الأكثر مشاهدة

الكاتب: حسين عبروس*  مقدمة  في زمنٍ تتزاحم فيه الشاشات وتتنازع فيه الأصوات، يبقى …

الطفل وفن الإلقاء الشعري.. الشاعر الصغير

منذ يومين

72

0


الكاتب: حسين عبروس*

 مقدمة 

في زمنٍ تتزاحم فيه الشاشات وتتنازع فيه الأصوات، يبقى الشعر نافذةً صافية نحو الروح، ولغةً قادرة على إضاءة القلوب وفتح مساحات الخيال. وحين يعتلي طفلٌ منصة الإلقاء، وهو يحمل قصيدته في قلبه وصوته المغمور بالبراءة والثقة، يتوقف العالم لحظة دهشة؛ إذ ينهض أمام الجمهور صوت صغير، لكنه يحمل قدرة الكلمات العظيمة وروح الشعر الأبهى.

فالإلقاء ليس ترديدًا موزونًا لكلمات محفوظة، بل هو فن التعبير، وإشراق الموهبة، وفتح بوابة الإبداع في حياة الطفل منذ بواكيرها.

الإلقاء الشعري.. جوهر الفن ومرآة الوعي

الإلقاء هو القدرة على بعث الروح في النص، وتقديمه للجمهور ككائن حي نابض بالعاطفة والمعنى.
إنه تفاعل بين عقل يدرك، وقلب يحس، وجسد يترجم.
فالطفل المُلقي لا يردّد أبياتًا فحسب؛ بل يحتضن الشعر وينفخه حياة، ليمنح الحرف نبضًا، ويمنح صوته قدرة على التعبير عن هويته الفنية الخاصة أمام الجمهور.

مراحل التهيئة.. بناء شخصية الشاعر الصغير

قبل أن يواجه الطفل الجمهور، يمر بمسار تربوي وجمالي يهيّئه للمشهد:

تهيئة نفسية تمنحه الأمان والثقة بعيدًا عن الارتباك.

فهم المعنى والصورة الشعرية، ليكون الإلقاء إدراكًا قبل أن يكون أداءً.

تنمية الشغف بالنص؛ فالمحبة أول الطريق إلى الإبداع، وما أحبّه الطفل ظهر في صوته وأدائه.

المهارة اللغوية والصوتية.. موسيقى الحرف وروح النبرة

يتطلب الإلقاء امتلاك أدوات فنية متنامية، منها:

مخارج حروف واضحة وصوت نقي واثق.

نبرات تتصاعد وتهدأ وفق موسيقى القصيدة.

وقفات محسوبة تحفظ إيقاع الجملة وتبرز المعنى.

ومع اكتساب هذه المهارات، يتسع قاموس الطفل اللغوي، ويرتقي ذوقه، وتتشكّل في داخله ملكة اللغة وأريج البلاغة.

لغة الجسد.. حين تتكلم العيون والأيدي

الإلقاء ليس صوتًا فقط، بل حضور كامل..
ملامح الوجه، حركة اليدين، ونظرات العين… كلها تتضافر لتصنع مشهدًا حيًّا يترجم الإحساس.
والطفل الذي يتقن لغة الجسد ينجح في بناء جسور مع الجمهور، ويمنح القصيدة مساحة لتحلّق أمام العيون كما تحلّق في الآذان.

ثمار الفن.. شخصية تُبنى وشاعر يتكوّن

فن الإلقاء يبني في الطفل شخصية قادرة على التعبير، جريئة في الحضور، غنية في اللغة، ومشتعلة بالخيال.
إنه يفتح أمامه نوافذ أوسع للموهبة، ويغرس فيه ثقة راسخة تجعله حاضرًا في محيطه المدرسي والثقافي، قويَّ الهوية، محبًا للجمال، وصاحب صوت يصل.

خاتمة:

حين نمنح الطفل فرصة الوقوف على منصة الشعر، فإننا لا نمنحه حق الإلقاء فقط؛ بل نمنحه حق الوجود الفني، وحق اكتشاف نفسه، وتشكيل ملامح شخصيته، وتذوق جمال الكلمة الحرة.
فكل طفل يتعلّم الإلقاء هو شاعر صغير ينمو، وروح كبيرة تتقدّم، وصوت مستقبلٍ نقيّ يتهيأ ليضيء الحياة.

*كاتب وشاعر للأطفال من الجزائر

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود