309
029
050
052
096
0232
062
4الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11535
04673
04047
173166
0
إعداد_هيا العتيبي – عائشة عسيري
الإهداء عادةً ما يكون مفتاحًا أصيلًا من مفاتيح الكتاب، يحرص الكاتب على إدراجه بين الصفحات بل وابرازه في المقدمة، فهو الرسالة الموجزة من الكاتب لعزيزه القارئ، ويمكنه من خلالها توضيح أو عرض أهمية أحدهم عنده أو يستعرض مكاناً يعني له الكثير. وقد تكون كلمات تظهر أنها عامة وليس لها مدلولًا خاصًا لكنها في الواقع خروج عن المألوف أو النمطية، ليكون بذلك طرقاً جديداً في عالم الإهداءات الظريفة منها والحزينة والعميقة الغارقة بالمشاعر.
وفي هذا العدد الجديد، والمتجدد، لمجلة فرقد الإبداعية نناقش هذه القضية مع ضيوفنا الكرام، من خلال طرح المحاور التالية:
* ماذا تمثل صفحة الإهداء للمؤلف، وكيف ترون قيمة الإهداء للمؤلف خصوصاً وأنه مرتبط بخياراته الشخصية؟
* كيف ترون توجه معظم الإهداءات في مسارات “العرفان والامتنان ” وهل بات ذلك أمراً مستهلكاً ؟
* هناك إهداءات نحو مجتمع بأكمله، ما مدى تأثير غايات المؤلف في نشر معرفته في هذا الجانب؟
* هل الإهداء وسيلة احترافية للكاتب لترويج كتبه، أم أنها شرطًا للعبور إلى مساحات التعريف بالنفس؟
الإهداء تعالق ثقافي بين المبدع والمتلقي
حيث أجاب الدكتور يوسف حسن العارف بقوله: هناك منظوران لمسألة (الإهداء) ومناقشتها كإشكالية معرفية، وسأتحدث تحديداً عن (الإهداء في الكتب الإبداعية شعر، سرد، نقد) فقط دون المعارف والعلوم الأخرى.
وهذين المنظورين هما:
فعلى مستوى المؤلف/المبدع، تعتبر صفحة الإهداء منصة انطلاقة أولية نحو المجتمع القارئ، أو وقفة ارتدادية/ تعبيرية عن الامتنان للآخر أو الآخرين الذي لهم في نفس المؤلف أثراً وتأثيرا.
أما على مستوى الناقد، فصفحة الإهداء إحدى العتبات المهمة للكشف والتأويل. وقد اهتمت بها المدرسة النقدية الحديثة على أنها تمثل خطاباً موازياً للنص الإبداعي ولها تشظيات ضمنية يستطيع الناقد التأويل من خلالها.
ونعود لوجهة نظر المؤلف/ المبدع، فصفحة الإهداء وعباراتها المستوحاة تدل في كثير من تحليلاتها وتأويلها على أنها خيارات شخصية يحتفى بها المؤلف عرفاناً بجميل، أو تذكيراً بموقف، أو تعبيراً عن حالة نفسية شعورية. وخاصة إذا جاء الإهداء للعائلة والأقربين.
بقراءات متعددة لعتبة الإهداء في بعض المدونات الإبداعية (شعر– سرد– نقد)، وجدت أن الخطاب الإهدائي يتجه إلى العائلي بالدرجة الأولى، والمجالين في الفضاء الإبداعي. وفي كليهما يكون العرفان والامتنان والاعتذار والشكر لأياد سابقة، ورغم أن هذه خطابات مستهلكة، ولكنها أثيرة لدى المؤلفين لأنها تعبر عن ذاتية متجذرة/ متشظية في الآخرين!!
وأعتقد أن العموميات في النص الإهدائي آلية كتابية تقادمت وعفا عليها الزمن، ولم يعد المبدع ساذجاً إلى هذا الحد فقد عرف كثير من المبدعين قيمة النص والإهداء أو العتبة الإهدائية في الدرس النقدي المعاصر، وراح يجدد في الخطاب الإهدائي، ويخصص المهدي إليه فرداً أو مجموعة وبذلك يقدم نفسه للقارئ والناقد أنه مبدع مجدد ومتجدد ومتماهي مع القارئ الحديث والمعاصر و لا شك أن صفحة الإهداء الآن – عند كثير من المبدعين – تحولت من صفحة (هامشية) إلى صفحة (متن) ولابد أن تكون دالة على المؤلف وتشكيلاته الفكرية والإبداعية، كما لابد أن تكون موحية ومعبرة عما في العمل الإبداعي ككل، وليست منفصلة عنه. وبذلك تكون هذه الصفحة الإهدائية/ العتبة النصية غائية التوجه، متشظية في مفاصل المدونة الإبداعية. قادرة على التجلي والإبهام أمام قارئ أو ناقد تستهويه هذه الصفحة العتباتية.
وختاماً: فعتبة الإهداء تقليد ثقافي وفني. يتجلى من خلاله التعالقات الثقافية بين المبدع والمتلقي/ القارئ أياً كان الآخر المهدي إليه شخصاُ أو عائلة أو مؤسسة أو جهة ما، كما يتجلى من خلالها السمات الثقافية والفنية والوجدانية لكاتب الإهداء لأن القارئ/ الناقد سيكون أمام عتبة دالة ورامزة ومحيلة إلى شخصية المبدع/ المهدي!، ولهذا فإن الإهداء عتبة اتصال أو انفصال تحمل فكرة النص وتشرح ما فيه وما يوحي به ويجب على المبدع أن يتحرر من الصيغ الإهدائية المستهلكة، ويجدد في العبارات والمضامين الإهدائية وربطها بالنص الذي يحمله هذا العمل الإبداعي.
الإهداء إضاءة أولى إلى فكر الكاتب
ويفيد الكاتب د. أحمد التيهاني معلقاً على محاور القضية: لا يكادُ يخلو مطبوعٌ إبداعي، سواء أكان شعرًا أم نثرًا من الإهداء، وهو نوعٌ من توجيه النّصوص نحو مساراتِها، وتوجيه القارئ إلى الرّسالة التي يريدُ المبدعُ إيصالَها إليه، كما أنّه قد يتضمّن إشارةً إلى المضامين والمذهب؛ وذلك متعلّق بنوع نوع الإهداء الذي يشير بوضوح إلى المذهب والتوجّه والجيل، فضلًا عن دلالته وفهم ماهيّة الجنس الأدبيّ المُهدى، وفهم ماهيّة الإبداع قبل ذلك.
يمكنُ للمستقرئ أنْ يصنّف الإهداءات بغير طريقة، ففيها إهداءاتٌ رمزيّة، وأخرى مباشرة، وفي هذين النّوعين، إهداءاتٌ شعريّة، وإهداءاتٌ نثريّة، ولعلّ تصنيفَها بحسبِ المُهدى إليه يكونُ أوفى، من حيث القدرة على الاستقصاء، وبما أنّني قريب من المبدعين في منطقة عسير، فسأتخذ من إهداءات بعضهم أمثلة على هذا التنوّع، لأخلص – في خاتمة هذه المقالة – إلى دلالة الإهداءات على المذهب الأدبيّ، ومدى الوعي بماهيّة الإبداع، ولوازمه، كاللمح، والرّمز، والإيجاء، وصناعة الظِّلال، وتعديد الاحتمالات، ومن أهمّ أنواع إهداءات الأعمال الإبداعيّة عند مبدعي المدوّنات المختارة، الآتي:
1- الإهداءاتُ الرّامزة المجرّدة: وأعني بها تلك الإهداءات التي تتجهُ نحو المعاني، والأشياء المجرّدة، دون أنْ توحي لغتُها بتوجيهها نحو أشخاص معلومين، أو فئاتٍ مُحدّدةٍ، أو أماكن معروفة، فتتعدّدُ احتمالاتُها، ويتحوّلُ الإهداءُ إلى قطعةٍ أدبيّةٍ مفتوحةٍ على أكثر من معنى، ومن نماذج ذلك إهداء الشّاعر علي آل عمر عسيري لديوانه: “قصائد غاضبة”، حين أهداه إلى شيءٍ يشبه اللغة، لكنّه ليس هي على التّحقيق. يقول نثراً:
“إلى تلك الشجرة الصّامتة..
تلك التي وسعتْني صَبراً..
وأنا أنقشُ جذعَها كلّ مساءْ.. في انتظارِ قصيدةٍ لم تكتمل”.
يصف الأستاذ الدّكتور صالح زيّاد الغامديّ هذا الإهداء بأنّه: “لا ينغلق على شيءٍ بعينه، بل ينفتح على: الاخضرار الحي، والصّمت، والصّبر، ومضارعيّة النّقْش المتّصل كلّ مساء…. ونضْح هذه اللغة، التي تقف قبل الشّاعر، وبعده، وخلال وعيه، وعبر نسيجه الثّقافيّ والفنّيّ”.
ويختارُ الشّاعر إبراهيم طالع الألمعيّ أنْ يهديَ ديوانَه: “سهيل اميماني” إلى ذوي صفاتٍ أرادَها، وأرادَ الموصوفين بها، دونَ أنْ يحدّدَ منهم أحداً، حتّى يصيرَ الإهداءُ إلى كلّ من أرادَ أنْ يستهديَ هذا الدّيوان، سواءً أكانوا من الموتى، أم من الأحياء، أم ممّن لم يُخلقوا بعد. يقول في إهدائه: “إلى الرّاحلين، والقادمين، والأقوياء”.
ومن نماذج هذا النّوع، إهداء محمّد عبدالرحمن الحفظيّ لديوانه: “اشتعال الرّمق”، حين يقولُ شعراً:
لِقِصَّةٍ مُجرَّده..
حَمَلْتُها مِن سابعِ الحُلم الذي
قرأتُهُ لصورةٍ مُحَدَّده..
لِرحلةٍ لنْ تنتهي.. لِنَبْرَةٍ مُغَرِّده
طويتُها في أضلُعِي سِرَّ وُجُودٍ شفّها
مَلِيحَةً ومُفردَه
فلا لَقيتُ طَيْفَها.. ولا بَقَايا عِطْرِها
لأنَّها مُبْتَعِده.
أسألُ.. من يَدُلُّني إلى طريقِها البعيد.
لعَلَّها تُكْمِلُني..
بين الحروفِ المُنشِده.
فهذا الإهداءُ مفتوحٌ على غير معنى؛ ذلك أنّه إهداءٌ إلى قصّة الذّات التي لا تُمكنُ معرفةُ أحداثِها، بل إنّ الشّاعر نفسَه لا يستدلُّ عليها، وقريبٌ منه إهداؤه لديوان: “تباهي”.
2- الإهداءاتُ الموجّهة: وهي التي يستطيعُ القارئ أنْ يحدّدَ من خلالها المُهدى إليه، سواءً أكان شخصاً، أم مكاناً، أم زماناً، أم معنى، وهي تتفاوتُ في أساليبها من حيث: المباشرة، أو الإيحاء، وتختلف في أجناسها بين: الشّعر، والنّثر، إلا أنّها تتّفقُ في كونها تتجه إلى شيءٍ معلومٍ، يصلُ القارئ إليه بشيءٍ قليلٍ من التأمّل أحياناً، ودون عناء في أحايين أخرى، ومن هذا النّوع:
– الإهداء إلى الأقارب: تتجهُ أغلبُ الإهداءات – من هذا النّوع – إلى الأقارب، كالأب، أو الأم، أو الزوجة، أو الأبناء. ومن الذين أهدوا دواوينَهم إلى آبائهم الرّاحلين، يحيى إبراهيم الألمعيّ ، في ديوانه: “من روابي عسير”، وزايد الكناني في ديوانه: “تقاسيم زامر الحي”، أما الإهداء إلى الأمهات فإنّ معيض البخيتان من أوائل الشعراء السّعوديين الذين فعلوا ذلك في ديوانه: “شموخ القرية”، ومثله تركيّة العمريّ التي أهدت ديوانَها: “ترانيم إلى فاطمة العمريّ”، إلى أمّها، والدّيوان كلّه موجّهٌ إلى تلك الأم، ويختار يحيى إبراهيم الألمعيّ أن يفرد زوجته بالإهداء في ديوانه الأخير: “أحاسيس شاعر”، فيما يميلُ بعضُ الشّعراء نحو الإهداء إلى الأب، والأمّ معا، ومن أولئك تركي الزميلي، في ديوان: “مدد”. ويهدي آخرون دواوينَهم إلى الأسرة كاملةً، ومن أولئك: إبراهيم طالع الألمعيّ في ديوان: “هجير”, الذي أهداه إلى أبيه، وأمّه، وأخته، وزوجته، ومحمّد العامر الفتحيّ في ديوان: “قبلةٌ أولى على وجنة الليل”، حين أهداه إلى أمّه، وزوجته، وأبنائه، وبناته.
– الإهداءُ إلى الملوك، والأمراء: وهي إهداءاتٌ تتجه – على الدّوام – إلى الحكّام والأمراء، فقد كتب أحمد مطاعن في إهداء ديوانه: “اصحب الشمس”: “إلى خير سلف الملك فهد رحمه الله، وخير خلف الملك عبدالله حفظه الله”.
– الإهداء إلى الأماكن: يحتلّ المكانُ مساحةً كبيرةً في وجدانات المبدعين ولذا تعدّد لديهم أساليبُ الإهداء إلى الأماكن، ويتفوق في ذلك شعراء البيئات الريفية؛ لأنّ الحنينَ إلى بيئاتِهم الريفيّة يجعلهم يستلذّون العودةَ إليها من خلال منحها قولَهم النّفيس عند ذواتهم، فهذا علي آل عمر عسيري يهدي ديوانه: “رماد الوجه الحنطيّ”، إلى “صبح القرية الذي فقدناه حين نمنا عن الفجر”، فيما أهدى علي حسن الشّهرانيّ ديوانَه: “مشاعر من تمنية”، إلى قريته تمنية، ومثله علي مفرح الثّوابيّ، حين أهدى ديوانه: “وميض الأفق”، إلى “تلك القرية الحالمة على ضفاف وادٍ يفوح بشذى البِرْك والوزّاب والرّيحان…”.
3- الإهداء إلى القضايا: تتجه بعضُ الإهداءات إلى بعض القضايا الثّقافيّة، أو السّياسيّة، لتكون نوعاً من الكشف عن توجّه المبدع الفكريّ، أو السّياسيّ، ومدى تعلّقه ببعض القضايا الإنسانيّة، أو الأممية، ممّا يشبه التّعريف بمضمون الدّيوان. ومن ذلك إهداء الشّعر إلى اللغة التي كُتِبَ بها، كما هو الحال عند صالح بن العمريّ في ديوان: “ريش من لهب”، الذي أهداه إلى اللغة العربيّة. وتأتي القضيّة الفلسطينيّة في مقدّمة القضايا السّياسيّة التي توجّه إليها الشّعراء بإهداءتِهم، فهذا زاهر عوّاض الألمعيّ يهدي ديوانه: “نزيف الشهداء”، إلى “شهداء فلسطين”.
وعليه؛ فإنّ هناك تفاوتاً في إهداءات الأعمال الإبداعية من حيث: الأساليب، والمضامين، ففي حين يتّجه اهتمام بعضهم نحو لغة الإهداء ورمزيّته؛ ليتّسق مع كونه يأتي لافتةً، أو عتبةً، لديوان أو مجموعة أو رواية ذات لغةٍ محلّقة، يغلب عليها الخيال، يكونُ اهتمامُ آخرين بتسمية المُهدى إليه، وهذا الاختلافُ ناجمٌ عن الاختلاف في فهْم ماهيّة الإبداع اللغويّ، وإدراك وظيفته، وفي فلسفته؛ إذ يرى الفريقُ الأوّل أنّ رشاقة العبارة، وجمالَها يمنحان الإهداء قيمتَه الفنّية، ويجعلان القارئ يتنبأ بالمستوى الفنّيّ للنّصوص التي تأتي بعده، ومدى ميلها نحو التّجديد أو التّقليد، فيما يرى الفريق الآخر أنّ لوازم الوفاء تحتّم عليهم التّصريحَ بأسماء من يهدون إليهم دواوينهم، تخليداً وعرفاناً.
والمتأمّل يلحظ أنّ للطريقتين دلالاتٍ تتعلقُ بالنّصوص ذاتها، وبالجيل الذي ينتمي الشّاعر إليه، والمذهب الأدبيّ الذي يُنمى إليه؛ ذلك أنّ المجدّدين – في الغالب – يميلون إلى الطّريقة الأولى، في حين يفضّل أكثرُ المقلّدين الطّريقة الثّانية، وذلك كلّه يؤكّد على أنّ الإهداء بات عتبةً مهمّةً، من عتبات النّصوص، لا تقلّ في أهمّيّتِها عن أهمّيّة العنوانات؛ لأنّها تهبُ القارئ إضاءاتٍ أولى على طريقة الأديب سواءً أكان ساردًا أم شاعرًا، بل إنّها تتحوّلُ إلى جزءٍ من الأدلّة على الاتّجاه الفنّيّ، وطريقة التّفاعل مع اللغة.
القارئ يهمه المحتوى
ويعبر الكاتب محمد أحمد عسيري. عن وجهة نظره حول نص الإهداء بقوله: من وجهة نظري أن صفحة الإهداء يظل لها انطباع خاص لدى المؤلف من الجانب المعنوي تحديدًا. فهي تحمل بين سطورها في الكثير من الأحيان “العرفان”لكل من شارك وتعاطف معه للخروج بالعمل للقارئ.
لا أعتقد أنها تميل للجانب التعريفي أو التسويقي للكاتب، وليست بذات أهمية المقدمة التمهيدية للعمل. ولكنها محفزة إذا كان نوع الإهداء خارج عن المألوف وغير نمطي.
في العموم صفحة الإهداء تمثل للمؤلف جزء أصيل قد لا يعني غيره. وربما هي الصفحة الوحيدة من الكتاب التي تخصه وتكون له حتى بعد طباعة الكتاب وتداوله. لذلك بعض النقاد عند تناول الكتاب يتجاوز صفحة الإهداء بهدوء بحجة أنها شأن شخصي يمس روح الكاتب.
وفيما يخص المجتمع في اعتقادي أن صفحة الإهداء قد لا تعني كثيرا للمجتمع فيما لو كان المحتوى غير ذي قيمة. المجتمع يهمه نظرة الكاتب له من خلال الأفكار والمحتوى القيم. فلا أظن أن الإهداء سيكون له ذلك الزخم المعرفي الكبير الذي قد يجذب المجتمع أو يلهمه.
الإهداء لأهل الفضل.. باب ثابت من أبواب الكتاب
ويقول القاص. أحمد إسماعيل زين: ــ بالنسبة لي ـ وكذلك جميع الأجوبة التالية هي أرائي وقناعاتي الشخصية ـ تمثل صحفة الإهداء بوابة أولية، مثلها مثل العنوان الرئيس للمُؤلف، يلج من خلالها القارئ إلى عوالم النصوص، وإلى أسلوب الكاتب من أول صفحة بالكتاب. وقيمة الإهداء عظيمة للمؤلف وبالذات إذا كان موجهاً إلى أم فقدتها بعد الولادة ولا تعرف عنها شيء، وأب في عز احتياجك له كسر ظهرك بموته، وقريب لم تستطع الوفاء بفضله عليك، وزوجة/ زوج، وأبناء تحملوا مزاجاتك الكتابية المتقلبة العكرة، وإلى إنسان آمن بموهبتك ومد لك يد العون لتحقيق حلمك، أو حتى إلى أماكن استقيت من عبقها إبداعك الكتابي، من كل هذه الأشياء يكتسب الإهداء قيمته العظيمة، ويشعر المؤلف أنه قدم لهم الخلود بالنزر القليل من حقهم عليه من خلال الإهداء.
وينفي الأستاذ أحمد مبدأ الاستهلاكية في إهداءات العرفان بقوله:
ــ هذا الشيء ـ الأمر الذي بات مستهلكاً ـ يقال عن المقدمة التي يستغل من خلالها المؤلف شهرة كاتب المقدمة لتكون له تأشيرة عبور للقراء، وليس عن الإهداء الذي يعتبر أقل واجبات العرفان والامتنان الذي يقدمه المؤلف لأصحاب الفضل عليه، فعلى سبيل المثال لا الحصر: حين أهديت مجموعتي القصصية الأولى لأمي وأبي المتوفيين وكذلك لعمتي شقيقة أبي الأرملة التي ربتني كابن لها وتوفيت وأنا في سن المراهقة لكي يترحم عليهم القراء معي، وأهديتها للأستاذ القدير/ عمر طاهر زيلع، الذي انتشلني من إحباط كدت من خلاله أحرق كل ما كتبته من نصوص، ووقف معي مشجعاً ومساعداً إلى أن صدرت المجموعة القصصية، عرفاناً بفضله عليّ يعتبر أمر مستهلك؟ وكذلك حين أهديت المجموعة القصصية الثانية لزوجتي وأبنائي عرفاناً بفضلهم عليّ، ولأزقة حيّنا التي صدر بحقها أمر إزالة. وحين أهديت المجموعة القصصية الثالثة لجدتي (مريم) ـ يرحمها الله ـ أم أمي التي كانت تربيني وأشقائي عوضاً عن أمي المتوفية بعد ولادتي، وزواج أبي بأُخرى، ولجدتي (فاطمة) أم أبي التي توفيت ـ يرحمها الله ـ في حادث دهس وهي تحملني ذاهبة إلى السوق، واللتان كانتا تحكيان لنا الحكايات والقصص والأساطير الشعبية لننام في ليالي الأرق، عرفاناً بفضلهن المفقود في عصرنا الحالي يعتبر أمراً مستهلكاً ؟! أظن أن هذا السؤال ـ من وجهة نظري المتواضعة ـ بحاجة إلى إعادة صياغة مناسبة.
ــ أذكر أن أحد الكتاب أهدى مجموعته القصصية الأولى إلى مجموعة كبيرة من الأشخاص والأماكن المميزة والبارزة في مجتمعه، وبكل صراحة غبطته على هذا الإهداء الذي قدمه لهم حين تذكرت أن هناك أشخاص يستحقون مني الإهداء على فضل وقفتهم معي في مسيرتي الكتابية وأنستني نشوة الإصدار من ذكرهم، وفي نفس الوقت أشفقت عليه لو كان نسي إنسان أو مكان ـ مثلي ـ من الإهداء. أما بالنسبة للغايات والنوايا فلا أملك حق الحكم عليها.
ــ وفي الإجابة عن المحور الرابع يقول: أعيد وأكرر ما ذكرته في السابق عن هذا السؤال، وهو أن هذا السؤال خاص بالمقدمة التي يكتبها كاتب شهير عن كتاب ـ رواية، مجموعة قصصية، ديوان شعري ـ المؤلف، وتنشر في الصفحة الأولى من الكتاب الصادر، وينشر جزء منها على الغلاف الخارجي الأخير من الكتاب، وليس خاصاً بالإهداء الذي يكتبه المؤلف في أول صفحة للأحبة. ورغم ذلك تعتبر كلاهما، المقدمة المكتوبة عن المنتج، والإهداء المكتوب من المؤلف، سلاح ذو حدين للمؤلف: أما وسيلة احترافية للكاتب للترويج لكتبه يعرف من خلالها القارئ أسلوب الكاتب المشجع له على مواصلة القراءة والمتابعة للمؤلف وإصداراته، أو أن ما كتب عنها ونشر في مقدمتها مجرد مجاملة دعائية تشجيعية للكاتب وإصداره.
الإهداء تقليد دأب عليه المؤلفون
وللشاعر والروائي عبدالخالق الحفظي رأيه في صفحة الإهداء حيث قال لصفحة الإهداء أهمية لدى المؤلف فهو يعتني بها وبصياغة النص ويختار الأجمل كاختياره لعنوان مُؤلَّفه ولا يقل أهمية لديه عن المقدمة والمحتوى.
والإهداء هو أول ما يلفت نظر القارئ والمُهدى له سواءً صفحة الإهداء الثابتة إن وجدت أو الإهداء الخاص والشخصي والذي يختلف حسب الأشخاص والعلاقة.
ويعلق الأستاذ عبدالخالق على المحور الثالث بقوله: هذا صحيح إلى حد ما، ومن وجهة نظري أن الإهداء يجب أن يكون نصاً إبداعياً لا سيما إصدارت الشعراء والأدباء ويتكامل مع المقدمة والمضمون.
وربما فقط يُضمِّنُ إهداءه بعض اللمحات عن محتوى الكتاب ومضمونه.
أما عن فكرة أنه ترويج أم تعريف فيقول:
لا أظن ذلك فالإهداء تقليد دأب عليه المؤلفون وتطورت أساليبه.
عامل تحفيز للكتاب الجدد
وترى الصحفية والقاصة مسعدة اليامي: أن الإهداء مثل شذى وردة تتفتح في قلب المهدى لهُ، فهي عامل تحفيز للكتاب الجدد، يدفعهم ذلك إلى أن يقدموا أجمل ما عندهم، و خاصة إذا قُدمت أعمالهم إلى نقاد وصحفيين ومثقفين لهم وزنهم في المشهد الثقافي المحلي والعربي، بالإضافة أن من كرم تقبل تلك الهدية التي تشعرك بحجم المسؤولية تجاه الشخص الذي قدم لك عملهُ أن تقوم على قراءتهِ و تكتب عنهُ ما يستحق، ولا يخفى على أحد الإهداء من وسائل التعارف، و يساعد على انتشار الأعمال الجيدة من خلال ذلك التبادل، المهم أن تقدم هديتك لمن يتناسب معه منتجك، فمن غير المعقول أن يكون المنتج ثقافي وأقدمه هدية لصحفي مهتم بالكتابة عن الرياضة، كما أرى أن عملية الإهداء تشجع على القراءة، و يظل الإهداء من أجمل وسائل المحبة فما بالك عندما تكون الهدية كتاب، فأنت بذلك تصيب المحبة والمعرفة معاً، ولا أظن أن ذلك يقاس بأي درجة من درجات المادة، كون ذلك الفعل من ناحية، تقدير واحترام لمكانة الشخص، وطريقة حضارية علمية منظمة سواءً كانت الهدية مقدمة شخصياً أو عبر معارض الكتب الدولية.
زهرة الكتاب وتكرار عبارات مستهلكة يقلل منه
وللكاتب محمد شيخ إدريس من السودان رأيه في الإهداء حيث أفاد: بأن الإهداء بمثابة زهرة أو عطر بكلمات جميلة ومختزلة للتعبير عن شكر وامتنان المؤلف لمن وقف معه في تأليفه وإصداره للكتاب، ويستحقها كل من وقف مع المؤلفين عموماً وهي رسالة توحي بأهمية الوقوف مع أي مؤلف، فالإهداء له قيمة وجدانية عميقة للمؤلف لأنه عرفان بفضل تم تقديمه له؛ ولكن بات الإهداء أمراً مستهلكاً لتكرر عبارات الثناء، لابد للمؤلف أن يأتي بصياغة جديدة وعبارات منتقاة وغير مكررة على ألا يذكر أسماء كثيرة، وأعتقد أن الإهداء يختلف حسب نوع الكتاب والجمهور المستهدف واستهداف مجتمع كامل يوحي بأن رسالة المؤلف شاملة ولها أثر كبير وواسع. والإهداء الاحترافي الذي يحمل قيمة ما سيدعم الكاتب ويجذب القارئ.
حالة نفسية وذهنية للكاتب
وترى الصحفية والقاصة سعاد عسيري: أن الإهداء تقليد قديم. يخطه الكاتب ببواعث شخصية نفسية. صفحة بيضاء يقتطعها الكاتب من المتن ليبث فيها بعض من امتنان.. وهو يخص الكاتب إلا أن يخرج للمتلقى، كأنما الكاتب يشرك المتلقي في تقديم ذلك الإهداء فهو شريكه في اكتمال العملية الإبداعية طالما أن المنجز الإبداعي بالأساس هدية من الكاتب إلى المتلقي. إذًا هي حلقة العملية الإبداعية التي لا تنفصل عن بعضها.
وبالطبع الإهداء يعكس الحالة النفسية والروحية للكاتب كما العملية الكتابية لا يمكن فصلها عن فضائها الزمكاني طالما أنه لا يخرج المنتوج الإبداعي من سياقه سوى كان شعراً أو نثراً أو سرداً، وتختلف الأوساط الأدبية حول قيمة الإهداء وعلاقته بالنص. هناك من يرى أنه فذلكة أدبية. حاشية لا يقوم عن عمد النص وهو لا يعني المتلقي في شيء لذلك يمكن الاستغناء عنه، وهناك من يرى أنه جزء أصيل من النص وهو مدخل له (جيرار جينت). النقد الحداثوي في نظرية التلقي يحتفي بالإهداء ويعتبره جزءً دالاً من النص. عتبة نصية لها أهمية مثل الغلاف والعنوان والعتبات الداخلية للنص.
كتبت إهداء في مجموعتي القصصية الأولى (الرقص على رصيف الأحلام) التي أهديتها لـ نادي أبها الأدبي في يوم القصة القصيرة لمجموعة من الأدباء أمثال الروائي عبده خال، و الروائي جمال الدين علي، وبعض كتاب القصة القصيرة). والثانية (ظل عاشق). تحت الطبع لأناس أشعر تجاههم بالامتنان وأردت أن يكون ذلك على الملأ أمام قارئي الذي أحبه وأعتز به.. وهذا يشعرني براحة نفسية كبيرة.
وكما ذكرت سابقًا الإهداء يعكس الحالة النفسية والذهنية للكاتب في فضاء زمكاني وهذا الفضاء يقوم الكاتب بهدمه وتفكيكه وإعادة بنائه وفقاً لخياله وروآه، وهنا نجدنا نتحدث عن عالم السرد فهو عالم خيالي يتخلق في مخيلة الكاتب المبدع ويبث فيه من روحه ويلقنه كل معارفه وتجاربه في الحياة. قد تكون هذه موجهة إلى شخص أو شخوص أو مجتمع وكلها تخدم قضية الفن والإبداع.
وتعليقاً على مبدأ الإهداء للترويج تقول القاصة سعاد:
لا أعرف كاتباً عمد إلى تسويق منتوجه الإبداعي من خلال الإهداء أو التزلف لأحدهم، المنجز الجيد هو الذي يسوق نفسه. غير أن ثمة إهداءات توقفت عندها كثيراً وهي لا تخلو من دهشة ومتعة (إلى مارسيدس).إهداء غاية في الرومانسية سطره ماركيز يوماً إلى زوجته، ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من عبارات صادمة ربما تكون مقصودة (إلى كل الأوغاد في العالم) عبده خال.
التعليقات