402
0393
2353
0640
0113
014
052
051
01084
24الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12007
010473
09996
08904
57507
0وفاء بن صديق*
(أين ذَهَبَتْ؟ متى ستعود؟) تساؤلات طرحتها مرارًا لم أجد لها أجوبة شافية سوى وجوه شاحبة، وعيون حائرة، وألسنة مرددة (قريبًا… قريبًا…).
نمت بمفردي في تلك الليلة التي ظننتها ستنقضي بسرعة، لكنها امتدت دهرًا من الانتظار.
في كل مساء كنتُ أمارس طقوسي الخاصة بالنوم، أضع فستانها الأخضر المخملي بجانبي على السرير، وأرش عطرها الفواح برائحة الياسمين على فراشي، وعندما أتدثر بثوبها، واحتضن مخدتها، أشعر بدفء جسدها، وحنان حضنها، وأغفو على نبضات قلبها.
بحثت عنها في النساء من حولي: ابنة الجيران، أخت صديقي، زميلتي في المكتب المجاور، حتى عندما كنتُ أسافر للسياحة لمدة أسبوعين كنتُ أُمَنِّي نفسي قائلًا: لا بد أن أجد ريحها في إحداهنّ، لكن بلا جدوى، فالخواء يكبر داخلي عامًا تلو آخر.
بعدما يئستُ من تكرار المحاولة، وقررتُ أن أستمر في حياتي بعيدًا عن ذكرياتي معها. لاح بصيص أمل في أفق الخيبة عندما زارتني خالتي مع أسرتها من مدينتها البعيدة بعد غياب عشر سنوات.
بقيت مستيقظًا حينها منتظرًا قدوم الصباح، وعلى مائدة الإفطار بحتُ لجدتي بما يؤرقني قائلًا: أريد أن أتزوجها، علت ملامحها الدهشة قائلة: من ابنة خالتك؟! لكنها تصغرك بخمس عشرة سنة! ما الذي أعجبك فيها؟ أشرتُ إلى أسفل فمي متلعثمًا: لديها شامة هنا مثلها. تهللت أسارير جدتي معقبة: إذن تشبهها؟ أطرقتُ خجلًا، وتدفق الدم في وجهي وأنا أتذكر تفاصيلها. ربّتت جدتي على كتفي، وقالت بصوت حازم: إن كانت هذه رغبتك فعلًا أنا سأتكفل بإقناع الجميع. نظرتُ إليها نظرة الغريق إلى طوق النجاة، وهززتُ رأسي بالإيجاب.
تمّت مراسم الزواج على عجل، ملأت نسمات الفرح أرجاء المنزل العتيق، وعندما حانت اللحظة الموعودة منحتُ من أصبحت ملاذي صندوقًا مؤصدًا فَتَحَتْه بيديها المرتعشتين، وبنظرة متوجسة من أن يصدق حدسها، أسقطته من بين كفيها كعارٍ تريد دفنه، وصاحت في وجهي: “أنا لست هي، ابحث عنها بعيدًا عني، أنا لن أستطيع العيش مع رجل يريد أن يجترّ ماضيه من خلالي”، انهمر الدمع الأسود من عينيها حتى أغرق قلبها المفطور، خرجت وصفقت الباب خلفها صفقة أيقظتني من غياهب الوهم.
هشمتُ قنينة عطر الياسمين، ومزقتُ الرداء أخضر اللون، ووضعتهما في الصندوق الخشبي، حملته على ظهري، مشيتُ أميالًا عديدة حافي القدمين، مشيعًا سنين الترقب حتى وصلت إلى مكانها المعهود الذي تهربتُ من زيارته منذ تلك الليلة المشؤومة. دفنت ذلك الحِمْلَ بجوارها.
وفي الهزيع الأخير أقمتُ عزاءها، بكيتُها بحرقة الليالي، وسقيت ثراها بدموع الفقد، صرخت منتحبًا: “أمي تركتيني مبكرًا جدًّا”.
* كاتبة من اليمن