مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

د. خالد أحمد* علاقة مسرح الطفل بالذكاء الاصطناعي، فرصة ثورية أم تهديد وجودي؟ من …

مسرح الطفل والذكاء الاصطناعي

منذ شهر واحد

381

1


د. خالد أحمد*

علاقة مسرح الطفل بالذكاء الاصطناعي، فرصة ثورية أم تهديد وجودي؟
من الأنواع الأدبية المهمة في تجسيد الحكايات هي المسرحية، والتي تعتبر من أهم الأجناس الأدبية المقدمة للطفل وهي التي تحضر فيها جل الأنواع الأخرى كالقصة والشعر والأنشودة؛ وذلك من خلال تجسيد بعض الحكايات أمام المشاهد أو الطفل بشكل خاص، وهي تميز عن غيرها من الأجناس كونها تشاهد مباشرة للطفل ونقل كل القيم التربوية المختلفة ومعالجة القضايا المختلفة، وهي تمتاز بالحركة وما يقوم به الممثلون من حركات وعبارات فوق خشبة المسرح، وهنا نجد الأطفال يميلون إلى هذا اللون الأدبي، لما فيه من إشارات وحركات فضلًا عن التعبير اللغوي، كما يمكن استحضار الماضي أمام الطفل ليشاهده وكأنه حقيقة واقعة.
1 / في تحديد مفهوم المسرح:
من خلال تعريف لمسرح الأطفال نجد ما أوجزه أحمد نجيب، حيث قال” اختيار الفكرة الأساسية لموضوع المسرحية، ثم اكتشاف الحدث الأساسي الذي سيجمع الشخصيات والمواقف المختلفة، وتتابع وقائعه وحوادثه التفصيلية، ليصل من خلال الصراع والحركة إلى الذروة الدرامية، التي تمثل نهاية حتمية لتطور الحدث الأساسي الذي يصل في النهاية إلى الخاتمة المقنعة.. وبهذا يستكمل العمل الدرامي، الذي يستعمل فيه الحوار الحي النابض كأداة للتعبير والتصوير في المسرحية”. 
والمسرحيات الجيدة التي تثير عواطف كثيرة مثل الشفقة، والاحتقار، والخوف، والفزع، والإعجاب، إذا أثيرت هذه العواطف بطريقة سليمة، فإنها تنمي في الطفل الإحساسات الطيبة والإدراكات السليمة، إذا أثيرت على عكس ما قيل أنها تسبب ضررًا، وأسوأ ضياع لأوقاتهم وهدر قدراتهم. 
يُعَدّ مسرح الطفل حجر زاوية في تنمية الطفل المعرفية والوجدانية والاجتماعية، حيث يوفر بيئة آمنة للتعبير عن الذات، واستكشاف المشاعر، وتنمية الخيال، والإبداع. ثورة في مختلف جوانب الحياة، وتأثيره على الفنون، والعلاقة بينه وبين الذكاء الاصطناعي، يُعدّ موضوعًا جديرًا بالبحث والتأمل. تتباين الآراء حول هذا التأثير بين التفاؤل بفرصٍ ثوريةٍ والقلق من تهديداتٍ وجوديةٍ للمسرح التقليدي. يهدف هذا المقال إلى استكشاف هذه العلاقة المتشابكة، من خلال دراسة إمكانيات الذكاء الاصطناعي في إثراء تجربة مسرح الطفل، ومناقشة التحديات الأخلاقية والتقنية التي تطرحها هذه التقنية الجديدة. فثمة عدة تساؤلات هل مسرح الطفل يحتاج إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟ هل الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يحل بديلًا لكتاب مسرح الطفل؟ هل العروض التي تقدمها المسارح المنوطة بالأطفال ستستفيد من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟
هذه الأسئلة تُعد اسئلة مشروعة للقارئ عندما يفكر فى العلاقة بين مسرح الأطفال والذكاء الاصطناعي، وللإجابة على هذه الأسئلة نجد أن الذكاء الاصطناعي هو تطور تكنولوجي يغزو اغلب المجالات إن لم يكن كلها؛ بالتالي فالمسرح من المجالات التي ستتأثر بالذكاء الاصطناعي، لكن ليس هذا معناه أن الذكاء الاصطناعي هو من يضع النص المسرحي عوضًا عن الكاتب، أو يقوم بالأداء الفني عوضًا عن الممثلين أو يقوم بالإخراج المسرحي، لكن الذكاء الاصطناعي يضيف أفكارًا ومعلومات لكاتب النص؛ لكي يضع سيناريو يتناسب بشكل أدق مع مختلف الاعمار والاتجاهات فى مراحل الطفولة المختلفة، وهذه القضية من القضايا التى يجب أن نتناولها فى مقالات مخصصة، وهي تخصيص الكتابة لفئات متنوعة من الأطفال واتجاهاتهم، فليست كل الموضوعات والنصوص تتناسب مع كل الأطفال، حتى وإن جاءت متفقة فى معايير الكتابة العامة للطفل، فالذكاء الاصطناعي يستطيع تحليل شريحة محددة لأطفال فى مجتمع ما وثقافة ما، وتوقع الموضوعات التي تعجبهم وتضيف لهم جديدًا، ومن هنا يأتي تدخل التكونلوجيا فى توجيه الأدب لصناعة إبداعية أكثر دقة، وهناك من يرى أن الإبداع لا يتفق مع الدقة والموضوعية، وهي قضية أخرى، رغم أنني أري أن العلم والتقنية دورها الحقيقي هو توجيه الإبداع والفنون لصالح المجتمعات وتنميتها، أما بالنسبة للعرض المسرحي للطفل يضيف الذكاء الاصطناعي الكثير لهذه العروض من خلال تحويل الخيال لحقيقة مجسدة ومرئية على خشبة المسرح، وهذا يجب أن نخصص له متخصصين فى تقنية الذكاء الاصطناعي أو في التقنيات التكنولوجية لتعمل مع المخرج لتوحيد الرؤية، لعروض أكثر جاذبية للأطفال، وتبعد عن الملل. 
أولاً: إمكانيات الذكاء الاصطناعي في إثراء مسرح الطفل:
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم بشكلٍ كبيرٍ في تطوير مسرح الطفل، بإتاحة فرصٍ جديدةٍ للقائمين على المسرح من مخرجين وممثلين وكتّاب، كذلك للجمهور من الأطفال. تبرز هذه الإمكانيات في عدة جوانب:
1. التأليف المسرحي: يُمكن للذكاء الاصطناعي توليد نصوص مسرحية جديدة للأطفال، بناءً على معايير محددة مثل الفئة العمرية، والرسالة التربوية، ونوع القصة. يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل آلاف النصوص المسرحية الموجودة، واستخراج أنماطٍ وقواعدٍ لصناعة نصوص جديدة، ما يُسهّل عمل الكاتب ويزيد من سرعة الإنتاج. لكن، يجب أن يُراعى دور الإنسان في إضفاء اللمسة الإبداعية والانسانية على النص، والتأكد من ملاءمته لجمهور الأطفال من الناحية النفسية والتربوية.
2. تصميم الديكور والملابس: يُمكن للذكاء الاصطناعي تصميم ديكورات وملابس مسرحية مبتكرة، باستخدام تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي. يمكن للبرمجيات الذكية توليد تصاميم ثلاثية الأبعاد وتحريكها بشكل ديناميكي، ما يُضفي جاذبيةً وواقعيةً على العرض المسرحي. كما يُمكن للذكاء الاصطناعي تحليل تفضيلات الجمهور من خلال بياناتٍ مجمعة وتقديم اقتراحاتٍ لتصميماتٍ مُناسِبةٍ.
3. التأثيرات الصوتية والمرئية: يُمكن للذكاء الاصطناعي توليد مؤثرات صوتية ومرئية مذهلة، بجودةٍ عاليةٍ وتكلفةٍ منخفضةٍ. يُمكن استخدامه في إنشاء شخصياتٍ افتراضيةٍ متحركةٍ بحريةٍ وسلاسةٍ، أو في إضافة تأثيراتٍ خاصةٍ كالسحر والخيال إلى العرض. لكن يجب الانتباه إلى عدم إفراط في استخدام هذه التقنيات، حفاظًا على طابع المسرح التقليدي والتفاعل المباشر بين الممثلين والجمهور.
4. التفاعل مع الجمهور: يُمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء تجارب تفاعلية لجمهور الأطفال، بحيث يُمكنهم المشاركة في العرض بطرقٍ مُبتكرةٍ. فمثلًا، يُمكن استخدام التعرف على الوجه والتحليل العاطفي للمُشاهدين لضبط مُخرجات العرض وتخصيص التجربة لكل طفل على حِدة. كما يُمكن استخدام الروبوتات التفاعلية لتقديم عروضٍ مسرحيةٍ متحركةٍ تُثير فضول الأطفال وتُنمي تفاعلهم.
5. التعليم والتثقيف: يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تحويل العرض المسرحي إلى أداةٍ تعليميةٍ فعّالةٍ. فمثلًا، يُمكن استخدام تقنيات الواقع المعزز لإظهار معلوماتٍ إضافيةٍ عن الموضوع المُناقش، أو لإتاحة فرصةٍ للأطفال لتجربة الأحداث في العرض بصورةٍ تفاعليةٍ.
ثانيًا: التحديات الأخلاقية والتقنية لعلاقة مسرح الطفل بالذكاء الاصطناعي:
على الرغم من الإمكانيات الواعدة للذكاء الاصطناعي في مسرح الطفل، لكن هناك تحدياتٍ أخلاقيةٍ وتقنيةٍ يجب معالجتها بعنايةٍ:
1. الجانب الأخلاقي: أولًا، يجب ضمان أن تكون المحتويات المُقدمة للأطفال آمنةً ومُناسبةً لعمرهم، وتجنب أي محتوى عنيفٍ أو مُسيءٍ. ثانيًا، يجب الحفاظ على الخصوصية والموافقة المُسبقة على استخدام بيانات الأطفال. ثالثًا، يجب التأكد من أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يؤدي إلى فقدان العمل للممثلين والفنيين، بل يسهم في إثراء مُشاركاتهم. رابعًا، يجب الحذر من إفراط الاعتماد على التقنية على حساب التفاعل البشري والعناصر الإنسانية في العرض.
2. الجانب التقني: يُمثل تكلفة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عائقًا كبيرًا، خاصةً في المسارح الصغيرة والهادفة. كما يُمكن أن يُعاني بعض الأطفال من صعوبة التعامل مع التقنيات الجديدة، مما يُتطلب تدريبًا ومُساعدةً خاصةً. أيضًا، يجب التأكد من مُوثوقية البرمجيات الذكية واستقرار أدائها، وعدم وقوع أي أعطالٍ تقنيةٍ خلال العرض.
3. التوازن بين التقنية والإبداع البشري: يُعتبر التحدي الأكبر هو إيجاد التوازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي والمحافظة على جوهر المسرح الذي يعتمد على الإبداع البشري والتفاعل الذاتي بين الممثلين والجمهور. يجب ألا يُصبح الذكاء الاصطناعي بديلًا عن المبدعين، بل أداةً تساعدهم على بلوغ أهدافهم الإبداعية بصورةٍ أفضل. يجب أن يُحافظ المسرح على هويته الخاصة بالتفاعل الإنساني المباشر والعاطفي.
ثالثًا: مستقبل علاقة مسرح الطفل بالذكاء الاصطناعي:
إنّ مستقبل علاقة مسرح الطفل بالذكاء الاصطناعي مُشرق، لكنه مُتعلق بكيفية استخدام هذه التقنية. إذا تمّ استخدامه بصورةٍ مسؤولةٍ ومُخطّطةٍ، فإنّه سوف يُسهم في ثورةٍ إيجابيةٍ في مجال مسرح الطفل، بتوفير فرصٍ جديدةٍ للتعبير الإبداعي والترفيه التثقيفي. لكن إذا تمّ إساءة استخدامه، فإنّه قد يُؤدي إلى تدمير هوية المسرح وتفاصيله الإنسانية الجميلة. يجب على القائمين على المسرح والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي التعاون معًا لتحديد الحدود الأخلاقية والقواعد التقنية التي تحكم استخدامه، وضمان استغلاله لخدمة مصلحة الأطفال وتنمية قدراتهم الإبداعية. يجب أيضًا التركيز على بناء شراكاتٍ بين المؤسسات المسرحية ومراكز البحث في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير تطبيقاتٍ مبتكرةٍ وآمنةٍ لعالم مسرح الطفل.
يجب أن يُركز المستقبل على تطوير تقنيات ذكية تتناسب مع طبيعة مسرح الطفل، وتُعزز التفاعل البشري بدلًا من إضعافه. يجب أن يكون التركيز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز المحتوى الإبداعي وتحسين جودة العروض وتوسيع نطاق وصولها إلى جمهورٍ أوسع. كما يجب الاهتمام بتدريب الممثلين والفنيين على استخدام هذه التقنيات الجديدة، وتوفير الفرص التعليمية للتعرف على إمكانياتها ومخاطرها.
باختصار، إنّ علاقة مسرح الطفل بالذكاء الاصطناعي تُمثل فرصةً ثوريةً لإثراء التجربة المسرحية للأطفال والتعليم والتثقيف، لكنها تُطرح في الوقت نفسه تحدياتٍ أخلاقيةٍ وتقنيةٍ يجب معالجتها بعنايةٍ لتحقيق التوازن بين التقنية والمسؤولية الإنسانية والإبداع. المستقبل يتطلب التعاون والحوار بين المختصين في مسرح الطفل والذكاء الاصطناعي لتطوير استخداماتٍ إبداعية وآمنة لهذه التقنية الجديدة. فقط بالتخطيط والحكمة يمكن استغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحقيق قفزة نوعية في عالم مسرح الطفل، دون التضحية بجوهره الإنساني والعاطفي.

*أستاذ مشارك بالجامعة الأمريكية للتكنولوجيا والأداب والعلوم_مصري

التعليقات

  1. يقول هند إبراهيم:

    أتفق معك د. خالد
    الذكاء الاصطناعي ماهو إلا وسيلة مثرية وليست بديلة.
    ولا غنى عن الكتاب والممثل والمخرج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود