د. عصام العسيري*
تُعد الأشكال الهندسية الأساسية مثل المثلث، والمربع، والدائرة، إلى جانب الألوان الأساسية الأصفر، الأحمر، والأزرق، من العناصر البصرية التي تحمل دلالات رمزية وجمالية عميقة. وقد لعبت هذه العناصر دورًا بارزًا في تشكيل الهوية الفنية للتراث العربي الشعبي وتاريخ الفن التجريدي الذي ظهر بدايات القرن العشرين واخذ في التطور في عدة مذاهب وأساليب، لا سيما في فنون التشكيل البصري. فهي ليست مجرد عناصر تجريدية بل تمثل رموزًا ثقافية وروحية متجذرة في الوجدان الجمعي، انعكست في البيوت، والمنسوجات، والحرف اليدوية، والجدران المزخرفة بالقَط العسيري.
المثلث: القوة والاتجاه
يرمز المثلث في الثقافة البصرية العربية إلى الاستقرار والقوة والاتجاه، لا سيما عندما يشير رأسه إلى الأعلى، مما يرمز إلى السمو أو العروج الروحي. وقد تم توظيفه في الزخارف الشعبية كرمز للحماية، وغالبًا ما نجده مكررًا ضمن نسق زخرفي يُستخدم في النسيج أو النقش على الجدران والطين. كما يرتبط المثلث في بعض التقاليد بدلالة أنثروبولوجية، حيث يعبر عن الثالوث الكوني: الأرض، الإنسان، والسماء.
المربع: التوازن والثبات
أما المربع، فهو رمز الاستقرار والاتزان، ويرتبط بفكرة الأرض والواقع المادي. في الزخرفة العربية الشعبية، يُستخدم المربع كأساس للأنماط التكرارية والتناظرات الهندسية التي تعبر عن مفهوم “الوحدة في التعدد”، وهو مبدأ بصري وروحي عميق في الفن الإسلامي والشعبي على حد سواء. المربع يُستعمل في زخرفة السجاد والأبواب الخشبية المنحوتة، حيث يعطي إحساسًا بالتنظيم والدقة والطمأنينة.
الدائرة: الوحدة والكمال
تُجسد الدائرة فكرة الكمال، الأبدية، والروح. تُعد من أكثر الأشكال ارتباطًا بالبعد الصوفي والميتافيزيقي، وقد تم استخدامها في الزخارف المستوحاة من الفلك، والدوائر الشمسية. في التشكيل الفني، تمنح الدائرة إحساسًا بالحركة والانسياب، وهي كثيرًا ما تكون مركز التكوين البصري في الأعمال المستلهمة من التراث.
الألوان الأساسية: الدلالات النفسية والرمزية
يرمز الأحمر إلى الحياة، القوة، والحماية، وغالبًا ما يُستخدم في الزخرفة للتعبير عن الحيوية والمقاومة، خاصة في الأقمشة المطرزة والجداريات.
يرتبط الأصفر بـالضوء، الشمس، والطاقة. في الزخرفة الشعبية، يضفي الأصفر إشراقًا ودفئًا على التكوينات، كما يعبر عن الفرح والاحتفال.
يرمز الأزرق إلى الروحانية، الصفاء، والحماية من الحسد، ويُستخدم بكثرة في التعاويذ البصرية. كما يُعد لونًا مهدئًا يأخذ المشاهد لأعماق البحر والسماء والأفق البعيد.
استلهام معاصر:
يُعد استلهام هذه الأشكال والألوان في الفنون التشكيلية المعاصرة تجديدًا للتراث الفني والعربي، يربط الماضي بالحاضر عبر لغة بصرية عالمية. فقد عمد عدد من الفنانين العرب إلى إعادة توظيف هذه العناصر بطريقة تجريدية وحداثية، ما أضفى على أعمالهم طابعًا محليًا متجذرًا، مع قابلية للتفاعل مع التيارات الفنية العالمية.
ختاما، تشكل الأشكال الهندسية الأساسية والألوان الأولية مفاتيح جمالية وفكرية لفهم التراث البصري العربي الشعبي. وهي ليست مجرد عناصر زخرفية، بل رموز ذات دلالات روحية وثقافية، تُعيد تشكيل الذاكرة الجمعية من خلال الفن. استلهامها في الفنون المعاصرة يُعزز الهوية، ويمنح الفنان وسيلة للتعبير العميق عن الانتماء والابتكار في آنٍ واحد.
الصور من جديد أعمالي أكريليك على ورق مقاس صغير، رأيكم يسعدني يا غاليين.
*أكاديمي وناقد تشكيلي ورئيس بيت الخبراء للفنون البصرية.
دوماً مبدع قلباً وقالباً دوام التوفيق والتألق والنجاح دكتورنا الانيق
اعمال اصيله و معاصره دكتور 👍🤝
– اوضحت و أكدت لنا ان معاصرة و اصالة العمل الفني ليست في نقل العنصر و تفاصيلة بل في الاستلهام منه بعد التفكير الجاد فيه و تبني حكاياته .