مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

‏وفاء عمر بن صديق* خرج ليلًا بحثًا عن وجهة تعيد له إلهامه الذي هجره وقلاه منذ فت …

المعزوفة

منذ سنتين

302

0

‏وفاء عمر بن صديق*

خرج ليلًا بحثًا عن وجهة تعيد له إلهامه الذي هجره وقلاه منذ فترة، وجد نفسه واقفًا أمام الفندق الذي اُفتُتِح حديثًا بجوار منزله، واعتاد على ارتياده في الآونة الأخيرة. دخل إليه، وجلس على طاولة في زاوية بهو الفندق طالبًا كوب شاي ساخن، أخرج أوراقه من الحقيبة، ونثرها أمامه مستجديًا ذلك الإلهام، متوسلًا إليه، فقد وعد الجريدة أن يسلمها نهاية الشهر قصة قصيرة؛ لتنشرها في عمود باسمه، أخرج سيجاره بسرعة، وشرع في تدخينه في محاولة منه؛ لتخفيف التوتر الذي سيطر عليه، أرجع ظهره إلى الخلف، وأغلق عينيه، طرق مسامعه صوت خطوات تقترب منه، فتح عينيه، ليرى دخان سيجارته المتطاير قد عانق وجه فتاة رقيقة الملامح، ممشوقة القوام، ذات شعر بني منسدل على كتفيها، تمشي بكل خفة نحو الجهة المقابلة له حاملة بين يديها آلة الكمان التي تعزف عليها في كل مساء من الساعة السابعة إلى التاسعة، وقفت بكل ثقة ووضعت الكمان على كتفها ونظرت إليه بعينيها اللوزيتين، مبتسمة ابتسامة ساحرة، وبدأت أناملها تداعب أوتار الكمان التي انبعثت منه نغمات في غاية العذوبة _إنها أغنية (SWAY) الشهيرة_ تغلغلت الموسيقى في جسده وتراقصت نبضات قلبه معها، وكأن هذه الأنغام تبعث ذكرى قديمة حاول دفنها مرارًا وتكرارًا.
“سأسافر” هكذا أخبرتُ هدى بقراري. وأنا ممسكًا بيديها الصغيرتين، بدا أثر الدهشة على وجهها الدائري، وانهمرت دموعها التي أغرقت غمازتيها، ولم تنبس ببنت شفة … قلتُ لها: “لابدّ لي أن أقبل هذا العرض، هناك سأقول ما أريد، لا أحد يقدر على تقييد فكري، ولا إلجام لساني، سأنشر ما تمنيتُ نشره، سترى أعمالي النور، وسأصبح حرًّا طليقًا، سأعيش الحياة التي طالما حلمتُ بها”
ردّت هدى بشفاهٍ مرتعشة” وأنا، مامصيري؟” أجبتُها: “لفترة مؤقتة حتى تتحسن الأوضاع هنا، وسأعود إليكِ؛ لنكمل حياتنا سويّا، فأنا لا أستطيع العيش بدونك، ولن أحتمل الغربة لفترة طويلة… هدى … عديني بأنكِ ستنتظريني” أفلتت هدى يديها، ومسحت دموعها، وكست محياها ابتسامة ذابلة، وقالت بصوت متحشرج: “سأنتظرك… سيتشح قلبي بالسواد، ولن يخلعه إلا بعودتك… سأعتزل الحياة حتى رجوعك..”
أفاق خالد من ذكرياته على حرارة البخار المتصاعد من كوب الشاي الذي وضعه النادل أمامه.، أطفأ سيجاره، وهمّ بالمغادرة تاركًا خلفه أوراقه المبعثرة، وإلهامه العصيّ، رحل متمتمًا “بقي اللّحن، واختفت..”

*كاتبة من اليمن

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود