مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

شذى الجاسر* على شاطئ البحر، تحديداً وسط الساحة التي تسكنها كراسي العابرين جلست ت …

رجل من السماء

منذ سنتين

742

1

شذى الجاسر*

على شاطئ البحر، تحديداً وسط الساحة التي تسكنها كراسي العابرين جلست تتأمل وحدتها التي عاشت رفيقة لها لأيام بل لسنين

ما زالت تتذكر مشاعر الفرحة عندما استطاعت تحقيق أمرًا بعد ما كانت يائسة من تحقيقه نتيجة بعض الحرمان الذي تجرعته في حياتها السابقة، كانت بها زوجة عذراء رغم انجابها ابنا يساوي بعينيها الدنيا…

هي في بداية الأربعين، فتاة سريعة التعلم، ذكائها عال جدا، سريعة البديهة لكنها تعشق التغابي وإدعاء عدم الفهم لتعيش بسلام، لكنها أيضا تعيش تناقضا متعبا ما بين الثقة وبين شيئا من النقص وعدم الثقة، إثر تلك العلاقة التي مزقتها كما تمزق النار الشجر…

وإثر علاقة أخرى مع صديقة كانت مقربة جدا، دامت صداقتهما قرابة الخمس سنوات لتنتهي باتهامها لها بالباطل والتمادي في تجاوز حدودها معها لتصل تلك الاتهامات لمسّ شرفها تحت مظلة النصيحة، أحدها بسبب تواجدها في مدينتها هذه بعيدة عن أهلها وهي “امرأة مطلقة”!!

كان وقع ذلك في نفسها مؤلما، جعلها تعيش صدمة تساؤل “قرابة الخمس سنوات لم تعرفني! يا له من زمن يعري ولا يستر العقول”

كل حرف جائر وجهه لها جعلها تبتعد بهدوء، ليس ضعفا ولكن لم تهن العشرة عليها، مثلما هانت لديها…

هذه الحادثتين جعلتاها تفقد الثقة، وتعيش زمنا من التوتر والقلق الذي أوصلها للانطواء وصد كل من يقترب منها!، إلى أن دخل في حياتها صديقتين، أخذتا لتعاملهما الراقي الذي ينم عن وعي عال مقام الأخت، أعادتا الثقة والحياة لقلبها…

وبطريقة غير مباشرة جعلاها تعاود ممارسة هوايتها التي ابتعدت عنها إثر أحد اتهامات تلك الصديقة من جديد…

استوعبت أن الله سبحانه قد عوضها عن تلك بهاتين الصديقتين، فصار الابتعاد أسلوبها المفضل عندما يخطئ بحقها شخص ما، أصبحت لا تعاتب، إما أن تعاملهم بنفس المعاملة أو تبتعد عن مساحتهم وهذا ما تفعله في الغالب. 

كل يوم تأتي لهذا المكان وحيدة تحادث البحر والسماء والحجر بعينيها، وأحيانا أخرى يرافقها بعض من تعرفهم، لينتج بينهم حوارات وضحكات…

كان هناك من يراقبها من بعيد خفية، قرأها وفهمها جيدا، وبعد أيام قليلة من المراقبة، أتى القدر ليساعد على تواجدهما بجانب بعض…

ففي أحد الأيام وجدت كل الأماكن ممتلئة، شاهد عينيها تبحث في كل الكراسي من حولها، أخبرها أن تجلس على الطرف الآخر من كرسيه العابر، رحبت هي بالفكرة، جلست، أعطاها بعض من قهوته العربية، التي لم يكن فيها إلا القليل لكن كرمه أبى إلا أن يضيفها…

احتست القهوة بصمت، قدم لها بعض التمر لكنها اعتذرت منه، فلم تكن من محبي التمر كثيرا…

كان الصمت سيد الموقف ما عدا صوت أمواج البحر والهواء وأصوات ساكني تلك الكراسي العابرة…

أراد أن يقدم لها بعض النصح حول ما عرفه من خلال مراقبته السابقة، لكنه تردد، ومع تجاذب أطراف الحديث العام تجرأ في اخبارها ما يجول في خاطره…

بأن تعطي ذاتها بعض الحب والتقدير، وأن تجعلها موازية مع الأطراف الأخرى في التعامل، همّت بتوضيح له سبب تصرفها المتواضع الزائد عن حده لفهمها أن حديثه ما هو إلا تعاطفا معها بسبب هذا الأسلوب الخاطئ، لكنه بادر قبل أن تتحدث وكأنه قرأ ما يدور بخلدها…

بأن ذلك ليس تعاطفا” بل إضاءة يضيفها لقاموس تعاملها، المليء بالتناقض ما بين الثقة واللاثقة. 

أخبرها أن كل ما تمر به هو سببا لسعادتها في المستقبل وإن كان الآن مؤلما فلا تحزن، وأن ابتسامتها اكسير حياة ليطلب منها أن لا تجعلها تموت في بحر الهموم التي ستتحول لراحة بال، استرسل بحديثه الذي يحوي رسائل إيجابية لها. 

كانت مستمعة له من جهة وبين محاولة استيعاب لما يحدث من جهة أخرى. 

هو محق في كلامه الموجهه لها، وكأنه رسالة إلهية أرسل لتنبيهها في تعديل بعض من جوانب شخصيتها، لتصبح مع نفسها والآخرين أفضل دون أن يتم استغلال تواضعها وهدوئها وفرض السيطرة عليها…

أصبح عقلها ينتج كم هائل من الأسئلة:

من هذا الشخص؟

لما كان يراقبها؟!

لما استاء من معاملة ذاتها بهذا التعامل مما جعل من به مرض النرجسية أن يمارس عليها هوايته؟!

لما هو بهذا الطيب؟!

هدأت كل التساؤلات لترسو على سؤال واحد فقط … من هو؟!

عندما عادت لواقعها من عالم التساؤلات في عقلها، لم تجده!!!

تعجبت، بحثت بكل ارجاء المكان … لم تجده!!

لم تشاهد رجلا يعطي من قلبه ليستقيم الطرف الآخر دون هجوم، دون استنقاص، دون أن يضع نفسه موضعا أعلى منها، رجلا يأخذ بيدها ليجعلها ترتقي في سماء الابداع، ليقول لها ثقي بنفسك لأنك فقط مصدر القوة لذاتك. 

لم تشاهد رجلا يهتم بروحها ومشاعرها قبل كل شيء…

تساءلت؛ كيف اختفى فجأة دون أن تلمح ذلك؟! هل هو من الجن أم من الإنس؟!

أغمضت عينيها على أمل أن يكون بجانبها مجددا. 

لم تجد سوى مكانه الخالي حتى من قهوته وتمره، استسلمت للواقع، وقفت تتأمل ذلك الكرسي العابر، شعرت أنه مختلف عن بقية الكراسي، فبه روح صاحبه. 

التقطت صورة له للذكرى، ثم حاولت أن ترسم من خلالها ملامحه  في مخيلتها وتكتب عليها اسما أطلقته عليه كما اعتادت أن تسمي كل صورها الملتقطة للذكريات العابرة؛ هنا اجتمعت مع “رجل من السماء”.

*كاتبة من السعودية 

@s_aljaser1

التعليقات

  1. يقول سيد حسين:

    القصه ف مجملها ممتعه للقارىء وقد استهوانى ف البداية عنوان القصه فبدات اشغف بها واستطرد من خلالها .. الكاتبه انهضت روح التعلق لدى القارىء فاجبرته على الاستمرار ف سردها حتى النهاية .. نهايه القصه بينما تظهر على انها نهايه ماساويه ولكن ف حقيقه الامر هى تحمل آمل لنفسها لتعبش وينتظرها وتتعلق به ..وليكن الامل ذاته هو الذي ينتظرة هذا الرجل القادم من السماء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود