1381
0279
0368
0414
0448
121
051
079
080
0240
3الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11935
07053
06861
06335
05728
5 د. خالد أحمد*
يمثل عالم الطفولة بحراً شاسعاً من الاكتشافات والدهشة، ولغته هي التيارات الخفية التي تحركه. بالنسبة لكاتب أدب الأطفال، لا يكفي امتلاك قصة جيدة أو خيال واسع؛ بل يجب أن يمتلك القدرة على الغوص في أعماق هذه اللغة الفريدة، وفهم خصائصها، وتوظيفها ببراعة ليلامس قلوب وعقول قرائه الصغار. إن فهم سمات لغة الطفل ليس مجرد أداة، بل هو البوصلة الذهبية التي توجه الكاتب نحو إبداع أعمال خالدة ومؤثرة.
فكيف يمكن توظيف هذه السمات في كتابة كتب الأطفال؟
أولاً: البساطة والوضوح: عالم خالٍ من التعقيد للغة الطفل، خاصة في مراحله الأولى، تتسم بالبساطة والمباشرة. الجمل قصيرة، والمفردات تتركز حول المحيط المباشر. يجب على الكاتب أن يعكس ذلك:
• جمل قصيرة ومباشرة: تجنب الجمل الطويلة والمعقدة والتركيبات اللغوية الملتوية. ركز على بناء جمل بسيطة وواضحة تحمل معنى واحداً ومباشراً.
• مفردات مألوفة: استخدم كلمات يعرفها الطفل أو يمكنه تخمين معناها بسهولة من السياق والصور المرافقة. يمكن تقديم مفردات جديدة، ولكن بشكل تدريجي ومدروس وضمن سياق داعم.
ثانياً: الواقعية المحسوسة: مخاطبة الحواس الأطفال يتعلمون ويتفاعلون بشكل أساسي مع ما هو ملموس ومحسوس. المفاهيم المجردة صعبة عليهم. لذا يجب على الكاتب:
• التركيز على الأفعال والأشياء: اجعل الأحداث والشخصيات والأشياء مرئية ومسموعة وملموسة قدر الإمكان من خلال الوصف الحسي. “القطة الناعمة شربت الحليب الدافئ” أكثر تأثيراً من “استمتعت القطة بوجبتها”.
• تجنب التجريد المفرط: عند الحاجة لتقديم مفهوم (مثل الشجاعة أو الصداقة)، أظهره من خلال أفعال ومواقف محسوسة بدلاً من شرحه بشكل نظري.
ثالثاً: التمركز حول الذات والعاطفة: الدخول إلى عالم الطفل
لغة الطفل غالباً ما تعكس اهتماماته ورغباته ومشاعره المباشرة. يجب أن يراعي الكاتب هذا “التمركز الصحي” حول الذات:
• وجهة نظر الطفل: حاول أن تروي القصة أو تعكس الأحداث من منظور قريب من فهم الطفل للعالم.
• مخاطبة المشاعر الأساسية: ركز على المشاعر التي يفهمها الطفل ويتفاعل معها بقوة (فرح، حزن، خوف، غضب، مفاجأة، حب). وصف هذه المشاعر بكلمات بسيطة وربطها بمواقف واضحة.
رابعاً: الموسيقى والإيقاع: سحر اللغة المسموعة
الأطفال ينجذبون بشدة إلى الإيقاع والنغم والأصوات المتكررة. هذا يفسر حبهم للأناشيد والأغاني. يمكن للكاتب استغلال ذلك:
• الجمل المقفاة والسجع: استخدام القوافي البسيطة والسجع غير المتكلف يضفي موسيقى محببة على النص ويسهل حفظه.
• التكرار الإيقاعي: تكرار جملة معينة أو عبارة أو سؤال يخلق إيقاعاً ممتعاً ويساعد على ترسيخ الفكرة أو المفردات.
• المحاكاة الصوتية (Onomatopoeia): استخدام كلمات تحاكي الأصوات (مياو، هو هو، بيب بيب) يضيف متعة وحيوية للنص.
خامساً التكرار المحبب: بناء الألفة والتعلم سمة التكرار في لغة الطفل (سواء في المفردات أو التراكيب) تعكس حاجته للألفة والقدرة على التنبؤ، وهي أساسية للتعلم.
• تكرار الكلمات المفتاحية: كرر الكلمات الهامة والمفردات الجديدة في سياقات مختلفة قليلاً لترسيخها.
• تكرار الأحداث أو الصيغ: بناء القصة حول نمط متكرر (مثل في قصة “البيوت الثلاثة للخنازير الصغيرة” يساعد الطفل في متابعة الأحداث والمشاركة فيها.
سادساً: الإفراط في التعميم والكلمات المبتكرة: احتضان منطق الطفل:
فهم ميل الطفل للتعميم المفرط (تطبيق قاعدة على كل شيء) أو ابتكار كلماته الخاصة يساعد الكاتب في:
• تقديم النماذج الصحيحة بلطف: يمكن للقصة أن تقدم الاستخدام الصحيح للغة دون الحاجة لتصحيح مباشر، مما يساعد الطفل على التعلم ضمنياً.
• إضافة لمسة من المرح: أحياناً، يمكن توظيف كلمة مبتكرة (مخترعة) ومرحة في القصة (خاصة في حوار الشخصيات) لإضفاء جو من الدعابة والخيال القريب من عالم الطفل.
سابعاً: أهمية السياق والصورة: الكلمة لا تكفي وحدها:
يعتمد فهم الطفل للغة بشكل كبير على السياق والإشارات البصرية. هنا يبرز الدور الحيوي للرسوم التوضيحية:
• التكامل بين النص والصورة: يجب أن يعمل النص والرسم معاً بشكل متناغم لتوضيح المعنى ودعم الفهم. الرسم ليس مجرد زخرفة، بل هو جزء أساسي من عملية السرد والتواصل.
التحدي والتوازن:
توظيف لغة الطفل لا يعني “تدليل” اللغة أو تقديم محتوى سطحي. التحدي يكمن في إيجاد التوازن بين البساطة التي تضمن الفهم، والغنى الذي يوسع مدارك الطفل اللغوية والفكرية. يجب أن تحترم لغة الكتاب ذكاء الطفل وقدرته على النمو والتطور، وأن تقدم له نماذج لغوية سليمة ومحفزة.
تتميز لغة الطفل بمجموعة من الخصائص والسمات التي تميزها عن لغة البالغين، وهي تتغير وتتطور بسرعة كبيرة خلال سنوات الطفولة المبكرة. إليك أبرز هذه الخصائص:
أولاً: البساطة (Simplicity):
– جمل قصيرة: يستخدم الأطفال في البداية كلمة واحدة للتعبير عن جملة كاملة (مرحلة الكلمة الواحدة)، ثم ينتقلون إلى جمل من كلمتين (مثل: “ماما ماء”)، وتزداد طول الجمل تدريجياً.
– مفردات محدودة: تكون الحصيلة اللغوية الأولية صغيرة وتتركز حول الأشياء والأشخاص المألوفين في بيئتهم المباشرة (ماما، بابا، لعبة، حليب).
ثانياً: التركيز على المحسوس والملموس (Concreteness):
– ترتبط لغة الطفل بشكل كبير بما يراه ويلمسه ويختبره مباشرة في بيئته.
– يجد صعوبة في فهم المفاهيم المجردة (مثل: العدالة، الصداقة، الأمانة) في المراحل الأولى.
ثالثاً: التمركز حول الذات (Egocentrism):
– يتحدث الطفل غالبًا عن نفسه، رغباته، واحتياجاته.
– يجد صعوبة في تبني وجهة نظر الآخر أو فهم أن الآخرين قد لا يعرفون ما يعرفه هو (يفترض أن المستمع يشاركه نفس الأفكار والمعرفة).
رابعاً: التبسيط الصوتي (Phonological Simplification):
– يجد الأطفال صعوبة في نطق بعض الأصوات والحروف المركبة، فيلجأون إلى تبسيطها.
– أمثلة: حذف بعض الحروف (مثل: “تَيارة” بدلاً من “طيارة”)، أو إبدال حروف صعبة بأخرى أسهل (مثل: “تاتة” بدلاً من “ثلاثة” أو “سيارة”، أو “أمبو” بدلاً من “أشرب”).
خامساً: الكلام التلغرافي (Telegraphic Speech):
– في مرحلة تكوين الجمل الأولى (غالباً كلمتين أو ثلاث)، يميل الطفل إلى حذف الكلمات الوظيفية (مثل: حروف الجر، أدوات التعريف، أدوات الربط) والتركيز على الكلمات الأساسية (الأسماء والأفعال).
– مثال: “ولد يلعب كورة” بدلاً من “الولد يلعب بالكرة”.
سادساً: الإفراط في التعميم (Overgeneralization):
– يطبق الطفل قاعدة لغوية تعلمها على كل الحالات، حتى الاستثناءات.
– مثال: تعلم جمع كلمة “بيت” بـ “بيوت”، فقد يجمع كلمة “زيت” بـ “زيوت” قياساً عليها. أو تعلم تصريف الفعل “لعب” في الماضي بإضافة واو الجماعة “لعبوا”، فقد يقول “راحوا” بدلاً من “ذهبوا” أو “ناموا” لـ “نام” حتى لو كان الفاعل مفرداً في بعض الأحيان.
سابعاً: التوسيع الدلالي (Overextension):
– يستخدم الطفل كلمة واحدة للإشارة إلى مجموعة واسعة من الأشياء المتشابهة في نظره.
– مثال: قد يسمي كل الحيوانات ذات الأربع أرجل “قطة” أو “كلب”، أو يسمي كل الرجال “بابا”.
ثامناً: التضييق الدلالي (Underextension):
– يستخدم الطفل كلمة للإشارة إلى شيء محدد جداً ولا يعممها على أشياء أخرى تنتمي لنفس الفئة.
– مثال: قد يستخدم كلمة “سيارة” فقط للإشارة إلى سيارة العائلة، وليس أي سيارة أخرى.
تاسعاً: النمو السريع للمفردات (Vocabulary Spurt):
– بعد المرحلة الأولى البطيئة، يمر الطفل بفترة يكتسب فيها المفردات بسرعة هائلة، خاصة بين عمر 18 و 24 شهراً.
عاشراً: الاعتماد على السياق والإشارة (Context Dependency):
– يعتمد فهم كلام الطفل والتواصل معه بشكل كبير على الموقف الحالي والإشارات غير اللفظية (تعبيرات الوجه، الإشارة باليد).
أحد عشر: الإبداع والابتكار (Creativity):
– قد يخترع الأطفال كلمات جديدة (Neologisms) لوصف أشياء أو أفعال لا يعرفون اسمها.
إثنا عشر: التأثر بالبيئة المحيطة (Environmental Influence):
– تتأثر لغة الطفل بشكل كبير باللغة التي يسمعها من المحيطين به (الأهل، الإخوة، مقدمو الرعاية). يكتسب المفردات، اللهجة، وطريقة تركيب الجمل من بيئته.
فهم هذه الخصائص يساعد المعلمين والأهل في التواصل بفعالية أكبر مع الأطفال ودعم تطورهم اللغوي بشكل أفضل.
في الختام، عندما يكتب المؤلف للأطفال وهو يحمل في ذهنه وقلبه خصائص لغتهم الفريدة، فإنه لا يكتب مجرد كلمات على ورق، بل ينسج خيوطاً من التواصل الحقيقي، ويبني جسوراً من الفهم والمتعة تصل مباشرة إلى عالم الطفل، تاركةً أثراً يدوم طويلاً. إنها دعوة لكل كاتب أن يصغي جيداً لهمس لغة الطفولة، فهي المفتاح لأروع القصص وأكثرها تأثيراً.
*أستاذ مشارك بالجامعة الأمريكية للتكنولوجيا والأداب والعلوم_ مصر
التعليقات