مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

​محمد بشير أحمد* النغمات الخفية كانت البلدة الصغيرة على سفح الجبال مغطاة بظلال ا …

بين الجدران

منذ يومين

21

0

محمد بشير أحمد*

النغمات الخفية

كانت البلدة الصغيرة على سفح الجبال مغطاة بظلال الليل.. تتناثر فيها المنازل القديمة، التي لم تتغير منذ عقود.. ومع ذلك، كان منزل “الزهراء” يختلف عن بقية المنازل، حيث تحيط به هالة من الغموض، ومُنعَت الزيارة إليه من قبل الجميع منذ عشرات السنين. كان يبدو أن المكان محكوم عليه بالعزلة، حتى قرر “محمود”، الشاب الذي تخرج مؤخرًا من كلية الهندسة، أن يحاول ترميمه. لم يكن يعرف أن هذا القرار سيغير حياته للأبد.

دخل محمود إلى المنزل في أول يوم له في العمل، وهو يحمل خطة الترميم التي أعدها بنفسه. المنزل كان مغطى بالتراب، وملصقات قديمة على الجدران تخبر عن ماضٍ مهمل. مع ذلك، كانت هناك تفاصيل غريبة؛ جدران عتيقة تتناثر فيها نقوش غامضة، وأبواب مغلقة بشدة، لكن أكثر ما أثار فضوله هو الصوت، الصوت الخفي الذي جاء من أسفل الأرض.

في تلك الليلة، بينما كان يطارد الصوت الذي بدا كهمسات خفيفة، اكتشف بابًا صغيرًا خلف لوحة قديمة على الجدار. كان الباب مغلقًا بإحكام، لكن شيئًا ما داخله دفعه لفتحه. ومع فتحه، أطلق رائحة غريبة، كما لو أن شيئًا قد تعفن منذ فترة طويلة.

 

الأصوات تتحول إلى صور

كلما تقدم محمود في الترميم، شعر بشيء غريب يترسخ في قلبه. كانت الأصوات تزداد وضوحًا، همسات تلاحقه أينما ذهب. في البداية، اعتقد أنه مجرد تأثير نفسي نتيجة الوحدة الطويلة في المنزل. لكن مع مرور الأيام، بدأ يسمع أسماء تُنطق في الليل، أسماء لم يكن يعرفها.

ثم جاء اليوم الذي بدأ فيه محمود يرى أشكالًا شبحية، تطفو بين الظلال. كانت عيونهم تتابعه، كأنهم ينتظرون منه شيئًا. في أحد الأيام، بينما كان يعمل في الطابق العلوي، شعر بشيء ناعم يلمس عنقه، فالتفت سريعًا ليجد ظلًا يغادر الغرفة. همس الصوت في أذنه قائلًا: “المنزل ليس فارغًا، هناك من هنا“.

 

الحقائق المفقودة

استمر محمود في محاولة حل اللغز، وبدأت تظهر أمامه أدلة غريبة. وجد في أحد الجدران القديمة صورة لرجل وامرأة، كان يبدو أنهما عاشا في هذا المنزل منذ أكثر من مئة عام. وكلما فحص الصورة عن كثب، شعر كأن عيون الرجل والمرأة تراقبانه. بعد البحث في سجلات البلدة القديمة، اكتشف محمود أن هذا المنزل كان يعرف بكونه مكانًا قديمًا لطرد الأرواح المزعجة، وكان معروفًا بتاريخه المظلم.

كانت هناك إشاعات بأن هذا المنزل كان يومًا ما مقرًا لمجموعة من الشيوخ الذين حاولوا السيطرة على الأرواح الشريرة. لكن في إحدى الليالي، حدثت مأساة لم يكن أحد يتوقعها: اختفى جميع الشيوخ، وتركوا خلفهم رسائل غامضة لم تفسرها الأجيال التالية. بل الأغرب من ذلك أن المحيطين بالمنزل شهدوا اختفاء عدد من الأشخاص، دون أن يعرف أحد السبب.

 

المواجهة مع المجهول

في ليلة عاصفة، بينما كان محمود يحاول فهم كل ما يحدث، سمع صوتًا قادمًا من الطابق السفلي، وكان يزداد قوة. قرر النزول للبحث عن مصدره، لكنه لم يكن مستعدًا لما شاهده. هناك، في وسط الغرفة، كانت الأرواح التي طالما رآها، تحيط به. في لحظة، تلاحقته أصوات صارخة، تطلب منه شيئًا، شيئًا لم يستطع فهمه.

إطلاق سراحنا…” همس الصوت، “أعدنا إلى حيث ننتمي“.

لكن محمود لم يكن يملك القوة لفهم ما يحدث. هل كانت هذه الأرواح محتجزة في هذا المكان؟! أم أن هناك سرًا مظلمًا لا يمكنه فكه؟!

 

التدمير والانعتاق

بينما كانت الأرواح تحيط به، شعر محمود بآلام غريبة في جسده. كان يعلم أن هذا المكان لن يتركه بسهولة. في لحظة مفاجئة، تذكر الكلمات التي كانت مكتوبة على أحد الجدران: “من فتح الباب، يجب عليه أن يغلقه”. حاول الهروب، لكن الأبواب كانت مغلقة بإحكام.

أخيرًا، بعد معركة نفسية وعقلية طويلة، قرر محمود أن يتعامل مع الأمر مباشرة. فكّر في طريقة لطرد الأرواح، لكنه اكتشف أن المفتاح يكمن في فهم التاريخ المفقود لهذا المكان. قام بإجراء الطقوس التي وجدها في كتب قديمة، أعاد ترتيب العناصر في الغرفة بطريقة مريبة. في اللحظة التي أنهى فيها الطقوس، تلاشى الصوت واختفت الظلال.

المنزل كان هادئًا، لكن محمود شعر أنه قد غيّر شيئًا داخله. كان يعلم أنه قد حرر الأرواح، لكن هل حقًا تم تحريره هو أيضًا؟!

​​​​​​​

*كاتب من سوريا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود