الأكثر مشاهدة

أحمد فلمبان* بعد قرن من الزمن، بدأ التشكيل السعودي يصحو ويستفيق ويدرك ما يجري في …

من رائد الفن التشكيلي السعودي؟

منذ 4 أشهر

170

0

أحمد فلمبان*

بعد قرن من الزمن، بدأ التشكيل السعودي يصحو ويستفيق ويدرك ما يجري في دول الجوار، من أنشطة وفعاليات مبهرة، وعن ركض العالم، من عطاءات وأطروحات، والسير نحو التيارات والاتجاهات والأساليب والأنماط الفنية السائدة والإنجازات الفنية الحديثة؛ بسبب العثرات والكبوات والإخفاقات والإحباطات والصعوبات والعقبات والتعقيدات الجمة التي أصابته، إضافة إلى التقيد بالشرع والتقاليد والعادات، ومعطيات القيم والتراث والبيئة المحلية، ومن هذه العوائق اتجه معظم الإنتاج إلى الخط العربي والوحدات الهندسية من نقش وزخرفة وحفر، والأعمال التقليدية والحرف اليدوية من تطريز وخياطة، وصياغة الذهب والفضة، وتشكيل الزجاج والخشب والحديد والنحاس، وصنع الأدوات المعدنية، والأعمال التزيينية والديكوراتية المناسبة مع المجالس والصالونات، أو لخدمة الأهداف النفعية وتنفيذ أعمال المجاملات والمناسبات، ومع كل ذلك لا يزال يقتفي خطوات مفهوم الفن العربي في جوهره وفي مظاهره، والاستفادة من تجارب الفنانين العرب لبناء اللوحة، ويرزح في إشكاليات التجارب الغربية، والتذبذب في الطرح، ومعظم الفنانون يتخبطون في دوامة التنقل من اتجاه إلى آخر، ومن مدرسة إلى أخرى ومن تيار إلى آخر في مدارس الفن الحديث وخاصة التجريدية، وهي الأوسع انتشارًا بينهم -لاعتقادهم- والأسهل والأسرع للتنفيذ والأجدى للمراوغة والاختلاق، يساهم في هذا التخبط المطبلون من هواة الكتابة النقدية، بعبارتهم المشهورة (انت فنان، استمر!) ومع بداية الألفية الحالية، وغزو (المفاهيمية) الساحة التشكيلية السعودية، راق للمعصرنين من الفنانين هذا الأسلوب، وجربوه وعرضوه خارجًا ًعن فلسفته الحقيقية وزمنه ومناخه وبيئته، أفقد مفهومه ومفاهيمه التي ابتكرت من أجلها من نصف قرن، لأنه -بالنسبة لهم- الأسهل والأسرع في التنفيذ، والأجدى للشهرة، لكن في الواقع، لم يأتوا بجديد في هذه المغامرة، فكلها من أفكار سابقة قديمة، مع بعض التعديلات للخروج من ظن الاقتباس، ومن هذه الثغرة يتواصل الفضوليون، البحث عن وسيلة للولوج في هذا الفضاء، وإنتاج المطلوب للسوق، بالاقتباس من الصور والأعمال الفنية المتوفرة في الكتب والكتالوجات والإنترنت، أو من لوحات الفنانين السعوديين المشهورة، مع بعض التعديلات للخروج من ضائقة اللطش، وتضمينها داخل أعمالهم كنوع من تصميمهم الشخصي، لنيل الاعتراف بهم كفنانين أو بالفوز في المسابقات، أو الزج بما هب ودب بما فيها صور القطط والطيور وقدور الشربة، لإقامة معرض شخصي، حيث تلاشت المنطلقات التجديدية والمحاولات الجادة الواعية والاستقلالية في الإنتاج، وأصبح هناك تشابه في جميع حالاتها، بما فيها الأسلوب والتقنية والصيغ أيضًا متقاربة، ولا توجد تقاليد فنية قائمة بذاتها، تحقق التميز وشخصية فنية ذاتية دون مؤثرات خارجية، وجميع المعارض الشخصية والجماعية، نمطية، لا تضيف إلى التشكيل السعودي جديدًا، مجرد عروض باهتة ساذجة، باختلاط الحابل بالنابل والطالح بالغث الرديء، اساءت للفن النقي، وأحبطت الفنان الجاد؛ لأن المجال أصبح مفتوحًا، خاصة التواقون للشهرة، مجرد لوحات مقتبسة أصبحوا فنانين، في ظل فلتان الساحة التشكيلية وغياب المعايير والضوابط المنظمة للعروض الفنية، والطريف أنهم يحاولون المزاحمة على لقب الريادة، والمقارعة من أجل الحصول عليه؛ لأنه يرى نفسه الأحسن والأفضل، بشهادة النقاد الذين منحوا له شهادة المرور إلى الفن، قد يكون من الغباء التلقب به!؛ لأنه ليس لدينا فن بشخصية ذاتية، كي يكون لدينا (رواد)؛ لأن التلقب بالريادة ليس معيارًا للتفوق ولا يعني الأحسن والأفضل، وأنا لم أجد في كتب الفن الإيطالي لقب “رائد” على رموز فنونهم أمثال (دافنشي ومايكل انجلو ورفاييلو وبرنيني وموديلياني وكارافاجّو) وغيرهم، لكن في مجتمعنا التشكيلي، وفي ظل الفوضى العارمة، مجرد معرض شخصي ومشاركتين، منحوا له لقب (رائد) وهناك صراع ومضاربة للحصول عليه، ويوميًا نجد في عدد من منصات التواصل والصحافة الفنية، تداولات ومناقشات ومقارعات، عن الأحقية في اللقب. 

ومن وجهة نظري، أن مفهوم “الريادة” شائك ومعقد ولا تُفسر جُزافًا وتُمنح هباءً، فهي مرتبطة بمسألتين، الأولى تاريخية بمعنى السبق التاريخي والزمني، والثانية فنية وجمالية تتعلق بالتأسيس لظاهرة فنية أو جمالية جديدة، فالرائد بالنظر إلى اسمه شخص يسبق الآخرين ويُرَوّد لهم الآفاق مستطلعًا ومكتشفًا، وبعد ذلك يقبل الآخرون على ما اكتشفه ويطورونه ويضيفون إليه، وهذا يعطينا فكرة أخرى تتصل بعدم اشتراط الاكتشاف الكامل والنضج التام في ملابسات الريادة، إنما يكفي التنبيه للجديد، ودفع الناس إليه، من دون أن نطالب “الرائد” بأن يقول كل شيء، لأن في أنظمة الأدب والفن يحتاج زمنًا طويلًا وتجارب معمقة لتنضج وتتطور وتكتمل -بهذا المعنى- فلا حدود لولادة الرواد، فمسألة الريادة ليست مرتبطة بعصر دون آخر، إنما هي مرتبطة بالتجديد واختراق الآفاق واكتشاف الطرق الجديدة، والطريف في مجتمعنا التشكيلي، هناك خلط في المفاهيم، وجهل في المصطلحات والتجنيس الفني، ومن البديهي لا ينطبق في واقعنا الحالي إلى مستوى “الحراك التشكيلي” لعدم وجود المؤسسات والمراكز الفنية المتخصصة، وقاعدة بيانات الفنانين، والسجلات التوثيقية للأعمال الفنية، ولا صحافة ولا دوريات ولا مجلات فنية متخصصة، ولا برامج إذاعية وتلفزيونية تعني بالتشكيل، ولا متاحف تشكيلية، ولا أكاديميات ولا معاهد ولا مدارس فنية، حتى الجاليريات الخاصة، تمارس نشاطها لغير مسماها الرسمي في البلديات، وأكثرها مسجلة كدكاكين براويز وقرطاسيات وأدوات مكتبية أو ورش نجارة! ولا نستبعد أن يكون منها دكاكين شاورما أو طعمية، أو مكتب لعمال الصبة والتلييس، وبهذا الوضع الكئيب للفن، لا يرنو ابدًا الى عملية التجديد والتطوير، والإنجازات الفنية الحديثة، ولن يصل إلى مستوى “الحراك” بمفهومه الشامل، بالتالي لا يمكن إيجاد فنانين يستحقون لقب “رائد”، بما فيهم الذين ظهروا في الثمانينات الهجرية، وعرضوا للجمهور في فترات متقدمة، وأسعفهم الحظ بالصحافة الفنية والحملات الإعلامية للترويج لهم، ولسردياتهم الضبابية والخالية من الأدلة والبراهين والصور، تثبت نشاطهم ومعارضهم، وهؤلاء لا يستحقون لقب “الريادة” إنما يمكن تلقيبهم بـ(الممهد أو المتقدم)؛ لأنهم ظهروا بعد ثلاثة عقود من عصر الممارسون الأوائل، أمثال (محمد طاهر الكردي ومحي الدين كرنشي وفخري علي رضا وعبدالقادر باقيس ومحمد الزرقاني ومحمد راسم وحسن السنان) وغيرهم، الذين يعتبروا رواد بدايات أو رواد تأسيس، لكن الكتب والمقالات عن التشكيل السعودي تجاهلتهم، في ظل غياب المعايير والطابع الرسمي المنظم والاهتمام بالتوثيق، ما يجعل جهودهم وتجربتهم البصرية وانتشارها مفقودًا، وهؤلاء تنطبق عليهم صفة السبق التاريخي والزمني، ويُرَوّد لهم الآفاق بما قدموه من إنتاج مهم، للتعبير عن ذواتهم رغم ما أصابه من عثرات وكبوات وإخفاقات وإحباطات وصعوبات وعقبات وتعقيدات جمة، لكنهم تحملوها بصبر ومعاناة، لإصرارهم على أدراج هذا الفن كرافد ثقافي في المجتمع السعودي، حيث  تقبله بعض المهتمين، على ما قدموه من تشكيلات متميزة ونماذج حديثة وتصاميم متجددة، ومن بدائع الرسم والخط وجمال الزخرفة والنقش، كعمل فني تشكيلي متكامل، ساعدت في اجتذاب الكثير من الفنانين الشباب ومهدت الطريق للأجيال اللّاحقة، وأسهمت في تكوين مجتمعات من الأفراد الميالين والموهوبين في الفن، وهؤلاء يمكن تلقيبهم “بالرواد” ويمثلون امتدادًا تاريخيا للفن التشكيلي السعودي المعاصر.

من روائع الفن العالمي، كمصادر مهمة للشغوفين للفن. 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود