507
0146
0306
0120
0891
15
010
0103
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11784
04713
04364
174302
03998
0علي معشي*
بعد قليل سينطلق صوت الجرس معلنًا نهاية الحصة الثالثة، إيذانًا بموعد الفسحة المدرسية، لا يزال المعلم يمرر طبشوره الأبيض على ظهر السبورة العجوز ليضبط الكلمات بالشكل تحت صفير ذلك الطبشور ذي الغبار المتطاير بين يديه، بينما يترقب طلابه لحظة انطلاق جرس الفسحة المدرسية. أخيرًا يرن الجرس، وتكتظ أبواب الفصول بالساعين نحو مقصف المدرسة، طابور متعرج طويل مليء بالمشاكسات والتدافع وبعض التجاوزات في أدوار الانتظار، يمتد في فناء المدرسة. طالب وحيد لا يشارك في تلك المظاهرة اليومية أمام مقصف المدرسة، يجلس إلى الرصيف الجانبي، يخرج رغيفه الملفوف بالنايلون الشفاف الذي أحكمته عليه والدته منذ الصباح الباكر، يلتهمه سريعًا، ويردفه بقنينة العصير التي فقدت الكثير من برودتها، ليكسب أطول وقت ممكن للبلوغ إلى غايته، ينطلق نحو المكتبة القابعة في الزاوية البعيدة، حيث يبدو المكان هادئًا كالعادة، فلم تعتد الرجل كثيرًا على وطء أرضية هذه المكتبة، يدخل الطفل الشغوف بقراءة القصص والحكايات الغريبة إلى الداخل، يجد الباب مواربًا، يبحث عن المعلم المكلف بشؤون المكتبة، يراه أخيرًا خلف نظارته العريضة التي تتكئ على أنفه الطويل وتكاد تسقط أرضًا لولا اعتراضها بإصبعه كل مرة، بعد التحية والسلام يمنح المعلم تلميذه ابتسامة رضا ويناوله الجزء الثاني من حكاية عقلة الإصبع وقصته مع المارد العملاق، ما أن يمسك الطالب بالكتاب الصغير حتى تتفتح أساريره، وقبل أن يبدأ، تحين منه التفاتة سريعة إلى ساعة الحائط الشاهدة على السنوات الطوال لهذه المكتبة العامرة بالعلم والثقافة والأدب، ليحسب الوقت قبل رنين جرس العودة لحجرة الصف. يفتح الصفحة الأولى من جزء الحكاية الثاني، تلك الحكاية المليئة بالغرائب ليكمل ما وصل إليه من قراءة الأحداث الموغلة في الغموض، حيث إنه ترك عقلة الإصبع في المرة الماضية عالقًا في حذاء المارد العملاق يبحث عن فتحة نحو النور، وبينما هو يقرأ تلك التفاصيل إذ به يشرد عن الكتاب ويبدأ في التفكير في حال (عقلة الإصبع) وما يحدث معه داخل الحذاء الكبير، ما جعله يذهب بذهنه بعيدًا عن المكتبة والكتاب حتى بدأ يدور في جنبات الحذاء وسط ظلامٍ دامس كأنه في غياهب حفرة عميقة أو بحر لجي غائر، يتلمس جدار الحذاء من الداخل وقد أزكمت أنفه رائحة الجلد المبلل بعرق أقدام المارد الذي يملأ نتنه المكان. كاد أن يختنق وبدأ الخوف من عودة المارد يدب في قلبه وجسده خاصة بعد أن سمع خطوات ضخمة تهز أرضية المكتبة، يصرخ بصوت عال لعل أحدًا يسمعه! يعول كثيرًا على وجود معلمه المستغرق في قراءة كتاب آخر، تقترب الخطوات كثيرًا، صوت باب المكتبة وهو يغلق يصيبه بالرعب ويتساءل: هل ذهب المعلم وتركه داخل الحذاء؟ ولماذا لا يسمع نداءاته واستغاثاته؟ يقترب صوت الخطوات وتهتز الأرض تحته، قدمٌ عملاقة تزاحمه داخل الحذاء وتحشره في زاوية منه، يصاب بالاختناق، يحاول الفكاك من مكانه الضيق ومن رائحة قدم المارد النتنة دون جدوى! يصاب بالإغماء جراء الهلع الشديد. بعد ساعات، يرن جرس المدرسة، يحاول فتح الباب لكنه يجده محكم الإغلاق، يشير بيديه من نافذة المكتبة، لا أحد ينتبه لإشارته، فرغت المدرسة تمامًا من الطلبة والمعلمين وبقي الكتاب بين يديه على الصفحة الأولى. يعود إلى مكانه يتصبب عرقه وتهل دموعه. يذهب ليتأكد من وجود أي منفذ للخروج أو مفتاحٍ في أحد الخزانات ليفتح الباب. يقترب بهدوء وبخطوات حذرة.. يسمع حركة جسم يتحرك وكأنه يتقلب في النوم! يصاحبه شخير يهز المكان! يقترب أكثر، يرى حذاءً يشبه حذاء المارد تمامًا وبجواره ينام الأستاذ على ظهره!
*كاتب من السعودية
التعليقات