مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

أسامة سجيع إبراهيم* انتشلوا آخر جثّة من أفراد عائلته… وقف وحيدًا محطمًا كل …

خبر وحكاية

منذ أسبوع واحد

21

0

أسامة سجيع إبراهيم*

انتشلوا آخر جثّة من أفراد عائلته… وقف وحيدًا محطمًا كلوحٍ من الزجاج تناثر أمام القذيفة نفسها التي اخترقت سقف منزلهم!

وقفَ الناجي الوحيدُ وحيدًا وقد تملكه جمودُ التماثيل لينهار السدُّ بعدها ويندفعُ سيلُ المشاعر جارفاً ركام الذكريات وبقايا حياةٍ بسيطة.

انهار حاضرهُ ومستقبلهُ ليستحوذَ الماضي على كيانه جميعًا. بكى بتفجعٍ، صرخَ بأعلى صوته، نادى على أفرادِ عائلته فردًا فردًا، ناشدَ الناس، تضرّع إلى الله، لطمَ وجههُ، ضربَ رأسهُ، شقّ قميصهم متفجعًا.

وخزت أعصابهُ الذكريات جميلها وقبيحها… لكم تمنى أن تعود ليشبع من محاسنها حدّ التخمة ويصحح من قبيحها حتى تكلّ يداه. اشتعلَ كيانه شوقًا إلى لمسةٍ من والدته، ونظرةٍ من والده، ومزحةٍ من أشقائه، وتربيتةٍ من شقيقاته. انهارت عائلته بقدّها وقديدها، ونجا وحده، بل تركوه ونجوا!

بكى إلى أن فرغ قلبه وتملّكه الفراغ، فلم يبقَ في عينيه دمعٌ ولا في حنجرته صوت! تقدّم منه رجلٌ أربعيني صلدَ الملامح والساعدين، وقال بصوتٍ أجشٍّ حزين:

– مصابك أليمٌ ورهيبْ، لكن على الرجال التماسك!

– التماسك؟

سأل ببلاهة ساخرةٍ دامية.

– وهل نملك غير ذلك؟

أجابه بصوتٍ متلاشٍ:

– الكلام سهل!

أحاط وجهه بيد قاسية سميكة وقال بأقلّ نبراته خشونة:

– سيحجّرك تراكم المصائب قريبًا! قبل عشرينَ عامٍ، قلتُ الجملة نفسَها في الموقف نفسِهِ أمام منزلٍ مختلف!

في اليوم التالي، أخذت مذيعةٌ مغناج تتلو الأخبار الفنيّة بمرحٍ، في حين مرَّ على الشريط الإخباري أسفل الشاشة خبر مقتضبٌ:

في آخر يوم للحرب، استشهاد عائلة بأكملها في قصفٍ جوّي طال منزلهم”.

بقي الخبرُ يومًا أو بعض يوم ليحلَّ محلّه خبر مماثل ظهر أسفلَ برنامج الطبخ!

*كاتب من سوريا 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود