192
0664
0563
0123
0236
048
047
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04482
0وداد الإسطنبولي*
أسرعي...
أسرعي في خطاكِ قبل حلول الظلام.
كانت تُحاول تسلّق تلك الورقة المتدلية من الغصن، والصوت يُحفّزها على التقدم، لكن هذه المرة صداه يأتي من بعيد.
أما السرب فقد أنهى آخر حمولة التخزين إلى ذلك الثقب الصغير.
أخيرًا ثبّتت يداها بالورقة بحذر وحرص، مترنحةً يمنةً ويسرةً، ونظرت إلى الأسفل، فارتبكت من المسافة، لكن ذلك زادها إصرارًا على الصمود، مدّت رجليها الصغيرتين للخلف ولوتهما على ورقة الغصن، وأخذت تزحف ببطءٍ شديد متأملةً المكان الفسيح بالأعشاب، وتقول بتذمر:
أنا غاضبة، وثائرة، أين ذهب الجميع بهذه السرعة الفائقة؟
لم ينتظرني أحد!
ألا يعلمون أني ما زلت صغيرة ولينة، ولا أقوى على شيء، ثمّ أكملت مسيرها بين الأغصان والأوراق.
وأخيرًا تنفست الصعداء عندما وجدت نفسها على جذع شجرة ضخم، نظرت حولها متسائلة:
لا أثر لأحد، حتى أمي لم تنتظرني، لكن أستشعر درب الطريق، وأشم رائحة أثرهم، تقدمت خطوتين وإذا بها تتزحلق، فالتصقت بجذع الشجرة بقوة، أغمضت عينيها من الخوف، وبدأت بفرك رجلها على سطح الجذع قائلة:
“ها.. مبلول! يبدو أنها كانت ليلةً ماطرة، حسنًا، سأحاذر في تقدمي“.
ثمّ بدأت النملةُ تتحركُ بحذر على الجذع الأملس، وفجأة وقفت في حيرة من أمرها، فقالت في سرّها: “أيُّ طريق سأسلُكهُ الآن” نظرت إلى السماء كأنّها تطلُبُ العون من الله، وقالت: النهار لم ينته بعد.
وجلت النملةُ لفكرة حلول الليل قبل وُصولها لسربها. قفزت إلى حشائش الأرض المستوية تحاول جاهدة أن تهتدي للطريق بين ظلمة الحشائش واختراق نور الشمس بينها، ليكون فانوسًا يهدي دربها. سمعت ضوضاء، ومال ذلك الظل الأسود نحوها، فأصابها الذعر فهربت وهي تقول: “يسحقني هذا العملاق الضخم بقدمه!“.
شعرت النملة بأنها تدور حول نفسها من شدّة الخوف، بلعت ريقها، ظنًا منها أنّ أعناق الأشجار تلاحقها، حديث في ذهنها: لن ألتفت، لن ألتفت وتعثرت بحصى صغير، وتدحرجت، وتهاوت في حفرة صغيرة، حاولت الصعود، لكن الحصى الملساء المثبتة بالتراب ورطوبة التربة عرقل محاولاتها، أخذت وقتًا طويلًا في المحاولات إلى أن استطاعت الوصول للسطح وهي تلهث متعبة وأرجلها ملطخة بالوحل، التفتت حولها.. كانت الرؤية لديها شاحبة كشحوب ملامحها، تحول كلامها إلى منولوج:
واصلي المسير، نعم هكذا أمي كانت تقول لي، هناك حفر وعقبات ستواجهك، يجب أن تحذري وتجاهدي لتصلي إلى بر الأمان، لا تخافي ستنجحين بحول الله.
سالت الدموع من عينيها، نظرت إلى السماء التي بدأت تكتسي ثوب الغروب، صمتت وحدّقت بالمكان بدأت الحياة ترجع إلى ملامحها البائسة. اتسعت عيناها وحرّكتها بقوة، بعد أن رأت وجهًا تعرفه دغدغ شعورها الجميل، ورغم التعب الذي أنهكها أسرعت بجنون وهي تُرددُ: “إنها أمي؟ أمي!“.
تدّفق ماء الحياة للوجه الآخر حين رأت ابنتها بسلام تسرع إليها وتضمها إلى صدرها، وتلاشى ذلك القلق برؤيتها لابنتها الصغيرة.
وبدأت تسرد لأمها مغامرتها دون توقف، فضحكت الأم وربتت على رأسها:
لم تذهبي بعيدًا، فأنتِ في حوش حديقة المنزل الذي نعيش بين زواياه الضيقة وأبوابه المخدوشة والمتهالكة، ربما تهت قليلًا عن المكان.
التصقت بأمها وقالت في نفسها: “المهم أنني وصلت بسلام“.
*كاتبة من عمان
التعليقات