420
2382
1833
0592
0447
023
051
079
080
0240
3الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11935
07056
06861
06337
05728
5فاطمة الشريف*
في المعرض الشخصي الخامس والعشرين للفنان السعودي أحمد فلمبان، يزهو الحدث متزامنًا مع تدشين كتابه المضاف إلى سلسلة إصداراته الرائدة، والمعنون له:
“الفن التشكيلي السعودي في ذكرى التسعين”
احتفائيةٌ تتآلف فيها الألوان مع المشاعر، تدعوكم يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة 1446، الموافق السادس من مايو 2025، بين أروقة إرم آرت جاليري، يتجلى معرضه في لوحات لونية ذات معاني عميقة بعنوان:
“لا غنى يدوم ولا فقر يبقى”
سردية تعكس تقلبات الحياة، وتؤكد على زوال الأحوال، فلا غنى يدوم ولا فقر يبقى، في رؤية فنية تأسر الروح وتحاكي الوجود، بقلمه من مداد قلبه، بلونه نبع إبداعه، رسم فلمبان للعيان لوحات تنبض بالرحمة والإحساس بالآخر، هامسة بقضية إنسانية ما زالت تتربص بالملايين من البشر، إنه الفقر الذي يراه فناننا الكبير:
“من أخطر وأشد المشاكل التي تواجه المجتمعات الإنسانية، ويتنامى بشكل مخيف وخطير، ويعد إحدى المصائب القاسية التي تواجه الإنسان في الحياة، وهناك أكثر من مليار شخص في 113 دولة تحت خط الفقر، ويعيشون في وضع إنساني قوامه الحرمان المستمر أو المزمن من الموارد، والإمكانات، والخيارات، والظروف المعاشية الأخرى، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات، وتوفير الحدّ الأدنى والتمتع بمستوى معيشي لائق، بشكل يتلاءم ومتطلبات الحياة الكريمة، والاحتياجات الأساسية والضرورية، المتمثلة، بالمأوى والماء، والغذاء والكهرباء، والرعاية الصحية، والتعليم، بالإضافة إلى عدم القدرة على توفير مصادر احتياطية أو ضمانات مادية لمكافحة الأزمات المفاجئة مثل (المرض، أو الإعاقة، أو البطالة، أو الكوارث)”.
حيث يشير التقرير الذي نشرته منظمة الإسكوا الدولية، عن مسببات الفقر وتفاقمها سنويًا، بنسبة 11% تعود إلى (الحروب، والصراعات، والضغوطات والتهديدات والابتزاز، والتمييز العنصري، والتهجير، والكوارث الطبيعية، وشح الأمطار، وموجات الجفاف).
ويؤكد فلمبان لنا في سرديته اللونية أن:
“الفقر ليس قدرًا محتومًا لفئة من الناس، وليس مجرد حالة اجتماعية مُنْبَتَّة، أو مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، بل جاء نتيجة لأخطاء في رسم وتطبيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المرتكزة على عدالة توزيع الدخل ومنع استغلال الأقوياء للضعفاء، ومن مظاهره تشمل، (المجاعة والعوز وضيق المعيشة والمرض والعاهات والعجز، وتقلص الخدمات الأساسية، ومشقة الحصول على العمل والتعليم، والرعاية الصحية). كما أن الفقر يخلق نوعًا من العزلة الاجتماعية، والتأثيرات النفسية، يأتي في مقدمتها التوتر، والضغط النفسي، بسبب القلق المستمر حول إيجاد الاحتياجات الأساسية، كما أن هناك نظرة دونية من البعض، والسخرية والاستهزاء والتعامل المهين بالفقير، ويمتنعون من مصادقته والجلوس بجانبه، وينكرون معرفتهم بأي فقير، حتى لو كان فنانًا، فسيجد نفسه أقل قيمة من غيره، و غير قادر على تحقيق النجاح، لما يحظى به الفنان الغني من تفضيل وعناية وفرص، ومن هذا الوضع البائس، يشعر الفقير بالإقصاء، وغير قادرٍ على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أو التفاعل مع الآخرين، ويعيش على إثره مهمشا عن المجتمع، مع انخفاض الثقة بالنفس واليأس والإحباط، فهناك هوة عميقة، بين الأغنياء والفقراء، على أثرها يحدث المزيد من مظاهر الضيق والاستياء، حيث يشكّل الوضع تحديًا أخلاقيًا قد يصعب تجاوزه، فكيف بحال البشر أن يستقيم في ظل هذا الوضع المتناقض؟ ناس تتباهى بالترف والبذخ والإسراف في الأكل والولائم، وشعوبها تبحث عن طعامها في النفايات، إن وجود الثراء الفاحش بجانب الفقر المدقع، وضع غير عادل، قمة الجور والظلم، يؤدي حتمًا إلى الانفجار عاجلاً أو آجلاً، وحدوث كارثة اجتماعية، وظهور سلوكيات منحرفة، كالسرقة والعنف والتشرد والتسوّل، ويصنع اللصوص والمجرمين، كما يصنع الحب الشعراء والمبدعين! لأن الفقير يرى الكثير، ولا يملك شيئًا، حيث يرى نفسه جائعًا عاريًا، يبحث عن طعامه وملابسه في النفايات! فقد كان الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول دائمًا (لو كان الفقر رجلًا لقتلته) ويقول الشاعر محمود سامي البارودي (ولا تحتقر ذا فاقة فلربما لقيت به شهمًا يُبِزّ على المُثـري، فرب فقير يملأ القلب حكمة، ورب غنيٍّ لا يريش ولا يَبـز، ولا تعترف بالذل في طلب الغنى فإن الغنى في الذل شر من الفقـر، وكن وسطًا لا مُشرَئِبًا إلى السُها ولا قانِعًا يبغي التزلُّف بالصغر، فأحمَدُ أخلاقِ الفتى ما تكافأت بمنزلةٍ بين التواضُع والكِبرِ)”.
عبر ألوانه ومداد حرفه عن الفقر جال في خاطره تخصيص معرضه الخامس والعشرين عن الفقر كظاهرة كارثية، ذات أبعاد مقلقة ومضطربة معبرًا عن ذلك قائلًا:
“جال في خاطري طرحه كمَشَاهد للمعنى المكنون الذي ينطوي عليه معاناة مليار انسان على نحو رمزي، كرد فعل لمواجعهم لتعزف همهمات الظلم والألم والامتعاض والاستياء، عبر ينابيع الألم في الحلم المزدهِ بإيحاءات رمزية، لتترجم الصور الخيالية إلى حضور عاطفي، بطريقة توحي للمُشاهد أنه يرى الجمال والرخاء ولا يرى البؤس والشقاء، رغم أنها مرسومة، حيث تجتمع الوقائع المؤلمة، في بؤرة الوهج، بعقد الرابط بين المرئي واللامرئي، والمبالغة في طرح العوز في أقصى ارتعاشه، مع إسقاط الاهتمام بالناحية الموضوعية، فتصبح كُلًّا، وأن البعد في اللوحة يأخذ امتداداً واحداً، بشكل عفويَ مبسط، بطروحات مشغولة بكثير من الانكسارات الضاجة بالحركة وصخب الألوان، والخطوط البارزة، والالتفاتات الحادة، التي تحقق ملامح الترقب والشرود، لحالة اليأس والحرمان وسلطتها الرمزية على طاقتها الواقعية في عمق دلالاتها المؤلمة، المشبعة بالعذاب والوجع، المقيدة على تخوم العسر، بمفردات مكبوتة، بفعل انحرافات بعض الخطوط، على متناقضات الحزن والفرح، واليأس والأمل، وطرحها بأسلوب رمزي للصور المخفية، بتلاعب الألوان غير المخلوطة ضمن مسارات الألوان الباردة كالأزرق ومشتقاته، والحارة كالأرجواني والأصفر والأحمر ودرجاتها، مع إهمال القيم اللونية وتفسيراتها الغامضة، والتبسيط في المفردات دون استخدام الظل والنور، أشبه بالرسم البدائي، حيث يصبح الجميع جوقة في كرنفال تنكري، تكشف جوانبها الأكثر قسوة، من خلال بعض المفردات التي تأخذ دور البطولة المطلقة، لأنها جوهر الموضوع لا يمكن التعبير عنه إلا بالرمز، الذي يمكنه الكشف عن أدقّ اللوينات النفسية وفروقها الخفيّة، لأن هناك علاقة وثيقة بين الرمز والمضمون، ولا تستطيع المفردات العادية التعبير عنها كما يستطيع الرمز، فهما ينبعان من تربة مشتركة؛ ونتيجة لذلك تظهر الصور الرمزية، التي تختبئ خلفها خصوصيتها المغلقة والمتسعة بذاتها، لعمق المعاناة وقسوتها، وتسهم جميعًا في التوافق الكلي على الأشكال، مع النزوع إلى التناسق بتلقائية مطلقة، لينطلق في أجواء خالية من القيود والسدود، ومن تعقيدات الوضوح والدقّة، والمعالجات الخطابية والمباشرة والشروح والتفصيلات الساذجة، التي تخنق الإبداع وتكبح تيار الانفعال، بهدف تسجيل التأثر البصري، من خلال مفهوم الرمز، سواء من حيث المدلول اللوني أو المدلول الشكلي، الذي يساعد على تألق الفكرة، والتعبير للانفعالات النفسية وخلجات النفس البشرية وما ينتابها من قلق وصراع، بطريقة الإيماء، لأن كثرة الإيضاح تفسد الفن، ويعد ذلك أحد صور التمثيل غير المباشر الذي لا يسمى الشيء باسمه، وقد يُستخدم كوسيلة من وسائل التعبير لمعاني العمل الذي يضمه ويحتويه، لأن له فحوى، وليس جزءًا من فحوى، لأن فحواه مجازية للشيء الذي ليس له وجود قائم بذاته، وقد يستخدم كوسيلة من وسائل التعبير، للوصول للمعنى الجمالي، لا يلاحظها إلا من يفهم معانيها ويستنبط دلالاتها ويدرك مآلها، ويستخلص إحساس الألوان، فاللون الأزرق معروف عنه أنه لون بارد، واستخدام درجاته الرمادية الزرقاء، يعطي الموضوع طابعاً ًدراماتيكيا، فاللون هنا يوحي باليأس والإحباط، الذي ينطوي بصورة كاملة عن القلق والامتعاض، بمعالجات اللمسة القاسية، للتعبير عن تلك المفردات الساكنة، لتبدو كأنها واحة يانعة من الزهور تخفي تحتها الآفات والفيروسات، داخل إطار من الألوان الصاخبة، للتعبير عن الأحاسيس الدفينة، التي تعزف الأنات والآهات على وتر العذاب، بتعرجات الخطوط المتلكئة، في صور لوقائع غير واقعية، لكنها تقتفي أثر واقعها الذي كانت عليه، يمثله ليحل محله، لتمنحها الإشراقة الملموسة، بتفاعل بعض الألوان الحادة، لتخلق المتعة البصرية بتداخل مونوكروم الألوان عبر شتاتها التي تتناثر في الأفق، لتختلط في وضع حواري، على خطى التجريد الافتراضي الإيطالي، الذي يوحي بالحالة ولا يصرّح بها ولكنها تحاذر التمادي في طمس كل آثار الواقعية…”.
وضمن حواراته اللونية، ورمزيته المعبرة عن أحاسيس دفينة وآهات حبيسة، التي راعت واقعية الظاهرة وتجلياتها في سرديته اللونية يهتم فلمبان برؤية وارتياح المتلقي، قائلًا عن تلك الرؤية:
“التي من خلالها يمكن أن يراها المتلقي بأكثر من معنى، وأكثر من وجهة نظر، وتحرضه على قراءة بصرية واعية، مع ما تفرضه من حالات الانسجام والتناسق، بطابع المدلول الرمزي، الذي يسير في مناخات التجانس الشكلي مع الألوان، فتبدو أحياناً تتحاور فيما بينها، ومرات أخرى كأنها في صراع مع الآخر، لكنها تحاول التأقلم، لتتناغم معها، لإثارة وجدان المتلقي للتفاعل والغوص في أعماق المشكلة، برؤية تتميز باللغة الأستطيقية، التي تتماهى بالشخوص المقهورة بوجوه شاحبة، حزينة أو باكية متألمة، وعيون كفيفة مسهدة، وأياد مرتعشة، وملابس رثة، وتزداد مسحة المعاناة على تلك المشاهد بلباس الغوامق من الألوان الباردة والدافئة معا في تمازج تدريجي يقود إلى العتمة في معظمها، وإلى التباين في أجزاء متفرقة منها، حيث تتمازج فيها البقع اللونية مع عتمة الألوان، كناية السخط والحنق والنقمة، بأسلوب مجازى يستثمر التورية في ترجمة الأحاسيس الداخلية التي قد تتحول إلى لغز يغري بالخوض في فك طلاسم تلك التشكيلات المختبئة خلف الصور، التي تتنوع بين العوز والابتئاس تارة، وبين المعاناة اليومية تارة أخرى، بعيداً عن المباشرة والتعقيد في الفكرة والإغراب في الصورة، لترجمة الدلالات الموحية للقيم الفنيّة والرعشة العضوية، لتثير الرغبة في التأمل والاستبصار لعالم الأطياف والاندياح والارتعاشات الرجراجة والحالات النفسية الغائمة والمشاعر المرهفة، والتغلغل إلى خفايا النفس وأسرارها ودقائقها، لتصل إلى أناس يتنفسون ويحسون ويحبون ويتألمون ويستشعرون، لتصورات غير مألوفة، لأن فكرتها تعتمد على التأثيرات النفسية وترجمة السرّ الخفيّ في النفس الإنسانية، لتغوص عن طريق إثارة الأحاسيس الكامنة، لإحداث ما يشبه السيّالة المغناطيسية الذي يقوم على اللمح والومض، ونقل هذه المعطيات الحسيّة في رؤية شمولية شديدة الحيوية والحركة، المكنونة عن قضايا المجتمع وآلامه وأوجاعه ومعاناته الحياتية، لتكون نافذة للمتلقي يشاهد منها كل هذه المظاهر المؤلمة، لتشعره بالتماثل مع أقسى المصائب التي تواجه الإنسان في الحياة، ويكون شريكًا مع الفنان لعملية الخلق الفني، كي يتفاعل الجميع لأجلهم، وهذه من وظائف الفن لخدمة المجتمع ونفع البشرية”.
التعليقات