51
0300
1165
035
046
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11992
09701
09183
07407
56957
0محمد الرياني*
المدير الوحيد الذي تعتمد عليه الوزارة في حل أي إشكال في قراراتها وتنظيماتها. يعد من أبرز الشخصيات الوطنية والمؤثرة في منطقة جازان، جنوب السعودية. هذا الرجل صنع ملاحم بطولية من أجل نشر التعليم في جميع المدن والقرى بالمنطقة. في وقت تشح فيه وسائل النقل الحديثة، وصعوبة الطرق، والاعتماد على المشي وتسلق الجبال. من مدير (ابتدائية حاكمة أبو عريش) يحمل (الثانوية العامة) إلى منصب مدير عام التعليم، سابقًا. بمنطقة جازان، جنوب المملكة العربية السعودية.
حمل (معلمًا معاقًا) على (ظهره). ليعيد به لمدرسة أخرى على الجبل. نام في فناء مدرسة على الجبل ليزور مدرسة أخرى في الصباح لجبل آخر لا يهاب الثعابين والعقارب والحيوانات المفترسة. فتحلق حوله المعلمين مضحين بأنفسهم خوفًا عليه حتى لا يصاب بأذى.
غير خطابًا كاملًا من طالب، لمعلم بسبب خطأ من الموظف، بكلمة واحدة كتبها له في الشارع. وهو في طريقه لصلاة الظهر في المسجد، حتى لا يضيع مستقبل هذ المعلم. كان يزور بعض المدارس في القرى النائية على (الحمار) نظرًا لصعوبة الوصول إليها بالسيارة؛ ذلك بسبب وعورة الطرق بالرمال أو جريان الأودية أو لشدة الغبار. يخرج مبكرًا بعد الفجر ولا يعود إلا في نهاية النهار. يتفقد كثيرًا من المدارس فيها ظاهرًا أو متخفيًا على سير العملية التعليمية في المدارس في مدن وقرى منطقة جازان خلال اليوم الدراسي ولا يعلم بوجوده أحد إلا مدير المدرسة فقط.
ذكر أحد المسئولين عنه أنه لا يمكن أن يجتمع الوزير مع المسؤولين في وزارة المعارف سابقًا، في إصدار قرار ما إلا والأستاذ محمد العطاس حاضرًا، كان وزير المعارف سابقًا (الدكتور عبد العزيز الخويطر) رحمه الله يستشيره في بعض الأمور التي تتعلق بأمور التعليم (الدكتور محمد الرشيد) رحمه الله، وزير التربية والتعليم سابقًا، كان يلازمه كثيرًا ويشاوره في بعض القرارات المهمة التي تتعلق بمستقبل التعليم في المملكة. هذا ما رواه لي (الأستاذ علي الحكمي) باعتباره شاهد عيان كموظف في الإدارة لبعض المواقف النبيلة والعملية المخلصة. طيلة تسلمه إدارة التعليم بمنطقة جازان حتى تقاعده.
تسلق الجبال صخرة صخرة في مسالك وعرة في أجواء العواصف الترابية والرعدية، والأمطار والصواعق المخيفة، في ظلمة الليالي الكالحة، لا ماء ولا مؤونة، ولا سلاح يدافع به عن نفسه من الهوام والحيوانات المفترسة؛ ذلك من أجل أن يفتتح (مدرسة خاشر والقهبة الابتدائية) في (بني مالك). وسط الجبال، أو مدارس أخرى في الجبال، قبل أكثر من خمسين عامًا، يقول مدير التعليم محمد العطاس عن أحد المواقف الصعبة التي مرت عليه عند وصولي قمة (جبل فيفا) في ساعة متأخرة من الليل استضفنا (عديل) المشرف التربوي (على شعراوي) وقد أكرمنا خير كرم فأسعفنا بالبطانيات من شدة البرد والمطر الذي تبلنا منه أثناء سيرنا والتعب الذي أنهك أجسادنا وأدمى أقدامنا، تمددت على السرير في غرفة مستديرة. وقد جمعني الحظ مع عدد لا بأس به من (الأبقار والأغنام) في تلك الغرفة السفلى من الدور الأرضي في ذلك المنزل الأسطواني الجميل في أعلى الجبل وأنا منهك نهائيًا من وعثاء السفر صعودًا إلى قمة الجبل على الأقدام، بعد قضاء ساعات طويلة شعرت بالراحة والسعادة في تلك الأجواء الجميلة، وأثناء انطفاء الفانوس هاجمني جيش من مصاصي الدماء وهو (البق أو القمل) فغرف ما تيسر له من الدم من جسدي المتعب. ولم أذق تلك الليلة طعم الراحة والنوم حتى صلاة الفجر بعد الإفطار صباحًا سألت عن المدرسة قالوا لي بينك وبين قرية (القهبة) التي فيها المدرسة رمية رمح أو حجر، وقد شعرت بالسعادة بذلك لقربها لكني وصلت إليها الساعة (٩ مساء) أي بعد (١٤ساعة) مواصلًا السير على الأقدام صعودًا وهبوطًا على ارتفاع (١٢٠٠ قدم) لم أشرب فيها إلا غرفة من ماء آسن على قارعة الطريق في أحد تلك الأودية المعلقة بللت فيه فمي لترطيبه من الجفاف؛ بسبب شدة الجوع والعطش.
خاطر هذا الرجل بحياته بين الوحوش الكاسرة والسباع المفترسة والعقارب والثعابين السوداء القاتلة في بطون الأودية والجبال الشاهقة؛ من أجل نشر التعليم والمتابعة في المناطق الجبلية والوديان والسهول. والجزر وهو لا يحمل معه الماء أو مؤونة غذاء.. أو سلاح يحمي به نفسه.
كانت حياته العملية حافلة بالقصص والمجازفات والمغامرات المثيرة والإنجازات التعليمية العظيمة. تحمل (محمد العطاس) مسؤولية التعليم في المنطقة إبان تكليفه منصب رئيس لشؤون الموظفين في إدارة التعليم عام (١٣٨٤هجرية) وقد أكسبته خبرة إدارية فائقة. ثم تسلم منصب (مفتش مركزي مساعد) للإشراف والتوجيه والمتابعة على(٥٥٥ معلمًا) في (٦٥ مدرسة) بالمنطقة في ذلك الوقت. زار جميع المدارس وافتتح مدارس عدة في كل أنحاء المنطقة، في وقت لم يكن فيها طرق معبدة أو كهرباء أو وسائل نقل إلا الحمير والدبابات أو ما ندر من السيارات. ثم صدر قرار وزارة المعارف آنذاك. لتنصيبه مديرًا عامًا للتعليم بمنطقة جازان حتى تقاعده، (١٤١٧ هجرية). بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل الدؤوب والصبر والكفاح (لمدة ٤٢ عامًا). اعتكف على البحث والتأليف ليصدر كتبًا ومعاجم عن الإدارة وفنونها في مجال التربية والتعليم. وقد بلغت أكثر من ١١ مؤلفًا مطبوعًا، ليدشن بها للمكتبات السعودية والعربية.
يقول الأستاذ (محمد العطاس) لقد عشنا سنوات صعبة وأيامًا مريرة، لكنها كانت المتعة والسعادة. ونحن ننشئ جيلًا متسلحًا بالعلم والثقافة؛ من أجل مستقبل الوطن الغالي والعزيز على قلوبنا.
*مؤرخ وكاتب سير_سعودي
التعليقات