مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

وفاء عمر بن صديق* ‏في منتصف ليلة دافئة نسبيا في شهر يناير، وعلى صوت قطرات المطر …

صمت سرمدي

منذ سنة واحدة

289

0

وفاء عمر بن صديق*

‏في منتصف ليلة دافئة نسبيا في شهر يناير، وعلى صوت قطرات المطر المدوي على زجاج نافذة شقة في الطابق الرابع استيقظت (حياة) فزعة مذعورة بعد حلم مزعج أقضّ مضجعها، وأفسد رقادها سنين عدة، نفضت عن جسدها الهزيل لحافها، وخرجت مسرعة من فراشها بعد أن وضعت قدميها على أرضية الرخام الباردة. توجهت بذهن مشوش، وقلق عارم إلى المرآة المتواجدة في إحدى زوايا الغرفة، نظرت إليها ولاحظت لأول مرة التجاعيد التي رسمها الزمن حول عينيها الغائرتين الذابلتين المكتسيتين بالأسى، والمرارة المتجذرة داخل صدرها المتمخضة من الذكرى الخامسة لوفاة والدتها المفاجئة. أطلقت تنهيدة عميقة حاصرت روحها قائلة: “في مثل هذه الليلة فقدت أمي، نعم فقدتها وإلى الآن لا أصدق ذلك”. نفرت من عينيها دموع تحجرت داخلهما منذ وقت طويل، رفعت يدها اليسرى؛ لتمسح ما فاض من مقلتيها، نظرت إلى أصابعها، واستنشقت رائحتها، سمعت صوتًا كريهًا أجشَّ يقول: “إن رائحة الموت تفوح من بين أناملنا، تلتصق بأجسادنا، تقتسم معنا تفاصيلنا حتى أشد لحظاتنا صخبا”
‏وفي أثناء ذلك لمحت ظلّا أسودَ خلفها انعكس على المرآة، فالتفتت بسرعة، وبصوت مخنوق قالت: “من أنت؟” نظر إلى عينيها، وانفرجت شفتاه عن ابتسامة صفراء مقيتة، ومدّ ذراعيه الطويلتين كأغصان شجرة يابسة أضناها الظمأ؛ ليطوّق عنقها وكامل جسدها هامسًا في أذنيها “من أنا … تقصدين من نحن؟ نحن رفيقا العمر اللذان يمشيان بخطين متوازيين، ولا بد أن يتقاطعا يوما ما في لحظة مجهولة، يلتقيان كعشيقين أتعبهما السهاد، وأنهكهما الأرق، فقررا التوحد في جسد واحد في صمت سرمدي أبدي”.

*كاتبة من اليمن 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود