د. عصام العسيري*
تعتبر الفنون البصرية أحد أهم روافد الثقافة والفكر الإنساني والبناء الحضاري من أفخر المباني لأبسط تصميم لوقو. وهنا نناقش القيمة التي من خلالها تنبثق أهمية العمل الفني أو عدمه، حيث تعمل في تصوري بمثابة الروح التي تعطي قيمة الحياة في الجسد وهي أهم مكونات العمل التي يقوم على أساسها، انظر إلى روائع الأعمال الخالدة من قدم التاريخ حتى الوقت الحاضر من الطبيعة وحتى قطع الصالات والمتاحف، فاكتسبت أعمال الإنسان البدائي قيمتها في أنها كانت تسجّل وتوثّق حياة الإنسان ومخاوفه ونشاطاته وذكرياته اليومية، وتطوّرت هذه القيم وازدادت شيئًا فشيئًا حتى أصبحت تعبّر عن الإنسان وقضاياه ومفهومه للحياة ورؤيته ورسالته الفنية، كما أصبحت مؤرّخا لتطور الإنسان. انظر أيضًا إلى أعمال عظماء الفنانين إبّان الحربين العالميتين الأولى والثانية كيف كانت محمّلة بالألم والثورة ضد الحرب والقتل والدمار وتناشد الأمن والسلام.
في الحقيقة يشهد التاريخ أنّ الفن عمومًا والتشكيلي خصوصًا؛ مثل فنون الرسم والتصوير والخط والزخرفة والنحت والخزف والخشب والمعادن والنسيج وغيرها من فنون مرئية تحتفظ بها المتاحف وتعرضها صالات الفنون والبيناليهات، كبينالي جدة للفنون الإسلامية، لعبت الفنون التشكيلية دورًا مهمًّا وفاعلًا في تطور البشرية من فنون العلوم والصناعات والتقنيات، وساهم بشكل كبير في تغيير الأحداث، فهو كالمرآة التي تعكس حياة الإنسان ووجوده على وجه الأرض، فكان لكل جيل بصمة على صفحات الزمان تحمل أثر القيم التي عبّر ودافع عنها فنانون آمنوا بها وناضلوا من أجلها وأصبحت رسالتهم في الحياة.
وعليه، أصبح أهم سؤال يجب على الفنان طرحه على نفسه قبل أن يبدأ في عمله الفني، ما القيمة التي أسعى وراءها ويجب عليَّ تحقيقها؟ أهي قيمة اجتماعية، فلسفية، سياسية، إنسانية، نفسية أو قيمة جمالية، فنية، إبداعية… إلخ.. من قيم معتبرة جمعيًّا. هل هذا المعرض يتضمن مجموعة من القيم المتجانسة أو يركّز على قيمة واحدة ويعالجها بعمق أو بشمولية؟ بذلك تكون القيمة هي الشرارة الأولى التي تشعل طاقة الإبداع عند الفنان وعلى أساسها ينتج أعمالًا تحمل أفكارًا وصياغات وتقنيات تشكيلية تبعًا للقيمة وتخدمها ليحقق الفنان مبدأ الوحدة مع التنوع التي يعمل من أجلها باحترافية ليؤلّف بين المتناقضات في وحدة فنية واحدة. فكم فنانًا أمضى زمنا طويلًا ليحقق قيمه ومبادئه ويخدم قضيته بوسائل وطرق مختلفة، وكم من حركات وجماعات ثقافية وسياسية احتاجت لمجموعات كبيرة ومتنوعة من الفنانين ليعبّروا عن قيمهم وينشروها بأساليب بصرية متعددة ومتغايرة لضمان غرسها في الناشئة وعموم الجماهير، وذلك لوعيهم وإيمانهم بدور الفن وقدرته على التأثير في التواصل الإنساني.
إجمالًا: يبدو أن القيم هي أهم السمات التي تميّز فنًّا عن آخر سواء الإسلامي، الشرقي، الغربي أو مدرسة فنية عن أخرى أو جماعة تشكيلية عن غيرها من الجماعات الفنية التي أخذت على عاتقها معالجة قيمة ما، وهذه القيم يحتاج يلم بها كل العاملين في المجال الثقافي والإعلامي والاقتصادي؛ سيما والعالم يتقدم باقتصاديات الإبداع وينتشر بجماليات الإنتاج.
التعليقات