مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

محمد عكفي* وقفت كجسد مصاب بحمى الملاريا، يتلبسها الخوف كعباءتها، وهي ترى الكلب ا …

معطف ليلى

منذ سنتين

228

0

محمد عكفي*

وقفت كجسد مصاب بحمى الملاريا، يتلبسها الخوف كعباءتها، وهي ترى الكلب النابح أمامها. 
تكفلا جدارا الزقاق العاليان بإعادة صراخها، فاستخدم الكلب خطة الهجوم خير وسيلة للدفاع. 
تحول النباح  إلى صواء والهجوم إلى هروب من هراوة علي الذي مشى أمام ليلى كقائد فرقة موسيقى عسكرية. 
في مساء الليلة الثانية جنت فلاََ من رديمة البيت ونظمته بشكل دائري ولفت قصاصة ورقة صغيرة ضمنتها عبارة (شكرًا لك لإنقاذي من الكلب) وأحاطتها بقلب أحمر. 
ألحت على أمها بالذهاب لتناول القهوة عند أم علي. 
طق.. طق.. طق 
فتح علي الباب الحديدي المدهون باللون الأخضر وهمس بعد أن عاد للخلف: تفضلوا أمي بالداخل. 
أسقطت عصابة الفل، وشعورها كشعور مراهق أسقط سيجارة أطفأتها راحة يده المقبوضة فجأة. 
تحسسها علي بأنفه قبل أن يلتقطها بيده التي حلت الخيط وفتحت الورقة، فأربك القلب المرسوم باللون الأحمر نبضات قلبه. 
ما شاء الله على بنت جارتنا، أخلاقٌ، طيبة، فارعة قامة، خدودها كورد أحمر متفتح.
تلك الصفات من الأم جعلت الابن يغامر من أجل اللقاء  بليلى.
قامت الجدران وفتحة باب الحديد القابع في نهاية الزقاق المظلم بحفظ وإخفاء همسات اللقاء الأول القصير والمرتبك. لكن حبات رمال الزقاق كان لها رأي آخر لقد وشت بما احتفظت به من بصمات اللقاء، بمجرد انتشار خيوط الصباح استشاط إبراهيم الأخ غير الشقيق لليلى غضبًا، 
دخل عليها بذراعيه المفتولتين جلست تفرك عينيها مفزوعة من صياحه وتهديده. 
صفعها على وجهها  وجرها بشعرها إلى الأرض وهو يقول: الموت ولا العار، غدا سوف ترحلون معي.
اختلط عرق ليلى المتصبب ودمعها المنهمر على فمها الصارخ الذي هبت الأم عند سماعه. 
تراجع إبراهيم للوراء والشرر يتطاير من عينه.  
تجرعت خديجة وأمها مرارة الوداع كعلقم غصتا به. 
بعد وعثاء سفر طويلة استمرت لقرابة الخمس عشرة ساعة وصلوا إلى شقة مكونة من غرفتين وصالة يسكن بها إبراهيم  وأطفاله الثلاثة وزوجته فاطمة التي فحت كالأفعى 
عندما لحقت بإبراهيم إلى غرفة النوم:
وين بينامون؟
– في الصالة. 
استمرت الحياة وليلى منتظمة في واجباتها المنزلية كخادمة منزلية، حتى قامت فاطمة بعرضها على جارتها كسلعة للبيع.
أعجبت بالفكرة وتقدم إخوانها لخطبتها لأبيهم السبعيني. 
رفضت الأم، ضغطت فاطمة على زوجها. 
تملكت الحيرة وجه ليلى وهي تقلب صفحات همومها صفحة صفحة، التي قادتها للموافقة بشروط بعد أن أقنعت أمها التي قالت: من ضيقةٍ إلى ضيقةٍ فرج. 
ظهرت ليلى كوردة يريد بعض حامليها الاستغناء عنها سريعًا ورميها في سلة المهملات، لقد نسيت رقصها دون حفلة في يوم حفلتها ولم تنس عليا الذي حضر في كل أمكنتها إلا الكرسي الفارغ بجوارها. 
كانت في أضعف حالاتها، متصنعةً فرحًا ينازع في الرمق الأخير عندما لامسها جسد السبعيني.  
انكبت على محاضراتها الجامعية وإطار التعب يطوق وجهها بعد أن أصبح زوجها مقعد. 
بعض صدمات القلوب تمنحنا القوة لمواجهة الصعاب التي تعترض طريقنا.
كانت هذه الجملة آخر ما كتبته في اختبارها قبل التخرج. 
عادت إلى البيت فاستقبلتها أمها قائلة: حالة زوجك سيئة اليوم. 
اتصلت على أبنائه وبناته وطلبت منهم الحضور، اتصلت على الاسعاف الذي لم يتأخر لكن الموت سبق الكل. 
تزاوج الحزن والفرح في وقت واحد. 
ببطء مرت أيام الأربعة أشهر من العدة على ليلى، وتبدل بكاء حزنها فرحًا عندما جاءها خبر التعيين.
حملت حقائبها للعودة إلى مسقط رأسها من أجل أن تباشر عملها كأخصائية نفسية في مستشفى المدينة.
أسدلت غطاءها على وجهها، وحدقة عينيها متسعة عندما قامت الممرضة بالنداء على المريض رقم أربعة. 
دخل المريض بجسمه النحيل ووجهه الشاحب
تائه العينين.
جلس على الكرسي مشبكا يديه

– ملفك ياعلي يفيد بأنك تعاني من اكتئاب حاد منذ ما يقارب الست سنوات. كيف حالك الصحي الآن؟

= صوتك كملمس باطن قدم طفل مولود، وقد لامس مسمعي قبل ست سنوات، فكوني ليلى وبمعطفك الأبيض أدفئيني. 

*كاتب من السعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود