلًا من أهداف المؤسسة.
7 – كانت لك تجربة في تقديم برامج تلفزيونية عبر قناة البوادي كبرنامج رحلة الشعر العربي وغيره من البرامج المختصة باللغة، وبالاطلاع على موقع القناة باليوتيوب نجد أن المشاهدات ضئيلة جدًا.. ألا يعني هذا أن اللغة العربية (الفصحى) ميتة عمليًّا وغير قابلة للتجديد والمنافسة؟ وأن هذه البرامج هي كالنفخ في القربة المثقوبة؟
 
أختلف بشدة مع هذا الافتراض غير المنطقي من وجهة نظري.. صحيح أن أكثرية متابعي البرامج المتلفزة لا يميلون بحكم نزوعهم إلى البحث عن التسلية إلى هذا اللون الذي قدمته في عدد من البرامج، لكن من المؤكد أن ذلك لا يمكن أن ينسحب على اللغة العربية الفصحى بأي حال من الأحوال، ناهيك عن تصور أن كل البرامج التي تتصل باللغة العربية وموضوعاتها برامج غير ذائعة.. فالأكثر منطقية ومصداقية أن البرامج التي قدمتها أنا كانت تفتقر إلى أسباب الذيوع والانتشار.
أما إذا أردنا أن نتحدث عن أزمة اللغة العربية وقدرتها على التجدد والمنافسة؛ فإن ذلك سيأخذنا مباشرة إلى أزمة الأمة العربية بأسرها في هذه اللحظة التاريخية الراهنة.
ففي ظل تراجع قدرة أي أمة على الإنتاج وتعاظم اتجاهها إلى الاستهلاك؛ تفقد هذه الأمة فعالية الكثير من مقومات هويتها وفي صدارتها لغتها القومية.
* هذه صفات الناقد الحقيقي.
8 – كونك ناقدًا ومتخصصًا في النقد، كيف لنا أن نميز الناقد الحقيقي الذي يمتلك أدوات النقد ويمتلك الذوق والحس المثقف وبين الناقد الهاوي ذي التحليل المزاجي والشخصي؟ 
في نظري أن الفارق بينهما واضح إلى حد بعيد.. فالناقد الحقيقي قادر على اكتشاف النص وتحليله على أساس مرجعية محكمة تستند إلى موهبة الناقد وخبرته وذائقته. كما تستند إلى وعيه بالعلاقات المتشابكة بين النص ومبدعه من جهة، وبينه وبين عصره وبيئته من جهة أخرى، وبينه وبين قيم الفن الأدبي ذاتها من جهة ثالثة؛ وهي الأسس الراسخة التي يفتقر إليها الناقد المزاجي، إن جاز لنا هذا الوصف.
9 – البعض يرى أن النقاد العرب اليوم لا يشعرون بجاذبية نحو القصيدة ولا يكترثون لها، وبدلًا من ذلك يتجهون نحو نقد السرد وبالأخص الرواية.. لماذا برأيك أصبحت القصيدة غير جاذبة للناقد العربي؟
ليس ذلك صحيحًا على الإطلاق.. ففي قناعتي أن حدود الاتكاء على الموهبة والقدرات الفردية الخاصة في نقد الشعر أكبر بكثير من حدود الاتكاء على الضوابط المتفق عليها بين النقاد في نقد الفنون الأدبية الأخرى..
فالشعر بما أنه فن قائم على الإدهاش والتكثيف يحتاج دائمًا إلى الناقد الذي يتمتع بحساسية فريدة في التعاطي مع اللغة والإحساس بها، على نحو يسمح له باكتشاف النص والتفاعل معه.. وربما كان ذلك من أهم أسباب انصراف بعض النقاد عن الشعر إلى فنون أدبية أخرى..
وطبعًا لا نستطيع إغفال أن كثيرًا من التقنيات المعقدة التي تصور بعض الشعراء أنها آية التميز الشعري، كانت سببًا في فقد القصيدة العربية قدرتها على اجتذاب متلقيها بصفة عامة.
10 – “النقد الثقافي” يراه البعض نقدًا بلا منهج أو هوية واضحة والبعض الآخر يراه منهجًا علميًّا وقائمًا بذاته.. إلى أي الفريقين تميل؟
ليس من السهل أبدًا نزع المنهجية عن النقد الثقافي أو التقليل من قيمته، بوصفه فعالية تسعى إلى اكتشاف الأنساق الثقافية المضمرة في النصوص الأدبية.
وعلى الرغم من أن النقد الثقافي لا ينشغل كثيرًا بطاقات الأدب الفنية ولا قيمه الجمالية، في رأيي أن كل محاولة للكشف عن جانب من جوانب النصوص الأدبية وتنويرها، تستحق العناية والتقدير.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود