مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

غادة طنطاوي*   لم أسأله كيف تتبع طريقه إلي؟ فقط أعلم أن شوقي انحنى احترامًا …

رجوع.. أربك المسافة بين الحنين والخوف

منذ أسبوعين

216

1

غادة طنطاوي*

 

لم أسأله كيف تتبع طريقه إلي؟ فقط أعلم أن شوقي انحنى احترامًا لعودته.. كأن السنوات التي مرّت كانت مجرد التواء في طرقنا لا قطيعة.

عاد كأن وداعه كان استراحة مؤقتة لقلبي.. عاد كالنسيم، كل ما فيه كما كان.. نبرة صوته وجمال نظرة عينيه. عاد عابرًا المسافة بين أمسي واليوم.. لم يكن حضوره صاخبًا، بل هادئًا إلى حدٍ أربكني، كأن الحب الذي ظننته انتهى كان يختبئ خلف ستارة الانتظار. لم يكن غيابه سوى زمنًا باهتًا كلوحةٍ بلا ألوان.. يفتقد إلى النبض.. لكن ما إن عاد، حتى تنفست الأرض، وأشرقت الشمس من قلب الغيم، وارتدت السماء حلّة زرقاء صافية. أدركت حينها أن الحياة ليست زمنًا يُقاس، بل روحاً تُبعث، عاد النبض فيها.. وعاد معها كل شيء يستحق أن يُسمّى حياة.

كان يشبه الفصول في غيابه… يرحل دون أن يمنحني شتاءً أدفئ به وحدتي، ويعود كربيعٍ لأرضٍ أنهكها طول انتظار مواسم الغيث! كأن الأفق ابتسم بعد طول عبوس، وكأن النسيم الذي استعاد سرّه في الغناء. لم أسأله لماذا عاد، ولا كيف تذكّر أن في القلب زاوية لم تُطفأ تمامًا، كل ما في الأمر أن خطواته على عتبة الذاكرة أيقظت شيئًا بداخلي يشبه الحياة، فأنهاري التي جفّت وجدت مجراها من جديد.. كأن الفصول الأربعة اجتمعت لتحتفل بعودته.

ما زال في صوته بقايا ودٍ قديم، وفي ملامحه حلم لم يكتمل على أعتاب الغياب! سألني بعينيه أكثر مما سألتني الأيام، ولا أعلم إن كنت مستعدة للفقد مرة أخرى، لكني أعلم أن بعض القلوب حين تعود لا تُستقبل بالعقل، بل بالنبضة الأولى التي لم تمت.. ربما عاد ليرمم ما تهشّم، أو ليبعثر ما استقام.

بعودته انتفضت مشاعر كنت أظنها نامت تحت رماد الوقت.. خفت من ترحيب قلبي به.. وخفت أكثر من تجاهله.. فبعض العطاء حين يعود يشبه المطر، على أرضٍ تابت من الخصب.. لا أعلم إن كانت عودته هدية من القدر أم اختبارًا متأخرًا، لكنني أعلم أن بعض القلوب لا تأتي متأخرة… بل تأتي حين تقدر على الإقامة

عاد.. وهذا وحده كافٍ لإرباك الطريق بين الحنين والخوف.

*كاتبة من السعودية

التعليقات

  1. يقول أحمد أل محرق:

    الله الله نص مُبهر جدآ ..حينما تضع أول خطواتك على عتبتةُ هذا النص لن تستطيع التوقف او الرجوع للخلف بل تظل عيناك تلتهم الكلمات بنهم …ويظل خيالك ملحق في فضائه… مستمتعآ بكل ما يصادفه من صور فنيه ..واحداث عاطفيه ولغة شاعرية .. ومشاعر راقية.
    الف الف تشكرين على هذا الجمال (استاذة غادة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود