الأكثر مشاهدة

مريم الحسن* يمتلك الشعر قدرة روحانية خاصة في تحريك الوجدان واستمالة القلوب.  وير …

الشعر ما بين الموسيقى والبلاغة (الشعر من آياتها) لآيات العبدالله أنموذجًا

منذ شهر واحد

310

1

مريم الحسن*

يمتلك الشعر قدرة روحانية خاصة في تحريك الوجدان واستمالة القلوب. 
ويرجع ذلك إلى اقترانه بالموسيقى، المتمثلة في الوزن والقافية، تلك الموسيقى التي تتولد عن تواتر النغمات، وتتابع المقاطع في جرس موسيقى جذّاب، تنشرح له النفوس، وتتلقاه الأسماع في انسيابية وطرب.

إن الموسيقى عنصر جوهري في تشكيل النص الشعرى، فهي تُكْمِل بقية العناصر التي يتشكل منها؛ ومن ثم كانت ذات صلة وثيقة بالصورة الشعرية، وتقنيات الشكل، ولغة النص الشعرى بوجه عام، بل يمكن القول إن الشعر عبارة عن خيال وموسيقى؛ حيث لا يستوي الشعر شعرًا، إلا بالخيال وبوزن ذي إيقاع متناسب، ليكون أسرع وأكثر تأثيرًا فى النفس، فالنفس تميل إلى كل ما هو متَّزن ومنتظم من التراكيب.

إن تتابع المقاطع (التفعيلات) على نحو محدد، يُهيئ أذن المتلقي لاستقبال أسلوب إيقاعي من هذا النمط دون غيره، ويأتي الوزن فيضيف إلى مختلف التفعيلات التي يتألف منها الإيقاع نسقًا زمنيًّا محددًا، فليس الوزن في الكلمات ذاتها، بقدر ما يكون في الاستجابة التي يخلقها لدى الشاعر والمتلقي، فنحس كأن مشاعرنا قد انتظمت على نحو خاص.

فحينما أطالع مثلًا قصيدة (هوية خضراء) في ديوان الشاعرة آيات العبدالله، التي تقول فيها:

أنا ابنة النبعِ لا عينٌ ستخطئني
فمِن سُلالة هذا التُّربِ ميلادي
الأرض والنخلة الشماء والدتي
وكل من عبروا الأحساء أجدادي

في هذه القصيدة، تمثلت الموسيقى والبلاغة بشكل يجعلني أتفاعل تفاعلًا تامًّا مع التجربة الوجدانية للشاعرة، بعمق المعنى؛ وانتظام الوزن والقافية، وهو الأمر الذي جعل القصيدة كجرس رنان في العقل والروح بمعناها ومبناها وموسيقاها.

وعندما أقرأ هذه الأبيات في قصيدتها (طفلة في العشرين):

بعمري طفلة الماضي تطل
تسابق منتهاي ولا تمل
وتبحث في مدى العشرين عني
مسائلة فكيف تستدل

ففي هذه الأبيات أعيش مع تجربة الشاعرة الوجدانية، حيث التعلق بالماضي وبراءة الطفولة التي اصطدمت بصعوبات الحياة، وفي ذلك الإيقاع والوزن إشارة إلى عمق الانفعال لدى الشاعرة، ومنه ينتقل هذا الانفعال والإحساس العميق إلى نفس المتلقي وقلبه، ببلاغة الحرف والمعنى وجرس له صدى يغوص في أعماق المستمع.

ورغم حركات التجديد التي تستهدف التقليل من الموسيقى الشعرية، والوحدة النغمية القائمة على التساوي في الوزن والقافية بنظام الشطرين، الذى يتسم بالوحدة والتساوي والاستقامة؛ والسعي إلى التحرر من هندسة الإطار العمودي، وإغفال الجانب المضيء في تراثنا الشعرى، فهذا النظام لم يمنع الشاعرة آيات من التعبير عن نفسها وعصرها، بصدق وجداني وفنى وحرص على التمسك بالإطار العمودي القوي والخط الصارم الذي نفتقده في كثير من التجارب المعاصرة.

في ديوانها (الشعر من آياتها) الذي يشهد له الشاعر القدير جاسم الصحيح، تمتلك الشاعرة آيات فيه ناصية اللغة امتلاكًا فطريًّا يُعينها على التعبير عن مكنونات نفسها في قالب شعرى رصين، وفى سليقة جُبِلتْ على النظم الصحيح.

كما في قصائدها:
كذلك أوحي إلي
أنثى لا تؤول
أم اللغات
غريبان
إلى رأيت فيما يرى الغافي
وشعلة من فتيل العمر
وميلاد الهوى

في هذه النصوص يلعب دور الإيقاع في شعرية النص وأثره في البناء الداخلي والخارجي لموسيقى هذا المنجز الشعري، وبذلك فإن الإيقاع يصنع الشّعريةً ويغري المتلقي نحو قراءة النص وتحليله واستكناه دلالات النبر والتنغيم منه، كما
يحدّد مدى مزاوجة الشّاعرة بين الأصالة والحداثة في التجربة الشّعرية.

وتنوعت الإيقاعات عند آيات، كذلك الصور البلاغية، حيث نظمت القصائد بالاستعانة بصور بلاغية شعرية مركبة من: عناصر تركيبية ونحوية وإيقاعية ومتوازنة ولفظية ومرئية. وهذه الأدوات الأساسية التي يستخدمها الشعراء لخلق إيقاع أو تعزيز معنى القصيدة أو التركيز في وصف الجو العام للقصيدة أو الحالة الشعورية لها.
في قصيدتها (شاي وسكرة ذكرى)

استخدمت فيه من الأساليب الخبرية بأغراضها البلاغية إظهار الضعف والتحسر والتحزن والجذل، والشجو بتلك الصورة البلاغية المؤثرة.

وفي قصيدة (بأس) من البلاغة المؤثرة والجرس الرنان، رسمت أبياتها:
يباب أرض هذا القلب يبس
أينبض بالحياة ولا يحس

وفي عوذت عزمك أن يشيخ، الحث على السمو والانطلاق، والاستمرار تشحذ الهمة بجرسها ومبناها وبلاغتها.

هي هكذا الأحلام تعبر عاجلة
فتقدمي نحو السمو مواصلة

وتقلدي ألق الصباح، فما خبا
فيك التفاؤل إن روحك آملة

وهكذا تنوعت قصائد الديوان، بالإيقاع الداخلي الذي يطرب الآذان، وتزينت بالبلاغة المؤثرة والأساليب المتنوعة والأغراض الشعرية العالية. لقد تغلغل البديع في ثناياه، وبرز في دقائقه، فلا نجد بيتًا فيه حكمة إلا وقد زخرف وزين بما قال عنه ابن طباطبا:

“إنها إيقاع يطيب فهمه” سلامتها وحسن تركيب أجزائها واعتدالها” وقد طبقت هذه الأساليب على شعرها كما ورد عن الإمام الشافعي وابن الوردي، إذ كان شعرهما مزينًا بهذه الإيقاعات الداخلية المتمثلة في التكرار والتوافق والتجنيس، الانعكاس، والإبدال، والتقسيم، وقد زاد هذا الإيقاع في شعرها.
وبهذا نختم هذه الدراسة الموجزة والمختصرة لتناسب الوقت والمكان، وشعر آيات يستحق التوسع فيه أكثر.

التعليقات

  1. يقول مريم الحسن:

    شكرا جزيلا على جهودكم الفذة أسرة مجلة فرقد الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود