51
0300
1165
035
046
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11992
09701
09183
07407
56957
0فاطمة الجباري*
كلمات تشق صدر الحقيقة، وإن كانت مؤلمة في حقّ الكثير من الأمهات اللاتي عانين من ألم الحمل، والولادة على مدار تسعة أشهر؛ ثقل وإرهاق وتعب لا يطاق. ثم تأتي ساعات الطلق والولادة وما فيها من ألم ووجع وكربات.
في الجانب الآخر تقف بطلة هذه القصة التي لم تحمل ولم تلد ولم تعانِ تعب الحمل وألم المخاض.. لكنها كابدت وتحملت وصبرت من أجل أن تربي أبناء زوجها بعد طلاق الأم. سمعنا كثيرًا عن القلب الأبيض، أما أنا فقد عرفته عن قرب، ورأيت طيبته ومعاناته، والظروف التي قاساها.. كانت صاحبته فتاة في سن الزواج، البنت الوحيدة بين أخوتها.
قدرها أن تعيش بلا أخت تقاسمها طفولتها وصباها، تلهو وتلعب معها، وتفرح من أجلها وتصفق لها إذا فازت، وتحدثها بما في خاطرها كما تفعل الأخوات مع بعضهن.
كبرت وتربّت على يد أمها الحنونة، فتاة طيبة سمحة معطاءة وسيدة منزل مدبرة. خفيفة الروح، كثيرًا ما تردد (جت) أختكم “الدبة” بسبب زيادة وزنها الذي عانت كثيرًا من أجل إنزاله بلا جدوى.
جاء الخاطب يطلب يدها للزواج بعد أن طلق زوجته، ولديه منها أربعة من الأبناء والبنات، وغادرت إلى بلدها كونها من دولة عربية.
تقول: ترددتُ كثيرًا عن قبول هذا الزواج خوفًا من المسؤولية وعدم تقبل الأبناء لزوجة أبيهم، على الرغم من صغر سنهم فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة.
بعد محاولات من والديها على إقناعها بالزواج وافقت وتم الزواج.
وبعد سنوات توفيت أمها الحنونة واسودّت الدنيا في عينيها؛ فقد كانت الأم والأخت والصديقة الحبيبة القريبة، وكانت هي نعم البنت المطيعة الحنونة، لم تكن مثل بعض بنات جنسها اللاتي يقصصن شعورهن، ويتبعن صيحات الموضة من قصات وصبغات، تمتاز بطول شعرها ونعومته وظفيرتها التي تسقط خلف ظهرها، ودائمًا ما تقول (يا بنات أنا تربية عجوز ما قدر أزعلها). لم تكن سعيدة بهذا الزواج لكنها كانت راضية بقدرها ونصيبها.
كانت تتعرض للإهانة والضرب من زوجها العصبي، وكلما حاولت تركه والذهاب إلى والدها كان قلبها الطيب يمنعها، وتعلق الأبناء والبنات بها يقوّض رغبتها؛ رحمةً بهم.
إلا أن أصحاب النفوس الطيبة لا يتركهم الله أبدًا، ضحت براحتها وسعادتها من أجلهم وتحملت قسوة والدهم عليها من أجلهم، وعانت سنوات طويلة من ظلمه وبطشه.
ترى الأولاد والبنات يكبرون أمام عينها فتزداد تعلقًا بهم، ولله في ذلك حكمة، فقد كانت لا تنجب، فكان عوض الله لها في أبناء زوجها.
توالت السنوات وكبر الأبناء وأصبحوا ناضجين مدركين لحجم التضحية وثمن الصبر. ومن شدة تعلقها بالأطفال بعد أن كبر الصغار طلبت من زوجها أن يوافق لها بأن تحضر أيتامًا من دار الأيتام وتربيهم فكان في الأمر خير له ولها.
أحضرت في البداية بنتًا مثل القمر عمرها سبعة أشهر وبدأت تبحث عن مرضعة لها حتى تكون محرمًا لزوجها وأبنائه، وتم لها ما أرادت فقد قامت أخت زوجها بإرضاع الطفلة لتصبح أختًا لهم من الرضاعة ويكونوا محارمَ لها.
وبعد سنتين أحضرت طفلًا آخر من دار الأيتام وفعلت معه ما فعلت مع البنت وأرضعته إحدى أخوات زوجها مع ابنها.
تقول صاحبة القصة: رأيت بركة في حياتي ورزقي وراحة وطمأنينة في بيتي بعد كفالة الأيتام، وكنت على تواصل دائم بالدار أرتب لأخذ يتيم آخر في الأشهر الأولى من عمره بعد أن علمت بأن إحدى أخوات زوجي حامل، وكان لي ذلك، فقد اتصلت بي مسؤولة الدار تخبرني عن وجود طفل في عمر أيام يحتاج للرعاية وتم الاتفاق مع الدار على استلام الطفل منهم.
تقول: إلا أن هذا الطفل كان مختلفا، فكلما تقدم في العمر تبدو عليه علامات الضعف والهزال لا يستطيع أكل الطعام، ولا يسمع، ولا يتكلم، تقول شككت في أمره وذهبت به إلى الطبيب وبعد إجراء الفحوصات اللازمة أخبرني الطبيب بأن الطفل مصاب بالصمم وأن لديه مشاكل صحية تمنعه من تناول الطعام الصلب ولا بد من طحن الأكل له حتى يصبح كالشوربة ويُعطى.
تقول: خرجت من العيادة وقلبي يتفطر ألمًا على هذا الصغير ونويت أن أعيده للدار خوفًا من تقصيري في خدمته أو أن يصيبه مكروه عندي، لكن قلبي يقول لا، لا تذهبي به إلى الدار لعل الله يكتب له الشفاء مع العلاج كلما تقدم في العمر. كانت نظراته تحرق قلبي كأنه يوصيني بنفسه.
وهنا تحدثتُ مع زوجي وأخبرته بما قال الطبيب عن حالة الطفل وأنه يحتاج إلى علاج مستمر ومراجعات للمستشفى، وأنا أحتاج إلى مساعدته وتعاونه هو والأبناء ، ولله الحمد كان لهذا الطفل محبة خاصة ورعاية خاصة من زوجي وأخوته.
توالت الأيام ومرت السنوات سريعًا لأقطف ثمار تضحيتي وصبري.
تخرج الأبناء وأصبحوا موظفين في وظائف محترمة، ونحن لا نملك بيتًا خاصًا؛ حيث نسكن بالإيجار. وكلما مررت من أمام سكن وأعجبني دعيت الله أن يرزق أبنائي بيتًا مثله.
ولأن الله يحب المحسنين ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
تقول: جاءني ابني محمد وقال لي: أمي بدرية أريد أن آخذكم في نزهة.
تقول: ركبنا سيارتنا وتوجهنا إلى مكان بعيد عن مكان إقامتنا وأوقف محمد السيارة أمام فيلا جميلة جدًا، ونظر إليّ وهو يقول: أمي بدرية.. ما رأيك في هذه الفيلا؟ فقلت كعادتي: الله يرزقكم بمثلها وأفضل منها، قال: افتحي درج السيارة، تقول: فتحته فإذا بصندوق صغير، قال: افتحيه، وهنا كانت المفاجأة التي أنستني كل شيء كدر خاطري فيما مضى، وجدتُ عقد تمليك البيت باسمي ومعه مفتاح الفيلا.
كنت أبكي من شدة الفرح وهم يبكون معي، كنت أرى الحب في أعينهم والفرحة على وجوههم.
تعانقنا وبكينا ودخلنا (بسم الله الرحمن الرحيم) إلى الفيلا التي جمعتنا تحت سقف واحد بأبنائي الذين لم ألدهم.
ثم مرض زوجي مرضًا شديدًا وكان يوصي أبناءه بي وبالأيتام خيرًا ويطلب مني السماح والصفح.
ذهبت إليها لأعزيها في موت زوجها وكانت حزينة جدًا عليه وتدعو له بالمغفرة والرحمة، ثم نادت الأيتام ليسلموا عليّ، شعرتُ بأن قلب بدرية قلب عظيم، وروحها روح طاهرة وإحسانها لأبناء زوجها والأيتام كان بركة لها في الدنيا، وسيكون بإذن الله تعالى خيرًا وحسنات لها في الآخرة.
في الختام: جعلنا الله وإياكم من المحسنين، وأهديكم هذين االبيتين الجميلين للشاعر علاء زايد عن الإحسان، حيث يقول:
إنَّ الكِرًامَ وإن ضَاقَت مَعِيشَتُهُم
دَامَت فَضِيلتُهُم والأصلُ غلَّابُ
لله دَرُّ أُنَاسٍ أينَما ذُكِرُوا
تَطِيبُ سِيرَتُهُم حتَّى وإن غَابُوا
* كاتبة سعودية
التعليقات