23
051
079
080
0241
3الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11935
07056
06861
06337
05728
5إعداد / أمينة فلاتة
يرتبط الإنتاج الأدبي في الشعر والرواية والقصة والنقد بالمشاعر التي تتجلى في أبيات شعرية أو قصص راسخة أو روايات منسوجة، وتأتي لغة المشاعر في اتجاهات مختلفة، ويبقى السؤال البارز:
هل هناك ارتباط بين الإنتاج وتجارب الأديب خصوصًا أن هناك أدباء قد اعترفوا بذلك، أو أنها تمخضت من خلال المحاكاة الإنسانية بين المؤلف وما يعيشه المجتمع أو ترصده مشاعره من حياة البشر؟ وما علاقة ذلك في تجويد المنتج وتأصيل المعنى وانعكاساته؟
فرقد ناقشت القضية من خلال المحاور التالية:
– ما مدى ترسيخ الأديب لتجاربه في إنتاجه الأدبي؟ وما مدى اعتراف الأدباء بذلك وانعكاسه على جودة المنتج؟
– أيهما أشد تأثيرًا في إنتاج الأديب أو المؤلف؛ التجارب الشخصية أم المحاكاة الانسانية والاجتماعية ولماذا؟
المحاكاة أرقى مستويات الوعي الأدبي
يبدأ حوارنا الكاتب الأستاذ سيّار عبدالله الشمري، بقوله:
يُعد الإنتاج الأدبي مرآةً صادقة تنعكس عليها ملامح الروح البشرية، وتتشكل فيها التجربة الإنسانية في أبهى صورها. ومع تعدد المدارس الأدبية وتنوع أساليب الكتابة، يظل الجدل قائمًا حول مصدر الإلهام الأعمق والأصدق: هل هو التجربة الذاتية التي عاشها الأديب بكل تفاصيلها وانفعالاتها؟ أم هي المحاكاة الإنسانية والاجتماعية التييستقيها من مراقبة الآخرين والتفاعل مع قضاياهم ومشاعرهم؟ هذا التساؤل يفتح الباب أمام تأملٍ نقدي وفكري في جوهر العمل الأدبي ومنطلقاته النفسية والفكرية.
– الأديب بين تجاربه الخاصة واعترافه بها:
يُدرك المتابع للإنتاجات الأدبية أن كثيرًا من الأدباء يستلهمون من ذواتهم لبنات أعمالهم الأولى. فتجارب الحب، الفقد، الغربة، الصراع، حتى لحظات النشوة والانتصار، تتحول إلى مشاهد وأحداث في رواياتهم وقصصهم، أو إلى أبيات شعرية تهز وجدان القارئ. وقد اعترف عددٌ كبير من الكُتاب الكبار بأنهم كتبوا عن أنفسهم بشكلٍ مباشر أو متوارٍ خلف ستار من الرمزية والتخييل. فنجد نجيب محفوظ، في كثير من أعماله، أشار إلى أن الحارة القاهرية لم تكن سوى نموذج مكثف لحياته الخاصة وصراعات المجتمع من حوله.
وترسيخ الأديب لتجربته الذاتية في نصه لا يعني بالضرورة تضييق أفق الإبداع، بل غالبًا ما يكون سببًا في تعزيز صدق النص وعمقه، ما ينعكس بشكل مباشر على جودة المنتج الأدبي. فالنص المولود من رحم المعاناة أو الموقف الحقيقي يحمل بين طياته حرارةً وأصالة لا تُستجلب بسهولة من الخيال البحت.
– التجارب الذاتية أم المحاكاة الإنسانية.. ما الأشد تأثيرًا؟
الإجابة على هذا المحور ليست أحادية أو قاطعة، بل ترتبط إلى حد كبير بطبيعة الكاتب، ومدى قدرته على التقمص الإنساني، ومهارته في استحضار مشاعر لاتخصه مباشرة. ومع ذلك، يمكن القول إن التجارب الشخصية تظل الأكثر تأثيرًا في الغالب، لأنها تمثل شعوراً صادقاً نابضاً ينعكس بقوة على القارئ. فهي ليست فقط لحظات عاشها الكاتب، بل هي اختبارات وجدانية تشكلت في وجدانه وتفاعلت مع تكوينه النفسي والفكري.
لكن في المقابل، المحاكاة الإنسانية والاجتماعية تُعد أحد أرقى مستويات الوعي الأدبي، إذ تظهر قدرة الكاتب على التعاطف والتقمص والتصوير الواقعي أو الرمزي لمشكلات الآخرين، ما يجعل إنتاجه أكثر شمولاً وإنسانية. فالأديب لا يُنتظر منه أن يعيش أشكال المعاناة كي يكتب عنها، وإلا لضاقت حدود الأدب وتقلصت آفاقه. وهنا تظهر قيمة التخيل الناضج، والتأمل العميق في الحياة والناس، والقدرة على تحويل الملاحظات العابرة إلى أعمال أدبية خالدة.
– بين الذات والآخر.. يتوازن الإبداع:
الأديب الناجح، في واقع الأمر، هو من يستطيع المزج بين تجربته الذاتية وبين مشاهداته ومعايشته لتجارب الآخرين. فالتجربة الذاتية تمنحه الصدق، بينما المحاكاة الإنسانية تمنحه الاتساع والشمول. هذا التوازن هو ما يمنح الأدب ألقه، ويجعله مادةً غنية للتعبير عن الإنسان بكل ما فيه من تناقضات وأحلام وهواجس.
ختاماً، نستطيع القول بأن الإنتاج الأدبي، في جوهره، لا يخلو من أثرٍ ذاتي أو اجتماعي. وهو في كلا الحالتين يظل فعلاً إنسانياً نبيلاً يُجسد المعاناة، ويستحضر الجمال، ويُنير العقول. فسواء كتب الأديب عن نفسه أو عن غيره، فإن قيمة العمل تُقاس بمدى صدقه، وعمق رؤيته، وقدرته على ملامسة روح القارئ، وليس فقط بمصدر إلهامه. فالصدق الفني يظل العامل الحاسم في قوة التأثير وبقاء النص
الإبداع استنطاق للذات المتعبة.
ويشاركنا الحوار من اليمن، الشاعر أمين عقاب قائلًا:
التجارب الذاتية في نظري تنتج النص الأدبي الأكثر تأثيراً وتعكس الواقع على مرايا النص بصورة أصدق تعبيراً وأجمل تصويراً،
فالمبدع يجد ذاته أكثر في تجاربه الذاتية ويعتصر فؤاده بوحاً شفيفاً صادقاً بعيدًا عن التلاعب اللفظي.
والتحليق المجازي السابح في فضاءات بعيدة عن واقعه وتجاربه الحقيقية، التجربة الذاتية خروج عن الذات ومحاولة الدخول إليها من نوافذ مختلفة وإبرازها بصورتها التي يريدها المبدع لا كما هي في الواقع، وقراءة الذات بعيدًا عن غشاوة الطين وضبابية الجسد.
لذلك هي الأكثر حضوراً في النتاج الأدبي عند كثير من المبدعين، إن حاولوا إخفاءها واعتبروا كتاباتهم إنسانية و ليست ذاتية.
والحقيقة أن معظم التجارب الذاتية قد تكون إنسانية وليست ذاتية محضة كون التجارب والقضايا مشتركة، فحزن المبدع وغربته يعبر عن حاله وحال الكثيرين من الناس فهو ضمير كوني، بينما المحاكاة تعتمد على ثقافة وقدرة المبدع على الكتابة وامتلاكه لأدواتها، لكنها غالبًا غير صادقة في نظري إلا في القضايا الإنسانية التي تلامس ضمير المبدع وتشابه مجتمعه، فالكتابة اغتسال بمياه المشاعر الصادقة على ضفاف الحقيقة واشتعال على جمرة الواقع لإذابة الشوائب عن معدن الحقيقة النفيس، وذلك يتطلب الامتزاج بالقضية التي تكتب عنها وتفعيل الذات الجماعية عند المحاكاة، لكن الأغلب هي التجارب الشخصية.
خاصة في مجتمعاتنا التي تجعل المبدع أكثر ميلاً للذات المتعبة التي تبحث عن متنفس لما يختلج فيها، وصدر تنسكب فيه لتستريح من أثقالها التي تتراكم كل يوم، وفي الحالتين المبدع يعبر عن مجتمعه الإنساني سواء من خلال تجاربه الذاتية أو الإنسانية.
الكتابة توليفة معقدة بين الذات والحياة
وتشير الأديبة فاطمة الوهيدي من مصر، إلى ضرورة تعانق ذات الكاتب وبيئته في إبداعه بقولها:
يقول الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي “كل الكُتاب صادقون؛ لكن بعضهم أكثر براعة في تحويل ألمهم إلى أدب”.
* الأدب.. عندما تكتب الذاتُ الإنسان*
أؤمن أن لحظة الكتابة يتشكل فيها الحرف كجسر خفي يصل بين القلب والكون، فالنص الأدبي ليس مجرد خيال عابر، ولا ترجمة حرفية لتجربة شخصية، بل هو توليفة معقدة من نبض الذات وصدى الحياة حولنا.
من هنا، يُطرح السؤال الذي يرافق كل مبدع:
هل نكتب ما عشناه بصدق، أم ما تأمله إنسانيتنا في الآخرين؟
وهل الاعتراف بالتجربة يثري النص أم يقيده؟
وهل المحاكاة الاجتماعية تضمن له الخلود أم تذيبه في العادي والمألوف؟
منذ فجر الأدب، شكّلت التجربة الذاتية عصباً حيوياً في الكتابة، فغالباً ما ينساب الأديب بين السطور ليضع بصمته الخاصة، سواء صرح بها أو أخفاها خلف أقنعة السرد؛ فبعض الأدباء لا يخجلون من الاعتراف بأن ما يكتبونه جزء صريح من سيرة حياتهم، ويمثل الكتاب بالنسبة لهم محاولة لفهم الذات وتصالحها مع العالم، بينما يتعمّد آخرون التخفّي خلف حبكات متخيلة وشخصيات مُفترضة، دون أن يغيب أثر التجربة عن القارئ الحصيف.
إن صدق التجربة حين يتجسد في النص يضفي عليه حرارة لا يملك الخيال وحده أن يصطنعها، فالنص الذي وُلد من معايشة حقيقية غالباً ما يحمل نبضاً قادراً على اختراق القلب، ويغدو أكثر قدرة على ملامسة أعماق القارئ.
وتجيب الكاتبة عن أيهما أشد تأثيراً على إبداع الكاتب؛ التجربة الشخصية أم المحاكاة الإنسانية.. بقولها:
يتأرجح الأديب في مشروعه بين جناحين: ذاتٌ تخزن الذاكرة الشخصية، ووعيٌ مفتوحٌ على الهم الإنساني الأوسع، التجربة الذاتية تمنح العمل طابعاً حميمياً، وتجعله أكثر صدقاً ودفئاً، بينما المحاكاة الإنسانية والاجتماعية تتيح للكاتب رؤية أبعد وأشمل، حيث يستعير آلام الآخرين وأحلامهم ليكتب نصاً يتجاوز محدودية التجربة الفردية.
ولعل أصدق ما يلخص هذا المعنى هو قول الأديب الكبير نجيب محفوظ:
“الرواية الحقيقية لا تسرد حياة كاتبها، بل حياة الإنسان فيه”.
فالأعمال الخالدة غالباً ما تكون تلك التي مزجت بين حرارة التجربة وعمق المحاكاة، فحملت شيئًا من روح الكاتب وشيئًا من صدى الإنسانية الواسعة. ومن وجهة نظري أرى أن الأديب الحقيقي هو ذلك الذي يستطيع أن يصهر تجربته الشخصية داخل قالب إنساني مشترك، فيخلق نصاً ينتمي إليه، وفي الوقت ذاته ينتمي لكل قارئ.
فالأدب في جوهره ليس انعكاساً لمرآة ذاتية فقط، ولا مجرد محاكاة لحياة الآخرين، بل هو توازن دقيق بينهما. فكل نص يحمل بين كلماته ذرة من حياة كاتبه، ووميضاً من هموم الإنسان في كل مكان، ولعل عظمة الأدب تكمن في هذا اللقاء العميق بين ما عشناه وما تمنيّنا لو عشناه، بين الأنا والآخر، بين التجربة الصادقة والرؤية المتأملة.
يولد الأدب بين التجربة والمعنى
ويجيب الأديب أحمد الدليان على طرح فرقد بقوله:
حين تكتب الذاتُ بنبضها، وتحاكي الروحُ ملامحَ الإنسان… يولد الأدبُ بين التجربة والمعنى يولد الأدب في المسافة الفاصلة بين الذات والعالم، تلك المسافة التي تتحول فيها الأحاسيس إلى كلمات، والتجارب إلى سرد، والانفعالات إلى صور فنية قادرة على لمس روح القارئ مهما تباعد الزمان والمكان. فكل نص أدبي حقيقي لا يُكتب بالحبر فقط، بل يُكتب بنبض القلب، ووهج الذاكرة، ولهفة الاكتشاف. لذلك لا عجب أن يتردد السؤال في أروقة النقد والمساءلات الفكرية: هل تستمد الأعمال الأدبية صدقها وعمقها من التجربة الشخصية التي عاشها الأديب؟ أم من قدرته على محاكاة التجربة الإنسانية العامة بما فيها من تشظٍّ واغتراب وتوقٍ أبدي إلى المعنى؟
لطالما كانت التجربة الذاتية منبعًا ثريًا تتدفّق منه الإبداعات، فهي القاعدة التي يقف عليها الكاتب حين يخوض مغامرة الكتابة، وهي الأرض الأولى التي تنبت منها ملامح نصه الأول. في التجربة الشخصية يتشكّل الأسلوب، وتنبض اللغة بحرارة العيش، ويتجلّى الشعور في أقصى صدقه، إذ لا يُجيد أحد التعبير عن الألم كما يجيده من اكتوى بناره، ولا يرسم أحد ملامح الغياب كما يراها من عاشه بكل ثقله. وبهذا المعنى، تصبح الذات ليست فقط موضوعًا، بل أداة للرؤية، ومنفذًا للكتابة، فتنبثق الشخصيات من ملامح الأحبة، وتتشكل الأمكنة من ذاكرة الطفولة، وتنعكس الأزمنة بما تحمله من وجع ودهشة في مرآة اللحظة الكتابية.
لكن الذات، ما لم تتجاوز حدودها، قد تسجن الكاتب في دائرة ضيقة، فيصبح نصه سيرة خفية لا أدبًا حيًّا. وهنا يتجلّى دور المحاكاة، تلك القدرة السحرية التي تجعل الكاتب يعبر من ذاته إلى الآخر، من الخاص إلى العام، من الجرح الفردي إلى النزف الجمعي، فيتقمص أحوال الناس، ويكتب بلسان الغريب، ويتكلم عن همّ لا يمسّه مباشرة، لكنه يشعر به كأنّه في دمه. في هذا المعبر الخفي، تتحوّل التجربة إلى رمز، والحكاية إلى تعبير عن الإنسان في صورته الكاملة، فلا تعود الرواية رواية عن كاتبها، بل عنّا جميعًا، ولا تعود القصيدة مرآة شاعرها وحده، بل مرآة قلب القارئ أيضًا.
ومع أن كثيرًا من الأدباء اعترفوا صراحة بأن تجاربهم كانت الشرارة الأولى التي أوقدت نار الكتابة فيهم، فإن بعضهم الآخر اختار أن يُخفي هذا الرابط، معتبرًا أن كل كتابة هي محض خيال، ونتاج لتقمص داخلي لا يشترط أن يكون معيشًا. لكن المتلقي الواعي يظل قادرًا على تمييز النَفَس الأصيل، والتقاط الأثر الذي تتركه التجربة حين تُصفّى عبر عدسة الفن، فيقرأ ما بين السطور، ويشعر بأن النص ليس محض تخييل، بل هو حياة مستترة في طيّات العبارة.
غير أن المسألة لا تتوقف عند حدود الاعتراف أو النفي، بل تتجاوزها إلى سؤال الجودة والخلود. فكم من نصّ كُتب من ألم حقيقي لكنه لم يبلغ القارئ لأنه افتقد البناء الفني، وكم من نصّ لم يكن صاحبه في صلب تجربته، لكنه بقدرته على التشريح النفسي والرؤية الإنسانية، كتب ما يظل في الذاكرة. فالمعيار الحقيقي لا يكمن في مصدر الفكرة بقدر ما يكمن في القدرة على صياغتها بشكل يجعل منها تجربة مشتركة، وشعورًا يُستعاد، ومعنى يُكتشف في كل قراءة.
وحين نحاول أن نزن الأثر الأدبي بين طرفي المعادلة: الذات والمحاكاة، نجد أن الذات تمنح العمل صدقه، لكنها لا تكفي وحدها، إن لم تتحول إلى ما هو أوسع من الذات نفسها، وإن لم تلامس الوجع الإنساني المتكرر في وجوه مختلفة. في حين تمنح المحاكاة النص بعده الكوني، فتُخرجه من ضيق اللحظة إلى سعة الزمن، ومن خصوصية المكان إلى تعددية الأمكنة، فتجعله حيًّا في قراءات متجددة، ومتجدِّدًا في قلوب تتباين ثقافاتها لكنها تلتقي في إنسانيتها.
إن الأدب الذي يتكئ على التجربة الشخصية وحدها يظل معرضًا للانطفاء، إن لم يُحسن الكاتب غربلة تلك التجربة وتحويلها إلى مادة فنية تتجاوز سطور الاعتراف. بينما الأدب الذي ينبع من قدرة على محاكاة الإنسان، في حالات ضعفه وقوته، عشقه وخساراته، بحثه وقلقه، هو الأدب الذي يبقى، لأنه لا يروي سيرة فرد، بل يصوغ حكاية الكائن البشري في جوهره الأعمق.
وفي آخر السطر، حيث تهدأ اللغة وتعلو الرؤيا، يبقى الأدب أشبه بمرآة مكسورة تعكس وجوهنا جميعًا، وجه الكاتب ووجه القارئ، ووجه الإنسان كما لم يُرَ من قبل. هو النبض الذي عبرَ الذات لكنه لم يتوقف عندها، والبوح الذي وُلد من جرحٍ خاص ليمسَّ جراحًا لا تُعدّ. هو الفن الذي يصهر التجربة في نار المعنى، ثم يسكبها في قالب المحاكاة، حتى لا يعود الأدب سيرة كاتب، بل سيرة قلب بشري يبحث عن دفء، عن إجابة، عن دهشة، عن خلاص.
فليكتب الأديب إذًا من داخله، نعم، ولكن ليكتب أيضًا وهو مُصغٍ لعالمٍ لا ينفكّ يحكي في الصمت… عالمٍ يطلب من الأدب ألا يكون فقط حكاية تُروى، بل روحًا تُلامس، ونورًا صغيرًا في عتمة الإنسان الكبرى.
” إننا لا نكتب لنقول ما نعرف، بل لنكتشف ما لا نعرف أننا نحمله في دواخلنا” جبران خليل جبران.
الأدب الصادق لا يُكتب بالحبر فقط
وترى الكاتبة /فايزة حامد الثبيتي أنه ليس من السهل أن يعترف الأديب بأن ما كتبه خرج من قلبه قبل قلمه، وأن كل شخصية خلقها كانت ظلًّا لحقيقته، وكل موقفٍ حكاه كان مأخوذًا من دهشة أو خيبة أو حلمٍ قديم.
لكن الحقيقة أن الأديب، مهما حاول أن يتوارى خلف رموزه وخياله، فإن بصمته تتسرّب، سواء اعترف أم أنكر.
الأدب الصادق لا يُكتب بالحبر فقط، بل يُكتب بندبةٍ، بذكرى، بلحظةٍ انكسرت ولم يُسمح لها أن تبوح.
ترسيخ التجربة الشخصية في العمل الأدبي ليس ضعفًا ولا تحجيمًا لخيال الكاتب، بل هو ما يمنحه العمق والصدق، ويُضفي على النص حرارة الحياة، لا برودة التنظير.
كلما كان الكاتب أكثر تصالحًا مع ذاته، وجرأةً في استحضار تجاربه، دون فجاجة أو تعرية مبتذلة، اقترب الأدب من قلب القارئ، وترك فيه أثراً لا يُنسى.
بعض الأدباء يعترفون بذلك صراحة، مثل دوستويفسكي الذي سكب جنونه ومعاناته في كل رواية، وغادة السمان التي جعلت من رسائلها مرآة لأوجاع امرأة عاشقة، وكثيرين مرّوا على الورق وهم يحملون حقيبة أرواحهم المثقلة.
أما البعض الآخر، فيتوارى خلف الرموز، لكن الحسّ الصادق لا يخطئ…
نحسّهم، نشمّهم بين السطور، نرى وجوههم من خلال ملامح أبطالهم، ونقرأ سيرهم الذاتية دون أن يكتبوا اسمهم.
وعندما تكون التجربة الشخصية هي المنبع، فإن جودة المنتج الأدبي ترتفع، لأن الصدق لا يُصنّع، والمشاعر الحقيقية لا تُفتعل.
القارئ يشعر بالفارق، يميّز بين من كتب ليملأ فراغ الصفحة، ومن كتب ليملأ فراغ قلبه.
الأدب رؤية فلسفية في قوالب جمالية
ويعلق الكاتب/ سامي الصقر على محاور القضية، بقوله:
إن علاقة الفكر بالفلسفة الأدبية بين الأدباء والجمهور بالرسالة الإنسانية تعد العلاقة بين الفكر، والفلسفة الأدبية من أبرز ملامح تجربة الأديب، إذ يشكل الفكر محوراً عميقاً في بناء الرسالة الأدبية، ويمنحها بعدًا إنسانيًا يتجاوز الشكل الظاهري للنص فالأديب حين يكتب لا ينفصل عن ذاته وتجاربه لكنه أيضًا لا ينعزل عن محيطه الإنساني والاجتماعي، بل يحاول أن يدمج بين التأمل الشخصي ورؤيته الحياة بعين فلسفية تعكس فهماً للطبيعة البشرية وما تحمله من صراعات وأسئلة وقيم.
وقبل أن نبدأ في تناول هذه العلاقة وأثرها، من المهم أن نحدد قاعدة واضحة تبين المقاصد، فالأدب هو جوهر العلوم الإنسانية وتصنف النصوص العربية عموماً إلى قسمين رئيسيين: النثر والشعر، ويتضمن تحت كل منهما الأنواع، والأنماط، والأساليب، وقد تنطلق هذه النصوص من مبادئ فكرية وفلسفية بمضامين معرفية متنوعة كعلم الاجتماع، والتاريخ، والسياسة فتتشكل في قوالب أدبية تحاكي الفن والجمال.
ويمتد هذا الإنتاج ليشمل تطبيقات متعددة سواء كانت نصوصاً مكتوبة، أو صوراً مرئية، أو أصواتاً مسموعة، يراعي فيها تقنين الحس العاطفي بحسب طبيعة الرسالة التي يسعى الأديب لإيصالها إلى المتلقي وهنا نبرز أدوات الأدب بوصفها الوسيلة التي من خلالها يعبر الكاتب، أو الشاعر عن أفكاره، ومشاعره بأسلوب فني جذاب، وتنقسم هذه الأدوات إلى:
أدوات بلاغية: كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز، والجناس، والسجع.
أدوات فنية: كالرمز، والتكرار، والمفارقة، والايقاع، والتصوير الفني.
أدوات البنية السردية: كالزمان والمكان والشخصيات والحبكة.
وتأخذ هذه الأدوات صورتين رئيسيتين في الأدب:
إما في شكل نثري يشمل القصة، والرواية، والمسرحية، والحكاية، والطرفة، والحكمة، والخطابة، والمقالات وغيرها.
أو في شكل شعري ويتضمن الأنواع الشعرية؛ مثل الملحمي، والرومانسي، والحماسي، والهجائي، والسياسي، والاجتماعي، وغيرها من أشكال التعبير الشعري.
بذلك تصبح الفلسفة الأدبية انعكاساً للفكر، فهي ليست مجرد رونقة جمالية للنص، بل هي نتيجة لتأمل فلسفي عميق يمنح الأديب وعياً مركباً بالعالم والذات. وهو ما يجعلمن الأديب مفكراً يبدع في هندسة الكلمة، ويستخدم اللغة لإنتاج نصوص ذات أبعاد إنسانية وفنية تعكس رؤيته للحياة من خلال رسالته الجمالية. وهذا ما يفسر قدرة النصوص الأدبية على مناقشة قضايا إنسانية ومجتمعية تؤثر على وعي المتلقي وتلامس عاطفته من خلال الحس والتعبير الصادق. وعند التأمل في مسيرة كثير من الأدباء نلاحظ أن التجربة الذاتية تشكل منبعاً خصباً في بناء النص رغم تنوع الأساليب وقد يصرح بعض الأدباء بتأثره بتجربته الخاصة، بينما يضمن آخرون رؤاهم في قوالب رمزية أو تعبيرات محاكية لمجتمعاتهم دون تصريح مباشر، لكن تبقى التجربة الشخصية أكثر حضوراً حين تروى بلغة فلسفية تأملية بحس أدبي تعيد تشكيل الألم، أو الفكرة إلى عمل فني حي.
هنا يتجلى سؤال مهم:
هل التجارب الشخصية أصدق في أثرها الأدبي من المحاكاة الإنسانية العامة؟
ربما لا تكون الإجابة حاسمة، لكن كلا الاتجاهين يثبت حضوره حين يكتب النص بصدق ورؤية عميقة. فالتجربة الشخصية تلهب النص بحرارة الشعور، وصدق التجربة بينما تمنح المحاكاة الاجتماعية بعداً شمولياً وأثراً أوسع. وفي كلتا الحالتين تبقى الفلسفة الجسر بين التجربة والرسالة والفكر هو جوهر البناء العميق. كما أن أثر الأديب في الأدباء الآخرين لا يقتصر دوره على التأثير في جمهوره فحسب، بل يمتد أثره إلى الأدباء من بعده أو في زمانه فيلهمهم ويعيد تشكيل ذائقتهم ويسهم في تطوير رؤاهم الإبداعية. فكل تجربة أدبية أصيلة تحمل بين طياتها امتداداً لمدارس فكرية وأدبية سابقة أو خروجاً عليها. وفي كلا الحالتين يحدث الاحتكاك الفكري والتفاعل سواء بالمحاكاة أو الرفض أو الإضافة، وهذا ما يجعل الأديب حين يكون متفرداً بفلسفته، وأسلوبه بمثابة نقطة تحول في المشهد الثقافي والقالب الأدبي؛ حيث تستلهم من نصوصه رؤى جديدة وتتأثر به أجيال من الكتاب والشعراء الذين ينهلون من تجربته ويطورون أدواتهم بناء عليها وقد يكون هذا التأثير مباشر عبر الأسلوب واللغة، أو غير مباشر من خلال الفكرة والتجربة في العمق الإنساني الذي يقدمه. وقد يكون أثر الأديب على الأدباء هو نوع من الحوار الخفي المستمر بين النصوص؛ حيث تتراكم الخبرات وتعاد صياغة الأسئلة الكبرى في الحياة بألسنة وأفكار متعددة، دون أن تفقد جذوتها الأولى. وهذا ما يضفي على الأدب صفة الحياة ويجعله في حالة تطور ونمو في جماله، وفنه، وآفاقه. وعليه فإن الأديب الحقيقي لا يكتب من فراغ، بل ينصت لتجربته وفلسفته ويحول ذلك إلى فن حي يلامس القلوب والعقول. ومع تطوير القوالب الأدبية وتنوع أدوات التعبير لا يزال الفكر هو الذي يملي على النص اتجاهه، وتبقى الفلسفة الأدبية هي الروح التي تمنح الكلمات معناها وتربطها بالإنسان والرسالة والوجدان. وقد يحد النقد التقليدي من إبداع وتوليد النماذج والأساليب الجديدة لكل أديب، والمنطق في تطوير المبنى والمعنى أن احتمال ثورة الأدب تنفجر بثروتها مع الأجيال وتطور الثقافات واختلافاتها وتشابهاتها في المواقف الإنسانية التي تعيشها البشرية.
الملتقيات محفزة لطرح فلسفة الأديب وأفكاره
ويفيد الكاتب محمود الحسين من سوريا، أن العراق، سوريا، لبنان، مصر، قادت هذه الدول المشهد الثقافي العربي على مدى أزمنة طويلة؛ حيث كان كل قطر من هذه الأقطار يقدم للقارئ والمثقف كل ما يستطيع من خلال عدد من روافد الثقافة؛ كالنشر والطباعة والندوات والملتقيات والترجمة من وإلى اللغة الإنجليزية بشكل خاص واللغات الأخرى بشكل عام.
وكان عطاء هذه الأقطار يتفاوت حسب الظروف السياسية والاقتصادية لكل منها، فتتقدم بعضها على الأخرى وتتراجع بناء على ذلك.
ثم أمسكت المملكة العربية السعودية بزمام المبادرة، فانطلقت بشتى الميادين وسابقت الركب وسبقتهم بسواعد وعقول واجتهاد أبنائها، وازداد إقبال الناس عليها والتفتت الأنظار أكثر صوبها، خاصة بعد انطلاق رؤية عشرين ثلاثين، ولا ينفصل الأدب والأديب عن هذه الميادين، فاهتمت الدولة ممثلة بوزارة الثقافة والهيئات التابعة لها بهم، وسعت إلى تطوير الأدباء السعوديين وتسليط الضوء عليهم واحتضان المواهب الشابة في هذا الميدان وتقديم الدورات والندوات الثقافية لهم وإرسال أصحاب الأقلام المبدعة منهم إلى معتزلات الكتابة وتثقيفهم، كما بادرت هيئة الأدب والنشر إلى إطلاق مبادرة الشريك الأدبي التي كانت الغاية منها إشراك المقاهي في جمع هذه الفئة من المجتمع على الندوات الثقافية والأدبية، وتيسير التقائهم بالكتاب والأدباء والمفكرين البارزين في المملكة؛ ما ساهم بتشجيعهم على متابعة هذا النهج الثقافي ومواكبته.
ساهم كل ذلك بمنح تجارب شخصية لمتذوقي الأدب واستطاع من خلال مثل هذه الملتقيات طرح وجهة نظره وأفكاره، بل وسلطت مثل هذه المبادرات الضوء على إنتاجه الفكري والأدبي الذي ربما كان غائباً عن المشهد رغم جودته وإبداعه.
وترسيخ الأديب لتجاربه الحياتية ضمن إنتاجه الأدبي؛ محور يضيف جودة إلى المحتوى أحياناً، وذلك بحسب الاحترافية في الطرح وملامسة المحتوى لمتطلبات وتطلعات الجمهور. كما يرسم لوحة مؤطرة بالواقعية.
ومن خلال قراءاتي للمشهد الأدبي أعتقد أن التجاربالشخصية والمحاكاة الإنسانية والاجتماعية، وجهان لعملة واحدة؛ وذلك لأن الجمهور المتلقي للكتابات الأدبية؛ متنوع الرؤى والثقافات والتطلعات الأدبية.
ولا ريب أن الكثير قد استفاد من مثل هذه الندوات وتعرّف على الطبقة المثقفة وعلى أديبات وأدباء المنطقة من خلال هذه المبادرات، بل واستطاع الكثير من الكتاب الجدد الوصول إلى الناس والقرّاء والمجتمع الثقافي؛ ساهم ذلك بإثراء هذه التجربة الثقافية.
وإني لا أدعي أننا وصلنا إلى الكمال في إيصال رسائل المثقفين والكتاب والأدباء حتى الآن، لكن حسب اعتقادي فإن المملكة تسير بخطى واسعة نحو التطور الفكري والثقافي والأدبي، وما ذلك عليها بعسير.
الطبيعة أصل وضروب الإبداع محاكاة
ويؤكد الدكتور أسامة عثمان أحمد من السودان على أقدمية فكرة المحاكاة بقوله:
إن القول بفكرة “المحاكاة” ليس وليد الحداثة، بل هو قديمٌ وموغل في القدم. فمنذ القرن الرابع قبل الميلاد أسس؛ لذلك ما تبناه أفلاطون وأرسطو من القول بأن الطبيعة هي الأصل وما الفن إلا محاكاة لها (كوفمان. و 1968 : 8). وفي ذلك يقول أرسطو “إن شعر الملاحم وشعر التراجيديا وكذلك الكوميديا والشعر المدائحي، وإلى حد كبير النفخ بالناي واللعب بالقيثارة كلها أنواع من المحاكاة” (كوفمان. و 1968 : 33). ويمضي أرسطو في طرحه مفصلاً أن المحاكاة نوعان: محاكاة بالسرد الروائي أي محاكاة الفعل الواقعي بالسرد أو الحكي، ومحاكاة بالتمثيل المسرحي؛ أي محاكاة الفعل الواقعي بالفعل التمثيلي، ومن خلال هذه الأفكار يتضح أن هذا التيار قديم ويميل للقول بأن الطبيعية هي الأصل والمنشأ وجميع ضروب الفن والإبداع هي مماثلة أو مقاربة للخليقة ومحاكية لها. وبهذا فإن تراكمية هذا الإبداع الأدبي الإنساني الكبير، هو بلا شك جزء أصيل من إبداع هذه الحياة الطبيعية وموروثها الحضاري البشري.
ولعل من أشهر بيوت الشعر العربي القديم ما جاء في إحدى جياد المعلقات “هَلْ غَادَرَ الشّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ.. أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ؛ هكذا يفتتح الشاعر الفارس العربي المجيد عنترة بن شداد العبسي (525 ـ 608) معلقته باعترافه بالقصور عن اللحاق بركب الشعراء الذين سبقوه، فيرى أنّ الشعراء السابقين قد استغرقوا المعاني السابقة ولم يتركوا لمن جاء بعدهم شيئًا من المعاني (المرزباني، محمد بن عمران، (2005): كتاب معجم الشعراء)، ولئن كان هذا في ذلك الزمان وفي ميدان الشعر فقط وهو ضربٌ واحد من ضروب الإبداع؛ فما بالنا بميادين الأدب الآن، ومختلف ضروب الإبداع والفنون المتعددة حالياً، وفي ظل التقارب الكوني والتداخل الثقافي بين أقطار الدنيا وفضاءاتها الرحبة المتداخلة بفعل تطورات ثورات التقنية والاتصال.
ولئن كانت التجارب الذاتية تعتمد في حقيقتها على المقدرات الشخصية التي تقوم على الموهبة الإبداعية، فهي عبارة عن قدرات خاصة مميزة، مرتبطة بالدافعية والإبداع، يستطيع صاحبها تطويرها. وبهذا فهي قدرة فطرية أو استعداد موروث في مجال او أكثر من مجالات الاستعداد العقلية، والإبداعية، والاجتماعية، والانفعالية، وهي أشبه بمادة خام تحتاج إلى اكتشاف وصقل وممارسة وتدريب وتجويد حتى تبلغ أقصى مدىً لها. ولا شك أن المبدع في تجربته الذاتية؛ لا تكفيه حصرياً موهبته وإن كمُلت، ولا تُؤهله للإنتاج الأدبي والإبداع وإن حذُقت، إنما يحتاج إلى التفاعلية بما هو حوله، والوقوف على ما حواه هذا الواقع مما قد سبق. إن النص الأدبي لا يولد من فراغ، إنما هو مهما حلق في آفاق التجريد والخيال والتخييل والبلاغة؛ امتداد للواقع الذي يعيشه الأديب، أو محاولة للتمرد عليه وخلق “عالم مواز”؛ لذا فإن الأدب يتأثر بما حوله، وبيئته، وطبيعة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي تطرح وقت إنتاجه.
إن التجربة الأدبية أو الشعرية تشكل فارقًا في العمل الأدبي فتعطيه الواقعية وتمنحه المصداقية، فضلًا عن العمق النفسي وما يرافقه من عاطفة تشحن النص الادبي بطاقة إبداعية رائعة، وتختلف معطياتها من مبدع لآخر ومن وقت لآخر حتى لدى المبدع نفسه. وتختلف أنواعها حسب طريقة استلهام المبدع لها، فقد تكون معايشة وقد تكون مقروءة أو مسموعة، ولا تختلف عند الشاعر المبدع، لكنها تختلف عند من لا يمتلك التجربة الأدبية الحقيقة والقدرة الإبداعية الكبيرة. مع ذلك قد تظهر أن التجارب التي عاشها المبدع وصورها كمبدع داخل أوراقه أكثر واقعية من التي يشاهدها، لأن الأمر يتعلق بالترجمة الفكرية والعاطفية.
إن المحاكاة ليست تقليداً محضاً لأعمال السابقين؛ بل هي سير على هدى نماذج بمثابة قدوة للمؤلف، كما يجب ألا تمحو المحاكاة أصالة المؤلف، ولمساته وتطلعاته، ولا تقضي عليه وتغلقه أو تطفئ جذوة إبداعه. فالموهبة وإن كمُنت في نفس المبدع، فإنها لا تتفجر إلا بتعاطيه مع بيئته من حوله، وبما تحويه هذه البيئة من واقع حاضر ماثل، وتالدٍ سابقٍ وقديم. فهو لا ينفك يأخذ منها ويعطي لها، لكن بأدواته وإبداعاته ولمساته، وبهذا يتميز بين أقرانه وإخوانه، ويتعزز بين محبيه ومعجبيه.
من أنفع وأجمل ما قرأت في الثقافة العربية والإنجليزية عن الإنتاج الأدبي… بالفعل تعقيبا على حديث محمد الحسين في تكامل الدور العربي في هذا المشهد الثقافي المذهل عالميا من غزارة التجربة الإنسانية وصور المحاكاة الاجتماعية لهو من أعلى مراتب الإبداع الإنساني الذي يستحق السيادة والريادة العالمية… شكرا لهذا الطرح المكتمل الشامل المختصر ولكل حرف نثر فكره في أركان المقال… دام العطاء
ما كتبه الأديب أحمد الدليان ليس مجرد إجابة على سؤال فرقد، بل هو تأمل عميق في جوهر العملية الإبداعية، حيث تتعانق الذات بالإنسانية، والتجربة بالخيال، ليولد الأدب من رحم الوعي والدهشة معًا. لقد قدّم رؤية متزنة، تُنصف حرارة التجربة وضرورة المحاكاة، وتُحيل الكتابة إلى فعل وجودي يتجاوز الاعتراف، ليصبح مرآة للروح البشرية في أوج قلقها وجمالها. تعليق يستحق التقدير، لأنه لم يكتفِ بتأطير المفهوم، بل أضاء درب الكتابة لكل من يحمل في قلبه شغف الحرف، وبحث المعنى
ما كتبه الأديب أحمد الدليان ليس مجرد إجابة على سؤال فرقد، بل هو تأمل عميق في جوهر العملية الإبداعية، حيث تتعانق الذات بالإنسانية، والتجربة بالخيال، ليولد الأدب من رحم الوعي والدهشة معًا. لقد قدّم رؤية متزنة، تُنصف حرارة التجربة وضرورة المحاكاة، وتُحيل الكتابة إلى فعل وجودي يتجاوز الاعتراف، ليصبح مرآة للروح البشرية في أوج قلقها وجمالها. تعليق يستحق التقدير، لأنه لم يكتفِ بتأطير المفهوم، بل أضاء درب الكتابة لكل من يحمل في قلبه شغف الحرف، وبحث المعنى