646
0
469
0
420
0
581
2
358
0
57
0
265
0
79
1
17
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12042
0
11682
0
10918
0
10050
5
8262
0

علاء ماجد الحازمي*
الضيوف أنواع؛ هناك ضيف خفيف وضيف ثقيل وضيف من الجن.
***
أنا سمير شاعر فاشل درست اللغة العربية في جامعة أم القرى وتخرجت بتقدير جيد، توقعت أني بارع في اللغة.. لكن اكتشفت أني فاشل، أشقائي ناجحون في حياتهم، أنا الفاشل الوحيد في العائلة، مع ذلك توظفت بعد انتهائي من الجامعة، قدمت (CV) ومعناه باللغة العربية السيرة الذاتية، لكنها عبارة عن فراغ لا يوجد أي دورات، فقط الإنجاز الوحيد أني أملك شهادة بكالوريوس بتقدير جيد بتخصص لا يوجد له أي طلب في السوق.
لقد توظفت حارس أمن لم يتم تدريبي، لكن العقد غريب.. أقصد تم وضع شرط جزائي إذا قمت بالاستقالة قبل أن ينتهي عقدي سيتم جعلي أدفع عشرة آلاف ريال، الراتب أربعة آلاف ريال في الشهر، لذا قمت بالتوقيع دون استشارة أحد وتم وضعي وحدي في نوبة الليل أقوم بحراسة أرضٍ لا أعرف ما هي وما تفاصيل المشروع، لكنه مشروعٌ كبيرٌ جدًا، والأرض التي كُلفت بحراستها هي جزءٌ صغيٌر من المشروع، ولم يتم إلى الآن وضع أساسات على الأرض، فقط تم وضع حواجز وغرفة حارس الأمن عند مدخل السيارات، وهو المدخل الوحيد.
الوردية تبدأ من الساعة ٨ مساءًا إلى الساعة ٨ صباحًا… نعم ١٢ ساعة، لهذا الراتب مرتفع، لكن لماذا الشرط الجزائي لا أدري!
أتيت إلى العمل.. كان المكان بعيدًا جدًا عن مكان سكني، كان في ضواحي مدينة مكة، أخي الصغير أحضرني إلى هنا.
أنا لا أقود السيارة؛ ليس لأني لا أعرف..لكن لأني…
(الحادث)
سأخبركم عن حادث حصل لي عندما كنت بعمر الخمسة عشر ربيعًا.
كنت نحيفًا وقصيرًا.. إلى الآن أنا قصير.
قمت بأخذ سيارة والدي طبعًا من غير إذنه، وانقلبت السيارة تقريبًا ثلاث أو خمس قلباتٍ لا أذكر، لكن بعد هذا الحادث لا أقود حتى دراجة.
كانت هناك مجموعة ظلالٍ طويلةٍ مندمجةٍ مع الإسفلت الذي أصبح لونه لون غروب الشمس، كانت الظلال تتحرك وبعضها ساكن.
ظلال العاملين وحراس الأمن.. بعضهم مبتسمٌ سعيدٌ بانتهاء دوامه، أما بعضهم الآخر فكان متعبًا، بالنسبة لي كنت سعيدًا لأني سأعمل في هذا المكان.
“السلام عليكم”.
الفوضى القريبة من غرفة الأمن، التي كانت عبارة عن بركس؛ هي فوضى تشبه عندما توزع على مجموعة من الأطفال الحلوى أو العيديات في عيد الفطر، مع أنّ هؤلاء ليسوا بأطفالٍ، إلا أنهم كانوا يتصرفون مثلهم بسبب ورقة الحضور والانصراف.
توقفت هذه الفوضى ونظروا إليّ ومن ثم ردوا علي السلام.
الشخص الذي كان يقف على عتبة باب البركس تحدث وكان رجلًا طويلًا ونحيلًا.
“سمير القرطبي”.
“نعم”.
“معك سالم رئيس الأمن تفضل، “أردت أن أقول تشرفنا أو غيرها من الكلمات الجميلة”، لكنه فتح الباب ودخل، فدخلت خلفه.. الغرفة يوجد بها مكتبان ومجموعة من الكراسي المتنوعة منها القديم والجديد. يوجد دولاب أسود ممتلئ بالملفات الحمراء.. رائحة المكان خليطٌ بين دجاج الشواية ورائحة السجائر…
“تفضل اجلس”
جلست على أفضل كرسي، استخرج الكثير من الأوراق ومن ثم قام باعطائي ورقة منها، وأخبرني أن أقوم بتعبئتها.
كانت عبارة عن بياناتٍ اعتيادية، بعد أن قمت بكتابة البيانات بحرص لا أعلم كم دقيقة مرت، لكن سمعت صوت الأذان…
“هل انتهيت” قالها بنبرة فيها التعجل.
“نعم”.
أخذ الورقة مني.. وضعها في أحد الأدراج واتجه إلى الدولاب وأخذ أحد الملفات.
“اتبعني”.
خرجت من المكتب وكان في البركس يقوم بإقفال الكهرباء، ومن ثم أغلق المكتب أو البركس وتبعته كالقط الذي يتبع صياد السمك ليأخذ نصيبه من الصيد.
دخلنا الغرفة التي بجانب المدخل، هذه الغرفة غرفة البواب، يوجد فيها مجموعة من الشاشات وحاسبٌ آلي، ورجل خرج من دورة المياه للتو، عرفني عليه وأخبرني أن اسمه عدنان… رجلٌ ذو وجهٍ بشوش، لديه كرش وأسمر البشرة، يرتدي نظاراتٍ ذات حواف دائرية.
قام بمسح يده من الماء وصافحني بابتسامة.
وبعد الصلاة نظر إلى سالم:
“اذهب”.
أصبح الرجل ذو الكرش رجلًا سريعًا ورشيقًا، خرج من الباب وابتسامته تزداد… أتعرفون الشعور الذي كنتم تشعرون به وأنتم أطفال عند الانصراف من المدرسة… هذا الشعور ستشعرون به أثناء الانصراف من الدوام.
قام سالم بإعطائي الملف وأخبرني “قم بقراءة أول صفحة بصوتٍ عالٍ” كانت نظراته جادة لم يكن هناك أي أثرٍ على ملامحه الجامدة أنه يسخر مني، ولم يكن هناك أحد في الموقع سواي أنا وسالم فقط، مع ذلك شعرت كأن هناك أحدًا يقوم بمراقبتي…
“هيا بسرعة أريد أن أذهب” في صوته أثر للخوف.. قمت بفتح الملف وكانت هناك صفحةٌ يوجد بها عدة بنود:
طرق التعامل مع زوار الليل:
البند الأول: الزائر كالضيف.
توقفت عن القراءة فنظرت إلى سالم “من هم الزوار؟”.
نظر إلى ساعته “هو زائر واحد لكن لا تعلم ممكن يأتي أكثر من زائر”.. أشار إلى ركنٍ في الغرفة يوجد فيه ثلاجة وغلاية شاي وصانعة قهوة وبعض من البسكوت وأكياس الشاي وكبسولات القهوة “في حال طلب الشاي أو القهوة.. إنه يعشق الشاي”.
“من هو الزائر” كررت سؤالي.
“أكمل” ورفع صوته “بسرعة”.
البند الثاني: احتمال أن ترى جزءًا مختلفًا من جسده.. لا تطيل النظر لكي لا يغضب.
توقفت لأني علمت من هو الزائر!
“الأمر واضح.. أكمل”.
البند الثالث: لا تحرج الضيف.
هذه المرة سالم تحدث “إذا أخبرك أنه ضيف ثقيل مثلًا.. لا تقل نعم، بل عامله كضيفٍ حقيقي هل فهمت؟ “لم ينتظر ردي “أكمل”.
البند الرابع: أشبع فضول الضيف.
كانت نبضات قلبي مع كل بند تزداد حتى أنني شعرت أن الملف سيسقط، لذا وضعته في الأرض وأكملت…
البند الخامس: لا تفزع.
“أي لا تهرب أو تصرخ تماسك.. أكمل”.
أردت أن أرمي الملف على وجهه، لكن أكملت…
البند السادس: لا تعترض على أسئلة الضيف.
وآخر الورقة كتب تحذيرًا: لا تقم بتصوير الملف أو وضعه على مواقع الإنترنت وإلا ستحاسب. طبعًا لم أقم بقرائته بصوت عال لأني شعرت بعطشٍ شديدٍ، لكن سالم وقف وقام بإعطائي قارورة ماءٍ باردة من الثلاجة، قمت بشربها بالكامل.
“إذا أردت الانسحاب يجب أن تدفع عشرة آلاف ريال “الغضب تملكني..
بنبرة هادئة “هل هذي مزحة؟”.
“لا”.
“أنت نصبت علي”.
“ألم تقرأ العقد؟”.
“لا.. لماذا؟… أيضًا كان العقد أوراقه كثيرة”.
نظر إلى ساعته “هذه أول وظيفة لك صحيح؟… لا يوجد عقد عمل به درزن من الأوراق لقد تم خداعك بالكامل يا فتى، تستطيع الذهاب الآن وخرق هذا العقد لكن ستدفع الشرط الجزائي…
“وقف بعجلة وخرج من المكان وكنت أتبعه إلى أن وصلت إلى سيارته التي أوقفها في الخارج، كل من في موقع العمل ذهبوا.
نظر سالم حوله وسألني “أين سيارتك؟”.
نظرتُ نحو الأرض، أوازن خياراتي هل أترك المكان أو أواصل في العمل.. أخبرته “أخي أوصلني”.
ركب السيارة وقام بتشغيلها وفتح نافذة السيارة “اركب سأوصلك إلى منزلك”.
كادت يدي تلمس الباب لكني لم أفعل “لا.. لن أترك الموقع”.
حدق بي، لا أدري كم المدة لكن مر وقت وهو يحدق بي “المبلغ الجزائي بسيط تقدر تأخذ المال من عائلتك أو من أصدقائك.. هذه آخر فرصة لك اركب”.
“أشوفك بكرة يا ريس”.
لم يقل كلمةً، ذهب وأنا أرى أضواء سيارته تختفي في الظلام، وكانت السماء تتحول إلى الظلام، والهواء أصبح أقوى، ودرجة الحرارة أصبحت أبرد.. لم أتحمل نظرات والدي إذا أخبرته أنه تم خداعي.
من الممكن أن تقولوا:
_ إن هذا العقد غير صحيح أو غير قانوني…
عندما انتهيت من صلاة العشاء، كنت أصلي وحدي في المكتب، بعد الصلاة قمت بإقفال باب الغرفة واكتفيت بالنظر إلى شاشات المراقبة بدلًا من القيام بجولات.
حتى مع وجود الكشافات.. إلا أني شعرت أن بأي لحظة سيظهر كائن من هذه الحفر، لذا لم أتشجع بالقيام بجولات، لكن أصوات نباح الكلاب جعلتني أرتعب أكثر.
فكرت بطريقةٍ للاستقالة، وتذكرت أحد أصدقائي يعمل في المجال القانوني.
لدي ثلاثة أنواع من الأصدقاء.
نعم لدي أصدقاء من طبقة المجتهدين، ومن طبقة الفاشلين مثلي، أيضًا من طبقة المجرمين.
يمكن أن تسأل عزيزي القارئ: يا سمير… ما الفرق بين الفاشل والمجرم؟ سأخبرك: الفاشل شخصٌ لن يقوم بالتعدي على قوانين الدولة كالسرقة أو بيع الممنوعات وغيرها، بعضهم يخافون من العقوبات، وبعضهم لأن إيمانهم قوي، أما طبقة المجرمين عندما يجدون سيارةً في مكانٍ لا يوجد به كاميرات ولديهم الفرصة لسرقتها… سيقوم باستغلال الفرصة حتى لو لم يعرف كيف يتصرف فيها، إذ لديهم قاعدة “إذا رأيت فرصة فاغتنمها”، كيف تعرف هذا النوع من الناس؟! أنا لا حرامي أو صاحب سوابق أو غيره، إلا أني تعرفت عليهم أيام الطفولة.
مثل(سلطان)، شابٌ قصيرٌ، ونحيفٌ وموهوبٌ في فتح الأبواب، يعشق سرقة الهواتف النقالة، رياضته المفضلة ركوب الدراجات النارية والهرب من مطاردة الشرطة في أحياء جدة؛ لأنها مركز نشاطه… لماذا أخبرك عن هذا الرجل.. اعتبرها عزيزي القارئ تشويقًا لأحد قصصي القادمة…
الجني لم يقم بقتلي، لكن قام بتدمير جزء مني، أما عن المجتهدين.. فقد تعرفت عليهم عندما كنت في الجامعة، إذا أردت أن تتعرف على المجتهدين فاذهب إلى كلية الهندسة، والطب، وكليات الشريعة، ستجدهم هناك.
بعضهم قطع علاقته معي وبعضهم ما زلت أتواصل معهم، مع أن البعض منهم قطعني مثل هذا الرجل الذي اسمه صالح، دائمًا أتواصل معه، لكن من الواضح أنه كل فترة ينساني، هذا معناه أنه لا يهتم بي… لماذا أتذكره مع أنه لا يهتم لي… لا أدري… أشعر بالحزن عندما أخسر أصدقائي، لذا أتواصل معهم.. إلا إذا قام بحظري فأعلم أنه لا يريدني.
عندما كنت سأتصل عليه سمعت صوت خبط على النافذة.
هناك رجل عجوز ينظر إلى الكاميرا، بينما أنظر أنا إلى الشاشة.. قلبي ينبض.. كنت أسمع صوت قلبي في صدري. أما عن لساني فلم أشعر به، لقد علمت… لقد علمت من هو… جميع حواسي أخبرتني من هو… نظرت إلى الملف على المكتب يدي ترتعش، سقط عندما بدأت بفتحه، والطرق أصبح أقوى؛ لذا تركت الملف على الأرض واتجهت لفتح الباب، وقبل فتح الباب ترددت، لكن سمعت صوته “افتح يا ولدي” نظرت إلى الملف وكان البند الأول في ذهني، فتحت الباب فوجدت عجوزًا ذا ظهرٍ منحنٍ ولديه عدد من التجاعيد على وجهه التي تثبت عدد السنين التي عاشها هذا الشخص.
أعرف في قرارة نفسي أنه هو “عندك كرسي وعندك طاولة صحيح.. أخرجها” نظرت داخل الغرفة وكان يوجد ما يريده “من الأفضل ألا تكذب علي”… نعم… كنت سأقوم بالكذب عليه ليذهب، لكن دخلت الغرفة وأخذت الكرسي والطاولة الصغيرة، وجدته يقف في الخارج ويلوح بإصبعه النحيلة التي لم تعرف من قبل معنى تقليم الأظافر، اتجهت بهما نحو المكان الذي يريدني أن أضعهما فيه، نفذتُ ما قاله لا أدري لماذا لم أهرب… كنت أرتعش، كنت أشعر بالبرودة، شعرت كأن الدم في جسدي يغادر منه “شاي وزود السكر يا ولدي”.
كانت رائحته مقرفة، أردت أن أغطي أنفي.. لكن بشكل غريب طرأ على بالي البند الثالث، لذا توقفت…
سمعت ضحكةً خافتةً، نظرت إليه… كانت عيناه تنظر إليّ وابتسامته الساخرة حتى تجاعيده بدت لي أنها تسخر مني… إنه يعرف… شعرت كأنه داخل عقلي.. حتى البنود التي قرأتها تقريبًا مرةً واحدةً أصبحت أحفظها، صحيح أنها عبارةٌ عن جُملٍ قصيرةٍ، لكن كيف تطرأ على عقلي! هل الخوف أم أنه داخل عقلي!
قدمت له الشاي بيد ترتجف، كنت خائفًا من سقوط الشاي عليه، لكن قمت بإتمام المهمة على أكمل وجه… شعرت كأني نجحت في مادةٍ صعبةٍ أيام الثانوية، أو شعور القبول في الكلية، عندها جلست على درج غرفة الحراسة، وكان أمامي يستمتع بالشاي.
دققت النظر في ملابسه، كان يرتدي ثوبًا أصفر ويضع طاقيةً على رأسه مخرمة.
إنه يبدو كعجوز يمتلك مزرعةً، لكن لديه قدمٌ ليست قدم آدمي.
تذكرت البند الثاني… تحول نظري بسرعة إلى شيء آخر، لكني وجهت نظري إلى وجهه فوجدت الغضب على تجاعيده حتى عينه الساخرة تغيرت.
“أريد بسكويت”.
“…”.
ازداد الغضب حتى نباح الكلاب توقف “بسكويت”.. “حاضر حاضر” أسرعت وجلبت تقريبًا جميع أنواع البسكويت حتى المعمول وقدمتها، الغريب في الموضوع أن ملامح وجهه تراجعت كما لم يحدث شيء.
“أتعرف أنه يوجد كنز في هذه الأرض؟”.
كنت في هذا الوقت أنظر باتجاه القمر، ليس لأني أفكر في خطيبتي؛ بل لأني لا أريد أن أنظر فأجد جزءًا من جسده مختلفًا، حتى لا أريد أن أنظر إلى وجهه، أردت أن أفكر أني في مكان آخر، أريد أتذكر طفولتي عندما كنا في المنزل القديم، كان منزل في الجبل، وكنت أذهب إلى السطح وأنظر إلى القمر، كنت أحب النظر إلى القمر؛ لذا أردت أن أصبح شاعرًا.
تم ضربي بشيء، ليس شيء بل إنه ذيل أسد… نعم الرجل العجوز قام بضربي على وجهي بذيله.
كنت أنظر إلى ذيله الذي يتلاعب به أمام وجهي “إلى ماذا تنظر” نظرت إليه رأيت عينيه الخبيثة تبتسم… نعم أراد مني أن أفزع، لكني لم أفزع، بل صعقت.. إنه أمر أشد من الفزع…
الفزع لا يجعلك مشلولًا لا تستطيع التحرك.
كنت أريد الصراخ لكن قام بالتحدث عن كنز، وعن صاحب الأرض.
“كانت هذه الأرض ملك لجد الأحمق الذي وظفك، إنه يبحث عن كنز وضعه جده قبل تسعين سنة”.
ابتسم وابتسمت معه قراميط وجهه، ونبرته أصبحت مرحةً “أن يقوم بالبحث لمدة عقد كامل لا أعلم كم من المال قام بصرفه، مع أنه غني إلا أنه ما يزال يريد هذا الكنز” من ثم اقترب وشممت رائحته الكريهة وتحدث.. كانت رائحة أنفاسه مثل رائحة الجيفة بل أسوء منها” أتريد أن أخبرك عن مكان الكنز”.
أعرف هذه النظرات المترقبة، في صغري قابلت أشخاصًا أرادوا مني تجربة الدخان، حتى أن بعضهم حاولوا استدراجي وخطفي.
لقد ولدت في جيل “الخروج إلى الشارع هو السبيل لتقوية الفتيان، والشارع كالغابة، كان أبي يعمل في السلك العسكري، لذا كان هؤلاء الشباب يبتعدون عن حارتنا.. لكن لا يزال هناك حمقى لا يعرفون والدي.
أبي قام بتعليمي ثلاثة أمور: إذا أردت أن أخرج إلى الشارع الأول انتبه من الأشخاص المنحرفين، أخبرني بطريقةٍ تجعل فتى في عمر الثامنة يفهم، والأمر الثاني خذ حقك بيدك، لكن لا تبالغ، والأمر الثالث لا تجعل أحدًا يخدعك… إنها تشبه البنود، لذا أخبرت هذا الرجل أو هذا الشيطان…
“لا لا لا شكرًا”.
“لماذا؟”.
“لا أحتاج الكنز”.
كنت مرعوبًا بسبب الذيل الذي كان يتحرك أمام وجهي، أيضًا ما زلت أشعر بألم الصفعة، وأشمئز من رائحته القذرة.
تراجع إلى كرسيه وبدأ يشرب الشاي بهدوء وهو ينظر إلى الحفر والآلات الضخمة ويقوم بطحن البسكويت داخل فمه القذر، تحدث والطعام داخل فمه.. لم أستطع النظر إلى وجهه فنظرت إلى الأرض لأنه مخيف ومقرف أيضًا.
“لمدة عشر سنوات قمت بقتل الحراس مثلك، لأن عددهم كان أكثر من واحد أنا فقط أحتاج واحدًا ليتحدث معي” توقف.. كنت أرتعش، شعرت أن دموعي بدأت تخرج، وشعرت أنني سأبكي، لكن تماسكت…
“أخبرني الحقيقة لماذا لا تحتاج الكنز؟ هل أنت رجلٌ قنوع أم إنك تعتقد أنني أخدعك؟
“لا لا لا” لا أدري كم مرة كررت كلمة لا، لكني توقفت بعد أن أخبرني بنبرةٍ هادئةٍ “توقف”.
قام بأكل البسكويت وهو يضع رجلًا على رجل، وينظر إليّ مستمتعًا بمنظر وجهي ودموعي المتقاطرة من الخوف؛ ومن ثم تحدث.
“لديك دين تريد تسديده؟ هل أنت متأكد أنك لا تريد الكنز” قام برفع يده “هذه آخر فرصة جاوب بنعم أو لا الآن”.
نعم… قبل أن أكمل هذه القصة يجب أن أخبركم بقصة فرعية وهي الحادث.. أخي الأكبر بيني وبينه خمس عشرة سنة… عندما تزوج والدي بوالدتي التي كان عمرها سبعة عشر عامًا أنجبت أخي الأكبر في عمر الثامنة عشرة، أخبرها الطبيب ألا تنجب مرة أخرى بسبب ضعف في رحمها، لكن بعد خمس عشر سنة، وبعد العلاج الطويل استطاعت أن تنجبني، قمت عندما كنت في سن المراهقة بأخذ مفتاح سيارة أخي الكبير الذي يعتز بها، وهي كابريس موديل ٩٠… نعم سيارة جميلة، ومع إنني كنت قد تعلمت القيادة إلا أنني قمت بحادثٍ شنيع، وأتلفت السيارة التي كانت تُسمى بين عامة الناس ب”الشبح”، أما أنا أصبت بإصابات غير مميتة، كنت أتذكر النظرة على وجه والدي الذي كانت الدموع تملأ عينيه يومها، أول مرة أرى والدي يبكي، لذا علمت في ذاك الوقت أن أبي يحبني، كنت سعيدًا مع إصاباتي لكن خسرت أخي، أصبح قليل الكلام معي حتى هذا الوقت، مع أنه مر على هذه الحادثة تسع سنوات، إلا أنه لا يزال يضمر في نفسه الكره، إنه حتى لا ينظر إلى وجهي، لذا قمت بجمع المال لأشتري نفس هذه السيارة مستخدمةً وتكون سليمةً، لكن السيارات بنفس هذا الموديل والمواصفات قليلة، وإذا وجدتها كانت غالية.
لذا قلت نعم، مع أني في قرارة نفسي أعلم أنه كاذب، وعندما قلت نعم فقدت السيطرة على جسدي، وقفت.. أردت التحدث لكن هو من تحدث “لقد قلت نعم، لذا سأعطيك الكنز.. اذهب إلى أعمق حفرة واسقط فيها، لا تنظر إليّ هكذا.. اعلم أنك قمت بواجب الضيافة على أكمل وجه”.
وقف واقترب مني ومد أصابعه التي تشبه أغصان الأشجار الميتة ومسح دموعي المنهمرة على وجهي، شعرت بالألم عندما لمس وجهي، كان في جلده شوك.. لم أكن من النوع الذي يبكي لكن عندما أواجه الظلم أبكي، عندما يقوم المدرس بالضرب أبكي، عندما يقوم شخص بالتنمر علي أذهب إلى أحد الزوايا الموحشة وأبكي، أنا ضعيف، أنا فاشل، لكني لست من النوع الذي يجعل الناس يرون دموعي، وهذا الذي أمامي ليس إنسانًا، إنه جني شيطان، تحركت باتجاه الحفرة، كانت حفرةً عملاقة.. أكبر الحفر التي تم حفرها في هذه الأرض الواسعة، كانت هناك الكثير من مركبات الحفارات الصفراء المتوقفة، شعرت كأنها تراقبني بحزن على نهايتي؛ لذا توقفت عن البكاء، لا أريد أن أموت وأنا أبكي؛ بل أحاول النجاة لكن سقطت في الظلمة.
عندما استيقظت شممت رائحة الدخان الممزوج بوجبة الغداء.. لكن هذه المرة كانت رائحة الدخان هي التي تطغى على المكان، نهضت من على الكنبة ونظرت حولي، إنها غرفة رئيس الأمن وكان يجلس على المكتب وهو يدخن سيجارته، لكن لم يكن ينظر إليّ، بل على شاشة الحساب.
“لقد أغراك بالكنز” توقف.. وجه عينيه الذابلتين نحوي “إجلس يا سمير أنت في أمان الآن”.
كان في رأسي عدد من الأسئلة، ألم أسقط؟ أين أنا؟ هل هو الصباح؟ في الحقيقة أعرف أين أنا لكن أردت السؤال… قمت بتحريك يدي ورجلي ورقبتي، ومن ثم عندما تأكدت أنني المتحكم جلست واستمعت إليه لأنه من الواضح أنه يوجد الكثير من الأسرار.
وضع يده على المكتب وتحدث وعيناه على مكتبه “سامحني يا سمير، لكن رئيس العمل كان يريدك أن تقابل العجوز لهذا” قاطعته “لم؟” لكن لم يجعلني أكمل “أنصت ولا تقاطعني، صاحب العمل مهووس بكنز جده مع إنه يملك من المال الكثير لكن لا أعلم أهو الهوس، أم الطمع بزيادة المال، لذا لم يقم بوضع أهم بندين؛ أن تقوم بتحصين نفسك قبل العمل. والبند الثاني هو عدم الموافقة في حال عرض الكنز عليك؛ السبب كما هو واضح، لمعرفة أين مكان الكنز بالضبط، والآن دورك في توجيه الأسئلة”.
كنت مع كل كلمة ينطق بها أزداد غضبًا..
“إذًا ماذا عن الشر.ط الجزائي.. هل سأدفع أم سأواصل العمل؟”
“لا نحتاج لك.. كل ما نريده منك هو كتابة التقرير وسندفع لك راتبًا كاملًا”.
“إذًا من البداية لا تحتاجون حراس أمن في الليل”.
ابتسم: “اللصوص يعرفون خطورة هذه الأرض”.
“ماذا سيحدث لو أكملت دوامي في الليل؟”.
“كما أخبرتك.. صاحب العمل يبحث عن كنز والجني ملول لا يريد مقابلة نفس الشخص، لذا يقوم باستخدام العنف عليهم”.
صمت… انتشرت في الغرفة رائحة الدخان، ورائحة الدجاج المشوي، وقفت وتقدمت إلى مكتبه… أما هو لم يتحرك، فقط عيناه تحركت، أخرجت كل حرفٍ من لساني، رجفة خوف في صوتي “لقد سقطت في حفرة مظلمة كيف لم أصب؟ هل أنا في وهم؟”.
“حفرة؟!”.
“جاوبني هل أنت الجني؟ وهل أنا في وهم؟”.
تفاجأ من سؤالي “لا… الوهم الذي سيطر عليك من البداية عندما وافقت على الحصول على الكنز”.
ازدادت الرعشة في جسدي، والبرودة، وشعرت بأن كل شعرة في جسدي وقفت من الخوف “هل كل شيءٍ وهم! لقد شعرت بالأرض، شعرت بالهواء وهو يصفق وجهي وأنا أسقط”.
قام بإخراج هاتفه.. ضربت يدي على مكتبه وكانت ضربةً قويةً.. انتشر صوت الصفقة في أرجاء البركس.
“هذا ليس وقت النظر إلى هاتفك جاوبني”.
تجاهلني ومن ثم رفع الهاتف وكانت صورتي على هاتفه، صورتي وأنا على الأرض فاقدَ الوعي، وكان حولي كرسي وطاولة يوجد عليها بسكويت فنجان شاي بقي منه الربع…
سقطت على الأرض، أما هو وقف واتجه إليّ “هل أنت بخير؟” لا أدري كم مرةً كررها، لا أعرف دقائق أم ساعة كنت أشرب الماء، قام بوضع بطانية ذات رائحة كريهة علي، لكن بسبب جسدي البارد المرتجف لم أمانع.
“هل هناك من تُوفي؟”.
الأمر حدث قبل أن أعمل هنا.. كان وردية الليل يوجد فيها عشرة حراس أمن..
“عندما بدأ المشروع.. هذا الأمر حدث قبل أن أعمل هنا، كانت وردية الليل يوجد فيها عشرة حراس أمن، وقد وجدوا جثثهم مدفونة وأصبحت هناك قاعدة: الجني لا يريد سوى شخص واحد أيضًا لا يريد أن يقابل نفس الشخص مرتين”.
قمت بشرب الماء..
“أتريد شايًا؟”.
ضحكت وبدأ صوت ضحكتي يرتفع كالمجنون:
“لن أشرب الشاي مرةً أخرى في حياتي”.
توقفت عن الضحك..
“صحيح” نبرة ضعيفة..
“صاحب عملك المجنون يقوم بأخذ تجارب حراس الأمن المساكين ليعرف أين مكان الكنز”.
“إذًا ماذا لو كان هو في وهم هذا الشيطان”.
“سمير أتعرف لماذا كل من في هذا المكان لم يخبرك بالحقيقة حتى أنا” صمتُ ونظرتُ إليه، تذكرت عندما عرض علي ترك العمل، الغضب تصاعد في جسدي، لذا قمت برمي البطانية العفنة باتجاهه…
“لم تخبرني بكل هذا؟ بل قمت بتذكيري بالشرط الجزائي!”.
“نعم هذي الوظيفة مريحة وراتبها جيد، فاشلون مثلنا هذا مكانهم المناسب؛ لذا لا أحد أخبر صاحب العمل المجنون أنه في وهم”.
“أيضًا أمثالي”.
“سامحني”.
“أعطني ورقة وقلم”.
كتبت التقرير، وأخذت المال، ثم ذهبت… لم أكثر في الكلام، وعندما خرجت وجدت العمال وحراس الأمن ينظرون إليّ، عندها استوعبت أنهم جميعًا في وهم، ليس فقط صاحب العمل.
جميعهم وجد عملًا مريحًا بمالٍ قليلٍ!
*كاتب من السعودية
التعليقات