23
051
079
080
0240
3الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11935
07056
06861
06337
05728
5أحمد فلمبان*
ليس على الرسام أو الفنان، أي مأخذ، ما دام يعيش لذة زهوه في لوحته وزخارفه ومكعباته ومربعاته ومبعثراته، وتظل حبيسة جدران منزله الأربعة، ولكن سيكون صاحب تَبِعَة ومسئولية إذا نزل بها إلى الناس، ليعرض عليهم ما كان يعمله في بيته، لأنه أصبح ملكًا مشاعًا قابلًا للمدح والقدح، فهناك عشرات بل مئات من العيون لترى وتفحص وتُدقق، وهناك عشرات أيضَا من أيادي الفنانين لتعمل وتنتج بجدية قد تنافسه! هذا ما يجب أن يعرفه الفنانون، فصناعة التصوير شيء، والإبداع شيء آخر، وهناك فرق بين الفنان الجاد والمتطفل.
لنأخذ (مثلًا) لوحة تحمل رسم طاولة، فالمشاهد (النجار) لن يقف سلبيًا أمامها بل يهمه جيدًا أن يبحث قضية الخشب والأصباغ فيها، والمشاهد (المهندس) سيدرس قضية الشكل، أمبتكر هو أو مقتبس؟ وهل نجح الرسام في كيفية تركيبها من الناحية الهندسية أم لا؟ والمشاهدة (ربة البيت) ستهتم هي أيضًا بها من حيث وضعها في محلها المناسب من اللوحة، وأن الأغطية وُضعت عليها في انسجام مقبول مع ما يحيط بها من أثاث، وما قلته عن لوحة الطاولة (على سبيل المثال) أستطيع أن أقوله عن كل لوحات الفنانين ما تحملها من أشكال وجوانبها التقنية والتنفيذية، لأن هناك تجاهل لهذا الجانب، وإهمالًا في العناية باللوحة بكل معاييرها وضوابطها وجوانبها التقنية، للاستعجال لإنهاء اللوحة في أقصر وقت، للحاق لفرص المعارض والمسابقات، وإقامة المعارض الشخصية بعدد قياسي، ضاربين عرض الحائط المعاير الفنية والتقنية، والعناية في تكوين اللوحة، وعن الأمور البديهية والتي دعته (مثلًا) إلى رسم الشجرة أو ذاك الوجه أو ذلك الحصان، لأنه سيكون صاحب تَبِعَة ومسئولية إذا نزل بها إلى الناس؛ لأن المشاهد لا يهمه رؤية (زهرة أو جسد أو أنثى أو حصان أو بيئة شعبية، ولو كان متقنًا) بقدر إحساسه معنى (الزهرة) في كل ما يُرسَم من زهور، ومعنى (الإنسان) في كل ما يُرسم من أجساد، ومعنى الرجولة والأنوثة، فيما يُرسم من رجال ونساء، والبيئة، حالتها ومعاناتها ومشاكلها وأوجاعها، لتُشعر المتلقي بالتماثل مع المعاناة والمصائب التي تواجه البشرية في الحياة ويكون الرسام هو ذاته أول ناقد للوحته، لتتحقق الضوابط والمعايير الفنية والتقنية، ولكن الآن ومع -الفوضى الممنهجة- غابت هذه المعايير، فأصبح لا فرق بين اللوحات المعروضة، وتشابهها في كل العناصر، وغياب الأهداف والمنهج والتقنية والأسلوب، حيث توالدت من خلالها الأوهام بأنهم أصبحوا فنانين، وتناثرت كالطحالب، واختلاط الحابل بالنابل، واضحت الساحة التشكيلية، ميدانا لمن هب ودب، إذ تقام اكثر من 135 فعالية ومعرض في الشهر، غير المعارض التجارية التي ينظمها بعض المقيمين العرب في أوروبا، المنتشرة إعلاناتها في النت والمواقع الإلكترونية، أو من خلال المتعهدين المحليين، والموجهة خصيصًا لفنانينا الشغوفين للشهرة، والتواقون للعالمية، فرصة المشاركة في معرض دولي في أوروبا، برسوم مختلفة حسب مستوى كل فعالية قد تصل الى 1500 دولار للمشاركة الواحدة، والحصول على شهادة مشاركة ولقب فنان عالمي ومدرب معتمد، ومن هذه الفرص المتاحة والسهلة للولوج الى الفن، شجعت الكثيرين أن تمتد أياديهم للعبث بالألوان، ليصبحوا فنانين، ابتلي بهم التشكيل السعودي، فأصبح لا فرق بين (المتطفل المدعي والفهلوي والمشاكس والمعاند والمقاوح والمتوهم، والضحية وسط هذه الغابة من الوحوش، الفنان الجاد، ويذكرنا تاريخ الفن العالمي، أن الفنانين في الدول المتقدمة في الثقافة والفنون -وهم الرموز والقدوة- كانوا يضعون في الاعتبار أن كل لوحة من لوحاتهم، بمثابة نافذة مفتوحة على قلب المجتمع، التي تستنطق الروح وتروي قصة الفنان وتنقل مشاهده الذاتية بلا زيف، ويحرصون على إنجازها بأعلى درجات المثالية والكمال، والالتزام بكل الضوابط والمعايير الفنية والجوانب التقنية والتنفيذية بما فيها جودة الخامات، وقد يقضون شهورًا عدة في إنجاز لوحة واحدة، وقد تستعصي عليهم، في سبيل تحقيق كل ذلك، قبل أن يفكروا ألف مرة في الإقدام على إقامة معرض شخصي، وإن أقدموا عليه فإنه يقيمونه بعد العشرات من المعارض الجماعية والعشرات من الفعاليات الفنية، لإثبات ذاتهم في هذه المعارض، ويكونوا هم أول النقاد لأنفسهم إذا خرجت اللوحة عن معاييرها وضوابطها الفنية والتقنية، لعلمهم أنه سيكون صاحب تَبِعَة ومسؤولية إذا نزل بها إلى الناس، أما الآن أصبح هناك استسهال كبير في إقامة هذه المعارض، في ظل الفوضى الممنهجة.
إن السكوت عن هذه الحالات، بحجة التشجيع والدعم، وتجويدها لأهداف مقصودة -لا أعتقد بإيجابيتها- ومن هنا نجد تكاثر عدد الفنانين، نتفوق في العدد على بعض الدول العريقة في الفن، والغريب أن 80 % من إنتاجهم، ضمن سلة واحدة وفي استلهامات أيضًا واحدة وصيغ متقاربة، وكأنه الفنان واحد، وتكرارها في كل المعارض الشخصية والجماعية، وهذه الحالة بما يمكن أن نسميه الاجتراء على الفن، مجرد علبة الوان وفرشاتين كانفس، دون أدنى امتلاك للموهبة أو معرفة بالرسم، معتمدين في إنتاجهم بالنسخ والاقتباس، من الصور والأعمال الفنية المتوفرة في الكتب والكتالوجات والنت وغيرها، مع بعض التعديلات للخروج من ضائقة اللطش، وتنامي هذا العبث والتشويهات والهلوسات في عالم من التهاويل والفهلوة اللونية، في ظل غياب المعاير والضوابط التي تتحكم في العروض الفنية، والذي معظمه مجرد بعثرات من المفردات لتكوين لوحة مقحمة بالحروف والزخارف والنقوش والنقوش المبهمة، والشخيصات وحيوانات الغابة والأسماك والأغنام وأدوات المطبخ ودواليب الملابس، بلا هدف أو رابط بينهم، مجرد حشو ساذج بليد، وهناك ثلة أخرى وجدت في اللوحات العالمية، المنتشرة أيضًا في النت، مجالًا خصبًا للطش والاقتباس، للطبيعة الصامتة والبروتريهات ومناظر السهول الخضراء والبحيرات والشلالات والأنهار، والجبال المكسوة بالثلج وأشجار الصنوبر والأرز وزهور البنفسج والأوركيديا، والأكواخ الخشبية وطيور البجع وحيوانات الكنغر والتماسيح -غير الموجودة في بلادنا– ضاربين عرض الحائط الحقوق الأدبية والفكرية والقانونية لهذه اللوحات.
فهذه الحالات، لم يكن ليحدث لولا أن النقاد الحقيقيين الذين هم حماة الفن وحراسه صامتون، واكتفوا بمراقبة هذا العبث.
وللأسف، نحن بهذا الوضع، أمام حالة ليست إيجابية، فهي تحولنا إلى راكضين خلف السوق أو حتى الجوائز، لا تفيدهم، ولا تخدم الفن التشكيلي السعودي، بل إننا نخشى المزيد من التدهور والانحطاط، بالتالي نشجع على تشابه المنتج، ونكرس على الإسهام في انحسار الجادين بعيدًا عن بحث يوصلهم إلى اختلافاتهم وإلى شخصياتهم الفنية وإلى تميزهم، وهذه الحالة، التي أخذت تتنامى بشكل متصاعد ورهيب، وتتوالد كالطحالب، حتى نما وتحول إلى ظاهرة وواقع بالقوة، وباتت تتصدر المشهد التشكيلي، فأصبح لا فرق هناك بين فنان جاد ومتطفل، وسط سكوت المثقفين وأدعياء النقد والتنظير! ونقرزان المطبلون في الصفحات الفنية، وتعاطف الجهات المشرفة بحجة الدعم والتشجيع، وهذا الوضع ليس مستحبًا ولا إيجابيًا، في سبيل الحفاظ على نقاء الفن السعودي، والتطلع لإيجاد حراك تشكيلي، قائم بذاته، بصيغ شخصية محلية مميزة، وفتح السبل والفرص إلى ما هو أكثر اختلافا وتنوعًا في التجارب، ربما تكون أكثر تميزا، بالتالي إبعادها بشكل غير مباشر عن أحقيتها واستحقاقها، الذي يُفترض أن تُمنح لكل التجارب المختلة، بأساليب معاصرة وإيحاءات بصرية وصور متنوعة، المنطلق مع إنسان الماضي والحاضر، الذي يجب أن يعيشه كل فنان، وفق معطيات العصر القائم على ثقافته وحضارته العربية الإسلامية، ويستوحي خطوطه والوانه، أجمل التكوينات الفنية البديعة، ومن المخزون الإبداعي والعاطفي في داخله، رسمًا ونقشًا وتصويرًا ونحتًا، لتعبر عن ذاته الواعية بمقومات وجوده الجماعي وكيانه المستقل الحر الأبي وتأثره ببيئته وارتباطه بالأرض بعبقها وقيم تراثه وأصالته بالحاضر، الذي يؤكد على احترام الفنان لذاته ومجتمعه، لأن الفن الذي نعشقه وننتمي اليه، لا يجب أن يكون أكثر من زينة “لحائط”، والتفاخر به وكأنه لم يخلق مثله في البلاد، والمكابرة بعدم المشاركة به في أية فعالية عامة، ولا التنازل لرؤية إبداعات الآخرين، لأن التاريخ لن يكترث لكل ذلك-كونك فنانًا كبيرًا أو رائدًا- ولا تهمه كل هذه الشكليات، ولا يهمه مطلقًا أن يكون التصوير كلاسيكيًا أو حديثًا، أو جميلًا او قبيحًا، وفريدًا او مماثلًا، فما أكثر ما تحتوي ذلك في متاجر الفن، ودكاكين الأنتيكات، وسوق الأهدل، وحراج الصواريخ وسوق البطحاء وحراج بن قاسم، وسوق الديرة، إنما أعني أولئك الذي يعيش الفن في قلوبهم ورؤوسهم، ووجدانهم والتفاعل مع فن الوطن، أيًا كان ومهما كان ولمن كان، لتجسيد قيم المسؤولية الاجتماعية وأثرها الإيجابي، فيرعونه بجدية صادقة وحب وولاء لهذا الفن، لأن كل هذه، لم تزل كما كانت منذ خلق الله آدم حتى اليوم وكما نراها نحن الآن، سيراها غيرنا بعد آلاف السنين، وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله، بينما الإنسان وحده في تطور مستمر دائم، لأنه يعيش في زمن الحركة، وكل شيء من حوله يتحرك ويهتز ويتغير مكانه وألوانه، وتتشكل مساحاته، لأن التاريخ، سيطالبنا باللوحة التي تمثل عصره ومعاناته وآماله ومآله، حتى يكون له وثائق ثابتة، يعتمدها عندما يسألنا غدًا عنها.
فلماذا لا يكون “فننا” كذلك يرافق الإنسان في جميع مراحله التصاعدية؟
فهل نجرؤ على مثل هذه المغامرة؟
وهل يقدم الفنانون على رهان قد يكلفهم حياتهم عشرات الأعوام الطويلة؟
وهل صحيح أن الفنان لا يكفي في فنه إلا حاجة حسه وحدها؟
وتقلصها في شخصية تخاف أن تبحث المشكلة الفنية من الأساس؟
فهل يفهم الفنان أن كل لوحة من لوحاته، هي بمثابة ناقوس، ينبه فيه إلى قيمة الحضارة المتحركة في عيونه؟
مقال نثر بين حروفه الكثير من الرسائل والمعاني التي نقدّرها ونحترمها … وكل الصور التي تم ذكرها هي صور من صور الفن الإنساني المرحب به في العالم المتقدم …الا يكفي أن نرى الجمال مبعثرا فكما رأيناه في سوق الصواريخ فقط رأيناها في شوراع روما والنمسا، وأسواق الأنتيك في واشنطن ونيويورك… ويكفي أن تلك المعارض ما منها يخاطب العامة والخاصة ومنها ما يلهم ويروق المزاج … كل التحايا لقلمكم الذهبي…