509
0
574
2
695
1
748
0
522
0
56
0
265
0
78
1
17
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12042
0
11682
0
10918
0
10050
5
8262
0
فاطمة الشريف*

عام الحرفة 2025
تجربة الذات المبدعة مع التراث والابتكار والاحتراف
ولكم أن تضيفوا تبعًا لتجاربكم المبدعة مستقبلين إياها بكل ترحاب وبهجة.
حين أخذني شغفي لأكتب مقال نوفمبر البهيج النابض بالحياة والفعاليات دومًا، تزاحم في ذهني فكرتان، الأولى الزيارة التاريخية لسيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية في 18-19 نوفمبر 2025، التي طربنا لتغطيتها العالمية والمحلية بما حفلت به من أحداث واتفاقيات وحوارات تُبهج الخاطر وتغرس في النفس أملًا يعانق الشرق الأوسط بالسلام والازدهار بإذن الله. أمّا الفكرة الثانية، فهي عن إطلالته المهيبة والوفد المرافق له، بالثوب والبشت السعودي؛ تلك الإطلالة التي لونتها مظاهر الاحتفاء الأمريكي ترحيبًا مهيبًا يليق بروحه وفكره وعطائه، فأجدني أنثر عباراتي بثقة وفرح، وأنا أستعيد أشهر صوره التي التقطتها من حساب بندر الجلعود عبر تطبيق “سناب شات”.
في تلك اللقطات الآسرة، يطلّ سموّه حفظه الله تعالى، بالبشت السعودي في هيئةٍ دبلوماسيةٍ تنبض بالوقار، وتحمل بين طيّاتها رسالة وطنية وفنية عميقة إلى شعوب العالم. وفي صورة أخرى تتجلى رمزيةٌ حيّة تعبّر عن الاعتزاز بالهوية السعودية عبر الزيّ الوطني سفيرًا عالميًا بصريًا يجسّد روح الوطن في تآلفٍ بديعٍ بين الأصالة والتراث. أما الإطلالة الثالثة فهي مشهدٌ مليء بالبشاشة يرسّخ صورة المملكة في أبهى حضورها المرح المتفائل على الساحة الدولية، وسيطًا فنيًا بين الحضور والإعلام، وبين الرؤية والجمال، والحرفة والفن. بين ضوء بندر الجلعود، وشِعر جاسم الصحيّح، وحروف التشكيلي أحمد عبد الربّ النبي، أشرقت واشنطن بقدومه حفظه الله، ابنُ العروبة انتماءً، وعلى كتفه آمالُ وطن، وفي ملامحه بشاشةُ شعبٍ نراه مرآةَ فخرٍ وأمل، وفي زيه رداءٌ يحتضن كل الصور التاريخية والفنية مختزلًا الإبداع الخلّاق في هيئةٍ من الوقار والجمال:
نعم، كان يُسمَى بردةً غير أنَّنا
خلعنا عليه من بشَاشته اسما
هو البشت تاريخُ الجدود مطرزًا
على لوحةٍ تجلو تراثهم الضَّخما
يأتي البشت بخيوطه ونسيجه ولونه في إطلالة سموّه حكاية حرفة وتراث، نسيج من المهابة والأناقة، وصياغة فخر وإبداع، فيغدو أكثر من بردة أو دفة أو مشلح، بل اعتزاز بجذوره العربية المسلمة، وقصة وطن، ورمز للأصالة والتجديد، صاغ ذلك كله حضوره بالبشت بثقة الملوك ومهابة الحكام.
ومع لفة البشت في أشهر صور سموه حفظه الله، جال في خاطري عدد من القصائد والقصص المتعلقة البردة، فمن ذلك قصة آل زهير بن أبي سلمى المضري في صدر الإسلام، وقصيدة البردة للبوصيري في القرن السابع، وصناعة البشت في وقتنا الحالي حرفة وفن سعودي أصيل، وتراث عربي مشترك مع الفنان التشكيلي أحمد عبد الربّ النبي الذي يؤكد لنا أن كلمة البشت كلمة عربية لا فارسية كما يتوهم البعض، وهي من مشتقات كلمة البشاشة بتخفيف الفعل بششت بشت من البشاشة، والبشت بصورته رداء من جنس البردة أو الجبة الذي تفردت به الأحساء قديمًا كأحد رموز الأزياء الرجالية التقليدية في المملكة، وهو يلبس في حال الفرح والابتهاج والمحافل الكبيرة، ومن وجهة نظر عبد الربّ النبي أن حرفته صياغة وليس خياطة أو حياة، حيث يدخل الزري أو خيوط المعازيب العشر، وهي خيوط مصبوغة من الذهب والفضة في نسج البشت، وكما يؤكد أنه بصورته الحالية حرفة حساوية، وعن تعدد أشكال البردة في الدول العربية، يؤكد لنا أن الكثير من الأسر الحساوية انتقلت إلى بعض الدول العربية والخليجية بحرفة البشت، فانتشر هنالك، فارضًا هيمنته ووجوده حرفة سعودية المنشأ وفنًا شعبيًا أصيلًا نشأ في الإحساء، وفي ديسمبر 2015، انضمّت الأحساء إلى شبكة مدن الإبداع التابعة لليونسكو تحت فئة «الحِرَف والفنون الشعبية»، باعتبارها موطنًا لأكثر من 50 تعبيرًا حرفيًا وفنونًا شعبية تمزج بين النخيل والفخار والنسج والنَجارة، وتُشير اليونسكو إلى أن الحرف التقليدية في الأحساء –من صناعة البشت والخوص إلى الفخّار والنسيج– تُشكّل مكوّنًا ثقافيًا واقتصاديًا خلاّقًا للمدينة.
ويؤكد لنا عبد الربّ النبي في رسالته البحثية، ومقال منشور له بعنوان “الأحساء الخلاقة”، وفي الكثير من لقاءاته الثقافية بأن البشت إبداع وطني سعودي، قائلًا:
“وعلى هذا فإن (البشت) إبداع أحسائي في صياغته أيضًا في تسميته، وقد فرضه الأحسائيون على الخليج وبقية الدول بزخارفه وتسميته وعراقته ورمزيته… فهو يرى أن قدرة وذكاء (الأحساء الخلاقة) ليس فقط في تسمية البشت، إنما أيضًا الإبداع يمتد ليصل ويكون مسميات جزيئات زخرفة (البشت): “المكسر، السمط، التركيب، الهيلة، البروج” كلها عربية وذات دلالة قوية تتفق وشكل الزخرفة وترتيبها في شغل (البشت) وتسميتها إبداع ما بعده إبداع، وزد على ذلك أن التسمية التي تليق بهذا الإبداع والتحفة الفنية (البشت) أن نجذر مصطلحات ومسميات تتوافق مع هذا الإنجاز والإبداع الأحسائي، من ذلك أن نبدأ بمصطلح (صياغة البشوت) بدلًا من (خياطة البشوت). فالخياطة تقتصر على خامة الخيوط، وعليه يكون الناتج خياطة الملابس وغيرها. أما البشوت فهي تصاغ بخيوط ذهبية بألوان ذهبية أو فضية، وعلى ذلك يكون الأليق والأحق أن نقول (صياغة البشوت). وكل من يسهم في إنتاج البشوت بجميع جزيئاته: (الطق، التركيب، المكسر، البروج، عمل وتركيب القيطان، التبردخ) فهو بحق فنان شعبي، وعلى ذلك علينا أن نتوج من يمتهن في صياغة البشوت بمصطلح (الفنان الشعبي في صياغة البشوت)”.
وما تجدر الإشارة إليه أن صناعة البشت وفق المصطلحات أعلاه عملية دقيقة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسية تكشف لنا بنية هذه الحرفة الشعبية.. المحور الأول/ يضم العمليات الحرفية مثل الطَّق، والتركيب، والتبردخ، وهي إجراءات يتعامل من خلالها الحرفي مع شدّ الخيوط وتثبيتها وضبط استقامتها.
أما المحور الثاني/ فيتعلق بـمواضع الخيط على البشت مثل: الحاشية والمكسر، وهي مواقع بنيوية تحدد شكل البشت وحوافّه وزواياه.
ويشمل المحور الثالث/ أصناف الخيوط والزخارف مثل: الهدب، والبروج، والسمط، والتخريج، والتكة، إضافة إلى الزينة النهائية المعروفة بالهيلة. ويُظهر التوضيح التكامل بين مهارة التنفيذ، ودقة تحديد المواضع، وتنوّع الزخارف التي تمنح البشت قيمته الجمالية والرمزية في التراث العربي.
وفي سياق جماليات الزي والهندام، تتجلى تجارب ذاتية عبر الولوج في التجارب الحرفية الملهمة التي تسطر أسماء تشكيليين وحرفيين مبدعين، نماذج أثبتت لنا كيف أنه يمكن للفن أن يغادر جدران المعارض ليصبح ابتكارًا أو صناعة ذات قيمة اقتصادية وثقافية بارزة، وكيف أن الحرفي المبدع هو فنان مبدع تتجلى في شخصيته الإبداعية مرتكزات الإبداع.
كتبت بيبي الحرز في مقال لها:
“في تجربة الفنان أحمد العبد النبي الفنية تتجلى نظرية الإبداع الوراثي، التي تستند إلى أن الإبداع ليس صدفة، بل يكون سلسلة متصلة من الإرث العقلي والثقافي عبر الأجيال… امتداد لسنوات طويلة تصل إلى مائة عام وأكثر من العمل الإبداعي المستمر لبعض العائلات التي تمارس حرفة إبداعية معينة، مثل النجارة والنسيج والتطريز والنقوش الجدارية… فهو وُلد بين خيوط الذهب والفضة (الزري) المطرزة بدقة على ذلك القماش المهيب (البشت)، لتأتي لوحاته امتدادًا أنيقًا لهذا الإرث الجميل، ويحوّله إلى لغة تشكيلية خاصة به تحمل روح العصر وحداثة الرؤية…”.
بالفعل فن عبد الرب النبي من التجارب المميزة التي يحتفي قلمي بها في عام الحرفة، حيث يتكئ فنه سلفًا على حرفة أجداده للبشت الحساوي التي وجدت امتدادًا فنيًا مع تجربته التشكيلية، حيث أعاد توظيف رموز البشت وزخارفه وألوانه في أعمال تشكيلية معاصرة.. وقدّم من خلاله قراءة بصرية مبتكرة تعكس أصالة الحرفة وثراءها التراثي، وفتح المجال أمام تطوير مهارات الحرفة التقليدية إلى منتج فني ذي قيمة تشكيلية اقتصادية وثقافية مضافة. إن تجربته مع البشت الحساوي نشأة تؤكد أن الفن يمكن أن يكون جسرًا يربط بين الهوية المحلية وسياقات الإبداع الحديثة؛ ليُظهر كيف تتحول الحرفة إلى ابتكار حيّ في الاقتصاد الإبداعي للفن التشكيلي.
الفنان أحمد بن عبدالله العبد النبي أحد أبرز رموز الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، ويمثل نموذجًا متفرّدًا للفنان المثقف الذي يجمع بين الحس الجمالي والرؤية الفكرية العميقة. نشأ في الأحساء التي انعكست طبيعتها وروحها في أعماله، فصاغ من ألوانها وعمارتها وأهلها هوية بصرية متجذّرة في المكان والذاكرة. حصل على ماجستير فلسفة الآداب في التربية الفنية من جامعة الملك سعود، وامتدت مسيرته الأكاديمية والفنية لأكثر من ثلاثة عقود، جمع فيها بين التدريس، والبحث، والإبداع التشكيلي. شارك في الكثير من المعارض والبيناليات الدولية، ونال الكثير من الجوائز والتكريمات من مؤسسات ثقافية محلية وعالمية، أبرزها تكريم مؤسسة مسك (عام 2019) وبينالي بكين الدولي. يمثل في حضوره الفني نموذج الفنان السعودي الذي يزاوج بين الأصالة والحداثة، وبين الفن كقيمة تربوية والفن كوعي إنساني، وبين القيم الإنسانية والدلالات الروحية.
المتأمل في أعماله يصنفها إلى الاتجاه التعبيري الرمزي في الفن السعودي المعاصر، حيث يجمع بين البعد الروحي والبعد الجمالي في صياغة بصرية غنية بالتفاصيل واللون. تتسم أعماله بعمق التأمل وبُعدها عن الواقعية، إذ يوظف الرمز والخط واللون كعناصر دلالية تعبّر عن الإنسان والمكان والذاكرة.. مع معالجة السطوح اللونية بتدرجات داكنة ودافئة تستحضر طاقة الصحراء وسكينة نخيل الأحساء، وتتمازج فيها الظلال والإضاءات لتصنع بعدًا روحانيًا مدهشًا، كما تظهر في بعض أعماله نزعة تجريدية إنسانية تتكئ على الخط العربي بوصفه عنصرًا جماليًا وفكريًا، لا مجرد زخرف بصري، ما يمنح لوحاته طابعًا تأمليًا يرتبط بثقافة دينية يتبناها فكرًا وتطبيقًا عبر سلسلة من حلقات مسجلة له في التدبر الذاتي لبعض سور القرآن الكريم.
وعند الحديث عن مدرسته التشكيلية أشار أنه ممن ينتمي لـ”المدرسة الانسيابية يتمظهر فيها الخط بصورة واضحة سواء كان من خلال اللوحات والتي يغلب عليها السريالية أو من خلال الخط العربي عن طريق الآيات القرآنية”.. فهو من الذين تعدّدت اهتماماتهم وتنوعت عطاءاتهم؛ فمن صائغٍ للبشت الأحسائي إلى معلّمٍ متنقّل في سلّم التعليم، ثم فنانٍ ذي رؤية ومدرسة وفكرٍ جمالي، إلى مقدّم جلساتٍ في التدبّر القرآني، ما يجعله نموذجًا في التفرد الذاتي، ذلك الذي يجمع بين الموهبة والرسالة، ويجسّد صورة المبدع المتعدد المواهب، المتشبّع بالتراث والدين والبيئة، حيث جعل الإتقان نهجًا للحياة، والجمال رسالةً، والانسيابيةَ منهجًا بصريًا يحاكي روح المكان والإنسان والذاكرة، ويذكّرنا دومًا بأن “لدينا في المملكة العربية السعودية قامات سامقة في جميع المناطق الوسطى والشمال والجنوب والشرقية والغربية. وقد وصل الفن لدينا في مقام رفيع، لاسيما في الفترة الأخيرة حيث ظهرت أنظمة تعزز قوة الفنان وتمكينه وتشجيعه”.
وما أود الإشارة إليه عن التفرد الفني الإبداعي للفنان الذي تعددت مصادر إلهامه ومكونات رؤيته الفنية وتعددت مواهبه، وعمق فكره وفنه وثقافته التي تجلت في رسم ملامح المشهد السعودي الفني والثقافي المعاصر، وتنوع جهات اقتناء أعماله التي قرأتها في سيرته الثرية، والتي أحصاها بكل فخر ومصداقية أجمل ما يمكن الاستشهاد والاعتراف بفنه المبهج الذي يعكس وعي ودعم رواد المنظومة الثقافية، وتمكين المبدعين ضمن رؤية وطنٍ يؤمن بأن الإبداع قيمة تنموية:
المقتنيات للأعمال الفنية:
1- وزارة الثقافة والفنون بالمملكة العربية السعودية.
2- صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف آل سعود.
3- صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي أمير الأحساء السابق.
4- السلطان قابوس بن سعيد آل بوسعيدي سلطان عمان.
5- الأستاذ معاذ الجعفري وكيل إمارة محافظة الأحساء.
6- الأستاذ خالد بن عبدالعزيز الخالدي.
7- جمعية الثقافة والفنون بالأحساء.
8- متحف بكين الوطني بالصين.
9- مهرجان الهوارة بالمغرب.
10- متحف المناستير في تونس.
12- مهرجان المحبة والسلام في الأردن.
وغير ذلك من الجهات الحكومية والشخصيات الرسمية في الداخل والخارج.
أختم مقالي بتساؤل قبل مغادرة عام الحرفة 2025، مفتوحًا لكل فنان/ة التشكيلي/ة:
كيف يمكن للفن السعودي المعاصر أن يغدو ابتكارًا يتجاوز الإبهار الجمالي ليصبح موردًا ذا قيمة اقتصادية؟
أحد أعماله بعدستي في ملتقى الفن والحياة بشرم الشيخ، من أعمال الفنان السعودي أحمد بن عبدالله العبدالنبي، الهفوف، الأحساء (A7MEDART@hotmail.com)










التعليقات