57
0
265
0
79
1
17
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12042
0
11682
0
10918
0
10050
5
8262
0
د. سهام السامرائي*
العتبات النصية هي كل ما يحيط بالنص (المتن) ويسهم في الأخذ بيد القارئ إلى عالم النص، ويتعلق وجودها وكيانها به، وهي عناصر أساسية في فك شفرات النص وتشكيل دلالته وتشمل العناوين الرئيسة والفرعية والأغلفة والإهداءات والتصدير والخطابات المقدَّماتية… وغيرها.
صك جيرار جينيت مصطلح (paratexte) ويريد به كل ما يمت بصلة إلى النص المركزي المدروس بعلاقة مباشرة كالعناوين والتصديرات والخطابات التقديمية وأسماء المؤلفين والناشرين… أو غير مباشرة أي كل ما يتصل بالنص/ الكتاب من الخارج كالاستجوابات والشهادات والمراسلات مع المؤلفين… إلخ.. التي([1]) “باتت تشكل في الوقت الحاضر نظامًا إشاريًا ومعرفيًا لا يقل أهمية عن المتن… بل إنه يلعب دورًا مهمًا في توجيه نوعية القراءة.”([2]).
والنص المحاذي هو أحد الأقسام الخمسة التي درسها ضمن ما أسماها بالمتعاليات النصية في أطراس وهي: التناص، المناص، الميتانص، النص اللاحق، النص الجامع.4- الشعرية في عتبات (seuil 1987) في هذا الكتاب وسع جينيت من دائرة الشعريات المعاصرة إذ خصص هذا الكتاب لأحد المواضيع المعقدة للشعريات المعاصرة، وهو المناص paratexte” بوصفه مصطلحًا ما زال يشهد حركية تداولية وتواصلية في المؤسسة النقدية العالمية، للعلاقة التي ينسجها بما يحيط بالنص، وما يدور بفلكه من نصوص مصاحبة وموازية، وبفاعلية جمهوره المتلقي له([3]).
إن المتتبع للدرس النقدي العربي يجد اختلافًا وتباينًا واضحًا في ترجمة المصطلح (paratexte). وذلك متأت – ربما – من سببين:- ([4])
الأول: ضيق المصطلح في التعبير عن الفكرة التي يريدها (جينيت) نفسه، ما ألجأه إلى نحت المصطلح من مقطعين (para) وهي بادئة تعني موازاة الشيء ومرافقته و(texte) وتعني النص، وقد أبدى (جينيت) تبرمه من أزمة المصطلح التي يعيشها الواقع النقدي بعامه إذ يقول –جامعًا بين الجد والسخرية–: لقد حان الوقت لوجود مفوض (commissair، e) لجمهورية الأدب حتى يفرض علينا مصطلحات متماسكة ومن هذا السبب ينشأ السبب الثاني.
الثاني: تباين المترجمين العرب في التعامل مع المصطلح، الأمر الذي أوجد عدة ترجمات مثل (النص الموازي، المناص، المناصة، مرافقات النص… إلخ) كلها قابلة لأن تعني ما أراده واضع المصطلح.
فعبد المالك أشهبون يطلق على مصطلح (paratext) لفظة النص المحاذي محاولة منه لإعادة تعريفه، إذ يجد أن ما هو سائد في المعطى النقدي مع مصطلح(paratext) هو عدم الدقة في تحديد هذا المفهوم، بمعنى آخر أن بعض الباحثين لا يحددون المقصود من النص المحاذي: أهو النص المحيط(paritexte) أم النص اللاحق(Epitxte) فثمة فرق جوهري بين المصطلحين إذ يشير الأول” إلى مجموع المعطيات التي تسيج النص وتحميه وتدافع عنه وتميزه عن غيره وتعين موقعه في جنسه، وتحث القارئ على اقتنائه، وهي العناوين، والمقتبسات والاهداء والايقونات وأسماء المؤلفين والناشرين…”([5])، فيما يشير الثاني إلى “كل الخطابات الموجودة خارج الكتاب فتكون متعلقة في فلكه، كالاستجوابات، والمراسلات الخاصة، والتعليقات، والمؤتمرات، والندوات…الخ “([6]).
يقترح عبد المالك أشهبون ترجمة الملفوظات الاصطلاحية التالية كالاتي: (paratext) = (نص محاذ)، لأن (para)- سابقة يونانية تفيد بمحاذة– أو بجانب.
peritexte))=(نص محيط)، أو(نص حافٌ)، لأن (peri) سابقة يونانية تعني حَوْلَ.
(Epitexte)=(نص ملحق)- أو لاحق، لأن(Epi) سابقة يونانية تعني فوق أو لاحق أو تابع.
ثم يذكر بعد ذلك قسمًا من الترجمات الرائجة في السوق النقدي منها(مرفقات النص)، (النص الملحق)، (النص المصاحب)… ويذكر أن أغلب هذه الترجمات يحاول الناقد منها تقريب مفهوم هذا المصطلح إلى القارئ بوصفه نصًا محيطًا فوقيًا وهو ما يوقع الكثير في آفة الخلط وعدم الدقة في الفصل بين العتبة / المحيط وبين النص اللاحق على الرغم من أن لكل منهما موقعه الخاص به، ووظائفه وسياقاته التداولية ([7])، ويقترح ترجمة الملفوظات الاصطلاحية إلى (Paratexte، Peritext وEpitexte)([8])، وممن وقع في هذا الخلط عبد الرزاق بلال إذ آثر استخدامه بلفظه الأجنبي في مقدمة كتابه وأنه كان يفهم أنه يميل إلى مصطلح(العتبات) أكثر من ميله إلى مصطلح النص الموازي خاصة وأنه عنون كتابه بـ(مدخل إلى عتبات النص) وهذا ما جعله لا يفرق بين النص المحيط الذي هو(العتبات النصية) وبين النص الموازي الذي هو أعم منه على اعتبار أن الأول جزء من الثاني([9]).
فيما يقف(بلقاسم خالد) وقفة متأنية مع ترجمة المصطلح ينبه فيها إلى ضرورة توخي الدقة في التعامل معه، يقول “تبدو لنا ترجمة مصطلح (paratexte) بالنص الموازي غير مقنعة لان التوازي لا يتضمن التداخل أو التعارض. ثم أن تناول(جينيت) للمفهوم ضمن قرأته للعتبات يرجح هذا الزعم، فالعتبة seuiles واصل بين الداخل والخارج فيما هي فاصل بينهما [في ذات الوقت] ومن هنا قد يكون مصطلح البرزخ – بمعنى ابن عربي – مسعفًا في إعادة بناء ترجمة المصطلح”([10]). ويضيف موضحًا” هذا الوعي ببرزخيه النص الموازي هو ما يجنبنا منزلق ادعاء الاتحاد بينه وبين الممارسة النصية نسترشد بذلك مما نص عليه ج – هيلس ميلر في تحديده لمعنى البادئة para “إذ يرى أنها متعارضة تعني في الوقت ذاته القرب والبعد، والبرانية والجوانية والتشابه والاختلاف “([11]).
أما غسان السيد ووائل بركات فيترجمون المصطلح (paratexte) بـ(مرافقات النص) ويرى الكاتب جاسم محمد جاسم أن ترجمته بـ(مرافقات النص) تظهر تركيزهما على الجانب الطباعي/ المكاني لما يعنيه المصطلح وهذا جانب مهم من جوانب ما يصبوا إليه (جينيت) من المصطلح إلا أنه يمكن أن يفهم من(مرافقات النص) بوصفها مصطلحًا يحمل دلالة الالزام بحيث يراد أن لكل نص مرافقاته التي لا يستوي بدونها نصًا، وهذا يتعارض مع الواقع النصوصي الذي لا يشترط وجود هذه المرافقات دائمًا([12]).
ويجد بعض الباحثين أن ترجمة عبد المالك أشهبون أكثر دقة ودلالة([13])، فالنص المحاذي هو كل ما يجعل من النص كتابًا يقترح نفسه على قرائه أو بصفة عامة على جمهوره، فهو أكثر من جدار ذي حدود متماسكة، نقصد به هنا تلك العتبة، بتعبير بورخس البهو الذي يسمح لكل منا دخوله أو الرجوع منه…”([14]). ويحدد جيرار جينيت أربع (طبائع) تميز النص المحاذي بعامة والنص المحيط خاصة في ذهابه إلى أن “محايثة أو ملازمة النص الموازي هي ذات طبيعة(نصية) مثل التمهيد، أو(أيقونية) مثلًا الرسوم التوضيحية، أو مادية مثل اختيار نوعية الطباعة(الورق، حجم الخط، نوعه) وقد تكون (حدثية) factuelle بمعنى أن التعرف على حدث ما سيعدل القراءة نفسها وداخل هذا التعرف الموسع سيصبح كل سياق نصًا موازيًا”([15]).
الدراسة العربية للعتبات:
تكشف القراءة التاريخية عن أن العتبات النصية لم تكن غائبة عن محور اهتمام أغلب الكُتَّاب العرب، إذ انتبه النقاد العرب القدامى أكثر من انتباهه لها لاسيما عتبة العنوان، إذ حظيت بالصدارة منذ العصر الجاهلي، ففي كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (328هـ) يورد إشارة تاريخية إلى أولية تدوين العنوان على المادة المدونة، فيقول: “وأما ختم الكتاب وعنوانه فإن الكتب لم تزل مشهورة، غير معنونه، ولا مختومة، حتى كتبت صحيفة المتلمس، فلما قرأها ختمت الكتب وعنونت، وكان يؤتى بالكتاب فيقول: من عنى به فسمى عنوانا”([16]). وهذا النص يشير إلى أن المدونات قبل صحيفة المتلمس لم تكن تحمل عناوين مباشرة أو حتى شفهية؛ وربما كانت بعض العنوانات مدونة لكن العناية بالعنوان لم تكن أكثر من وضع المدونات في الإطار التصنيفي لمضمونها([17]).
ومن مظاهر العتبات التي التفت إليها بعض الكتب قديمًا، درج المؤلفات السابقة لهم في مقدمة الكتاب والتعريف بها كما فعل المسعودي (ت326ه) في مقدمة كتابه مروج الذهب إذ صدَّر عناوين كتبه في(ضروب المقالات) وذكر منها: (كتاب الإبانة عن أصول الديانة)، (المقالات في أصول الديانات)([18]) ما يمكن ملاحظته على عمل المسعودي وهو يدرج أسماء كتبه ورسائله، لا يكتفي بذكر اسم الكتاب فقط بل يتبعه بإيراد عنوانات موضوعات محتوى الكتاب كي ينبه القارئ إلى أهميته وقيمته.
والحقيقة أن ما قام به المسعودي هو الدور الذي تضطلع به عتبة الغلاف الخلفي أو الصفحة ما قبل الأخيرة في الوقت الحاضر، فغالبًا ما تدرج دور النشر مؤلفات الكاتب السابقة في إحدى الصفحتين، محاولة منها لجذب القارئ إلى الكتاب واستمالته؛ وذلك بسبب كثرة المؤلفات والمؤلفين.
واهتم النقاد والبلاغيون بعتبة البداية، يقول ابن الأثير مشيدًا بأهميتها: “خصت الابتداءات بالاختيار، لأنها أول ما يطرق السمع من الكلام”([19]).
فيما يمكن عد عتبة المقدمة من أهم العتبات التي نالت حظًا كبيرًا من الاهتمام في التأليف النثري القديم، إذ تعد شكلًا ثقافيًا قائمًا بذاته، وتظهر تجلياتها في مقدمات المصنفات والرسائل والتذييلات والحواشي وغيرها.
ومن العتبات التي اهتم بها الكُتَّاب قديمًا التوقيعات والتي تعني “اقتباس أو شعار قصير (يوضع) في صدر كتاب أو فصل منه له صلة بموضوعه”([20]). وقد جعلوها أنواعًا متعددة، فمن ذلك التوقيعات التي تكون عبارة عن جملة كما ورد في خبر عن أحدهم “رفع إلى الصاحب رقعة يذكر أن بعض أعدائه يدخل داره فيسترق السمع، فوقع الصاحب فيها: دارنا هذه خان، يدخلها من وفى ومن خان “([21])، ومن التوقيعات ما يكون بالآية القرآنية أو البيت الشعري([22])، ومن العتبات التي اهتم بها العرب قديمًا ما ذكره الجاحظ من أن العرب قديمًا كانوا لا يرضون بالكتاب إلا إذا كان مختومًا، يقول: “وقد يكتب بعض من له مرتبة في سلطان أو ديانة إلى بعض من يشاكله، أو يجري مجراه، فلا يرضى بالكتاب حتى يخزمه ويختمه، وربما لم يرض بذلك حتى يعنونه ويعظمه “([23])، يثبت هذا النص عن وجود مكونين من مكونات العتبات وهما الختم والعنوان([24]).
هنا يمكن أن يُعد الختم خاصية من خاصيات العتبات التي تميز بها النص العربي، ولعل من أبرز الجهود في العربية الحديثة ما كتبه القاص العراقي الراحل محمود عبد الوهاب في إطلاقه تسمية (ثريا النص) على العنوان، فقد ألّف عبد الوهاب كتابًا عنونه بـ(ثريا النص) وكانت طبعته الأولى عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد، 1995م، وهذا الكتاب خلق وعيًا مغايرًا، فهذا الكتاب بعد أن وضع العنوان القصصي في مركز الاهتمام، وكرّس لدراسته كتابًا خاصًا به أول مرة، استطاع أن يثير وعيًا أشد بموقع العنوان ووظيفته، وأن يكون مدخل الكتاب مشروعًا قابلًا للنمو والاغتناء بالإضافة، فلا يمكن لكتاب وحده أن يستوفي كل إمكانات الحقل الذي يدرسه، إن أحكامه غير نهائية، وطرائقه ليست استنساخًا حرفيًا لأي منهج، وإن أكثر ما يبهج كاتبه ويملؤه غبطة أن يجد هذا الجهد سبيله إلى ثقافة القارئ وتطبيقاته، لذا فإن كتاب الراحل محمود عبد الوهاب كان جهدًا نقديًا فكريًا خالصًا، فهو لم يترجم ولم ينقل عن الغرب أية مصطلحات، بل اقترح فكرة الثريا لتكون مقاربة استعارية جميلة، تحمل فكرة العلو، والضوء، والإحاطة، وهكذا العنوان، فهو يتقدم، ويضيء، ويحيط، ولعل جهد عبد الوهاب النظري، فتح شهية الباحثين لاحقًا باستعمال العنوان ذاته، لذا فإننا نجد الناقد (ضياء العبودي) يعنون كتابه النقدي بـ(ثريا النص، دراسات نقدية في العتبات النصية) ليأخذ مجموعة من النماذج السردية ويدرس عتبة عنوانها، بذلك يصبح مصطلح (الثريا) جزءًا من دراسة عتبة العنوان.
خاتمة:
إن العتبات وإن كانت تسهم إسهامًا فاعلًا في صناعة الخطاب وبناء شعريته، إلا أن ذلك كله لا يغني عن قراءة المتن النصي، بل إن قراءة العتبات لا تكتسب مشروعيتها إلا من الوقوف عند المتن ذاته بوصفه غاية البحث الأساسية؛ لذا فإن “دور هذه العتبات لا يمكن أن يكون بديلًا عن دور اللقاء الفعلي بين القراءة والنصوص نفسها “([25])، فالعتبات لا يمكن لها إلا أن تكون مصباحًا ينير الطريق إلى المتن.
وعلى الرغم من هذه الأهمية التي تحظى بها العتبات في سياق الدرس النقدي الحديث؛ لكنّ مقاربتها ينبغي أن تأتي نقديًا ضمن الإحاطة بالمتن النصيّ أولًا، ومن ثم الكشف عن الدور الذي تقوم به كل عتبة في تعميق سلطة المتن في تفاعل المتن؛ لأنّها في النهاية “عتبات “وتمثل أدوارًا مساعدة في النهوض بالمتن إلى أعلى مرتبة ممكنة، وصولًا إلى تشكيل قوّة حضور استثنائية في منطقة التلقّي، ولا يمكن بأي حال من الأحول أن تتمتّع بقصدية مستقلة في حركية الدرس النقدي.
*كاتبة وناقدة من العراق
التعليقات