مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

      حصة بنت عبد العزيز*   في زمن يفيض بالصورة، ويتسابق فيه الإعلام الرقمي …

أطفالنا بين أيدي المبدعين

منذ 3 أشهر

148

4


      حصة بنت عبد العزيز*

 

في زمن يفيض بالصورة، ويتسابق فيه الإعلام الرقمي على اجتذاب أعين الأطفال وعقولهم، تزداد الحاجة إلى الكلمة الصادقة، الكلمة المبدعة التي تُخاطب الطفل لا بوصفه متلقيًا بسيطًا، بل كإنسان في طور التشكّل، يحمل من الإدراك أكثر مما نتصور، ومن الأسئلة أكثر مما نجيب.

إن أدب الطفل لم يعد ترفًا ثقافيًا، بل هو مشروع مجتمعي لبناء الإنسان من الداخل، منذ سنوات وعيه الأولى. وما لم نضع هذا الأدب بين أيدي المبدعين الحقيقيين، فإننا نخاطر بترك الطفل فريسةً للمحتوى السطحي والموجه.

المبدع في أدب الطفل: ليس مجرد راوي حكايات، من يكتب للطفل لا بد أن يكون أكثر من مجرد كاتب. إنه مزيج من الفنان، والمربي، والمُحلّل النفسي، والمُحب. المبدع الحق هو من يُنصت لعالم الطفولة قبل أن يكتب عنه، ويغوص في تفاصيله، ويتحدث بلغته. هو من يُجيد تبسيط الفكرة دون أن يفرغها من المعنى، ويزرع القيمة دون أن يلوّح بها.
فالكتابة للطفل لا تحتمل التكلف، ولا تجوز معها اللغة الجافة، ولا تصلح معها المباشرة الزائدة. إنّها صنعة تتطلب مهارة في المزاوجة بين الجمال والهدف، بين الخيال والواقع، بين الترفيه والتربية.

بين الجمالية والتربوية: أدب يُبني ويُمتع. 

يُخطئ من يظن أن الطفل لا يميز بين النص الجيد والمتكلّف. الطفل يملك حساسية مرهفة تجاه ما يُقدم له، ويستطيع أن يُدرك الصدق من خلف الكلمات. لذلك، فإن أدب الطفل المبدع لا يُعلّمه القيم من خلال المواعظ، بل يضعه في مواقف تُنمّي اختياره الأخلاقي. يُضحكه دون ابتذال، ويُشوقه دون خوف، ويغذيه دون إغراق.

أدب الطفل الجيد لا ينفصل عن البُعد التربوي، لكنه لا يُختزل فيه. فالأدب الموجه للطفل هو بناء وجداني قبل أن يكون تلقينًا معرفيًا.

وأذكر لكم ثلاث تجارب مهمة وهي:
تجربة تراثية: كامل كيلاني… رائد الكلمة الصديقة. 
من أبرز الرواد الذين أسسوا لأدب الطفل العربي بأسس قوية ومبدعة، كتب الأديب المصري كامل كيلاني (1897–1959) مئات القصص التي صاغها بأسلوب شيق، وساهم في تقريب التراث العربي إلى الطفل، عبر حكايات مثل “كليلة ودمنة” و”ألف ليلة وليلة”، بلغة سهلة وعربية رصينة.
كيلاني لم يكن مجرد كاتب تقليدي، بل آمن أن الطفل يستحق نصًا يحترم عقله، ويُغذّي خياله، ويؤصّل لغته. وقد تُرجمت قصصه إلى عدة لغات، واعتُمدت في كثير من المناهج، فصار يُلقّب بـ”رائد أدب الطفل في العالم العربي”.

تجربة معاصرة: سحر نجا محفوظ… الأدب بوصفه وسيلة للحياة. 
من بين التجارب العربية المعاصرة الملهمة، تبرز الكاتبة سحر نجا محفوظ، التي قدّمت أعمالًا متميزة تعالج موضوعات تمسّ الطفل والأسرة، مثل: التنمر، الغيرة، احترام الذات، وتقبل الآخر.

ما يميز أعمالها أنها لا تُلقّن الطفل، بل تصحبه في رحلة إنسانية يفهم فيها ذاته والعالم من حوله. نصوصها قصيرة، مشوّقة، مدعومة برسوم جذابة، وتُعتمد في كثير من المدارس والمؤسسات التعليمية في الوطن العربي.
إن هذه التجربة تُجسّد معنى أن يكون الكاتب للطفل واعيًا بمتغيرات العصر، مدركًا لحاجات الطفل النفسية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه متمسكًا بلغة تحترم العقل وتحفز الخيال.

تجربة خليجية: نورة الشكر… كتابة تُلامس الواقع وتُحفّز الخيال. 
في المشهد السعودي المعاصر، برزت الكاتبة نورة الشكر كأحد الأصوات الفاعلة في مجال أدب الطفل، من خلال قصص تستلهم من البيئة المحلية وتحمل في طياتها رسائل تربوية بلغة مشوقة. تجمع أعمالها بين البساطة السردية والذكاء التربوي، وتركز على تعزيز القيم، وتنمية الفضول المعرفي، وبناء الهوية الثقافية.
وقد تميزت بطرح موضوعات قريبة من واقع الطفل الخليجي، مثل العلاقة بالأسرة، والوعي بالتقنية، والانتماء للتراث، بأسلوب يمزج بين الخيال والموقف الواقعي. وقد استُخدمت قصصها في برامج القراءة المدرسية ومبادرات الطفولة المبكرة داخل المملكة وخارجها.

تجربة نورة الشكر تُؤكد أن أدب الطفل في الخليج يخطو بثبات نحو العمق والاحترافية، بفضل كتّاب واعين ومؤسسات بدأت تُدرك أهمية الاستثمار في الطفولة ثقافيًا.

مسؤولية المبدعين والمؤسسات معًا. 
لا يمكن تحميل الكاتب وحده مسؤولية النهوض بأدب الطفل؛ فالمبدع بحاجة إلى دعم مؤسساتي، وبيئة نشر تُقدّر المحتوى الهادف، ومدارس تُؤمن بأن أدب الطفل ليس نشاطًا ثانويًا، بل هو جزء من بناء شخصية الطفل.

في كثير من الدول، يُعد الاستثمار في أدب الطفل جزءًا من الرؤية الثقافية، بل من الأمن الثقافي. أما في العالم العربي، فما زال الطريق طويلًا، لكنه ليس مُغلقًا، طالما وُجد المبدعون المؤمنون برسالة الكلمة، ولديهم قدرات إبداعية فائقة وقدرات لغوية عالية وخيال خصب يمتزج مع خيال الطفل، ويساند كل ذلك دعم مادي مؤسسي للمبدع وللطفل في الوقت نفسه، بأن يجعل كتب الأطفال بسعر رمزي في متناول الجميع ويجعل المبدع قادرا على إصدارها.

خاتمة: الكلمة الأولى تصنع الطريق. 
إن وضع “أطفالنا بين أيدي المبدعين” ليس خيارًا نُفكّر فيه، بل ضرورة وجودية. فهؤلاء الصغار هم مستقبل اللغة، والفكر، والثقافة، وبأيدي المبدعين تُصاغ رؤيتهم للحياة. ومن خلال أدب راقٍ وجذاب، نبني فيهم حب القراءة، والانتماء، والخيال، والقدرة على الاختيار.

إنها دعوة مفتوحة:
اكتبوا لأطفالنا كما لو أنكم تبنون عالمًا من جديد.
فهم يستحقون أدبًا يليق ببراءتهم… ويُطلق طاقاتهم.

*كاتبة سعودية
7aerh_4

التعليقات

  1. يقول الكاتب الأديب جمال بركات:

    أحبائي
    أبنائي وبناتي
    ابنتي المبدعة المتألقة العالمة الحالمة العالية الغالية الطيبة النقية حصة
    نتفق – هي وأنا وكثير من المبدعين – في أن أدب الأطفال هو أدب بناء
    وأدب البناء يجب أن يقدم في أفضل صوره وحالاته ومضمونه وإبداعه للأبناء
    أدب البناء هذا يجب أن لايتصدى لكتابة حروفه إلا أصحاب الخيال والعلم والقدرات الإبداعية العالية من الأدباء
    أحبائي
    دعوة محبة
    أدعو سيادتكم إلى حسن التعليق وآدابه…واحترام البعض للبعض
    ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
    نشر هذه الثقافة بين البشر كافة هو على الأسوياء الأنقياء واجب وفرض
    جمال بركات…رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة

  2. بوركت أستاذة حصة 💖 وأسعدك الله

  3. كامل الكيلاني
    سخر نجا محفوظ
    نورة الشكر
    ملهمون ولنا معهم إن شاء الله طريق.
    ألف شكر أ. حصة على تنوير أذهاننا وإثراء
    بصيرتنا .
    ألقدف شكر لك عزيزتي💕💕💕

  4. يقول محمد الشهراني:

    الف شكر لك استاذه حصة وفقك الله وانار طريقك كما انرتي ارواحنا بحروفك النيره دمتي بخير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود