الأكثر مشاهدة

عبد القادر الغامدي* من شرفة غرفتي بالطابق الثالث أشهد ازدحامًا مألوفًا في الشارع …

الشُّرفة

منذ 10 أشهر

306

0

عبد القادر الغامدي*

من شرفة غرفتي بالطابق الثالث أشهد ازدحامًا مألوفًا في الشارع المواجه لي.
جميع الوجوه هنا تبدو غريبة، رغم أني شاهدتها وأشاهدها مع كل إطلالة هنا.
جميع العابرين والمنادين أتأملهم طويلًا كمن يقرأ خريطة لبلد مجهول.

في كل مرة أطل من شرفتي تتعدد قراءاتي للناس هنا.
ومع كل نفَس لهذه الأرجيلة المتعبة مثلي، أعود إلى نفسي محملًا بجيوش الأسئلة كجيش يحاول في كل مرة اقتحام أسوار مدينة مخيفة.
في هذا المساء الخريفي الذي يبدو لي دون ملامح، رأيت من شرفتي المطلة فتاة ذات عينين متعبتين في عمر الزهور، رأيتها وحيدة تمشي وهي تتلفت يمنة ويسرة مرتبكة محاولةً إخفاء شيء لم أفهمه!
هل هو خوفها من مجموعة شباب متسكعين يمشون خلفها مترصدين حركاتها وسكناتها؟!
ما أوجعني أن جميع من في الشارع منشغلون بأنفسهم فقط غير آبهين بالمنظر الذي استفزني.

ما جعل جيوش التساؤلات المثخنة تتقافز واحدًا تلو صاحبه.
ما الذي يجعل هؤلاء الشباب الفارغين يطاردون فتاة وحيدة لا يعرفونها؟! 
ولماذا يحاولون جاهدين مضايقتها وإيقافها عنوةً؟!
هل فقد الناس في الشارع المزدحم جدًّا الإحساس بمعاناة أخيهم الإنسان؟
ما الذي جعل الرابضين في المقاهي التي تنتثر هنا وهناك منكفئين حول ذواتهم لا يحركون ساكنًا؟!
أقرأ ملامح هذه المسكينة تشعر بالعزلة المخيفة الممتزجة بكثير من خيبات الأمل! 
بينما كنت الوحيد الذي يحاول فك لغز هذا الازدحام الفارغ!
إني أرى في لحظة مفصلية كهذه، الإنسان المزدحم جدًّا بنفسه الفارغ جدًّا من كل معاني الإنسانية.
معادلة حياتية ما مرت علي من قبل.
ما جعلني أقرر النزول من شرفتي إلى مسرح الحياة، الذي رأيت فيه تلك الفتاة تحاول أن تطوي كل ذاك الخوف وذاك الوجع.
ما إن وصلت إلى مكانها، حتى وجدت فتاة على ناصية الطريق مضرجة في خوفها وكثير من دموعها!
حاولت أن أفك لغزًا محيرًا بين انشغال ومعاناة.
وبينما أنا منغمس في متاهات الأسئلة المقلقة أبحث عن إجابات مقنعة؛ وجدتني مكبلًا بتهمة الفضول التي رمتني بها نظراتُ كل المارين هنا.
تلك النظرات الغريبة البليدة جعلتني رغمًا عن قناعاتي أنسحب من المسرح صوب الجمهور الصامت، متخذًا ركنًا بعيدًا ألوذ بصمت غريب يلفني بكثير من التساؤلات المخيفة التي أنستني الفتاة والإنسان داخلي! 

* كاتب من السعودية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود