مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

– بيت الشعر العربي.. تجربة متفردة وحالة استثنائية. – الجميع عاديون.. …

الإعلامي الشاعر سامح محجوب: الشعر والنقد توأمان سياميان

منذ 11 ساعة

47

0

– بيت الشعر العربي.. تجربة متفردة وحالة استثنائية.

– الجميع عاديون.. إنما المستثنى أهل الفن وخاصته.

– أزمة وعي واختناق تُصيب رئة الثقافة العربية.

– يمتلك الشعر بصمة جينية ترفض القسمة على اثنين.

– نحن شعوب قابعة في التاريخ ونخشى الجغرافيا.

– لا آلهة فوق الشاعر سوى ظله وظل قيثاره.

رحلة البحث عن المعنى هي الأكثر غموضًا وعمقًا في مسيرتها، فالأمر لا يقتصر عند كونها رحلة علمية بقدر ما هي الأكثر دقة وتشويقًا فليست مجرد تجربة عابرة، بل هي تقصي الحدث منذُ فجر ولادته ومشاهدة نموه مرورًا بكل التفاصيل، اللغة التي خلدت الكثير من الآثار التي تروي قصة أثرها العميق في كل حقبة زمنية.. والتي ما زالت مستمرة في خلق الدهشة وكأنما تُخبرنا بأنها هي قِبلة يقصدها كل من ابتغى بلوغ الرشاد.

حوار – رندا أبوحوى 

ضيف حوارنا شاعر سخر قلمه لخدمة هذه اللغة، إبداعًا وعطاءً وريادة.. 
ضيفنا في هذا العدد هو الرحّالة سامح محجوب. 

– شاعر و إعلامي.
– مدير بيت الشعر العربي بالقاهرة.
– مدير الأنشطة الثقافية بصندوق التنمية (وزارة الثقافة المصرية).
– تخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة.
– جمع في تعليمه بين التعليم العام والأزهري.
– حكّم المسابقة المركزية للهيئة العامة.
نال الكثير من التكريمات، منها:
– درع أمير الشعراء أحمد شوقي -2001.
– جائزة دار الأدباء عن أفضل قصيدة (أبو ذر الغفاري)-2003.
– حاز جائزة البابطين للإبداع الشعري عن قصيدته (على إيقاع ضحكته يمشي) 2014. 

– أصدر عددًا من المؤلفات، منها:
– ديوان (لا شيء يساوي حزن النهر) 
الهيئة المصرية العامة للكتاب 2006. 
– ديوان (الحفر بيد واحدة) دار إيزيسلا للإبداع والثقافة، طبعة أولى 2010.
– ديوان (مجاز الماء) دار تويتة للنشر والتوزيع 2015.
– اللغة تعاني قسوة الخريف.. والشعر يمرض لكن لا يموت.
يُقال إن “اللغة تنمو و تتمدد وتتقلص وتقوى وتضعف، وتتجمل أحيانًا وتقبح أحيانًا أخرى، واللغة يمكن أن يُصيبها في مرحلة من عمرها  العقم أو سن اليأس، فتصبح عاجزة حتى عن ولادة كلمة واحدة جديدة”.
هل تلك المراحل السابقة قد تكون مصير الشعر من حيث تغير الأجيال؟
لا بد من الاعتراف أولًا بأن وضع اللغة ليس على يرام وأنها تعيش خريفًا موحشًا.. رغم تقدم البحث في بنيتها في الدرس اللغوي، وهذا دليل دامغ على تراجعها وانحسارها على يد الجماعة الإنسانية المنتجة للكلام والصوت.. ومن ثمّ اللغة باعتبارها ترجمة لاحقة للكلام والصوت، اللغة ليست بخير؛ لأن الثقافة ليست بخير وهذه حالة استثنائية قد طال أمدها قليلًا، لكنها تظل حالة استثنائية حدثت قبل ذلك وستحدث في القابل من الأزمنة، وذلك نتيجة الحركة الدائرية للحضارة من مدار لمدار ومن حالة لحالة أخرى، يحدث ذلك مع القفزات النوعية التي يحاولها الإنسان نحو تحقيق ذاته كموجود قائد وأصيل في الكون، والشعر وحده هو القادر على العدو باللغة لمسافات طويلة، كما كان دائمًا منذ أن اكتشف الإنسان الكلام ومنذ أن عرف أن وراء بعضه طاقة أبعد من كونه أداة للتواصل، طاقة تسمح للإنسان أن يقول أشياء كثيرة ليس بمقدور كل البشر أن يمتلكها، طاقة تسمح للغة أن ترى وتسمع وتحسّ وتتذوق وتمشي على الماء كدرويش يَهْرِفُ بما لا يعرف، إنها عرفانية اللغة عندما يمنحها الشعر من روحه كي تتسع دلالاتها وتتجاوز ألفاظها العمياء لتحلّ في معانٍ طازجة تفتح لها النوافذ لدخول هواء نقي وجديد في رئتيها كلما يبستا وتحجرتا، الشعر القائم الأمين على حراسة اللغة من التعري والشيخوخة والمحو، وقد يمرّ هو الآخر بنفس الأعراض التي تمرّ بها اللغة.. لكنه لا يذوي ولا ينحسر ولن يختفي، ولديه قدرة التجدد الذاتي.. التجدد من الداخل، عكس اللغة نفسها التي لا تتجدد إلا بغيرها، لذا الشعر يمرض ولا يموت. 

– يمتلك الشعر بصمة جينية ترفض القسمة على اثنين. 
الشعر ليس مجرد حديث يحاكي المشاعر.. بل هو أعمق من ذلك بكثير، وعلى هذا النحو كان للفلاسفة على مر التاريخ آراء مختلفة تجاهه: نُقل عن أبو نصر الفارابي: إن الشعر “خطاب تخييلي” وظيفته التأثير في المتلقي بالإقناع أو الإمتاع، لا بالبرهان العقلي فقط. وأخيرًا نيتشه: قال إن الشعر هو صوت الحياة نفسها، ورأى في الشعر الممزوج بالموسيقى التعبير الأسمى عن الروح الديونيزوسية (روح الانفعال والإبداع)..
ماذا عن نظرتك الفلسفية تجاه الشعر؟
– لم يحدث أبدًا أن اقتنعت أو سلّمتُ بالتعريفات المدرسية الفقيرة التي سكّها علماء اللغة والفلاسفة وحتى نقاد الأدب قديمهم ومحدثهم للشعر، بل لم يقتنع الشعر ذاته بذلك.. إذ ظل يبدأ دائمًا حيث تنتهي المعارف والمصطلحات، يبدأ بلا انتهاء وبلا إطار وبلا تعريف وكانه بصمة (چينية) لا تقبل التكرار والقسمة على اثنين، وتلك خصوصية لم تتوفر لباقي الفنون التي يمكن أن تقف عن حدود معينة من التجريب والتجريد، وهذا يفسر تاريخية الشعر في استقبال كل حركات التجديد والتفكير في ماهية الفنون أولًا.. ولعل أبرز وأقرب مثال على ذلك استقبال الشعر الحافل للسوريالية في عشرينيات القرن المنصرم على يد (أندريه بريتون) ورفاقه، السوريالية التي مثّلت انحرافًا حادًّا في مسار الشعر والفنون حتى هذه اللحظة، لذلك يعمل الشعر دائمًا بعدما يفرغ العقل من عمله، بعدما تفقد الحقيقة معناها ويصطدم الجميع بالجميع، يعمل ليعرّف الأشياء من جديد، وليقود العالم نحو خلَاصِه، ربما كانت هذه الأشياء حاضرة في ذهن مجموعة الكتاب الأوروبيين الذين اجتمعوا غاضبين حول الشاعر “تريستان تزارا” بمقهى (فولتير) بمدينة زيورخ السويسرية عام 1916 ليعبروا عن رفضهم للمجازر التي أسقطت ملايين الضحايا إبّان الحرب العالمية الأولى التي وضعت فناني القرن العشرين أمام أول اختبار حقيقي لما يمكن أن يقدمه الفن لوقف حالة التوحش التي اعترت العالم وحولته لغابة بدائية، وربما هي اللحظة العبثية التي دفعتهم لرفض كل ما عرفوه عن الفن لصالح شيء غامض ومجهول كان عليهم أن يفتحوا القاموس ليختاروا له بشكل عبثي أيضًا أول حروف تقع أعينهم عليها وهي حروف “دادا” الحروف التي وسمت فيما بعد المكون الدلالي والمعنوي للحركة الدادئية التي نشأت بشكل عفوي واعتباطي لمواجهة شراسة المجتمع البرجوازي الذي اعتمد على قيم صناعية صارمة سحقت روح الإنسان وهمشت فرديته.. ومن ثمّ أدت لهذه الحرب العبثية، ثار الدادئيون على كل شيء حتى على أنفسهم وأخذوا يمجدون القبح ويكرّسون للفوضى ويقعدون للجنون وذلك كنوع من الانعتاق والتحرر من كل ما أحرزته البشرية من قيم ومُثل وفنون لصالح قيم أخرى ترفض مواضعات المجتمع وقوانينه الحاكمة، لم تستمر الدادائية كثيرًا، ربما لعدم اكتراث من نادوا بها لما يقدمونه من مقولات وفن.. وربما لأنها كانت مقدمة ضرورية للمانفيستو السوريالي الذي سيولد على يد الشاعر الفرنسي أندريه بريتون عام 1924 البيان الذي قاد انقلابًا ناعمًا على كل نظريات الفن وأصبح المرجع الأكثر رسوخًا في كل ما طرأ على العالم من حركات ونظريات، كما أصبح الأب الشرعي لمنتج أسماء ورموز كبيرة ومهمة من الكتاب والفنانين. 

– لا آلهة فوق الشاعر سوى ظله وظل قيثاره.
– ليست الشجاعة في عدم الشعور بالخوف، لكنها في التغلب على هذا الشعور.

هل ارتدى القصيد رداء الحرية الفضفاض عربيًا أم أنه لا يزال مرهونًا لمقاسات “الهوية” و”الهواية الخاصة” بعيدًا عن فرضيات “الرقابة”؟
الشاعر؛ الشاعر سائس خيل محترف فيه من رعونة فرسه كما فيه من جموحها وتحدّيها للمسافات والأنواء ولا نهائية وجهتها، ولديه حساسيته الخاصة جدًا فى ضبط ترددات الفيزيقي والميتافيزيقي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقع فى سؤال الحرية كطرح جمالي، لأنه بالضرورة مشغول طيلة الوقت بإصلاح خللٍ خفي فى روح العالم، لا آلهة فوق الشاعر سوى ظله وظل قيثاره، ولا أظن أن هناك شاعر يستطيع أن يقدم نصًا عابرًا تحت سقف (تابوه) أو سلطة (آنًا) ما! من (آنات) المجتمع، والشعر فى بداية الأمر ومنتهاه ليس موضوعًا فى الفن وإن حدث وكان ذلك فسيحتل ترتيبًا متأخرًا جدًا فى أولوياته ومرتكزاته، وغالبًا لن يعبر لبعيد وإن حقق نوعًا من الشعبوية الآنية فى راهنه.
فلا أظن أن أحدًا يمكن أن يتعاطى الآن فنيًا مع معظم قصائد أحمد شوقي أو الجواهري أو نزار قباني أو أمل دنقل أو ناظم حكمت أو بابلو نيرودا أو جاك بريفير أو كثيرين غيرهم.. انشغلوا في كتابتهم بالتعليق على الأحداث والظواهر جاعلين من قصائدهم حاملًا لا محمولًا.

– القصيدة هي بطاقة هويتي.
– ما بين الاستقرار والترحال وتعدد المهام التي كانت جزءًا من المنصب القيادي الذي كُلفت بِه، أين يجد الإنسان سامح نفسه؟
لم أنفصل لحظة واحدة عن كوني شاعرًا وكاتبًا وكل اختياراتي في الحياة كانت واقعة تمامًا تحت سطوة هذه الفكرة ولصالحها، حتى لو كانت حسابات الضروري والحتمي تملي علي غير ذلك، استطعت في وقت مبكر أن أحسم الجدل بين احتياجات الإنسان وخسارات الكتابة، الشعر هو المعادل الموضوعي لسلامتي النفسية وهو الخروج الآمن من ورطة الحياة، لم يحدث أبدًا أن سافرت أو فكرت في السفر من أجل الحصول على فرصة جيدة للعيش رغم كثرة العروض التي كانت متاحة لذلك، ورغم احتياجي لذلك حتى من أجل أطفالي، كانت وما زالت القصيدة بطاقة هويتي وتأشيرتي الوحيدة والأخيرة التي أعلن بها عن نفسي حِلًا وترحالًا، لدي ما يقرب من خمسين دعوة سفر ممهورة جميعها بلقب الشاعر، هذا بالرغم من سطوة وبريق ألقاب أخرى منحتها لي الحياة، وأنزعج كثيرًا من الانتساب لمهنة أو وظيفة ولم يحدث أن جلست أو استقبلت أحدًا في بيت الشعر العربي بمكتبي.. وربما لم أدخله سوى مرة واحدة عندما تسلمت إدارة البيت قبل ثلاث سنوات مضت.. ويعرف ذلك جيدًا كل من شاركوا أو زاروا بيت الشعر من مصر أو الوطن العربي أو العالم، هذا هو أنا الذي أحاول معرفته مع كل نص أقوله أو أسمعه من غيري.

– النقد والشعر توأمان سياميان.

– لقد كان الأدب سابق العهد في الظهور.. ومن ثم جاء ما يُسمى بالنقد والذي يكمن دوره في كشف مواطن الجمال والقُبح في الأعمال الأدبية، هل يحق لكل قارئ أن يستخدم أداة النقد؟ أم هو مقتصر على المتخصصين؟
ليس صحيحًا بالمرة أن الشعر وجد قبل النقد، أو أن نقد الشعر يحتاج لنوع من التخصص العلمي، وإن صح ذلك مع فنون أخرى، الشعر والنقد توأمان ولدا من رحم واحد ودفعة واحدة، فمنذ أن عرف الإنسان الكلام وهو في حاجة ماسة لمن يسمعه ويحاوره، وإلا لمن سيوجه حديثه! وعلى اعتبار أن الشعر هو أعلى تمثّلات الكلام ومن ثمّ أعظم خطاباته، والخطاب الشعري تحديدًا هو إحدى سلطات اللغة الكبرى، وهو في حاجة لطرفي معادلة كي يكتمل سياقيًا ومفاهيميًا، من هنا يمكن الذهاب بارتياح شديد إلى أن النص الشعري ولد مع النص النقدي الذي اعتمد فى البداية على التلقي والذائقة فى أسواق الشعر، وإلا ماذا نسمّي ما كان يقوم به النابغة الذبياني والخنساء وبعض الشعراء الكبار في سوق عكاظ من إجازة واستحسان لبعض القصائد على أخرى ومن بعض الشعراء على آخرين، أليس هذا نقدًا! وقبل ذلك كله أليس اعتراف القبيلة ورفعها لبعض أبنائها لمرتبة الشعر نقدًا! ربما تطور الأمر بعد ذلك لنوع من الأطر والمفاهيم حول ماهية الشعر وربما احتاج لمتخصصين وواضعي نظريات، لكن أنا من القائلين بأن ما قيل في نقد الشعر وما سيقال لاحقًا ليس أكثر من مقاربات مدرسية تعيسة حول الشكل! نتج معظمها من مداخل لغوية بحتة كما في نقدنا القديم، ومن مداخل نفسية وفلسفية وثقافية كما فى نقدنا الحديث والمعاصر، ولست مبالغًا لو ذهبت إلى القول بأن أعظم من كتب عن الشعر هم الشعراء أنفسهم، وأن أعظم ما كتب من نقد للشعر صدر عن شعراء ضلوا طريقهم للنقد، وأن الاقتراب من الشعر الحديث تحديدًا يحتاج لمعرفة واسعة لا تتوفر لمعظم من يشتغلون بالنقد! والذين يذهب معظمهم لنقد السرد على اعتبار أنه جنة (العبيط) التي لا تحتاج لأكثر من مذكرات تفسيرية لوقائع وأحداث وشخوص، على عكس الشعر الذي يحتاج لقراءات خاصة ومعمقة حتى فى المعارف الهامشية.

– أزمة وعي واختناق تُصيب رئة الثقافة العربية.
– عهدنا في الآونة الأخيرة تنظيم الكثير من المحافل والمسابقات التي تجمع الكتاب والمهتمين بالمشهد الثقافي من الخليج إلى المحيط.. هل ترى مثل هذه المبادرات تحث الأجيال على حُب وارتياد معترك الثقافة؟

الثقافة حالة شعبوية تكتسب شرعيتها من تبني وانحياز القاعدة لخطابها، كما أنها مؤشر مهم يمكن أن نقيس به درجة حرارة المجتمع وصوابيته، وما يعلن عنه من فاعليات ثقافية في الوطن العربي لا يغطي احتياجات المجتمعات العربية التي تعيش أزمة وعي حادة؛ نتيجة تشوش مرجعياتها الثقافية وتغييب المثقف واستبعاده أو الاحتفاظ به كبرواز باهت على حائط لحظة منهارة يفقد فيها الإنسان العربي حياته على الهوية التي كانت أحد مصادر تميزه وتفوقه وثرائه الحضاري.. وذلك بسب عجز المثقف العربي عن صنع قشرة سميكة تحمي مجتمعه من السقوط فريسة سهلة للقومي والعرقي والمذهبي والديني.
ورغم إيماني الشديد بأهمية المسابقات والجوائز الأدبية والتأسيس عليها لصنع حالة فرز صحية للمنتج الأدبي والثقافي ولتقديم وجوه جديدة للمشهد الثقافي، لكن ما يحدث حتى اللحظة لا يحقق ذلك على أي مستوى، بل يسهم بشكلٍ كبير فى تدمير القيمة المعنوية للفكرة الجوهرية للثقافة! لصالح قيم رجعية واستهلاكية وتشيئية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولا أعرف ماذا يمكن أن يفيد من الشعر فنيًا من مسابقة تحدد موضوعًا عقديًا للتسابق؟! كشاعر الرسول وشاعر الصحابة وشاعر البردة وشاعر النخلة وشاعر الناقة والصحراء إلى آخر هذه القائمة من الكنى والألقاب التي يرصد لها مبالغ طائلة بلا عائد فني حقيقي يساعد في تطور الفن وحركيته. 

– نحن شعوب قابعة في التاريخ ونخشى الجغرافيا.
– حضور الكاتب واتساع حلقة جماهيريته.. هل تعتمد على نوع المحتوى المقدم أم طريقة التسويق له؟
الكتابة وحدها لا تكفي في فتح نوافذ الأضواء على وجوه الكُتَّاب، والتاريخ خير شاهد على ذلك، لم يحدث أبدًا أن ذاع نص شعري بمعزل عن حكايات مبدعه وملابسات سيرته الشخصية، وإلا لماذا ينفرد الشرق بهذا الكم الهائل من الأساطير الرسمية والشعبية! ولماذا نحتفظ حتى اللحظة الراهنة بكل هذا الأكاذيب التي تمتلئ بها كتب التراث! نحن شعوب (ألف ليلة وليلة) و (علي بابا والأربعين حرامي) و(الأميرة ذات الهمّة) لا تنضج قهوتنا العربية إلا على دخان الخرافة! ولا نجيد سماع الموسيقى بلا شعر ولا نجيد سماع الشعر دون مضخات الميتافيزيقا! 
وبالضرورة أنتج كل عصر آلياته في تسويق شاعر على حساب آخر وتسويق منتج على حساب آخر، لكن ظلت السياقات هي السلطة الحاكمة في صنع جماهيرية الكاتب وتسويق منتجه، حتى لو ارتفعت هذه السياقات لمرتبة الذائقة العامة للمتلقي، لذا نحن في حاجة دائمة لأبحاث معمقة في سوسيولوجيا الشعر. 

– الجميع عاديون.. إنما المستثنى أهل الفن وخاصته.
– قد لا يكون الكاتب إنسانًا عاديًا، بل أُتيحت له فرصة اكتساب ما لا يستطيع اكتسابه أي شخص عادي وهي فرصة “التعبير باللغة دون قيود أو خوف”.. هل ينطبق ذلك أيضًا على عاطفته؟
– من الأهمية أن يثق الإنسان في مسلمات العقل ونتائجها، لكن هذه هي البداية لرحلة أبعد وأكثر عمقًا يتراجع فيها العقل لصالح الحدس الذي ينتهى كشفًا ورؤية وتأويلًا، بفضل قوى روحية تحتاج لحالات مِران طويلة مع النفس
في مدارجها الثلاث -أو الثلاثة طالما أن المعدود سبق العدد- الكل إذن يمتلك قدرًا من الذكاء العقلي، لكن خاصة الخاصة من تختصهم النواميس بذكاء الحدس، تلك القوة الروحية الخارقة التي تصل مع بعض ممنوحيها إلى درجة استدعاء الأشياء والكائنات وقيادتها وتحريكها، وبين تلك القوة والسحر شعرة لا تُرى لكنها تُحسّ، الحدسيون فقط يصلون للمعرفة في الوقت الذي قد يصل فيه الجميع للعلم، ولا يمكن أبدًا تقييد ما هو مطلق بما هو ظني، كل البشر إذن يمتلك العاطفة والحسّ، ووحدهم الفنانون يتمتعون بالحدس الذي يمنحهم لغة خاصة لا تتوفر لكل البشر، واللغة هنا حالة تعبيرية مجردة تقفز على حواجز القيد والخوف، واضعة قوانينها الفنية التي لا تخضع بالضرورة للمنطق الأرسطي المبني على مسلمات المناطقة. 


– من المهد حتى اللحد.. يحيا الإنسان في كنف التراجيديا.

يقول طاغور: سأل الممكن المستحيل: أين تُقيم؟ فأجاب المستحيل: في أحلام العاجزين. 
برأيك هل السعي وتحقيق الأهداف في هذا العصر أكثر سهولة عن ذي قبل؟
-كل عصر يبتكر مجالاته، ولكل زمن غاياته، كل ما في الأمر أن الإنسان يعيش -على حدّ تصوّر واضعي التراجيديا – حالة صراع لا نهائية مع ذاته ومع الطبيعة ومع الآخرين، وهي الحالة التي تحفظ له شغفه ودهشته وقابلية الوجود والاستمرار من أجل تذليل المزيد من الأهداف والمحاولات، التي ما إن ينتهي أحدها يتطلع الإنسان لوضع غيره أمامه لتغذية ماكينة الحياة بالوقود اللازم للبقاء. 

– العذر عند المقدرة، أنا لستُ كذلك في الكتابة.
– امرأة مفخخة بالياسمين… ينتظرها عاشق أعزل، حدثني عن تلك الهدية التي حملها كف القدر كي توضع في فؤادك، وعلى إثرها حصدنا سنابل خُضر شكّلت هذا الديوان؟
– لست من القائلين بأن الجودة بنت الكثرة، ولست من الموظفين عند الشعر، وأتعامل بحذر شديد مع فعل الكتابة، ولا أعفو عن النص بسهولة، وأقف أمام كل تجربة شعرية وقفات قد تطول، انتظارًا لناموسها الأعلى الذي يتنزّل في زمنه ومكانه، دون استعدادات أو حيل من التي يتبناها السذج والبلهاء من النمل الأبيض المحسوب على المتن الفني اعتسافًا في كل العصور، الشعر تجربة شديدة السهولة والقسوة في آن، كما أنه نوع من اللعب الخطر الذي يحتاج لوعي خاص بنوبات المخاض لترجمة ذبذباتها وتردداتها، وأنا من الذين يحترمون تجاربهم ولا يدخلونها إلا واقعين تمامًا تحت سطوتها، (وامرأة مفخخة بالياسمين ينتظرها عاشق أعزل) تحويلة مهمة في الكتابة، من حيث إنها كانت عتبة الخروج من شكل كتابي إلى شكل آخر له جمالياته المختلف عليها حتى اللحظة الراهنة، وهذا الأمر لم يكن سهلًا بعد خمس تجارب أنتجت جميعها رهن مقولات وسرديات الفن الكبرى، لذا أعتز بها كثيرًا.. لا سيما أنها صدرت عن مطبوعات نادي تبوك الأدبي بالمملكة العربية السعودية، وهذه كانت أولى تجاربي في الطباعة خارج مصر. 

– يُهزم الشعر بالعُزلة ويُقتل إبان الانسحاب.
– أكثر ما يرد على ذهن جماهير القراء من مختلف الأعمار، رغم التباين في المستوى الثقافي، أن الكاتب تؤنسه عُزلته وتزيد من توهجه.. ماذا عن الشاعر؟ وما أسباب تألقه وبريقه الذي يتضح في سماء الساحة الشعرية؟

– الشعر تحديدًا تهزمه العزلة ويقتله الانسحاب والوحدة، إنه الصخب الجميل الذي يركب الحافلات ويصافح آلام الإنسان وأفراحه في الطرقات، قد تغيّر أغنية بسيطة تنبعث من مذياع قديم في مقهى الحي وجهة العابرين نحو الحياة صباحًا، لم يحدث أبدًا أن استجبت لحالة العزلة وأعتبر ذلك فعل رفاهية لا يليق بالشاعر، كتبت معظم نصوصي بين الناس ويا كم ركبت الحافلات العامة بلا هدف أو وجهة محددة لقراءة قصائد الله في وجوه البشر، ولا أعرف حتى الآن لماذا ينتابني كل هذا الشجن في السفر.. حتى السفر القصير نحو قريتنا بريف مدينة المحلة الكبرى، لكن كل ما أعرفه بعد أكثر من ثلاثين عامًا بصحبة الشعر، أنه ابن الحياة كبدًا وروحًا وأنه الصخب الضروري لسلامة الروح، الشعراء مثورون عظام لا يجيدون الكتابة إلا على أكتاف الجماهير، وكل من يقولون بنخبوية الفن وأن الأدب العظيم بلا جماهير مدَّعون وفشلة، لكل نص شعري أو موسيقي أو تشكيلي أو سينمائي متلقيه الذي ينفعل به وينحاز له، وهذا ما يبرر أن الشعر ليس واحدًا. 

– علاقة الحب بيننا طردية.
– في حين أُتيحت فرصة الخلود على المستديرة، ماذا تود أن تكون؟
– كل اختياراتي في الحياة كانت لصالح الشعر، كلانا يبحث عن الآخر.. وحتى هذه اللحظة لم يستطع أحدنا أن يفلت من الآخر، وأظن أنني ترجمت ذلك بشكل واضح في قصيدتي (أكتب كي أهزم موتي). 

النص الذي أعتبره (منفيستو) شعري رؤيوي. 


#اليوم_العالمي_للشعر


أكتبُ
كي أهزمَ موتي..
أصحابي الـمُتَّسخِونَ
بِضوضاءِ العقلِ..
ما زالوا ينتظِرونَ الوحيَ..
تحتَ سماءِ الآلهةِ الوهميين
لا قدسيةَ
لملاكٍ
لَم تمسسْه
العاداتُ السِّرِّيَّةُ
لا قدسيةَ
للمعنى الواحد
قالت سلمى:
لا تعشقْ غيري..
أنا ياءُ قصيدتِكَ الأُولى..
دمعتُك الواقفةُ
على الطُّرقات
أنا شاهِدُ قبرِكَ..
أَسقِي صُبَّارَكَ
مِن نهديّ..
وأدلُّ عليكَ الأسطورةَ
قبلَ الطُّوفانْ

– بيت الشعر العربي تجربة متفردة وحالة استثنائية.
المحافل والملتقيات الأدبية التي عُني لها من قِبل المؤسسات الثقافية في العالم العربي.. شأن بالغ الأهمية لدورها الفعال على الصعيد الإنساني والأدبي أيضًا.. هل يمكن أن تُشاركنا نتاج تولي إدارة “بيت الشعر العربي” وهل من الممكن أن نُشاهد نسخة جديدة بهوية سعودية؟ 
– بيت الشعر العربي بمصر تجربة رائدة وملهمة، بداية من اختيار مقره الأثري بالقاهرة القديمة مرورًا برسالته، وصولًا لمخرجاته الثقافية. 
وبيت الشعر العربي بالقاهرة الآن بالفعل يتصدر المشهد الشعري العربي، حيث يقدم الشعر كحالة ثقافية متكاملة وليس كقصيدة يقرؤها شاعر على منصة وينصرف، بيت الشعر العربي يطرح في أمسياته وندواته كل ما يخص الشعر تاريخًا ونقدًا وقضايا، كما يعمل بيت الشعر الآن على استعادة رموز الشعرية العربية البعيدين عن دائرة الضوء، رغم منجزهم الشعري الفارق والمؤثر. 
وإيمانًا من بيت الشعر العربي بحيوية الشعرية المصرية والعربية.. ينحاز بشكل دائم ومنهجي للمواهب والتجارب الحديثة، وليس أدلّ على ذلك من ملتقى وورشة بيت الشعر الذي يعقد بشكل دائم فى الخامسة من مساء كل أحد والذي يقدمه ويشرف عليه مجموعة من شباب الجامعات المصرية، ويُناقش من خلاله أحدث الإصدارات الشعرية وكل ما يطرح على الساحة الأدبية من قضايا شعرية، هذا إلى جانب الأمسيات الشعرية الأساسية بالبيت والتي لا تخلو من كل الأجيال، وبالضرورة والحتمية لا يقتصر دور بيت الشعر على تقديم شعراء القاهرة فحسب، بل يذهب النصيب الأكبر لشعراء الأقاليم المصرية والدول العربية، حرصًا من البيت على إحاطة وثراء وتنوع الشعرية المصرية والعربية، وسبق أن أقمنا احتفالية كبرى بمئوية الشاعرة العراقية نازك الملائكة فى حضور عربي كبير، ربما لم تشهده فعالية شعرية فى أي مكان، كما أحيا البيت قبل أشهر قليلة ذكرى رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش وشعراء المقاومة الفلسطينية،
والسعودية الآن وقبل أي وقت مضى مهيأة لتدشين أكثر من بيت شعر يغطي ما تتمتع به المملكة من جغرافيا شعرية متنوعة وشاسعة، لاسيما ومدنها القديمة كانت مواطن الشعر والشعراء وبها أقيم أول سوق للشعر (سوق عكاز) وعلى أستار كعبتها عُلقت القصائد الكبيرة مكتوبة بماء الذهب، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التأريخ للشعرية العربية وتطوراتها، بعيدًا عن الدور الكبير لحواضر المملكة العربية السعودية.

– الحراك الثقافي السعودي يسابق البرق.
– كيف يرى الشاعر سامح محجوب الحراك الثقافي السعودي؟
– زرت معرض الرياض الدولي للكتاب قبل عامين، وهو أحد أهم وأكبر معارض الكتب في المنطقة العربية، ولمست ما يشهده المجتمع السعودي من حراك واسع في مناحي الحياة كافة، وهي قفزة هائلة تليق بدولة كبيرة ومركزية ذات أبعاد حضارية كثيرة، يأتي في مقدمتها البعد الثقافي بمرجعياته العميقة في التاريخ العربي، وإدراك صانع القرار بالمملكة لهذا البعد وتفعيله ووضعه كمقدمة وأولوية كبرى لدخول حداثة عربية ذات مقولات عربية خالصة. 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود