الأكثر مشاهدة

د. شاهيناز العقباوى* لم يصل أدب الطفل المتعارف عليه في الوقت الراهن على الصورة ا …

حكايات الجدات وأدب الطفل

منذ شهر واحد

313

0

د. شاهيناز العقباوى*

لم يصل أدب الطفل المتعارف عليه في الوقت الراهن على الصورة الكتابية المقروءة بالشكل الحالي، ذلك لأنه مر كغيره من فنون الأدب الأخرى بعدد من المراحل، إلى أن وصل إلى صورته النموذجية الحالية، ويعتبر الحكي أول المراحل بل وأهمها؛ ذلك أنه نظرًا لصعوبة نقل القصة عن طريق الكتابة، ورغبة في الحفاظ عليها بأفضل صورة ممكنة، كان القص هو الوسيلة الأكمل والأسهل، وتختلف طرق الحكي من قصاص لآخر رغم ثبات عناصر القصة، لكن طريقة العرض تختلف طبقًا للحالة التي يحاول القاص أن ينقلها للمستمعين، لاسيما أنه فضلًا عن تركيزه على هدف معين من نقلة للقصة سواء كان تربويًّا أو أخلاقيًّا وحتى بطوليًّا أو للإشارة إلى حدث معين والتركيز عليه، وربما صاحب الحكي بعض الحركات، وكثيرًا ما كان يكتفي القاص بالحكي المسموع. وبمرور الزمن تطورت وسائل الحكي ولجذب المزيد من الأطفال والحصول على أكبر وسائل للتسلية والمشاركة والمتعة والاستفادة، استعان القاص بعدد من العرائس المتحركة التي حاول من خلالها نقل فكرة القصة عبر عدد من الشخصيات المتنوعة، لكنه رغم حصوله على الكثير من وسائل المساعدة، لم يستغن عن وظيفته الأساسية من حيث الحكي الشفهي عبر تجسيد كل الشخصيات المتحركة التي استعان بها، من خلال تغيير نغمة صوته بين الحدة والرقة والطيبة، لتلائم طبيعة الشخصية التي ينقلها القاص.

في بداية الأمر لم يكن الحكي وظيفة، بل اقتصر الأمر على كل من لديه القدرة على نقل الحدث بشكل يتميز الجاذبية، فضلًا عن القدرة على سرد كل التفاصيل بصورة مشوقة وممتعة تجذب الآخرين وتدفعهم إلى الاستماع إليه، حتى يصل إلى نهاية القصة أو الحدث المراد نقله، وبمرور الوقت تحول القاص إلى وظيفة وأصبح القصاص المتجول الذى يبحث عن أفضل القصص لينقلها للأطفال سواء كان حدثًا قديمًا أو حاليًّا؛ لذا احتاج منه الأمر إلى الترحال كثيرًا، والتدريب على وسائل الجذب والإمتاع ليحصل على أكبر عدد من المستمعين والمتابعين، فأصبح لهم وقت محدد للقاء، ينتظره فيه الأطفال بشغف وحب.
تميز القاص إلى جانب قدرته على جذب الانتباه والتأثير المباشر في الأطفال بالرقة والعطف والصدق فضلًا عن المصداقية، لذا كانت الجدات في حالة غياب القاص تقوم بهذا الدور الهام من حيث سرد الكثير من القصص بصورة تتلاءم كثيرًا مع الدور الذى يقوم به الحاكي الأصلي، لكن بهدف يغلب عليه الطابع التربوي؛ لأنها في الأساس تسعى عبر تقمصها لهذا الدور إلى التركيز على الجانب التربوي الأخلاقي ونقل كل تفاصيل القصة المراد سردها بصورة تتميز بأعلى درجة من المصداقية والتأثير، فضلًا عن اهتمامها بالتركيز على الجوانب الإيجابية وعناصر الخير فى أغلب القصص التي تميزت بها الجدات عبر الزمن.
حكايات الجدات ورغم مرور الزمن وتغير العصور واختلافها وسيطرة التكنولوجيا الحديثة، لكنها لم تتأثر كثيرًا بهذه المتغيرات المتعددة والمختلفة، فما زالت الجدة تتقمص الدور وتروي القصص بالطريقة نفسها المتعارف عليها، منذ أزمان بعيدة ذلك لأنهم جميعًا يرتبطون بخيط رفيع يرتكز على هدف رئيسي، ألا وهو السعي إلى بناء أجيال سوية تتمتع بالكثير من الصفات الطيبة التي حاولت الجدات عبر الزمن الحفاظ عليها وتغليفها بصورة جذابة مدهشة، ونقلها إلى الأحفاد بصورتها القديمة التي كانت عليها لتظل تتمتع بالكثير من الرقي والجاذبية والمتانة والرسوخ، لأنها نابعة من القلب المحب لهم والذي يسعى بكل الوسائل الممكنة إلى نقل أفضل وأجمل ما كان في الأزمان الماضية لصناعة أجيال المستقبل الزاهرة.

*كاتبة_ مصرية
@EsmailShah74540

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود