177
0741
0315
0285
0185
044
069
074
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11890
05622
05591
05247
04859
0شذى الجاسر*
وسطَ المتنزهِ، عندَ الساعةِ الثالثةِ فجرًا، حاولتْ أنْ تجلسَ معها بمعتزلٍ عنْ أعينِ الناس، لكنْ لابدَّ منْ مرورِ أحدهمْ بجانبهما مصادفة فينظرُ لهما بعينِ الشفقة! هيَ تشبهها كثيرًا كأنها توأمها، ذوقهما في الملابسِ واحد، كلُّ واحدةٍ تلبسُ ثوبًا فضفاضًا قصيرًا جدًا، وصندلٍ أبيضٍ بربعِ كعب، تعشقانِ الألوانِ الفاتحة، واحدةً ترتدي اللونَ الأصفرَ الفاتحَ جدًا القريبَ منْ البياضِ، اسمها حنان، الأخرى بلونٍ سماويٍ فاتحٍ جدًا كلونِ السماءِ عندَ الصباحِ الباكر، اسمها جِنانْ، ملامحهما الجسديةُ طويلة وناعمة كنعومةِ أنوثتهما، لا تفضلا مساحيق التجميل، إلا الخفيفَ منها جدًا؛ كانتا تضعان في طرفِ عينيهما فقطْ كحلاً داخليًا، وعلى شفتيهما (روزْ تنتيدْ) موردُ شفاهٍ طبيعي، حتى طلاءِ الأظافرِ تفضلانِ أنْ تكونا بدونهِ أوْ أنْ تضعا لونًا أقرب للطبيعي، عندهما قناعةٌ أنَّ المظهرَ الطبيعي أقربَ للنفسِ وأجمل، محبتان للشعرِ الطويل، لكنهما تفضلانِ القصير. . .
شغفهما تجاهَ الأمورِ البسيطةِ عالٍ جدًا، فأبسطها تجعلهما فرحتينِ دهرا، كلُّ واحدةٍ تحملُ ذاتَ الجنونِ والرزانة، على الرغمِ من الخجل جريئتان، أعينهما تتحدثُ نيابةً في كثيرٍ منْ الأحيان عنْ لسانهما، ممثلتين ماهرتين... فلا تتضحُ مشاعرهما بسهولة، مجردُ ابتسامةٍ ترضيهما عندما يحصلُ خلافٌ ما، لكن الأمر المختلفَ بينهما أنَّ الفتاةَ الثانيةَ (جنان) ذاتُ الملابسِ السماويةِ عيناها لا سوادَ فيها! بالإضافة لمادةِ جسديهما... كانتْ الفتاةُ الأولى (حنان) تراها على أرضِ الواقعِ عندما كانتا طفلتين، تلعبَ وتلهو معها، ومعَ مرورِ السنينَ بدأتْ تختفي تدريجيًا، حتى تحولَ مكانِ اللقاء في الأحلام، كلما تشتاق لها كان عليها أنْ تناديَ باسمها ثلاثًا قبلَ النوم، لتأتيها بالحلمِ فيتبادلان الحديث، أوْ الاستشارة، أوْ تلهوانِ معا، حتى يصلَ أحيانًا ضحكهما لكلِّ أرجاءِ عالمِ الفتاةِ الثانيةِ…
فبعضُ الأحيانِ إن ازدادَ الضحكُ يلجأُ أهلَ الفتاةِ الثانيةِ (جنان) بتهديد الفتاة الأولى (حنان) بالطردِ منْ عالمهمْ، وعلى هذا لنْ تكونَ معهمْ مرةً أخرى، تساءلتْ حنان بعدَ ذاكَ التهديدِ جنان؛ لماذا لا ترجعُ للظهورِ في عالمها الواقعيِ كالسابق؟أجابتها جنان أنها تحتاجُ إذنًا منْ شيخهمْ فهيَ لا تعلمُ أن كانَ ظهورها الآن حرامًا أمْ حلالًا، امتعضتْ حنان قائلةً: وهلْ مهمةُ الشيخِ أن يسيركِ كما يشاء! أنتِ تسيرينَ خلفهُ كشاةٍ لا تعلمُ أنَّ صاحبها في نهايةِ المطافِ سيجعلُ السكينَ تعزفُ موسيقاها على رقبته، إن كنتِ تودينَ الظهور فلنْ تحتاجي لإذنٍ فقطْ نفذي رغبتكِ بكلِّ بساطةٍ ما دامتِ لمْ تؤذ أحدًا بها، فكرتْ قليلًا ثمَّ أعلنتْ موعدَ لقائهما المجنونِ بالمنتزه. . .
بعدَ حديثٍ مطولٍ مارسا الجنون معًا، لعبا بألعابِ الأطفالِ (الأرجوحةُ، والزحلوقة، وحتى بالتراب) فكانتْ كلٌ منهما ترميه على الأخرى وسطِ ضحكاتٍ لمْ يقطعها سوى فكرةٍ مشتركةٍ أتتْ منْ عقلهما الباطن؛ وبصوتٍ واحدٍ قالتا: “لم لا نتبادل؟”…
رجعتْ لهما الضحكاتُ الجنونية مرةً أخرى، إلا أنَّ عينيهما كانتا تتحدثانِ وتتفقانِ حتى لمعتْ الفكرة، باشرا في تنفيذها على أنْ تكونَ لمدةِ يومٍ كامل، وأنْ تكونَ حريةُ التصرفِ متاحةً دونَ حدودٍ وعتاب منْ الطرفِ الثاني، والأهم أنْ يتذكرا ألّ ايتم تصحيح أي فعلٍ يحدثُ فيما بعد، كما اتفقا أنْ يكونَ الالتقاء بذاتِ المكان، وعندما تمتْ الموافقة، قرأتْ جنان ترانيمَ تبادلٍ لتتحولَ كلَّ منهما مكانَ وجسد الأخرى. . .
(جسدُ الفتاةِ الأولى حنان؛ روحِ الفتاةِ الثانيةِ جنانْ). . .
تأملت هذا الجسدِ المثقلِ الذي انتقلتْ له، وجدتْ أنها لا تستطعْ الطيرانَ ولا حتى التنقلِ بنفسِ سرعتها السابقة، وقفتْ مكانها تجربُ كلَّ شيءٍ بهذا الجسدِ حتى اعتادته، وضعتْ خطةً لعلاقتها بهذا الجسد، حاولتْ في بادئ الأمرِ أنْ تستكشفَ عالمَ صديقتها التي كانتْ دائمًا تحكي لها عنهُ وأحيانٍ تشتكي منه، في الصباحِ خرجتْ للهرولة، لتستحمّ بعدها، تذهب لمكانِ عملها، عايشتْ هذهِ التجربةِ بحلوها ومرها، لكنها وضعتْ حدودًا لكل من يستغلُّ طيبتها في العمل، انتهى الوقتُ وتوجهتْ للمنزل، تناولتْ طعامَ غدائها ليبدأَ بعدهُ عملها المشتركُ معَ صديقها، أنجزتْ بعضَ المهامِ المؤجلةِ سابقًا، ثمَّ اتجهتْ لأخذِ قيلولة، تنبهتْ على صوتِ هاتفها، كانتْ صديقتها المقربةُ التي اعتادتْ محادثتها دائمًا لعدة ساعات، تذكرتْ حديثها عندما قالتْ لها أنها تخجلُ منْ قولِ الحقيقةِ لها، قررتْ فعلَ ذلكَ، أخبرتها مباشرة أنها تتعبُ منْ طولِ المكالمة، وكذلكَ فيهِ تضييعُ لوقتها الذي من الممكن أنْ تنجزَ فيهِ مهامُ كثيرة، أوْ تأخذُ مدةَ استرخاء، كانَ الجميلُ في ذلكَ أنَّ تلكَ الصديقةِ تقبلت الأمرُ بصدرٍ رحب، توجهت لوالدتها التي تعتمدُ عليها في شؤونها الخاصةِ، حادثتها قليلًا وطلبتْ إنجازَ بعضِ الأمورِ كما جرتْ العادة، خدمتها كما تعودتْ صاحبةَ هذا الجسد، سمعتْ طنينِ رسالة، أمسكتْ هاتفها لتجدهُ المرسل، تأملت الرسالةَ كثيرا، ترددتْ، تكررَ في ذهنها سؤال؛ هلْ أفعلها أمْ لا؟!.. أجابتهُ، طلبتْ منهُ رؤيته، حددَ لها الموعدُ والمكان، بعد إنجازِ ما بقيَ لديها منْ مهامٍ توجهتْ له، وقفتْ أمامه، أمسكَ بيدها، تعجبَ منْ ردةِ فعلها المترددة، سألها ما بها، قالتْ لهُ بتردد، شعرت بمشاعر الخجلِ لكنها أصرتْ أنْ تكملَ ما بدأته، أخبرتهُ أنَّ مشاعرها هوَ منْ يمتلكها، وأنها دومًا تشعرُ برغبةٍ في احتضانه، فصدرهُ عالمُ حياة، يغسلَ همومها، ويغرسَ في روحها الفرح، كانتْ تعلمُ أن صاحبة جسدها ستجنّ منْ هذا الفعل، إلا أنها أقدمتْ عليه، تعجبَ صراحتها المفاجأة، أحبّ ذلكَ فطالما هوَ يريدُ فتاتهُ أنْ تكونَ صريحةً بمشاعرها، احتضنها لتبتدئ بينهما علاقةٌ رسمية مختلفةٌ عنْ طورها السابق. . .
(جسدُ الفتاةِ الثانيةِ جنانْ؛ روحِ الفتاةِ الأولى حنان). . .
أخذتْ تتأملُ مادةَ جسدها الجديدةَ التي كانتْ تشبهُ الضوءَ، أوْ الهواء، وبطريقةِ ما علمتْ أنّ هذهِ المادةِ سريعةً جدًا، قدْ تصلُ لأيِ مكانٍ تريدهُ بلمحِ البصر، أيضًا ميزةُ الاختفاءِ والظهور، وبجانبِ ذلكَ المقدرة على التشكّلِ والطيرانِ والتكيفِ في أيِ موقعٍ جغرافي…
خلالَ هذا التأملِ لمعتْ في خاطرها فكرةَ مواجهةِ مشايخها وكلَّ منْ بيدهِ أمرَ ربطها بأحدٍ من الكهنةِ والتمردِ عليهمْ، وإعلان تغييرِ مذهبها ومنهجها لمنهجٍ مخالفٍ عنهمْ، منهجٌ يسودهُ الأمانُ والطمأنينةُ والسلام، بعد إنجازِ ما نوتْ عليهِ فكرتْ في الذهابِ لأعماقِ البحر، وتخوضَ تجربةُ الغوصِ أولَ مرةٍ منْ دونِ معداته، وخلالَ وقتٍ قصيرٍ كانتْ أمامَ البحرِ تنظرُ لهُ من الأعلى، ترقبتْ أمواجهُ التي تناديها وهي باسطةً ذراعيها لها، تأهبتْ لبدءِ هذهِ التجربة، أغمضتْ عينيها واتجهتْ للأعماقِ تحتضنُ الأسماك، وتقبلَ المرجان، وترقصُ رقصةَ Slow معَ نجومِ البحر، خرجتْ منْ عالمِ البحار، فكرت بأيِّ شيءٍ تجربُ الآن، أخذتْ تتجولُ في أرجاءِ المدينةِ حتى لاحتْ في ذهنها فكرةِ الذهابِ للصحراء، اتجهتْ نحوها وبجنونٍ تشكلتْ على هيئةِ ثعبانٍ الذي ترجوا دومًا ألا تكون نهايةَ حياتها بسببه، كانتْ تريدُ تجربةَ شعورهِ عندما يلدغُ بشرا أوْ حيوان، تخفت، ثمَّ أخذتْ تترقبُ أيَ كائنٍ باستطاعتها التغلبَ عليهِ ويكن متاحٌ لهذهِ التجربةِ، رأتْ بعضَ البشرِ ينصبونَ خيمة، تملكها شعورٌ خفيٌ وغريب، شعورُ الخوفِ منهمْ، ورغبةٌ في حمايةِ نفسها والمكان، زحفتْ مسرعةً لتلدغ أحدهمْ، ترقبتْ ساقهُ ثمَّ امتدتْ ناحيته، صرخَ هوَ وابتعدتْ هيَ هاربةً وشعورُ نشوةٍ لذيذ يعتريها. . . تخلتْ عنْ هذا الجسدِ لترى طائرًا يحلقُ في السماء، خطرَ في خلدها أنْ تتجسدَ بجسدهِ في تجربةٍ أخرى لتحلقَ عاليًا، كانَ منظرُ الأشجارِ والنخيلِ والشوارعِ منْ الأعلى خلابًا، أخذتْ تتنقل، تارةً ترتفعُ للأعلى فوقَ الغيوم، وحينًا تكون فوقَ الشجيراتِ وبينها، وأحيانًا تقفُ على أحدِ الأغصانِ مستمتعةً، إلى أن أتى بعضُ المتطفلينَ الذينَ يحاولون رميها بالحجارة، لمْ تفهمْ لماذا لكنها أخذتْ تطيرُ ثانيةً هاربةً لمكانٍ بعيدا عنهمْ، سمعت صوتَ دويٍ خفيف، اكتشفت أنَّ هناكَ منْ يخططُ لصيدها، طارتْ بعيدًا حتى وصلتْ لبيته، راقبته، أغلقَ هوَ ستائرُ نافذته، تخلتْ عنْ هذا الجسدِ مرةً أخرى، إلا أنها في هذهِ المرةِ لمْ تتجسدْ بلْ فضلتْ الاختفاءَ لتكونَ معهُ في غالبِ وقتهِ لتفهمهُ أكثرَ وتحبهُ بشكلٍ أعمق، رأتهُ يقرأُ شيئا في هاتفه، غيرَ ملابسهِ إلى ملابسٍ أنيقةٍ بلونًا هيَ تعشقه، خرجَ مسرورًا، تعقبته، وبعدَ مدةٍ بسيطةٍ شاهدتْ جنانْ وهيَ تقتربُ منه، حاولتْ أنْ تمنعها عن الكلام، حاولتْ أنْ تجعلها تسمعُ صرخاتها بالرفضِ، لكن دونَ فائدة…
(العودة). . .
التقيا في مكانهما المحدد، رجعت كلٌّ منهما لجسدها، التزما بما اتفقا عليه، لا عتب ولا تغيير، تبادلا إحساسَ مشاعرهما عندما كانتا في مرحلةِ التبادلِ التي كانت لمدةِ يومٍ كامل، أخذتا جولةً في ذلكَ المتنزه قبل عودةِ كلٍّ منهما لمنزلها وعالمها، تعاهدتا أنْ تتكررَ هذهِ التجربةِ بينَ الفينةِ والأخرى، وأنْ يكونَ سرًا لا يعلمهُ غيرهما حتى بعد ارتباطهما بمنْ يختاراهُ شريكًا للحياة.
*كاتبة من السعودية
التعليقات