عبدالكريم بن محمد النملة*

تقتحمه بفجاجة وإلحاح موجات ذكريات عفنة مؤلمة، يكفكفها كلما انهمرت على ذهنه وهو في حالة من النشوة والمتعة صنعهما منذ بداية النهار، لا يعلم طريقة لكفّ اقتحام تلك الذكريات أوقات متعته التي يجهد في تذليل أسباب بقائها واستمرارها لوقت يتمناه طويلًا، أما حين يُفتّق أحد أصدقائه أو أقاربه أكمام الماضي التي عبرها الزمن، ففي هذه الحال سيطيش فؤاده وتزيغ نظراته وكأن أحداث الماضي تُهدّده بالعودة أو تكاد تطرق عليه الباب.

لكنّه، وإن حاول إهمالها والصدّ عنها، فإنها حتمًا لا تفعل، فعنادها شاق وإصرارها حاسم، فما أن تجده وقد راقت له الأيّام وشرحت له صدرها وتوالت عليه أوقات المسرات الناعمة، حتى تسلّط عليه سهام الماضي الجارحة، بل وتنقله في لحظة خاطفة إلى عقبات الماضي وكدرها. 

أحيانًا تعمد إلى تأجيج نفسه وإشعالها، فتنتقي من أحداث الماضي ما يُفْقده توازنه النفسي، فيقضم أظافره وتفوح حرائق نفْسه.

أتلفته أحداث الماضي غير المنطفئة، يشعر بها تتأجّج داخله وتضيء عتمات الذاكرة بوهجها المعاند، تنغّص عليه رفاه أيّامه وأوقات سلْوته، ولمّا طال مقامها وإصرارها وأنه لا مناص من تخاذله أمامها لتُمْسك بتلابيب أيّامه وتدفعها إلى الوراء كثيراً وعميقًا، يفعل كلّ ذلك طائعًا صاغرًا، إنّ رتْق أحداث الماضي والتئام نزيفها، وإطفاء تلك الشُعَل المتأجّجة، وإخماد نارها في مهاوي الزمن القديم، فعلٌ كان يجب عليه أداؤه قبل مغادرة تلك الأيّام وتجاوزها.

*كاتب من السعودية

@rhrh5576