الأكثر مشاهدة

سلوى الأنصاري أمام نافذة بالية وعيون يشوبها الشوق والحنين ونتوءات متفرقة يسكنها …

نافذة حنظلة

منذ سنتين

755

3

سلوى الأنصاري

أمام نافذة بالية وعيون يشوبها الشوق والحنين ونتوءات متفرقة يسكنها غبار السنين، وعلى أرفف الكتب تتذكر تلك النوافذ أصواتًا لطالما راقبت أصحابها بحب، تسمع صوت أبي حنظلة تارة وصوت حنظلة تارة أخرى، تراقب أبا حنظلة في كل مرة يصرخ فيها: أين الكتاب يا حنظلة؟
يقفز حنظلة مسرعًا نحو المكتبة ويحضر لوالده الكتاب الذي يريد بسرعة مذهلة، في كل يوم يصرخ أبو حنظلة وحنظلة يهرع مسرعًا ليحظر لوالده الكتاب الذي يريد. 
ذات يوم وعيون تلك النوافذ تراقب حنظلة بحب وتسمع صوت والده كعادته: أين الكتاب يا حنظلة؟ لم ينطلق مسرعًا هذه المرة، فقد رفرف كفراشة تحلق فوق الزهور وأثقل الخطى كعروس تمشي ليلة عرسها، مشى رويدًا وعيون النوافذ تراقبه وهي متعجبة ما به حنظلة! وما الذي دهاه! وتسمع صوت والد حنظلة وهو يصرخ: حنظلة حنظلة أين الكتاب يا حنظلة؟
أخذ حنظلة الكتاب بحب ووضعه بين يديه وتأمله وفي عينيه نظرة حانية، لم يكن يعلم أنه وقع أسيرًا له، ولم يكن يعي أنه أصبح صديقًا لتلك الكتب الباحثة عمن يقلب صفحاتها، الباحثة عمن يؤنس وحدتها، وكل ما كان يشعر به انه أعتاد على رائحة الكتب في تلك المكتبة واعتاد على ترتيبها، والتحدث إليها، والانصات لها.
مرت الأيام وأصبحت خطى حنظلة بطيئة عندما يطلب منه والده إحضار الكتاب، ذات يوم سمعت النوافذ صوتًا مدويًا: حنظلة يا حنظلة أين الكتاب يا حنظلة؟
في تلك الأثناء كان حنظلة هائمًا في رياض الكتب ويعانق الكلمات والعبارات لم يكن يسمع صوت والده، نادته النوافذ مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى فقد كان عاشقًا هائمًا، وحلمه قائم والعلم يرفرف حوله كسحابة من الحمائم.
شعر حنظلة بيدٍ حانية تربت على كتفه وسمع صوتًا رخيمًا: أين الكتاب يا حنظلة؟ نظر إلى والده قائلًا: هنا الكتاب يا أبا حنظلة، لا بل هنا، لا بل هنا، وفي كل مرة كان يشير على جزء من جسده النحيل الذي نما فيه حب تلك الكتب التي وجد بين دفتيها العبارات الصادقة والعلوم النافعة، وأخيرًا أشار نحو اليسار من قلبه وأغمض عينيه وهو واضع إصبعه السبابة التي لطالما ساعدته في تقليب صفحات كتبه وقال: هنا الكتاب يا أبا حنظلة.
راقبت عيون النوافذ أبا حنظلة ليالي وأيامًا وهو يزرع حب الكتاب في قلب ابنه إلى أن نجح في ذلك، وأصبح حنظلة زائرًا دائمًا، وعاشقًا هائمًا لتلك المكتبة المتهالكة، ويقتات على خبزها الدسم ويستمتع بأريج رائحة صفحاتها الصامدة، ويتنقل بين دهاليزها وهو يشعر بالانتصار وأفول قوات الهزائم نحو الاندثار.
مازالت عيون النوافذ وآذانها يذكرون حنظلة جيدًا ويتمنون رؤيته مجددًا.
لوحات للتشكيلية سلوى الأنصاري
لوحة للتشكيلية عفاف الرحباني

التعليقات

  1. يقول اختك ام عمار:

    تسلم اليد الي دونت القصه يعطيك العافيه استاذة سلوى جدٱ رائعه القصه 👍👍

  2. يقول نورة:

    اخذنا حنظلة معه للكتب من نافذةِ والده، واخذتنا الكتب الى عوالم رسوماتك احسنتي يا اخت سلوى.

  3. يقول تهاني سعيد:

    متألقة كعادتك تبارك الرحمن طرح شيق وخيال مبدع بوركت الانامل والمشاعر💞

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود