مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

     حصة بنت عبد العزيز*   بين بساطة اللغة وعمق الرسالة في أدب الطفل.. لا ي …

هل نكتب للأطفال كما نكتب للكبار؟

منذ 7 أيام

201

1


     حصة بنت عبد العزيز*

 

بين بساطة اللغة وعمق الرسالة في أدب الطفل.. لا يزال أدب الطفل يثير تساؤلات جوهرية في الوسط الثقافي: كيف نكتب للصغار؟ وهل تختلف الكتابة لهم عن الكتابة للكبار؟ سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يخفي خلفه جدلًا طويلًا حول طبيعة الأدب ووسائله ومسؤولياته.

الأدب.. جوهر واحد ووجوه متعددة: 

الكتابة للطفل ليست مجرد تبسيط للمفردات أو اختزال للأفكار، بل فن قائم بذاته، له أدواته الخاصة، رغم اشتراكه مع الأدب للكبار في الهدف الأساسي: التعبير عن الإنسان، وبناء الجمال، وإيصال الفكرة.

الاختلاف الأساسي يكمن في المتلقي: الكبار يقرأون بعقولهم وأدواتهم النقدية، بينما الطفل يستقبل النص بعاطفته وخياله أولًا، قبل أن يقيّمه عقليًا.. لذلك يتطلب الأدب الموجّه للطفل لغة واضحة، وصورًا مشبعة بالخيال، وقوالب قصصية جذابة تثير الفضول وتشجع على التساؤل والاكتشاف.

لغة تناسب دهشة الطفولة: 

الطفل يكتشف العالم بعين متحرّرة من التعقيد، ولديه قدرة فائقة على استيعاب المعاني العميقة إذا قُدمت بطريقة مشوقة.
لذلك فإن النصوص الموجهة له يجب أن تجمع بين البساطة والجمال، وبين اللعب والمعرفة، وبين الحكاية والمعنى.

اللغة هنا ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل جسر يوصل الطفل إلى التجربة والمعرفة بطريقة طبيعية وشيقة.

بين التبسيط والسطحية: 

يحذّر النقاد من الوقوع في خطأين شائعين:

1. تقديم نصوص تعليمية مباشرة تفقد النص متعته وجاذبيته.

2. الاستخفاف بعقل الطفل عبر نصوص سطحية أو فقيرة المعنى.

التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد التوازن: تقديم أفكار وقيم إنسانية عميقة ضمن قالب قصصي أو شعري أو مسرحي ممتع، بحيث يستمتع الطفل بالقراءة ويستفيد في الوقت ذاته، دون الشعور بالتلقين أو الإلزام.

مسؤولية مضاعفة: 

الكتابة للطفل مسؤولية مضاعفة، لأنها لا تصنع متعة عابرة فحسب، بل تزرع بذور القيم والوعي والجمال في وجدان القارئ الصغير.

ما يُقدَّم له اليوم يمكن أن يصبح أساس شخصيته المستقبلية، وشكلًا من أشكال تكوين وعيه الإبداعي والإنساني.. لذلك يجب أن يتحلّى الكاتب بالصبر والصدق في طرح أفكاره، وأن يمنح نصوصه عمقًا وجاذبية في آن معًا.

الخلاصة:

أدب واحد بمرآتين: 

يمكن القول إننا نكتب للأطفال كما نكتب للكبار في صدق التجربة وحرارة الفكرة، لكننا نختلف في اللغة والأداة وطرائق الإيصال.

فما يُقدّم للكبار عبر التأمل والنقاش الفلسفي، يُقدّم للأطفال عبر الحكاية واللعب والصورة البريئة، التي تعكس العالم في دهشته الأولى، وتزرع فيه حب الاستكشاف والقراءة.

رسالة مفتوحة للكتّاب والناشرين: 

إلى كل من يكتب أو ينشر للطفل: تذكّروا أنكم تخاطبون قرّاء اليوم وصنّاع الغد.. ما تزرعونه في نص صغير أو حكاية قصيرة قد يتحوّل إلى جذور ممتدة في وعي أجيال كاملة؛ لذلك اكتبوا بصدق، وامنحوا نصوصكم جمالًا يليق بالطفولة، ولا تخشوا تبسيط اللغة ما دام المعنى عميقًا.

فالأدب الحقيقي، حين يصل إلى الطفل، لا يبقى حكاية تُقرأ ثم تُنسى، بل يصبح تجربة حيّة ترافقه وتشكّل ملامح شخصيته المستقبلية.

ونحن لا نريد من أطفالنا متعة عابرة فحسب، بل نريدهم أن يحققوا ما عجزت عنه الأجيال السابقة في كل مجالات الخير والبناء، وأن يبقى الإيمان بالله ساكنًا في قلوبهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

*كاتبة سعودية
7AERH-4@

التعليقات

  1. يقول سعد عبدالله السلامه:

    مع اختلاف فروق سمات الشخصية بين الأطفال سنجد من لن تستهويه القراءة رغم اجادته الكتابة
    قواعد وخطا ، يكفي أخذهم إلى فضاء الأدب بكل وسائله الحركية والسمعية والبصرية أي عوالم المسرح والسرد والرسم والشعر وكافة المواهب الفنية والرياضية ، كل تلك الوسائل حتما كلها أو بعضها أو احداها ستدخل الطفل حتما إلى حب القراء ، وعلى من يكتب له يبدع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود