الأكثر مشاهدة

 د. خالد أحمد* في زمنٍ تحوّل فيه العالم إلى شاشة مضيئة لا تغيب، أصبح من الطبيعي …

المنصات الرقمية وأدب الأطفال.. آفاق جديدة للخيال وكيفية توظيفها بذكاء

منذ يومين

40

0

 د. خالد أحمد*

في زمنٍ تحوّل فيه العالم إلى شاشة مضيئة لا تغيب، أصبح من الطبيعي أن يمتد هذا التحول إلى فضاءات أدب الأطفال، الذي لم يعد محصورًا بين صفحات الورق وحسب. فقد أوجدت المنصات الرقمية أنماطًا جديدة للتجارب القرائية، قادرة على تحويل القصة المكتوبة إلى عالمٍ تفاعلي يشارك فيه الطفل بلمسة إصبع. مع هذا الانفتاح الكبير، يبرز سؤال محوري أمام الآباء والمربين وصنّاع المحتوى: كيف يمكن تحويل هذه الأدوات إلى وسيلة لتعزيز حب القراءة وتنمية الخيال بدلًا من أن تتحول إلى مصدر تشتيت؟

من الورق إلى الشاشة.. ثورة في علاقة الطفل بالقصة

كانت علاقة الطفل بالقصة تتشكل تقليديًا عبر الكتاب المطبوع، وصوت الراوي، ومساحة الخيال التي تتيحها الرسوم الثابتة. أما اليوم، فإن «الطفل الرقمي» ينمو في بيئة تحيط بها الأجهزة الذكية، الأمر الذي أنتج أشكالًا جديدة من أدب الأطفال، من أبرزها:

الكتب الإلكترونية: نسخ رقمية يمكن قراءتها عبر مختلف الأجهزة.

الكتب الصوتية: قصص مروية باحتراف، مع مؤثرات صوتية تزيد من جاذبيتها.

التطبيقات التفاعلية: قصص تُمكّن الطفل من المشاركة وتحريك الشخصيات وحل الألغاز.

منصات الفيديو والرسوم المتحركة: التي تقدم سردًا بصريًا مكثفًا يناسب الجيل الجديد.

فرص واعدة.. حين تصبح التقنية جسرًا للخيال

عند توظيف المنصات الرقمية بعناية، فإنها توفر ميزات لا تقل قيمة عن الكتاب الورقي، بل قد تتجاوزه في بعض الجوانب، منها:

1. زيادة التفاعل: تحويل الطفل من متلقٍ سلبي إلى مشارك نشط في الأحداث.

2. إمكانية الوصول: مكتبات مفتوحة على مدار الساعة، متاحة من أي مكان.

3. تخصيص التجربة: تكييف المحتوى وفق قدرات الطفل واحتياجاته التعليمية.

4. تعزيز الفهم عبر الوسائط المتعددة: الدمج بين الصوت والصورة والحركة.

5. تنمية الإبداع: عبر تطبيقات تسمح للطفل بتأليف نهايات أو صنع قصته الخاصة.

التوظيف الذكي.. استراتيجيات لضمان تجربة مثمرة

أولًا: دور الآباء والمربين

اختيار محتوى عالي الجودة خالٍ من الإعلانات والمشتريات الموجهة للأطفال.

مشاركة الطفل أثناء القراءة الرقمية ومناقشة الأحداث والشخصيات.

تحقيق التوازن بين الورق والشاشة.

ضبط وقت الاستخدام بما يحافظ على صحة الطفل النفسية والجسدية.

ثانيًا: دور الكُتّاب وصنّاع المحتوى

أن تبقى القصة في جوهر المنتج، وأن تخدم التقنية السرد لا العكس.

توظيف التفاعلية بهدف إثراء الفهم وليس إبهارًا بصريًا فقط.

التعاون مع التربويين والمتخصصين في علم نفس الطفل.

تحديات ينبغي عدم تجاهلها

على الرغم من الإمكانات الكبيرة، لكن الاعتماد على المنصات الرقمية يواجه تحديات واضحة:

تشتت الانتباه بسبب المؤثرات المبالغ فيها.

انتشار المحتوى منخفض الجودة.

مخاطر الإدمان والاستخدام المفرط.

الفجوة الرقمية بين الأطفال في المجتمعات المختلفة.

دليل إنشاء منصة رقمية لقصص الأطفال.. رحلة من خمس مراحل

إن تطوير منصة رقمية ناجحة يتطلب رؤية واضحة، وتخطيطًا دقيقًا، وإنتاجًا احترافيًا. ويمكن تلخيص الطريق إلى منصة متكاملة في خمس مراحل أساسية:

1. التخطيط الاستراتيجي

تحديد الفكرة الفريدة (القصص التفاعلية، التعليمية، التراثية…).

تحديد الفئة العمرية المستهدفة.

اختيار نموذج العمل (اشتراك، شراء، Freemium…).

تحديد نوع المنصة (تطبيق، موقع، أو مزيج منهما).

2. إعداد المحتوى

إنتاج محتوى أصلي أو شراء حقوق نشر أو الاستفادة من التراث العام.

تصميم الرسوم والتحريك.

تسجيل السرد الصوتي والموسيقى التصويرية.

تضمين عناصر تفاعلية بسيطة وجذابة.

3. التطوير التقني

تصميم واجهة مناسبة للأطفال، مع لوحة تحكم للآباء.

اختيار طريقة التطوير: فريق محترف، أو منصات بدون كود.

تضمين الميزات الأساسية: مكتبة القصص، الملفات التعريفية، القراءة دون إنترنت، نظام الدفع.

4. الإطلاق والتسويق

اختبار النسخة التجريبية (Beta).

إطلاق النسخة الرسمية في متاجر التطبيقات.

التسويق عبر شبكات التواصل، المحتوى الرقمي، المؤثرين، والبيانات الصحفية.

5. ما بعد الإطلاق

متابعة أداء المنصة وتحليل تفاعل المستخدمين.

إضافة محتوى جديد باستمرار للحفاظ على الاشتراكات.

بناء مجتمع حول المنصة عبر المجموعات والنشرات البريدية.

الأمان أولًا: حجر الأساس في المحتوى الموجّه للأطفال.

الالتزام بالقوانين الدولية مثل COPPA وGDPR-K.

عدم جمع بيانات شخصية من الأطفال.

تأمين الروابط والإعدادات عبر «بوابة الوالدين».

خاتمة.. جسر بين العالمين:

المنصات الرقمية ليست خصمًا للكتاب الورقي ولا بديلًا عنه؛ بل هي امتداد طبيعي لأدب الأطفال في عصر جديد. مع التوظيف الواعي والمتوازن، يمكن لهذه المنصات أن تُسهم في تكوين جيل يحب القراءة، ويستخدم التكنولوجيا بذكاء، ويجعل من الخيال بوابة مفتوحة نحو المعرفة.

 

* أستاذ مشارك بالجامعة الأمريكية للتكنولوجيا والآداب والعلوم، من مصر.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود