الأكثر مشاهدة

       أحمد بنسعيد* المقدمة:  هذا المقال غاية في الأهمية لكتاب أدب الطفل من جهة، …

كاتب أدب الطفل.. في الميزان

منذ أسبوع واحد

205

0

       أحمد بنسعيد*

المقدمة: 
هذا المقال غاية في الأهمية لكتاب أدب الطفل من جهة، ولنقاد أدب الطفل من جهة أخرى… لأنه يقعّد لمفهوم يظنه الجميع واضحًا، لكن يبدو أن عليه غبار كثيف جدًا. المقال معيار يوضح مفهوم “كاتب أدب الطفل”.

أدب الطفل نوع مستقل:
لا شك أن الجميع في عصرنا هذا، أدرك أن أدب الطفل هو ذلك العلم المستقل القائم بذاته الموجه للأطفال في مختلف مراحل أعمارهم، والذي تندرج فيه أنواع كثيرة من الفنون كفن القصة والرواية والشعر والمسرح وغيرها من الأصناف المستحدثة في كل عصر.
أدب -ونحن نعيش عصر التخصصات- له فلسفته، وأهدافه، ومناهجه، وأساليبه، وكتبه. له مبدعوه الذين كرّسوا حياتهم له، وله مطابع خاصة تنشر إنتاجه، وله نقاده ومؤسساته التي تهتم بفهم الطفل، وتطوّرات الأدب المخصص له.
أدب الطفل يتطلب فهمًا عميقًا لنفسية الطفل، ولغته، وقيمه، وثقافته، وتحدياته… وهذه المتطلبات تأخذ أعمارًا ومجهودًا جبارًا.

من هم رواد أدب الطفل؟
الرواد في أدب الطفل هم أولئك الذين وضعوا أسس هذا الفن، وقدّموا حياتهم بكل إخلاص للطفل. هم الذين لم يكتبوا نصّا عابرًا أو قصة واحدة، بل كرّسوا سنوات عمرهم في البحث والدراسة والكتابة والتجريب، لفهم عقل الطفل وقلبه ولغة أدبه. من خلال جهودهم، وُضعت البداية، وُضع الإطار الذي ينطلق منه كل مبدع لاحق، وصارت مجهوداتهم وكتبهم مرجعًا للأجيال الجديدة. هؤلاء الرواد هم أعمدة المجال، وذكرهم في المكان الصحيح يعكس الوفاء للتاريخ الأدبي ويضمن أن يعرف كل جيل جديد من هم الأصليون الحقيقيون لأدب الطفل.

المحسوبون على أدب الطفل:
في أي مجال إبداعي، كما هو الحال في أدب الطفل، هناك من كتب نصًّا واحدًا في أدب الطفل، أو حضر ورشة، أو دمج بعض النصوص للأطفال ضمن إنتاجه للكبار، ثم صار يُحسب ضمن مبدعي أدب الطفل بل ومن “الرواد”، وبمباركة بعض مساكين النقاد. هؤلاء ليسوا بالضرورة سيئين، وهم مشكورون على مجهوداتهم طبعا، لكن لا يمكن مساواتهم بالكتّاب الذين قضوا لياليهم ونهاراتهم في فهم الطفل ومجال أدب الطفل.
والتمييز بين المتسلقين والكتّاب المخلصين ضروري للحفاظ على مصداقية هذا الأدب، وللتأكيد على أن التقدير الحقيقي يُمنح لمن قدم كل حياته للطفل، لا من اقتصر على تجربة عابرة.
فلا يغرّنا البحث عن كثرة الأسماء لإثبات أن هذا الأدب بدأ مبكرًا هنا أو هناك. ولنعتز بالأسماء القليلة التي وهبت روحها له. أو لنتثبّت أن الاسم الفلاني أو العلاني وهب نفسه ونفيسه لأدب الطفل.
أيها الأعزاء؛ ما هي إلا الأسماء قليلة عزيزة كرّست مجهودها وأغلب -أو كل- حياتها لأدب الطفل، وأسهمت في وضع الأسس، وبناء المبادرات والأنشطة التي تدعم الطفل والأجيال الجديدة من القراء والكتّاب.

جوائز أدب الطفل وأصناف المبدعين:
من الغرائب التي نواجهها في عالم أدب الطفل العربي، أن كثيرًا من الجوائز تُمرّر أسماء لا نعرفها لهذا المجال، نتيجة ضعف الرؤية أحيانًا وتخلف الفكر الناقد في هذا الصدد. وأما الادعاء بأن هذه الأعمال “جيدة ومتفوقة ولم يأت بها الأوائل ولا الأواخر” فهو ادعاء خاطئ، لأننا اطلعنا من موقع تخصصنا على بعض هذه النصوص ووجدناها بسيطة جدًّا، وبعضها بعيد تمامًا عن ضوابط أدب الطفل ومناهجه العلمية. هذا لا يقلل من قيمة جهود البعض، لكنه يبرز الحاجة الماسة إلى معايير صارمة وصادقة لتقييم الأعمال والجوائز، حتى تُمنح التقديرات والمكافآت لمن يستحقها حقًّا.
وليعلم كل من يقدم جائزة في “أدب الطفل” بطريقة عاطفية سطحية سياسيّة لشخص ما، أنه يرتكب خطأً تاريخيًّا في حق الطفل وأدب الطفل. الجوائز ليست مجرد تقدير شخصي أو لحظي، بل لها أثر طويل على المجال؛ فهي تنقش أسماء في تاريخ الأدب، وتحدد من يُعتبر مبدعًا حقيقيًّا.
هناك أسماء تظهر كل مرة في ساحة (جوائز أدب الطفل)، نضطر نحن المختصون أن نسائل أنفسنا خاصة في عصر الانفتاح عصر “شَرَّحْ مَلَّحْ”: من يكون هذا/هذه؟ ومن قدمه/ها؟ ومن يقف وراء هذه الجوائز أو الترشيحات؟ هذه الظاهرة تزيد من الالتباس وتشوش الرؤية في أدب الطفل، وتضع تاريخ أدب الطفل كله في هذه المرحلة على المحكّ.

لذا، قررت منذ السنة الماضية 2024م التوقف النهائي عن المشاركة في الجوائز العربية. هذا القرار يشبه امتناع الإنسان عن الطعام لأغراض عامة أو لمبدأ معين؛ فهو ليس رفضًا شخصيًّا، بل تصرف من أجل قضية أكبر، وهي الحفاظ على المصداقية التاريخية لأدب الطفل، وضمان أن الجوائز والتقديرات تُمنح لمن يستحقها فعلًا وفق معايير واضحة وصادقة.
راجيًا أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، ويتوقف هذا الخلل الذي دام طويلًا ولا يزال.

الولد الصالح لأدب الطفل:
أظن أنّ الجميع الآن؛ كاتبًا وناقدًا وإعلاميًا ومتابعًا… قد أخذ فكرة عن ماهية كاتب أدب الطفل. فكل من يشعر في نفسه من الكتّاب المبتدئين زمنيًا الميولَ لأدب الطفل، والقدرة على التفرغ لهذا المجال، ويستعد لتخصيص وقته وجهده وإبداعه للطفل، فله ألف مرحبا.. لأنه مع الزمن سيُشكّل قيمة مضافة لهذا الأدب، وسيقدم له الجديد، سيكتشف لنا اكتشافات واكتشافات داخله بحكم التخصص، ويُبهرنا بمبادرات ومبادرات تنعكس على عالم الأطفال بكل ما هو ممتع ومفيد ومدهش… أما من اقتصر على نص أو نصين فقط، أو تجربة عابرة، فلا يحلم بأن يُعتبر من مبدعي هذا الأدب.
الطريق إلى الإبداع الحقيقي للأطفال طويل وشاق، يتطلب عمقًا وإخلاصًا وتفانيًا، لكنه في المقابل يمنح الكاتب أثرًا خالدًا في قلوب الأجيال الصاعدة على مرّ العصور، وهذا أكبر وسام وألذّ سعادة على الإطلاق.
جعل الله أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم.

*كاتب للأطفال من المغرب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود