29
048
051
095
0232
060
4الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11530
04673
04046
173166
0إعداد_أحلام شعبان
غيرت موجات التقنية كثيرًا من الوجه الحقيقي للكتابة وسط دخول الذكاء الاصطناعي وغيره، وتراجع المحتوى الحديث من حيث الجودة والمضمون والإبداع.
الأمر الذي تسبب في وجود تحديات مختلفة من حيث الاعتماد على محركات البحث والاقتباسات المسروقة والكتابات المبرمجة تقنيًّا والأخطاء اللغوية الشائعة والإنتاج الأدبي الضعيف، مقارنة بالأسس والمنهجية الثقافية التي تراجعت بفعل الصورة المعلوماتية.
من هذا المنطلق مجلة فرقد الإبداعية ناقشت الموضوع من عدة جوانب من خلال المحاور التالية:
– ما التحديات التي أسهمت في ضعف المنتج الثقافي المعتمد على التقنية؟ وكيف نحافظ على جودة الكتابة الإبداعية في ظل الثورة التقنية وما تحمله من محتوى جاهز وإنتاج ضعيف مقارنة بالإبداع البشري؟
– ما اتجاهات التطوير والإبداع التي يجب أن يحافظ الأديب والمثقف على أصالتها وخروجها من سيطرة التقنية؟
– كيف تتم المواءمة بين التقنية والكتابة الإبداعية البشرية المحضة وتسخير المعلوماتية في خدمة العمل الثقافي دون التقليل من جودته؟
* على المثقف رفع كفاءته التقنية
يفتتح حوارنا حول القضية الشاعر الأستاذ إبراهيم الشتوي مؤلف كتاب “مسارب ضوء البدر“ بقوله:
يعاني المنتج الثقافي في عصرنا الحاضر من تحديات كبيرة، وتحديدًا بعد الطفرة الرقمية والتكنولوجية التي سيطرت على العالم، فأصبح صناع المحتوى الثقافي في مواجهة صعبة وتحدٍ كبير أمام هذا الزخم التقني الذي يواجهونه، فساهمت الثورة التقنية والذكاء الاصطناعي في تشكيل مواجهة حقيقة أمام الاتجاهات الثقافية والإبداعية، وللمحافظة على جودة الكتابة الإبداعية كمًّا وكيفًا يحتم على المثقف أن يجاري هذا التطور برفع الكفاءة التقنية والمهارة الفنية الفردية لديه، وزيادة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة وتقنياتها، وأن يكون مطلعًا أولًا بأول على كل المتغيرات الجديدة، ليواكب هذا التقدم فنيًّا وإبداعيًّا.. بمختلف أنواعه، مع أهمية تفعيل دور التكنولوجيا في المجال الثقافي والمؤسسات الثقافية عمومًا.
إن أهم اتجاهات التطوير والإبداع يجب أن تنطلق من داخل المثقف أولًا، والذي بدوره يشكل الهوية الثقافية للمبدع، ويمر ذلك بعده مراحل منها الاكتشاف والتحديث والتطوير لكي يتمكن من السيطرة بشكل أفضل وإبداع أمثل للمنجز الثقافي عمومًا، كذلك لا نغفل عن العمل المؤسسي الثقافي من وزارات وهيئات ودور نشر ووسائل إعلام لصناعة رؤية ثقافية موحدة تواجه هذه الثورة التقنية التي يمر بها الحراك الثقافي عمومًا.
يجب أن يكون هناك مواءمة بين الكتّابة الإبداعية من جهة والتقنية من جهة أخرى، لنحصل على تحسين جودة المحتوى وتطوريه، ويحدث ذلك في إدخال تغييرات جذرية على الأساليب التقليدية والمتبعة سابقًا، وتحديثها بإضافة عناصر جديدة ومبتكرة تواكب العصر التقني، خصوصًا الذكاء الاصطناعي الذي أصبح له حضور كبير في المجال الثقافي والفني المعاصر.
* التوليد التقني تحنيط وتجميد للإبداع
وأبرز ما جاء في حوارنا رأي الشاعر عضو نادي جازان الأدبي، وعضو جمعية الأدب الأستاذ جبران محمد علي قحل، حيث أفاد:
نتفق جميعًا على أن التطور التقني المتسارع الذي شهده العالم في العقدين الأخيرين أحدث تغييرات ونقلات كبيرة وسريعة، أضفت على الحياة راحة وسهولة وأوجدت حلولًا لكثير من العقبات والتعقيدات ووفرت الكثير من الوقت والجهد، ولا نستطيع أن ننكر أن ذلك أحدث انعكاسًا على المشهد الثقافي وأسهم في إيصال المعلومة ونشر المعرفة ومكن من تشاركها وتبادلها بشكل أسرع وأعم، وساوى تقريبًا بين حظوظ المستفيدين منها ومنح الباحثين والمهتمين فرصًا لم تكن متوفرة أو ميسورة من قبل.
لكن هذا التأثير الإيجابي إذا تحقق فيما يتعلق بخدمة الثقافة من الناحية الصناعية المادية أو اللوجستية، إذا صح التعبير، وساعد في تنشيط حركة البحث العلمي والنظري والتأليف والطباعة وصناعة أقنية المعلومات، فإنه يظل محدودًا وقاصراً وربما مؤثرًا سلبًا فيما يتعلق بالإبداع خاصة الآداب والفنون، فالشعر والرواية والرسم والموسيقى وكل منتج ثقافي إبداعي قد يستفيد من التطور التقني في النشر والتوزيع وتعريف المتلقي وتوفير الأوعية التي تقدمها له على نطاق أوسع وأيسر، لكن هذه التقنية لا تستطيع أن تنتج عملًا إبداعيًّا بالمستوى الذي ينتجه العقل والروح البشرية، ولا ننكر أيضًا أن هناك أعمالًا بدأت تظهر عبر توليدها من خلال برامج الذكاء المصطنع، ويدعي مولدوها وداعموها تصنيفها ضمن الإبداع البشري، لكنها في حقيقتها أشبه بالأزهار البلاستيكية والدمى، لأنها تتسم بالجفاف والصنمية، فهي نتاج مقاربات وتجميع آلي بحت، يستظهر ويقارب ويحشد مهما بلغت درجة إتقانه، وليس نتاج تراكم خبرات وتجارب تشربتها ذات بشرية حية تفكر وتحس وتتفاعل، ثم أخضعتها لمعالجة عقلانية وروحية وخيالية، وإفرازها بعد ذلك في قالب إبداعي جديد يعكس خصائص وشخصية هذه الذات الحية ويميزها عن غيرها، بحيث تنفرد كل ذات عن الأخرى في طرائق وسمات ومستوى ما يصدر عن معالجاتها من إبداع.
ولا شك أن العالم ككل وليس المشهد الثقافي بمعزل عنه، ما زال يعيش مرحلة اندهاش وانبهار بالتطور التقني المطرد تجعله متحمسًا لكل جديده، ومستقبلًا لتأثيره بانطباع الفضول كما هو حاصل من انتشار برامج الذكاء المصطنع وتوظيفها في أغلب المجالات حتى فيما يتعلق بإنتاج العمل الإبداعي مع توقعات متواترة عالميًّا تطمح وتعد بمستويات ستكون أكثر جودة ومصداقية وقربًا من مستوى ما ينتجه البشر من أعمال إبداعية، ومع وجود وسائل التواصل وبرامجها وتطبيقاتها ولهفة أغلب البشر إلى اكتساب صفة المبدع أو حتى ادعائها سنرى في المدى المنظور انتشارًا واستخدامها وتداولًا لما سيتم إنتاجه من هذه الأعمال التي يصنفونها إبداعًا عبر توليدها بوسائط الذكاء المصطنع، ومع الوقت سيتنبه المبدعون والمثقفون الحقيقيون إلى أن المقارنة بين المنتج الآلي والمنتج البشري لا يمكن أن تكون منصفة ولا محقة فيما يخص العمل الإبداعي، حتى وإن كانت منصفة في حق غيره، وأن التوليد التقني أو الآلي هو تحنيط وتجميد للإبداع، لأن المصطنع يظل مصطنعًا.
* التقنية لا تصنع الإبداع دون البصمات البشرية
ويشاركنا الحوار الأديب والكاتب عبده الأسمري، بقوله:
هنالك تحديات متعددة توائم في رداء غزو تقني يجتاح العقول، ويملي على المتلقين سرعة الجاهزية المكتظة بشوائب الأخطاء ويفقد المنتج رونق التميز وأناقة الانفراد.
يجب أن تكون “الكتابة” بين قطبين من التشويق والتطبيق، وصولًا إلى جني ثمار “الذوق” البشري في القراءة وتوظيف استثمار الفعل الثقافي في الاستقرار، حتى تنال الكتابة مرتبة الإبداع الذي يحولها إلى “هدية” معرفية عظيمة تجود بالعطايا “الفكرية“، فيظل الإنسان حينها في حالة من الإنصات والإعجاب والاعتزاز لكتابات جاءت لترسم مشاهد “الفائدة” وتوظف معاني “المتعة” في مجتمعات ترتقي بالعلم وتسمو بالمعرفة.
الكتابة نعمة كبرى يجب أن يعي كل إنسان أهميتها وأن يقدر كل شخص مهمتها، حتى يحترم هذا المفهوم “العظيم” الذي يوظف ملكات “التفكير” ويسخر إمكانيات “التفكر” للخروج بإنتاج مكتوب يخدم “البشرية” ونتاج مقروء يحفز “الإنسانية“، وصولًا إلى خلق أجواء “التنافس” وارتفاع أصداء “التفوق” من بصائر “الحرفة” إلى مصائر “الاحترافية“.
تحتاج مدارسنا وقطاعاتنا التعليمية إلى “خطط” لتعليم الأجيال الحالية والقادمة الكتابة بشكل إبداعي واحترافي ومهني، فما نراه من “لعثمة” بئيسة أو “سذاجة” بائسة في أقوال الأغلب وكتابات “الغالبية” من “جيل” اليوم، يعود إلى أنهم يقرؤون الكتابة العامية ويتسمرون أمام الألواح الرقمية التي تنقل المكرر والمحول والموجه، ويمكثون أمام شاشات الفضاء التي تكتظ بالغوغائية اللفظية والعشوائية القولية وتمتلئ عقولهم بمخزون “لغوي” مخجل قادم من ثقافات أخرى لا تفرق بين الفعل والاسم؛ لذا فإن هذه “الثقافة” الهشة كانت وستظل “معول” هدم لأساسات “اللغة” وأصول “الحديث“، فلا بلاغة ولا نباغة أعظم من المكوث في ساحات لغتنا العربية التي تحمل كل ثنايا “النماء” المعرفي وجميع عطايا “الانتماء” الثقافي وتتجمل بكل درر “الإبداع ” وتتحلى بشتى جواهر “الإمتاع“.
رغم تغير “الأزمنة” وتبدل “الأحوال” وتباين “المآرب” ظلت “الكتابة” فعل مبني على “المتون” تارة ومرفوع بالهمة تارات أخرى، وبقي “الفاعلون” في مقام “الضمائر” المتصلة بين واقع بشر ووقع حبر.. في “انتعاش” الكلمات وعزف العبارات بألحان إبداعية حولت “سكون” الكاتب “كائن” دؤوب يؤسس “كيان” الإنتاج من عمق “الحس” إلى أفق “النص” منجذبًا إلى “إحساس” بالدافع و“استئناس” بالناتج ومنخطفًا إلى “عواصف” الأفكار و“عواطف” الاعتبار محولًا “الكلمة” إلى سر “أول” و“جهر” أمثل لبناء صروح “التأثير” في أبعاد “المعارف” واتجاهات “المشارف” التي تعطي للإنسان “قيمة” الفرق بين “الروتين” و“التطوير“.
لذا؛ فإن التدخل البشري مطلب ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصنع الإبداع، إلا من خلال بصمات مهارية يملكها الإنسان؛ الأمر الذي جعل الكتابات المسجوعة بالتقنية الجاهزة كتابات معلبة ومغلفة بالجاهزية التكرار، وإن دققنا فيها لرأينا أن فيها مكان من الخلل واتجاهات من الأخطاء، ما لم يكن هنالك لمسات إبداعية من صناعة الإنسان مشفوعة بالمهارة، إضافة إلى أن التقنية من خلال الذكاء الاصطناعي قد تحدث الكثير من الفجوات ما بين الإنتاج والتلقي، وقد تتسبب في حدوث الكثير من الجرائم المعلوماتية وانتهاك الحقوق الفكرية.
بالقراءة والمكوث في ساحات الكتابة بشكل دائم والاعتماد على التقنية كمصدر معلومات، يقتضي الشروع في فرض دلائل التأكيد، أما الكتابة فعلى الباحث عن أصولها والماكث بين فصولها أن يتعلم وأن يطور نفسه، وأن ينهل من خزائن الكتاب المبدعين من خلال إنتاجهم ودوراتهم وبرامجهم.
من المهم أن يكون هنالك مواءمة بين الإبداع البشري والتطور التقني مع الاستناد على أهمية الجانبين؛ فالأول يصنع الإبداع من خلال العقل الذي يدير التقنية في الأصل، مع أهمية تسخير المعلوماتية في خدمة الكتابة من خلال استخدام أدواتها في الإنتاج وفي نشر الكتابة وفي وضع خطوط مساندة في مسائل البحث والتصميم وغيرها، دون الاعتماد على محركات البحث أو نماذج الذكاء الاصطناعي؛ لأنها متاحة للجميع والإبداع سمة انفرادية وصناعة بشرية بامتياز.
*المثقف الناجح يطوّع التقنية لإبداعه
ويعلق الأستاذ علي بن أحمد الزبيدي، عضو هيئة الإعلام المرئي والمسموع، واتحاد القيصر للآداب والفنون، على محاور القضية بقوله: قبل الحديث عن التقنية والثقافة، لا بد أن نعلم أنّهما يصبان في مصبّ واحد وهو خدمة الإنسانية، وأن كليهما مكملٌ للآخر، لكنّ التحديات التي واجهت التقنية أثرت على الإنتاج الثقافي فيها، ولعل أبرز تلك التحديات الغزارة الإنتاجية التي تعتمد على الكمّ المعلوماتي والثقافي لا على الكيف؛ ما جعل كثيرًا من الثقافات المشوّهة تتسرب دون معالجة أو متابعة، كما أنّ ضعف الرقابة ساهم في وضع السمّ في العسل؛ مما أثر على منظومة القيم ومصفوفة الأخلاقيات، وإنّ العشوائية التي تعيشها التقنية قد مزجت الثقافات وأثرت في جودتها، فخلطت الجيد بالرديء، كما أنّ سهولة امتلاك التقنية والقدرة على نشر كل ما يكتب كان له الأثر السلبي على الإبداع والتميز.
إنّ المتأمل للكتابات الورقية وما أنتجته من ثقافة عالية، ليعلم أنّ خلف هذا الإبداع حرّاسًا نذروا أنفسهم للمحافظة على جودة الكتابة الإبداعية، لكنّهم صدموا بالسرعة الهائلة للتقنية؛ ما جعلهم يتأخرون في اللحاق بتلك الثورة، وربما كان موقفهم الرافض لهذه التقنية في البداية سببًا في التدفق المعلوماتي الذي نراه اليوم، لكنّه يفتقد للجودة التي كانت عليها الكتابات الورقية، لذلك يجب على المثقفين أن يلجوا لهذا العالم وأن يرقمنوا كتاباتهم الإبداعية، كما يجب على النقّاد أن يتابعوا كل ما ينشر في الفضاءات التقنية وألا يحاربوها، بل يشذبوها ويحسّنوها؛ ما سيسهم في تنقية النتاج الثقافي من الشوائب والعوالق التي قد تعتريها بسبب قلة خبرة الكتاب والناشرين.
إن العارف بدهاليز الكتابة ليعلم أنّ الكتابة ليست مجرد خربشات أو سطور تسوّد بياض الورق، بل نتاج قراءة نهمة وفكر وتدبر ومعرفة؛ لذلك يجب على الكاتب الذي سيدخل في بحر التقنية المتلاطم الأمواج أن يتسلّح بكل ما يساهم في سيطرته على قارب نتاجه الثقافي؛ كي ينثر إبداعه دون أن يفقد رصانته ودون أن يسحبه موج التقنية المتسارع فيؤثر على جودة كتاباته، فالتقنية لها سحر يجعل الكاتب يغضّ الطرف عن بعض الأمور التي كان يحرص عليها في الكتابة الورقية، لانعدام الرقيب وكي يلحق بالركب ويواكب الأحداث.
وتبقى التقنية بابًا من أبواب الثقافة ومؤثرًا على المشهد الثقافي؛ حيث إنّ الكتابة لم تعد ملك الكاتب أو الناقد، بل أصبح القارئ مشاركًا للكاتب وناقدًا للعمل الثقافي، ففي اللحظة التي ينشر فيها الكاتب كتاباته تجد القارئ مؤيدًا أو معارضًا أو مصححًا، سواء أكان ذلك بالكتابات أو بالرموز التعبيرية، ولا أعني هنا القارئ المتمكن كما كان في السابق مع الكتابات الورقية، بل إنّ هذا الأمر قد أصبح متاحًا لكل من يستخدم التقنية، فلا فرق بين عالم وجاهل.
في الختام: يجب أن نؤمن بأن التقنية قد أصبحت تقود المشهد الثقافي وأنّ محاولة التصدي لها هو ضرب من الجنون، لكن المثقف الناجح يعرف كيف يطوّع التقنية لتكون رافدًا من روافد الثقافة وبابًا من أبواب الإبداع؛ من خلال استخدامه الأمثل للتقنية ومن خلال مشاركته الفاعلة ونشر إنتاجه ومحاولاته المستمرة للتصدي للكتابات الضعيفة أو الخالية من الإبداع، كما أنّه يجب على النقّاد أن يطوروا من أدواتهم النقدية، وأن يساهموا في هذا الحراك وألا يقفوا موقف المتفرج أو الرافض لنرتقي بكتابنا وكتاباتنا.
* الإبداع البشري هو المحور.. والتقنية عامل مساعد
وللشاعر والروائي الحسن الكامح من المغرب وجهة نظره الخاصة حول القضية المطروحة، حيث قال:
قبل الحديث عن التحديات لا بد من التذكير بأن الإنسان فيه الطموح والخمول، فالطموح دائمًا يبحث عن الجديد، ويتعب من أجل الحصول على ما يريد، أما الخمول المتكاسل فهو ينتظر فرصة صغيرة لتوظيف ما هو موجود في مسعاه دون العمل على توظيفه بالطريقة المثلى وتوضيبه أحسن توضيب، وهذا يتجلى أولًا في الدراسة منذ السنوات الأولى، ومن بعد يتطور ليصير شيئًا مكتسبًا وطريقة للعيش. وهذا انعكس جليًّا على المنتج الثقافي؛ إذ لم يعد المثقف بحاجة إلى البحث والتحصيل لإشباع عقله بالمعلومات من خلال الكتب والقراءة والحوارات والمشاركة في الندوات، بل اكتفى بما هو موجود؛ لذلك انتشر في الآونة الأخيرة ضعف المنتج الثقافي، وزاد من ضعفه أكثر ظهور التقنيات التي تساعد المثقف في إنتاج مبتور غير كامل تنقصه الكثير من الركائز الأساسية في المنتوج الثقافي.
أما التحديات التي أسهمت في ضعف المنتج الثقافي المعتمد على التقنية، تتنوع بين عوامل كثيرة، منها ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي، ويغلب الطابع الاقتصادي على العامل الاجتماعي، لكون هذا العامل هو المتحكم سياسيًّا وثقافيًّا وإنتاجيًّا، وفي ظل هذه الثورة التقنية التي اكتسحت العالم، كلما ازداد إنتاج المحتوى الرقمي ازداد ضعفًا المنتوج الثقافي، بحكم الاعتماد بدرجة كبيرة على المحتوى الجاهز والمنسوخ، فلا يمنح فرصة للمثقف أن يخدم عقله لإنتاج منتوج جيد، منتوج لا يراعي القواعد الأساسية في الإبداع. وهذا أدى إلى تشابه في محتوى المنتوج وضعفه، أضف إلى ذلك أننا نعيش عالم السرعة، إذ لم يعد للمثقف الوقت الكافي للإنتاج؛ لأن العامل الاقتصادي يجبره على وقت ضيق للإنتاج، وكلما قلت المدة الجودة تضعف. إضافة إلى أن التنافسية أضحت تتحكم في المنتوج.
اتجاهات التطوير والإبداع التي يجب أن يحافظ الأديب والمثقف على أصالتها، بعيدًا عن سيطرة التقنية، تتمثل أولًا في الحفاظ على الجوانب الإنسانية والفكرية التي تُميز الأدب والإبداع عن الإنتاج الآلي أو الميكانيكي. ثانيًا الحرص على أن يكون فكره مبدعًا وشخصيًا، ويستند إلى التفكير النقدي والتحليل العميق، ثالثًا، وهذا مهم جدًا، في نظري حفاظ المثقف على اللمسة الإنسانية الموجهة إلى الإنسان بطبيعة الحال، فحين يكون المنتوج الثقافي متكونًا من هذه النقاط، فلا بد أن يمس عمق الإنسان، ويشعر أنه منه وإليه. هكذا تتولد عندنا قناعة بأن المنتوج الثقافي غير مكرر ولا منسوخ، ويمس إنسانيتنا التي مع الأسف من يوم إلى يوم تتدهور في اتجاه التقنية.
فلا بد أن يكون هناك توازن في المنتوج الثقافي بين ما هو إنساني وما هو تقني. فالتقنية نساعد بها في تطوير أدواتنا الإبداعية، لا أن تسيطر علينا سيطرة تامة تمنعنا من حقنا في الإبداع الإنساني، فلا نستطيع أن ننتج منتوجًا ثقافيًّا إنسانيًّا، وأركز على كلمة الإنسان.
علينا أن نعي بأمرين مهمين في منتوجنا الثقافي:
– أن استخدام التقنية مجرد أداة مساعدة في تطوير معلوماتنا، لتوظيفها توظيفًا يليق بنا واستخدامها بحذر شديد، ولا يمكن الاعتماد عليها كليًّا.
– استعمالها لربح الوقت فقط مع التدقيق في المعلومة جيدًا، لأن الإنترنت مملوء بعدد كبير من المعلومات، منها ما هو صائب ومنها ما هو خاطئ ومنها ما يخدم جهة معينة، فالمراقبة مع الأسف تنعدم في نشر المعلومة عبر الإنترنت، لذلك أعتمد على الكتب أكثر مما أعتمد عليها.
ختامًا: كي تبقى بصمة الإنسان في المنتوج الثقافي، لا بد من المواءمة بين التقنية باستخدام التكنولوجيا كأداة مساعدة لتحسين الإنتاج الثقافي، وببن الحفاظ على الجوهر الإنساني والعمق الفكري، فالتقنية يمكن أن تساعد في التنظيم، والبحث، والتسويق، لكن لابد أن يظل الإبداع البشري هو المحور الرئيسي لكل منتوج ثقافي، وإلا فكل المنتوجات ستكون متشابهة ومنسوخة، لندخل عالم المنسوخات البشرية.
* علينا المواءمة بين الإبداع البشري والتقنية
وتعقب الأستاذة زينب العولقي، إخصائية علاقات عامة ومؤلفة كتاب “ستضيئ مهما انطفأت“، بقولها:
نحن نعلم جميعًا أهمية التقنية ووجودها في حياتنا على الصعيد الشخصي والمهني، وارتكازنا عليها في شتى نواحي حياتنا، بل تعتبر الأساس في جميع تعاملاتنا وقدراتنا في تعزيز رسالتنا، والقدرة على الوصول إلى الجمهور في أسرع وقت.
وفي ظل التطورات التكنولوجية الهائلة التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة، أصبح للكتابة الإبداعية موقع مختلف عما كانت عليه سابقًا، لم تعد الورقة والقلم الوسيلتين الوحيدتين للتعبير الإبداعي، فقد فتحت ثورة التقنية آفاقًا جديدة للكتابة والوصول، ومع ذلك فإن هذه الثورة حملت معها تحديات كثيرة، لعل أبرزها التمييز بين ما هو أصيل وما هو مضلل!
ومن ضمن التحديات أيضًا، السهولة في النشر حلت معها مشكلات مثل انتشار المعلومات المغلوطة، وظهور الكتّاب المضللين الذين يستخدمون منصات التواصل لنشر محتوى غير موثوق.
ولا شك أن الكتابة الإبداعية قائمة منذ الأزل، فهي أقدم وأهم أشكال التعبير عن الذات، حيث تمنح الكاتب حرية استكشاف الأفكار والعواطف بأسلوب شخصي.
فقد أحدثت التقنية ثورة في كيفية إنتاج استهلاك الكتابات، المنصات الرقمية، وسائل التواصل الاجتماعي، المدونات، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الكتّاب والقرّاء، فقد ساعدت في الوصول إلى المعلومات بشكل أسرع، لم يعد الكاتب بحاجة إلى الاعتماد على دور النشر التقليدية لنشر لإبداعه، إذ يمكنه أن ينشر مباشرة على الإنترنت ويصل إلى جمهور عالمي بضغطة زر.
الكتابة الإبداعية الأصيلة هي التي تستند إلى تجارب إنسانية حقيقية تعبر عن رؤى عميقة وأفكار أصيلة.
لكننا نستطيع المواءمة بين الكتابة الإبداعية والتقنية، من خلال تعزيز هذا الاتجاه وتطوير أدواته في تصفية المحتوى وضمان أصالته، مثلًا: استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه النصوص وتحديد مدى أصالتها، يمكن أن يكون هذا أحد الحلول.
في نهاية المطاف، تظل الكتابة الإبداعية إحدى أهم وسائل التعبير عن الذات والهوية الإنسانية، وبينما وفرت الثورة التقنية فرصًا لا حصر لها للإبداع والتواصل، فإنها تتطلب أيضًا تحليلًا نقديًّا حذرًا لتجنب الوقوع في فخ التضليل.
* الأديب الواعي يتقبل التقنية ويتطور بها
وتؤكد الروائية ريم محمد الجهني على أن الإنتاج التقني لا يلغي إنتاج العقل البشري، بقولها:
ما زالت تقنية التوليد للنماذج اللغوية في تطبيقات الشات جي بي تي، وأمثالها من نماذج التوليد علام وجيس وغيرها، لم تُدرب في جميع الأصناف الكتابية المختلفة، فهي تحتاج إلى وقت لكي تتدرب على النصوص البشرية.
لا بد أن نؤمن بأن الإنتاج التقني لا يلغي إنتاج العقل البشري.
الكتّاب المبدعون الذين يملكون خيالًا واسعًا ويستطيعون توليد الأفكار بكل ذكاء وفطنة، يتفوقون على الذكاء الاصطناعي إذا واصلوا تقدمهم واستخدموا التقنية كأداة مساعدة لإبداعهم.
الأديب والمثقف الواعي هو الذي يوظف التقنية لخدمة إبداعه، لا يحاربها ولا يرفضها، بل يفهمها ويتقنها ليتطور من خلالها ولا يعتمد عليها في كتابة نصوصه بل يجعلها أداة مساندة له.
يستخدمها الكتَّاب المبدعون في عدة أمور مثل التخلص من قفلة الكاتب، وتسهيل عملهم بتجميع الأفكار من خلال الذكاء الاصطناعي أو جمع بعض المعلومات المساعدة، دون اعتماد كلي عليها. لأن المثقف الواعي يستطيع تمييز النص المأخوذ من نماذج التوليد والنص الذي صنعه البشر.
* التكنولوجيا مُعينة وليست بديلة
وتقول الإعلامية والروائية نورة السعيدي في إجابتها على محاور القضية:
حسب المحور الأول يحمل شقين، الشق الأول: عن التحديات وضعف المنتج الثقافي الذي يعتمد على التقنية ووضعها في قوالب جاهزة.
والتقنية تقدم حلولًا تعتمد على النصوص وتوليد المحتوى يعتمد على القوالب والأنماط؛ ما يجعل الإنتاج الثقافي يفتقر للأصالة والابتكار.
وهناك محتوى متشابه باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهنا ينقص التنوع وتجد التكرار في المحتوى بشكل ممل.
أيضًا هناك من يحاول أن يسعى وراء الكم دون الجودة.
التكنولوجيا تنتج أعمالًا كثيرة دون محتوى هادف أو جودة إبداعية، في إطار ضعيف وسطحي.
فقدان العمق الإنساني، فالتقنية تفتقر للقدرة على التعقيدات الإنسانية والتفاعلات الاجتماعية والنفسية داخل النصوص الثقافية. وهناك انتشار للمعلومة المتحيزة والخاطئة، لاعتماد الكاتب على التقنية وأخذ المعلومات من مصادر خاطئة.
عدم الاهتمام بالمفردات اللغوية وتقليصها، ما يجعل الكاتب يدخل النص في تصحيح لغوي، وهذا يوثر على جودة الكتابة والقدرة على التعبير الإبداعي.
نأتي للمحور الثاني وهو: كيفية المحافظة على جودة الكتابة الإبداعية؟
يجب أن تكون التقنية أداة مساعدة للعقل البشري وليست مساوية له، فالإبداع واستخدام التكنولوجيا لتحسين الأداء والتنظيم، لكن الإبداع وجب عليه أن ينبع من الكاتب وفهمه العميق للحياة.
يجب على الكتّاب أن يحافظوا على أصالتهم في تطوير أساليبهم الفريدة في الكتابة، ولا يتم الاعتماد على التقنية الجاهزة والمساعدات الآلية.
هناك تجديد وتجريب بدل أن أعتمد على الأنماط والتقاليد، وعلى الكاتب أن يكون جريئًا في طرحه بأشكال وأساليب متعددة وأن يبتعد عن التكرار.
ويجب علينا ككُتَّاب أن نطور ونستمر في المهارات ونجعل التكنولوجيا وسيلة وليست غاية في هذا التطور، والفهم العميق للإنسانية والإحساس الفني الذي لا يمكن استبداله بالتقنية.
التركيز على الأصالة والشخصية المتميزة، بحيث يصعب على التقنية أو الذكاء الاصطناعي تقليده في تعابيره وتوصيل المشاعر والأفكار العميقة.
أيضًا يجب على الكاتب التفاعل الإنساني مع القارئ، والكاتب المبدع يظل على اتصال مع القراء من خلال تجاربه الإنسانية ومشاعره الحقيقية.. قد تكون التكنولوجيا وسيلة لإيصال العمل الإبداعي والمشاعر، لكن لا يمكنها خلق نفس التفاعل الإنساني الذي نقدمه داخل العمل الإبداعي الشخصي.
الكاتب بحاجة إلى استثمار التكنولوجيا بذكاء، دون السماح لها بالسيطرة على عملية الإبداع نفسها. يجب أن تظل الكتابة مساحة للإبداع الحر والتفكير العميق الذي يعبر عن الإنسان بشتى حالاته. يجب استخدام التقنية كأداة وليس كبديل، وتجنب الاعتماد على أدوات الكتابة بشكل كامل، والتقنية هي مكمل للعقل البشري وليست بديلًا له عن التفكير والعمق والتحليل النقدي.
ويمكن استخدام التقنية لتسريع العمليات الروتينية، مثل التحري وتصحيح الأخطاء؛ ما يتيح للكاتب التركيز على الإبداع وتطوير الحبكة والشخصيات والأفكار الفلسفية.
يمكننا جمع المعلومات عن طريق الذكاء الصناعي في البحث والتحليل وجمع المعلومات المتعلقة بموضوع معين؛ ما يوفر للكاتب قاعدة معرفية قوية يدعم بها علمه الثقافي.
التأكد من صحة المعلومات، وعلى الكاتب أن يكون دائمًا ناقدًا للمعلومة التي يحصل عليها، وعدم الاعتماد الكلي على المعلومات المغلوطة أو المتحيزة.
على الكاتب تجنب التفاهات والمحتوى السطحي والنظر للكتابة كفن وليس كمنتج للبيع وجني المال، وفي النهاية؛ المواءمة بين التقنية والكتابة الإبداعية تتطلب قدرة على توظيف التكنولوجيا كأداة لتسهيل العمل الثقافي وتحسينه دون أن تؤثر على جوهر الإبداع البشري. الكتابة الإبداعية يجب أن تبقى مساحة للتفكير الحر، والتعبير عن المشاعر والتجارب الإنسانية، بينما يمكن للتقنية أن تلعب دورًا في تحسين الجودة والفعالية التنظيمية، دون أن تتدخل في الجانب الجمالي والفني.