18
041
0132
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11822
04785
04756
04676
04416
17
إعداد_هدى الشهري
عروة بن الورد العبسي، شاعر جاهلي، كان فارسًا من فرسان الجاهليّة المعدودين، وقد كان لأبيه دور كبير في حرب داحس والغبراء، ويعود الشاعر في نسبه إلى شجرة من نسب منيف، فزاد أنفته من رفعة قدره، حتّى قال عبد الملك بن مروان: “ما يسرّني أنّ أحدًا من العرب ولدني ممن لم يلدني إلا عروة بن الورد”.
كان عروة من الفرسان المعدودين الذين تشهد الصحراء لهم ببطولاتهم ومغامراتهم، كما اشتهر بجوده وكرمه، وحسن خلقه، وقد قال عبد الملك بن مروان في جوده: “من زعم أنّ حاتمًا أسمحُ النّاس فقد ظلم عروة بن الورد”، وقد كان عروة من الصعاليك المعدودين المقدّمين.
والصعاليك مصطلح عربيّ قديم انتشر في أيام الجاهلية، وهو اسم يُطلق على ثلَّة من الرجال العرب، ينتمون إلى أكثر من قبيلة، عاشوا في الجاهلية، وكانوا خارجين على سلطة القبيلة، فهم في الأصل لم يعترفوا بها، مما عرَّضهم للطرد من قبائلهم، ولاشتراكهم في المعاناة نفسها، اجتمعوا وعاشوا معًا في البادية بعيدًا عن أعين الناس، ومن الجدير بالذكر أنَّ الصعاليك كانوا شعراء مجيدين، رُويتْ عنهم قصائد من عيون الشعر العربي، ومن أشهر هؤلاء الشعراء الصعاليك: الشنفرى، تأبط شرًّا، والسليك بن السلكة، وقيس الخزاعي، وشاعرنا، حيث نظموا شعرًا كثيرًا يوثق بطولاتهم وانتماءهم للفقراء، وفخرهم بأنفسهم وأفعالهم.
ومما ورد فى كتاب (الأغاني) لأبى الفرج الأصفهانى قوله: “كان عروة بن الورد إذا أصابتِ النَّاس سنى شديدة تركوا فى دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته فى الشدة، ثمَّ يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف ويكسبهم، ومن قوى منهم -إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوبُ قوته- خرج به معه فأغارَ، وجعلَ لأصحابِهِ الباقين فى ذلك نصيبًا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهلِهِ وقسَّم له نصيبَهُ من غنيمةٍ إنْ كانوا غنموها، فربَّما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سُمّي عروة الصعاليك”، وقد أورد المبرد في كتابه (الكامل في اللغة والأدب)، أنه اشتهربـ”عروة الصعاليك” حيث يقول:
لحا الله صعلوكًا إذا جن ليله مصافي المشاش آلفًا كل مجزر
ينام ثـقـيلًا ثم يصبح قـاعـدًا يحت الحصى عن جنبه المتعفر
يعين نساء الحي مـا يستعنـه فيضحي طليحًا كالبعير المحسر
ولكن صعلوكًا صفيحة وجهه كضوء سـراج القـابـس المتـنـور
وقد تسبب انحياز الشاعر للفقراء والصعاليك وحنوّه عليهم، في إضعاف رباطه الأسري والعائلي، فحاربه أقاربه بسبب طريقة عيشه وحياته التي خصصها للمساكين، كما لامته زوجته في كثير من الأحيان على مغامراته وبذل نفسه وماله من أجل الصعاليك، ما تسبب له باضطراب حياته الاجتماعية، حيث واصل قضيته التي نذر نفسه لها؛ لشعوره الكبير بالظلم، الذي ولد عنده حسّ التمرد فوجد في الصعاليك حُضنًا دافئًا له يُغنيه عن دفء القبيلة؛ لذلك تمرد على العادات وجعل من السلب سببًا لعيشه.
كانت قصائد ابن الورد كلها كما في الشعر القديم موزونةً، إذ اختار من القوافي أعذبها وأجملها، ومثال ذلك قوله:
وَلا يُستَضامُ الدَهرَ جاري وَلا أُرى كَمَن باتَ تَسري لِلصَديقِ عَقارِبُه
وَإِن جـارَتي أَلـوَت رِيـاحٌ بِـبَيـتِـهـا تَغافَلتُ حَتّى يَستُـرَ البَيـتَ جـانِـبُه
وقوله:
أَقِلّي عَلَـيَّ اللَـومَ يا بِنـتَ مُنــذِرٍ وَنامي وَإِن لَم تَشتَهي النَـومَ فَاِسهَـري
ذَريني وَنَفسـي أُمَّ حَسّـانَ إِنَّـني بِهـا قَبـلَ أَن لا أَمـلِـكَ البَيـعَ مُـشـتَـري
أَحاديثَ تَبقى وَالفَتى غَيرُ خالِدٍ إِذا هُـــوَ أَمــســى هـامَــةً فَـوقَ صُـبَّرِ
ومن أغراضه الشعرية الفخر، وهو عند الصعاليك لم يكن مقصودًا لذاته، وإنّما كان تعقيبًا على جملة من الأفعال التي يفتخرون بها، ومن ذلك قوله:
فِراشي فِراشُ الضَيفِ وَالبَيتُ بَيتُهُ وَلَم يُلهِني عَنهُ غَـزالٌ مُـقَنَّـعُ
أُحَـدِّثُـهُ إِنَّ الـحَـديـثَ مِـنَ الـقِـرى وَتَعلَمُ نَفسي أَنَّهُ سَوفَ يَهجَعُ
كما كثر لديه الاعتزار بالقبيلة، وهذا مبدأ خالف فيه الصعاليك، الذين يكونون في حالة تمرد على القبيلة، فيقفون في وجه العادات والتقاليد ويعتبرون أنفسهم قوةً مماثلةً لقوة القبيلة، لكن شاعرنا كان من الصعاليك الذين يهتمون بشأن القبيلة ويعتزون بها اعتزازًا بالغًا، إذ يقول:
لِكُلِّ أُنـاسٍ سَيِّـدٌ يَعرِفـونَـهُ وَسَيِّدُنا حَتّى المَماتِ رَبيعُ
إِذا أَمَرَتني بِالعُقوقِ حَليلَتي فَلَم أَعصِها إِنّي إِذًا لَمَضيعُ
أما الغزل فلم يكن شائعًا كثيرًا في شعر الصعاليك، لكن استطاعوا أنْ يُسطروا صورًا جميلةً في ذلك الغرض، بعيدًا عن الغزل القبيح، وكانت ألفاظه مستحسنة، ومثال ذلك قوله:
إِن تَأخُذوا أَسماءَ مَوقِفَ ساعَـةٍ فَمَأخَـذُ لَيلـى وَهـيَ عَـذراءُ، أَعجَبُ
لَـبِسنـا زَمانًا حُسنَـهـا وَشَبابَها وَرُدَّت إِلى شَعواءِ، والرأسُ أشيـبُ
تميز شعر الصعاليك ومنهم عروة بكثير من الميزات، ومنها كثرة الوصف، فقد كانوا يصفون كل شيء مثل مشاهد الصحراء وما فيها من نبات وحيوان، بدافع حبهم للصحراء وتآلفهم معها، كما وصفوا غزواتهم وهجموهم على القبائل، وكانوا يكثرون من اتباع الأسلوب القصصي، فمما يُذكر أنّ القصة الشعرية ازدهرت واكتمل معناها في شعر الصعاليك.
كما امتاز شعرهم بغرابة الألفاظ وواقعيتها، فقد كانت قصائدهم سجلًا للأحداث والحياة الشخصية، فسجّل كل شاعر خواطره ضمن حياته ومعيشته، والمواقف التي يتعرض لها.
ومن الملاحظ امتلاء شعرهم بالزهو والخيلاء، والذي يبدو في ظاهره فخرًا، لكنه قد يحمل شيئًا عميقًا يتعارض مع الفخر، وكذلك الذاتية، حيث إن ذاتيتهم ليست كالذاتية المُتعارف عليها، بل هي ذاتية حية، وقد تكون متحركة ومعقولة في آن واحد، وهذه جميعها يغلفها التجربة والصدق، فحديثهم في غالب الأمر يكون حديث المجرب تجربة حقيقية بما عاناه وأحسه.
أما شعر عروة، فقد عُرِف بقوة الأبيات التي ينسجها، ومناسبة الألفاظ للأغراض الشعرية التي قصدها، كما أنّ الأصوات المتوسطة سيطرت على قصائده، حيث لم يمِل كثيرًا للأصوات الشديدة ونادرًا ما استعمل الأصوات الرخوة، وقد تشبعت قصائده بالإيقاع الداخلي الذي نتج عن تناغم الأصوات مع بعضها وانسجامها بشكل جميل ما بين الجهر والهمس، كما أنّه نسج أشعاره على بحور شعرية مختلفة، ومثال ذلك قوله:
سَلي الطارِقَ المُعتَرَّ يا أُمَّ مالِكٍ إِذا ما أَتاني بَينَ قَدري وَمَجزِري
أَيُسفِرُ وَجهـي إِنَّـهُ أَوَّلُ القِـرى وَأَبذُلُ مَعروفـي لَهُ دونَ مُنكَـري
ومن الملاحظ تنوع الصور الشعرية في قصائد عروة، حيث تظهر كلوحة فنية خطها الشاعر للتعبير عمّا يجول في خاطره بأبلغ الطرق وأبسطها وأسهلها، كما تركت الحالة النفسية التي كان يعيشها الشاعر تأثيرها على البنية الصرفية في شعره، وما كان يُعاني منه أثناء قول القصيدة، ومثال ذلك قول عروة في سيفه:
لِسانٌ وَسَيفٌ صارِمٌ وَحَفيظَةٌ وَرَأيٌ لِآراءِ الرِجالِ صَروعُ
لذا فقد استحق عروة أن يأتمَّ الشعراء به، كما قال الحطيئة: “كنّا نأتمّ بشعر عروة بن الورد”.
وسأورد بعض الآراء في شاعرنا، ومن ذلك ما قالته المؤلف (أسماء أبو بكر محمد) في شرحها لديوان عروة: “يُمكننا القول إنّنا أمام شاعر مُجدّد خرج عن أُطُر النمطية التقليدية، وهذا ملائم لرجل منطلق حرّ يرفض السلطة والتسلّط.. فقد خرج شعر عروة بعيدًا عن التقليديّة إلى آفاق رحبة وإلى أغراض إنسانيّة سامية”.
ويقول الأمين محمد عبد القادر في كتابه (القيم الاجتماعية والفنية في شعر الصعاليك): “إنّ عروة بن الورد وأصحابه يرون أنّ السيادة تتأتى بمكارم الأخلاق، وهم لا يُريدون أنْ يشعروا بوضاعة أنسابهم أو إملاقهم أو حاجتهم للمجتمع”.
وسأختم مقالتي هذه بأبيات استوقفتني له، لما تحمله من جميل المعاني، وفيها يقول:
إذا آذاك مـالـك فـامـتـهـنـه لجـاديـة وإن قـرع الـمـراح
وإن أخنى عليك فلم تجده فنبت الأرض والماء القراح
فرغم العيش إلف فناء قوم وإن آسوك والموت الـرواح
التعليقات