مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

    فاطمة الجباري *   “ما أجمل أن تجد قلبًا واحدًا يبادلك النقاء، يراك كما …

حين تُزهر الأرواح باسم الصداقة

منذ يومين

21

0

    فاطمة الجباري *

 

“ما أجمل أن تجد قلبًا واحدًا يبادلك النقاء، يراك كما أنت، لا كما يريدك الآخرون أن تكون” — مقتبس.

في زمنٍ تغيّر فيه معنى العلاقات، وأصبحت الوجوه تتبدّل كما تتبدّل الفصول، تبدو الصداقة الحقيقية كنبعٍ صافٍ وسط صخب العالم، تسقي الأرواح بالعذوبة والوفاء، وتمنح القلب يقينًا أن الخير ما زال يسكن بعض القلوب.

لقد كثُر من نعرفهم، وتعددت الأسماء في ذاكرة الحياة، لكنّ القليل منهم يترك فينا أثرًا لا يُمحى،
أثرًا يشبه العِطر الذي يبقى بعد الرحيل.

الصداقة الحقيقية ليست حديثًا طويلًا، ولا لقاءاتٍ متكررة، بل هي شعورٌ عميق بالطمأنينة، وإحساسٌ بالأمان في وجود شخصٍ يُشبهك دون أن يتقمصك.
هي أن تجد من يفهم صمتك قبل كلماتك، ومن يقرأ حزنك من بين السطور، ومن يُدرك أن قربه يُغنيك عن ألف حضورٍ زائف.

الصديق الحقيقي لا يملأ حياتك بالكلام، بل بالأفعال، ولا يعدك بالوقوف إلى جانبك، بل يقف فعلًا حين يتراجع الجميع.
هو من يُذكّرك بقدرتك على النهوض، ويُعيد ترتيب فوضاك حين تتبعثر أحلامك.

الصداقة الحقيقية تُختبر في المواقف، لا في الصور والابتسامات، وفي الصمت أكثر من الضجيج.
هي ذلك الشعور الذي يجعلك مطمئنًّا بأن هناك من يُحبك دون مصلحة، ومن يراك بعين القلب، لا بعين المقارنة.

الصديق الحقيقي مرآةٌ صافية لا تُجمّلك بالكذب،
بل تُريك حقيقتك بلُطف، وتنصحك بحب، وتعاتبك بصدق.
يحتويك وقت الغضب، ويغفر لك قبل أن تعتذر،
ويُدافع عن غيابك كما لو كنت حاضرًا أمامه.

كم من صديقٍ مرّ بنا وترك أثرًا جميلًا ثم مضى،
وكم من آخرٍ بقي لأن قلبه يشبهنا في صفائه ونبله.
هؤلاء لا يُعوّضون، فهم نِعمةٌ لا تقدّر بثمن، يزهرون في حياتنا بصمت، لكن عطرهم لا يزول.

الصداقة الحقيقية لا تحتاج إلى تبرير الغياب، ولا إلى إثبات الحضور، فالأرواح التي تآلفت صدقًا لا تبتعد، وإن فصلت بينها المسافات.
تبقى الدعوات في الغيب لغة الأوفياء، ويبقى الحب النقيّ رابطًا لا تذروه رياح الحياة.

في عالمٍ امتلأ بالوجوه الزائفة والعلاقات المؤقتة، تغدو الصداقة الحقيقية عملةً نادرة، لكن من يجدها يملك كنزًا لا يفنى، ووطنًا صغيرًا يأوي إليه كلما ضاقت به الدنيا.

فاحمد الله إن كان لك صديقٌ يشبه النور، يُضيء عتمتك دون أن تسأله، ويُصغي لوجعك دون أن تُبرّر، صديقٌ يحفظ سرك، ويحمل لك الدعاء في قلبه كل حين.

فالصداقة الحقيقية… وطنٌ يسكن القلب، لا يشيخ ولا يزول، مهما تعاقبت عليه فصول الحياة.

 

*كاتبة سعودية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود