الأكثر مشاهدة

ترجمة: محمد الدنيا* رسم_ زهوة قاسم ذاتَ يومٍ لطيفٍ جداً منْ أيامِ تمّور، كانتْ ف …

الشمسُ وفراشةُ أعَالي السّماءِ

منذ 4 سنوات

272

0

ترجمة: محمد الدنيا*
رسم_ زهوة قاسم

ذاتَ يومٍ لطيفٍ جداً منْ أيامِ تمّور، كانتْ فراشةٌ تُرَفْرِفُ كيفَما ساقتْها الرّيحُ تحتَ أنظارِ الشمسِ. كانتْ تُحلّقُ عالياً في السماءِ، أعْلى منَ الفراشاتِ كلِّها، وقدْ أرادتْ أنْ تعرِفَ ما يخْتبِئُ فوقَ الغُيومِ. لكنّ رشاقتَها ورَوْعةَ ألوانِها الزّاهِرةِ اجْتذَبت انتِباهَ شُعاعٍ شمسيٍّ، وقد بَهَرَتْهُ أناقةُ رقْصِ هذهِ الحَشَرةِ العابِرةِ. بَدَتْ مُفْعَمةً بالنّشاطِ والحَيويّةِ، فأَحَبَّها الشُّعاعُ الخَجُولُ حُباً عظيماً. إلا أنّهُ لمْ يكُنْ يَدْري كيْفَ يُعبّر لها عنْ مشَاعِرِ حُبهِ واهتمامِهِ بها، فراحَ يَسْطَعُ أقْوى فأقوى حتى غَمَرَها بنُورِ حنانِهِ وبَهاءِ عَطْفهِ. وبقِيت الفراشةُ تُرفرفُ وتحلّقُ عالِياً كَيْ تَصِلَ إلى الغَمَاماتِ.
ما كَفّتْ عَيْنا شُعاعِ الشمسِ عنْ مُلاحَقَةِ فراشةِ أعَالي السّماءِ. وكانَ يَمُدّها كلَّ يومٍ بمَزيدٍ من الضّوءِ والحَرارةِ تَكْريماً لشَجاعتِها، وإعْجاباً بِبَهاءِ جَناحَيْها ورِقّةِ رَقْصِها. وظَلَّ يَسْطَعُ ويَتَوهَّجُ حتى أصبحَ لا يُحْتَمَلُ. لقدْ أَعْماهُ وَلَعُهُ بفراشةِ أعالي السماءِ، ولمْ يَعُدْ يدْري أنّهُ يَحْرِقُ بذلكَ أجْنِحتَها. وهكذا، جُرِحَتِ الفراشةُ وعجِزتْ عنْ مُتابعةِ الطّيَرانِ، وهَوَتْ نحْو الأرضِ. وبيْنما هي كذلكَ، رأَتِ الغيومَ تَبْتَعِدُ، وفاضَ قلبُها حُزْناً إذْ وجدت نَفْسَها ما عادتْ قادِرةً على تَحْقيقِ ما تَصْبو إليهِ. وكادتِ الفراشةُ تقَعُ أرْضاً وتتَحطَّمُ لَوْ لَمْ تَتحَركْ الرّيحُ وتَحْتَضِنُها ثُمّ تُلْقِيها على العُشْبِ الأخْضرِ بهُدوءٍ وسَلامٍ.
ولَمّا رأَى شُعاعُ الشمسِ الفراشةَ تَهْوي سريعاً بأجنحةٍ مُلْتهِبةٍ، راحَ يُوَلْوِلُ خَوفاً وحزْناً. وحينَما أدْرَكَ أنّها لمْ تَعُدْ قادِرةً أبداً على الطّيَرانِ بسَبَبِ خطأهِ، احْتَجَبَ خَلْفَ الغُيومِ باكِياً ومُتَألّماً يَغْمُرهُ الإحْساسُ بالذّنْبِ. وبَكى طويلاً.
وحينَما جَفّتْ دموعُهُ، خرجَ منْ مخبأهِ المُشْبَعِ بالبُخارِ. وأوّلُ فِكرةٍ راوَدَتْهُ هي العُثورُ على الفراشةَ، كَيْ يطلُبَ منها السّمَاحَ. لَكِنْ، عندما نظرَ الشعاعُ الشمسيُّ إلى الأرضِ، وجدَ أنّ تلكَ التي أحَبّها حُباً جَمّاً قد اخْتفَتْ، فمَضى يبحَثُ عنْها.
ولمْ يَعْثرْ عليها أبَداً.
كانَ الشِّتاءُ قدْ حَلَّ في أثْناءِ غِيابهِ. وغَرِقَ العالَمُ في غَمْرَةِ البَرْدِ. ثمّ ذاتَ يومٍ، عادَ شُعاعُ الشمسِ إلى مكانهِ في السماءِ حزيناً خائِبَ الأمَلِ. وجاءَ الصّيفُ منْ جديدٍ، واسْتَيْقظتِ الحياةُ بعدَ أنْ نامتْ طويلاً. اخْضَرّ العُشبُ، وتفتَّحَتْ تُوَيْجاتُ الأزْهارِ، وأخذتْ أصواتُ الحشَراتِ تَطِنُّ في الهَواءِ. كانتْ بينَها فراشاتٌ صغيرةٌ تطيرُ منْ زَهرةٍ إلى زهرةٍ، وتُحَلّقُ عالِياً أحْياناً كيْ تَرى ما يخْتَبِئُ خلْفَ الغُيومِ.
وحينَما شاهدَها شعاعُ الشمسِ أدْمَعَتْ عيْناهُ، إذْ رأى فيها تلكَ الفراشةَ التي طالما أحبَّ ألوانَها الزاهِيةَ وبَهَرَتْهُ خَفَقاتُ أجنحتِها الرّشيقةُ. رَغِبَ في أنْ يُكَفِّرَ عن خطأهِ، وتعّهَّدَ بأنْ يَحْميها كيْ لا تشْهَدَ حياتُها القصيرةُ سِوى البَهْجةِ واللطْفِ والعُذوبةِ. ووجدتْ فيهِ الفراشاتُ صديقاً ما عادتْ تَظْهرُ إلا في حُضُورِهِ كيْ يرْعاها ويهْتمَّ بأَمرِها.
ومنذُ ذلكَ اليومِ، راحَ شعاعُ الشمسِ يُعانِقُ تَحْليقَ الفراشاتِ بضُوءٍ عَذْبٍ ولطيفٍ، مُتَذَكِّراً تلكَ الفراشةَ التي سَعَتْ لرُؤْيةِ ما وراءَ الغُيومِ. وباتَ وجودُهُ وَحْدَهُ كافِياً لاجْتِذابِها كيْ تطيرَ في الأجْواءِ وتُؤَدّي رقْصاتِها الجميلةَ عالياً، عالياً جداً في السماءِ.

 

*مترجم قصص أطفال_حمص 
m22dya@gmail.com

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود