57
0
266
0
79
1
18
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12042
0
11682
0
10918
0
10050
5
8262
0
إعداد/ حصة البوحيمد
منذ قرون والكتاب الورقي بوابة الإنسان إلى المعرفة، ومفتاح النهضة الفكرية والثقافية.. لكن مع بروز الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ومنصات القراءة الرقمية، بدأ الورق يفقد بعض بريقه. فهل ما زال الكتاب الورقي قادرًا على الصمود في زمن السرعة والشاشات؟ أم أن المستقبل أصبح حكرًا على النشر الإلكتروني والكتب الرقمية؟
فرقد الإبداعية طرحت تساؤلاتها حول مستقبل الكتاب الورقي على نخبة من الأدباء والمثقفين، من خلال المحاور التالية:
1. هل ترى أن القارئ اليوم يبحث عن العمق في الكتاب الورقي أم يكتفي بالمحتوى الرقمي السريع؟
2. معارض الكتب: هل هي احتفاء ثقافي أصيل أم عادة مهددة الزوال؟ وهل تراجع الكتاب الورقي يضعف صناعة النشر أم يفتح أبوابًا جديدة؟
3. كيف يمكن الجمع بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني لخدمة القارئ؟
4. للأجيال الجديدة: أي الوسيطين تراه أقرب.. الورق أم الشاشة؟ ولماذا؟
التزاوج بين الورقي والالكتروني ضرورة
تبدأ حوارنا الكاتبة د. هيله البغدادي مؤكدةً على بقاء الكتاب وأهميته:
ما زال الكتاب الورقي، رغم اجتياح التقنية، يحتفظ بمكانه كفضاءٍ للعمق وملاذٍ للقراءة البطيئة التي لا يتيحها العالم الرقمي المتسارع.. فالقارئ اليوم يتوزع بين من يبحث عن معلومة خاطفة عبر الشاشة، ومن يعود إلى الورق حين يرغب في تأملٍ أعمق وصحبة أطول للنص، بينما يظهر جيلٌ ثالث يجمع بين الوسيطين، فيقرأ هجينًا ويعيش المعرفة بوجهين.
هذا ما نلاحظه في معارض الكتب، فهي من جانبها، تبقى شهادة ثقافية نابضة، ليست للبيع وحده، بل للقاء والاحتفاء وتبادل الوعي. ورغم التحديات، فإنها لا تنقرض؛ بل تتجدد، وتتحول إلى فضاءات تجمع الندوات والورش والتجارب الرقمية التي توسع معنى الثقافة بدل أن تضيقه. أما صناعة النشر، فإن تراجع الورق لا يضعفها بقدر ما يدفعها لابتكار مسارات جديدة تُكمل الورق ولا تنافسه، لقد أصبح التزاوج بين الورقي والإلكتروني ضرورة: ورقٌ للتأمل، وشاشةٌ للسرعة، وصيغٌ صوتية وتفاعلية تقرّب المعرفة من كل قارئ. ومع أن الأجيال الجديدة تميل إلى الشاشة، لكن الورق يبقى الأقدر على صناعة التركيز وتنمية الخيال.
هكذا يثبت الكتاب الورقي أنه لا يشيخ، بل يقف بثباتٍ أمام العاصفة، لأن المعرفة الحقيقية لا تفقد قيمتها مهما تغيّرت الوسائط.
الورقي يفوز في كل الحالات

ويؤكد الروائي والناقد عادل النعمي، على أن الكتاب هو المرتكز للفهم العميق، بقوله: زمن الشاشات وروح الورق، على الرغم من توسع القراءة الرقمية، يبقى الكتاب الورقي المرتكز الجوهري للفهم العميق. فالدراسات المعرفية، ومنها أبحاث ماريان وولف، تشير إلى أن القراءة على الورق تفعّل مسارات ذهنية أكثر تركيزًا، وتتيح بناءًا تراكميًا للمعنى لا يتحقق بالسرعة التي تفرضها الشاشات.. لذلك، لا تتحرك الوسائط الرقمية في دائرة تنافس، بل هي تأتي في درجة ثانية لتلقي المعرفة حتى لو كانت المعلومة بسيطة، فيحتاج القارئ للرجوع للكتاب لمعرفة كيف تكونت ليقتنع بها ويبني بها هويته.
لكن هناك سؤال أزلي: هل سيحل الكتاب الإلكتروني محل الكتاب الورقي؟ مقولة مارشال ماكلوهان وهو مفكر كندي في الإعلام والاتصال، يرى أن الوسيط الجديد يوسع دائرة الاستخدام، لكنه لا يلغي الوسيط الأقدم، سوف تستمر عجلة النشر ومعارض الكتب جنبًا إلى جنب الإلكتروني.
حتى وإن فضلت الأجيال الجديدة الكتاب الإلكتروني أو اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها ستعود دومًا إلى الورق عندما تحتاج تعلمًا مستقرًا.. وهذا يعكس حاجة الإنسان، كما يشير باومن، إلى نقطة رسوخ معرفي وسط عالم سريع التبدل.
وفي منطقة وسطى بين كيف يمكن الجمع بين الكتاب الورقي والكتاب الالكتروني لخدمة القارئ؟ في المعلومة السريعة التي لا تؤثر على قرار أو صحة أو حالة اجتماعية معينة، أو حتى كتب التسلية كالراويات، في هذا لا بأس بالكتاب الإلكتروني، لكن الكتب التي فيها عمق يحتاج إلى عالم الورق.
الكتاب الورقي هو من يفوز في نظري في كل الحالات: في قدرته على ترسيخ الفهم والذاكرة بصورة أعمق وأكثر ثباتًا.
الأبحاث المعرفية تشير إلى أن القراءة على الورق تفعّل إدراكًا مكانيًا ولمسيًا يربط القارئ بالنص عبر عدة قنوات: الوزن، الملمس، موقع الفقرة في الصفحة، طريقة تقليب الصفحات، والمسافة بين العين والسطح، هذه العناصر تخلق ما يسمى الخرائط الذهنية المكانية، وهي آلية لا يوفرها النص الإلكتروني. ما يؤدي إلى نتيجية أن: الفكرة على الورق تُتذكّر أكثر، وتُفهم بشكل أعمق، ويبقى أثرها المعرفي أطول.
ومهما قيل فالكتاب الورقي لا يؤدي دورًا موازيًا للرقمي، بل هو المحور الذي تتفرع عنه بقية الوسائط، والمرجع الذي يحفظ للمعرفة عمقها وأثرها.
رواج دور النشر استمرارية للكتاب الورقي

ويعلق القاص علي المالكي، على محاور القضية، بقوله:
من وجهة نظري أن جيل اليوم عاد للقراءة ولجأ لها الكثير بعيدًا عن تصنيف نوع قراءتهم ما إذا كانت قراءة عميقة في الورقي أم قراءة محتوى سريع يجدونه في الشاشة الإلكترونية؛ لأن المحتوى السريع متوفر أيضًا في الورقي كالقصة القصيرة جدًا، والشذرات وغيرها، وقد جعلت معارض الكتاب وتواجد كثير من الكتَّاب وسط جمهورهم، إما عبر منصات التوقيع أو حتى على صفحاتهم في السوشال ميديا، إقبالًا كبيرًا من أبناء الجيل إلى الانخراط في القراءة واكتساب معارفهم وثقافتهم عن طريقها، وهذا بدوره خلق لدينا فرصة أخرى تبشر باستمرار النشر الورقي متمثلاً في ظهور الكثير من دور النشر بغض النظر عن قيمة ما تنشره، إلا أنها لو لم تجد للكتاب الورقي رواجًا من خلال متاجرها الإلكترونية ومعارض الكتاب بطريقة أو بأخرى تعطي انطباعًا واضحًا بأن معارض الكتاب وما تحظى به من إقبال كبير وفئات متفاوتة عمرياً وثقافياً تعد دليلاً واضحاً على أهميتها لما توفره من كتب وفعاليات مصاحبة؛ لذلك رغم موقفي من ميل المعارض للأدب والرواية بشكل أكبر من غيرها كأن خيار القراء متفق عليه مسبقاً بأن الرواية هي الرائج الأبرز في ذلك. هذا غير الأسعار المبالغ فيها للكتاب الورقي والذي قدم المادة على الفائدة وهذا قد يكون أبرز الأسباب التي تجعل الكثير من القراء محدودي الدخل يلجؤون إلى الكتاب الإلكتروني وقرصنة الكثير من الأعمال، ما سيؤثر بشكل كبير على الكتاب الورقي، ولا أنسى هنا أن أشير إلى ذكاء بعض دور النشر في إخراج الكتاب الورقي بنسخة إلكترونية وبسعر متواضع مقروءاً كان أم مسموعًا وبجودة عالية، وهذه الخطوة أراها سبباً من أسباب إقبال الجيل على القراءة، وقد تدفع بالبعض إلى تناول الكتاب الورقي ولو من باب الحصول على توقيع مؤلفه أو إثبات البعض لمؤلفهم المفضل أنهم قد اقتنوا الكتاب.
طبيعة القراءة ووقتها تحدد الأولوية

ويرى الشاعر د.يحي الزبيدي، أن هناك حالة توازن بين الورقي والتقني، حيث أفاد: لا أحد ينكر مدى التسارع المعرفي والثقافي المتزايد يومًا بعد يوم، وينعكس ذلك على الحياة اليومية، ومن ضمنها القراءة سواءً للدراسة أو البحث أو الهواية أو التسلية أو نحوها. هنا ينبغي ألّا نؤزِّم العلاقة بين محتوى المكتبة الأصيلة ذات الورق الذي يحمل نكهةً ورائحةً وملمسًا عابقًا بروح وجمال الشيء المقروء، وبين الكتاب الإلكتروني الحديث الذي يختصر المسافات ويقرب ما تباعد ونأى وربما استعصى الوصول إليه في زمن التقنية وتطور رتم الحياة.
ولعل طبيعة القراءة ووقت القارئ وتوفر المصدر الأقرب للمعرفة هي ما تتحدد الأولوية هنا، وليس الكتاب من أجل الكتاب أو الشاشة من أجل الشاشة.
ولا أتوقع أن دور الطباعة ستتوقف ولا معارض الكتب من أجل سيطرة نفوذ التقنية، لكن هذا يدعم هذا من أجل وصول المعرفة للمتلقي بالطريقة الملائمة والمناسبة له.
ولعلي هنا أتساءل أخيرًا، والحديث عن الجيل الناشئ وكيف يمكن له الخروج هذا المأزق الذي أراه من وجهة نظري مبالغًا فيه كثيرًا، لكن الذي يهمني هنا أن نركز على ماذا يقرأ وليس كيف يقرأ.
يبقى للكتاب الورقي سحره وعوالمه المثيرة

وتؤكد الشاعرة فايزة سعيد، على أصالة الكتاب الورقي وصموده أمام ثورة التقنية، بقولها:
ما زال وسيبقى الكتاب أساس أي حضارة ومنبع كل فكر ورافداً مهمًا من روافد العلم والمعرفة والثقافة والأدب وركيزة أساسية في تقدم الشعوب والأمم، وطالما هناك كتاب أيضًا هناك عقول تبحث عن الكتاب الذي يشبع فيها نهم المعرفة والعلم والثقافة والمعلومة المفيدة، ورغم سرعة وإيقاع الزمن، لكن يبقى الكتاب العميق هو المطلوب بدليل معارض الكتاب في العالم التي تزدحم بالجمهور من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والإقبال على شراء الكتاب الورقي رغم غلاء الأسعار، أقصد سعر الكتاب الذي يكلف القارئ العادي فوق طاقته المادية ومع ذلك يشتريه، أما عن معارض الكتاب فهي عادة قديمة وسوف تبقى معارض الكتاب قائمة طالما هناك جمهور كثير مقبل على معارض الكتاب وعلى الشراء، ولن تزول إلا بزوال العالم، حتى الأجيال الجديدة إذا وفر لها مناخ ثقافي صحي تجدها هي الأخرى تبحث عن الكتاب وتقتنيه رغم توفر الكتاب الرقمي، بل أصبح منافسًا للكتاب الورقي وبقوة.. ومع ذلك يبقى للكتاب الورقي سحره وجماله الخاص وعوالمه المثيرة.
الورقي والإلكتروني علاقتهما تكاملية

ويشاركنا الحوار الأديب منذر الغزالي، من سوريا: تشهد صناعة النشر تحولات رقمية متسارعة تدفعها لتبنّي نماذج تكاملية تجمع بين مزايا الكتاب الورقي والرقمي، حيث لم تعد العلاقة بينهما تنافسية، بل تكاملية لخدمة القارئ المعاصر. فقد أثبتت حلول مثل توفير الحزم المشتركة (ورقي + إلكتروني) أو إضافة رموز الاستجابة السريعة (QR Codes) في الكتب الورقية أهميتها في إثراء تجربة القراءة، إذ تتيح هذه الرموز الوصول إلى محتوى رقمي تفاعلي الفيديوهات والمقابلات مع المؤلفين. وفي المجال التعليمي، أظهرت الدراسات أن الدمج بين الكتاب الورقي للقراءة المتعمقة والإلكتروني للوصول السريع والتفاعل يرفع من كفاءة التعلم، خاصة مع استخدام تنسيقات حديثة مثل تلك التي تضم الصوتيات والفيديوهات وتربطها بالنسخ الورقية، ما يمنح المتعلم مرونة أكبر في الانتقال بين الوسائط.
أما بالنسبة للأجيال الجديدة، فتشير الأبحاث إلى مفارقةٍ لافتة؛ فرغم نشأتهم الرقمية وهيمنتهم على الشاشات، يفضل غالبيتهم الكتب الورقية في القراءة البحثية، سعيًا لتقليل الإرهاق الرقمي وتعزيز التركيز والذاكرة، إضافة إلى التجربة الحسية الفريدة التي يوفرها الورق. في المقابل، يبقى المحتوى الرقمي خيارهم الأول في القراءة السريعة أو عند الحاجة للتفاعل مع الوسائط المتعددة. هنا يبرز دور المؤسسات التربوية والثقافية في تعريفهم بجماليات الكتاب الورقي وتقديمه ضمن حزم تجمع بين الوسيطين، مع الاستثمار في التقنية لتطوير مهاراتهم وبناء وعي متوازن بين الوسائط المختلفة.
ختامًا، يتضح أن مستقبل القراءة يقوم على تكامل واعٍ بين الورقي والرقمي، لا على صراع بينهما. يحتفظ الكتاب الورقي بمكانته كرمز للأصالة والمعرفة المتعمقة، فيما يمنح الرقمي سرعة الوصول والتفاعل، التحدي اليوم أمام الناشرين والمؤسسات الثقافية هو ابتكار نماذج متكاملة تمنح القارئ حرية الاختيار، وتحيي منصات؛ مثل معارض الكتب للحوار والتواصل، بما يضمن بناء مجتمع معرفي يستثمر في مزايا كل وسيط ويوسع آفاق القراءة للجميع.
تنوع المنصات القرائية يصب في صالح الثقافة

ويرى الشاعر والمستشار محمد عابس* أن القراء يختلفون في اهتماماتهم وأذواقهم، هناك من يهتم بالكتاب الورقي وما زال، وهناك من يهتم بالتقنية الرقمية الحديثة عبر الكتاب الإلكتروني أو عبر ما ينشر في المنصات الحديثة، وهناك من لا يهتم إلا بالمواد القصيرة والسريعة في وسائل التواصل؛ مثل الشذرات والقصص القصيرة جدًا والهايكو والملخصات المتنوعة للكتب.
والاهتمام يختلف من سن إلى آخر والورقي والرقمي يكملان بعضهما، ومعارض الكتب ليست فقط لبيع الكتاب الورقي، بل أهم من ذلك وأكثر، حيث تتنوع المشاركات بين الورقي والرقمي وعقد الصفقات وتطوير مفهوم صناعة النشر ولقاء المبدعين مع القراء إلى جانب الفعاليات المختلفة أدبيًا وثقافيًا وفنيًا.
لذلك معارض الكتب مستمرة وتتطور عامًا بعد آخر والإقبال عليها متزايد، ونجد عدة معارض سنويًا في بعض الدول، وعن كيفية الجمع بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني لخدمة القارئ، يقول الأستاذ محمد: المسألة ذات طابع ذوقي واهتمام شخصي لكل منهما، أو الجمع بينهما سواء للباحث أو القارئ النهم أو العادي، وفي النهاية القراءة وهي الأهم، تتعدد مصادرها لتحقيق الفائدة. ثم إن تعدد وتنوع المنصات وأشكال المنتجات يصب في صالح الثقافة بمعناها الشمولي ويلبي احتياجات ورغبات الفئات القرائية المختلفة.
أما الأجيال الحديثة أراها في الغالب شديدة الاهتمام بالتقنية الحديثة والمنتجات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
المفاضلة بين الورقي والإلكتروني ليست مطلقة

وللأديب عادل عمران من مصر، وجهة نظره الخاصة، حيث قال: من وجهة نظري يرتبط الأمر بعدة محاور تتحكم في اختيار القارئ للكتاب الورقي أو اختياره للمحتوى الإلكتروني. ويأتي في مقدمة هذه المحاور البعد الاقتصادي الذي يشكّل عامل ضغطٍ واضحٍ على الحياة الاجتماعية عامة، وعلى الحياة الثقافية خاصة، بما فيها علاقة الناشر بالكاتب والقارئ.. فتكاليف النشر المرتفعة، في ظل أعباء معيشية متزايدة، تجعل الكتاب الورقي أحيانًا خارج أولويات القارئ ويصبح في وقت من الأوقات من رفاهيات الحياة.
كما تلعب وتيرة الحياة السريعة دورًا محوريًا؛ وتدفع الكثيرين إلى البحث عن المعلومة المختصرة والسريعة التي توفر الوقت والجهد. يأتي أيضًا البعد النفسي للقارئ في قلب هذه المؤثرات فيميل أحدهم إلى الكتاب الورقي وما ينعكس فيه على نفسه من إحساس مادي ووجداني ينبعث من خلال امتلاكه للكتاب بين يديه بتفاصيله المتعددة من غلاف وصفحات وطباعة، ويميل الآخر إلى الإلكتروني، نظرًا لاعتبارات عدة أيضًا، مثل سهولة التنقل به والقراءة من خلاله في أماكن عدة يصعب عليه فيها حمل الكتاب الورقي وإلى البحث عن معلومة سريعة أو اختصار للكتاب، نظرًا لضيق وقته وغيرها من الأشياء.
لذلك، فإنّ تفضيل الورقي على الإلكتروني أو اختيار العكس ليس مسألة مطلقة، بل يتحدد هذا التفضيل وفق طبيعة المجتمع، وطبيعة المحتوى، وطبيعة حياة الفرد وما تفرضه من إيقاعات متسارعة ومختلفة.
وفي الحقيقة تواجه معارض الكتاب تحديات كبيرة، أبرزها المسؤولية الثقافية الواقعة على الحكومات وفي القلب منها المؤسسات الثقافية. فتطوير هذه المعارض أصبح ضرورة ملحّة للحفاظ على دور هذه المعارض بوصفها مكانًا حقيقيًا لإنتاج زخم ثقافي واقعي وفعال يعود أثره على المجتمع بشكل إيجابي.. ويتطلب ذلك دعم دور النشر وصناعة الكتاب الورقي، وتشجيع الكتّاب والمؤلفين ماديًا ومعنويًا، إلى جانب فتح المجال للأفكار الجديدة التي تُعيد تشكيل هويّة هذه المعارض.
كما أن ربط فعاليات المعرض بأنشطة إعلامية وفنية ورياضية من الممكن أن يزيد من حضور الجمهور، لهذه المعارض، ويوسع قاعدة المهتمين، ويجعل الثقافة جزءًا من نمط الحياة اليومية لا نشاطًا محدودًا يقتصر على المجال الثقافي وأهله فقط.
وتقع على العاملين والمهتمين في المجال التكنولوجي الحديث مسؤولية كبيرة لمحاولة تطويع هذه الوسائل الكثيرة للدمج بين الكتاب الورقي والإلكتروني بما يحقق أفضل استفادة للقارئ والكاتب والحياة الاجتماعية والثقافية؛ مثل إنشاء ملخصات إلكترونية أو أبحاث مختصرة للكتب والمصادر الكبيرة، أو توفير نسخ ورقية مصحوبة بمحتوى رقمي تفاعلي يعين القارئ على الفهم السريع.
وهذا العمل من الممكن أن يخلق نموذجًا جديدًا يجمع بين عمق وفهم الكتاب الورقي وسرعة المحتوى الرقمي والإلكتروني.
وإذا نظرنا إلى تاريخ البشرية نجد ارتباطًا وثيقًا بين الإنسان والورق، مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة والحضارات. والكتابة الورقية على مر التاريخ لا تعطي حاجة معرفية فحسب، بل تصنع علاقة حسية وروحية يخلقها ملمس الورق ورائحة الكتب والاتصال المباشر بالكلمات بين الإنسان والكتاب.
وعلى الرغم من التقدم الرقمي الكبير هذه الأيام، فإنّ هذه العلاقة لن تنقطع، ولا أنكر بالطبع تأثرها بموجة التقنية الحديثة والتحول الإلكتروني والرقمي لكن هذه العلاقة تبقى فعّالة بشكل كبير حتى في أكبر المجتمعات تطورًا.
ولعلنا نقول في هذا الصدد، إن الكتاب الورقي وعلاقته بالقارئ قد تتغيّر قوة حضوره ويتذبذب المنحنى بينهما صعودًا وهبوطًا، لكن جوهره سيبقى؛ لأن دوره يتجاوز المعرفة إلى تجربة إنسانية كاملة يصعب أن يلغيها أي شيء آخر.
التعليقات