سهام السعيد*

“العدل أساس الملك”.. هو السّراب الّذي تتعطّش له الخليقة.. بل إنّ العدل ميزانٌ لكلّ فعلٍ أو قولٍ أو نيّةٍ.. ولأنّ المعلّم هو قدوة المجتمع ينبغي أن يكون السّبّاق لحمل ميزان العدل.. سالكًا طريقه بكلّ ثباتٍ ورضىً.. فالعدل في تعامله مع المتعلّمين إنما هو إنصافٌ لرسالته.. وحقٌّ لهم.. وواجبٌ عليه.
أودّ تسليط الضّوء على نقطة غاية في الأهمّيّة.. لكن قد لا يراها البعض أو الأغلب.. ربّما كانت في زاويةٍ بعيدةٍ عن متناول إدراكهم.
فلو طرحنا فكرة العدل وعدمه -في تعامل المربّي مع طلّابه- أوّل ما يتبادر إلى أذهان البعض الآثار السّلبيّة الّتي يولّدها عدم الإنصاف بين المتعلّمين من حزن وتراجع في المستوى.. لكن ماذا لو نظرنا إلى جانب آخر من زاويةٍ أخرى أكثر دقّة وتفرد.. لا يراها إلّا حاذق ولا يدرك آثارها إلّا متمرّس يمتلك قدرًا من الفراسة.
إنّ قيام بعض المعلّمين باتّباع سياسة الكيل بمكيالين والتّمييز في التّعامل مع المتعلّمين.. إنّ هذا يُبقي إنتاج المعلّم ضمن الحدود الدّنيا الضّيّقة مهما كان المعلّم بارعًا.. فإنّه بعيدًا عن نقدنا لسوء سلوكه التّربويّ وخيانته للأمانة والمهنيّة.. يفوّت عليه فرصة استكشاف عقولٍ متميّزة قد تكون غير مرئيّة للنّاظر نظرة سطحيّة، فهناك قدراتٌ كامنةٌ قد تكون الأميز والأكثر بريقًا لكنّها تحتاج إلى عينٍ حاذقةٍ ونظرة ثاقبة تستطيع اكتشافها.. وإبراز طاقاتها.. وتنمية مهاراتها.. فربّما كان بين الأسماء المهملة طاقاتٌ وقّادةٌ وعقول مشتعلة ذكاءً.. واراها الخوف أو الخجل أو التردّد أو حتّى لسبب مرضيٍّ أو نفسيٍّ أو وضعٍ اجتماعيٍّ.
هنا تكمن مهارة المربّي العارف الماهر الّذي يحسن التّقدير.. ويسير بنور العدل.. فينصف الوقت حين يوزّعه على الجميع.. فيستبين ما خفي من الأمور؛ ويكسر حاجز الصّمت لدى الكثير من الطّلّاب.. بذلك يتمكّن من رصد حالاتهم.. وتحديد مستوياتهم.. والعمل على فرزها والنّهوض بها.
ومن بين هذه الحالات لا بدّ أن يلتقي بالحالة الومضة.. وهي العبقريّ الصّمت.. الّذي إن استطاع المعلّم اكتشافه.. وجَذبهُ إلى النّور.. يكون قد حقّق إنجازًا يُحسَبُ له.. لأنّه يكون قد قدّم للعالم وجهًا مشرقًا سيكون في صفوف العظماء.

*كاتبة سورية