مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

غادة طنطاوي* في يومٍ هادئ قرر الغزاة فيه أن يهدموا حصون القلعة، يحرقوا سنابل الق …

قبل سنواتٍ من الآن

منذ شهرين

118

0


غادة طنطاوي*

في يومٍ هادئ قرر الغزاة فيه أن يهدموا حصون القلعة، يحرقوا سنابل القمح ويقطعوا كل أغصان الزيتون، فَغَدَت الجثث أجسادًا ملقاة في كل شارعٍ وحارة، بعضها قد نخرها الدود، وهياثم لأمهاتٍ ثكلى قررت الصعود إلى السماء، شيخ مسجدٍ يكبر سبع تكبيرات، وخلفه جمعٌ يصلي على شهيدٍ.. كَفَّنَه جريحٌ وصلى عليه جمعٌ من أهالي الشهداء. دقت طبول الحرب.. سمعها كل أصم، واستنفرت الأطفال قبل الكبار، وكان هو قائد الجبهة!

في كل يوم أشاهد الأخبار لعلي أسمع خبرًا سار، وا أسفاه.. لا يحدثني سوى هوانٌ ذبح العزة فينا، مراسل الأخبار يسأل.. كم بيتًا هُدِم؟ !كم مدرسةً قُصِفَت؟! كم من جريحٍ سقط؟! يا صديقي لم يسقط أحد! بل حلَّقوا شهداءً إلى السماء. 

تستمر نشرة الأخبار وأنا أمام التلفاز، حربٌ تحصد براءة الأطفال.. أسمعها أرقامًا تعودت عليها.. تمر مرور الكرام! دموعي تَهِّلُ بغزارةٍ، وأتعجب كيف للدموع أن تنهمر وقد مات بداخلنا الإنسان! مع ذلك ما زلنا نتابع الأخبار. تتمنى كل القلوب الحية لو تقفز فتخترق شاشة التلفاز لتحتضن جنودًا ذُبِحَت فارتقت إلى الجنان.

في نفس النشرة ونفس الزمان تقريرٌ آخر.. تفوح منه رائحة الدم، يعرض صورًا لقبورٍ، في زواياها قناصٌ غادرٌ في الحنايا يدور، وجثثٌ هامدة ظاهرة في الشوارع تارةً، وتارةً أخرى مهملة في الجحور.

في السماء تقريرٌ آخر يكتب كل فجر قائمة شهداء دعوت الله مرارً ألا يكون اسمه بينهم! كيف لي أن أسأل الله عن جيش الوليد والمعتصم، وليس هناك بيننا عمر أو عثمان! ينتهي الموجز وتنتهي معه الدموع ولحظات الأحزان، ويمضي الجميع كأن شيئًا لم يكن! 

وفي كل مرةٍ أقرر أنا نفس القرار.. بأني في المرة القادمة لن أجلس أمام التلفاز لأنتظر نشرة الأخبار، وسأكتفي بحديث قلبين على خط النار.

 

* كاتبة من السعودية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود