389
0
2619
0
1205
1
76
0
392
0
56
0
265
0
78
1
17
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12042
0
11682
0
10918
0
10050
5
8262
0

وليد الحداد*
بحثت في حدقتي عن أثر ملامحها الباهتة، عن وجهٍ نسيَ كيف يبتسم، وعن ظلٍ كان يرافقني حتى في انطفاء الضوء.
كان الخريف يترفق بأوراق الشجر الصفراء، يهب عليها برفق كأمٍّ تودع أبناءها في صمتٍ طويل.
كل شيء حولي بدا كأنه يتآمر على الهدوء؛ حتى الريح، كانت تمرّ بي بملمسٍ كذكرى قديمة ترفض الموت.
همست الذاكرة من مكانٍ لا أراه:
ــ لم تكن تبحث عنها، بل كنت تبحث عنك يوم كنت تراها.
ــ ربما… لكنها كانت مرآتي التي أرى بها نفسي.
ــ وأين أنت الآن؟
ــ في حدقتي، حيث لا ضوء يكفي للرؤية، ولا ظلال تكفي للاختباء.
ضحكت الذاكرة بخفةٍ موجعة وقالت:
ــ أنت تصنع من الغياب وطنًا، ثم تشكو من الغربة.
تقدمت الريح، كأنها شاهدة لا تنتمي للمشهد، وقالت بنبرةٍ فيها مزيج من السخرية والرثاء:
ــ أنتم البشر عجيبون…
تحتفظون برماد الحب وتخافون من لهيب الحقيقة.
ــ نحن لا نحتفظ، نحن نرتجف.
ــ بل تبررون الارتجاف.
تريدون أن تبقوا نصف أحياء لتعيشوا بين وجعين:
وجع التذكر ووجع النسيان.
قلت لها وأنا أتتبع ذبذبة صوتها:
ــ وماذا عنكِ أيتها الريح؟ أليست رحلتكِ بحثًا دائمًا عن دفءٍ لا يوجد؟
ــ أنا لا أبحث، أنا أمرّ.. وأنتم تحاولون إيقافي عند لحظةٍ لم تعد.
سكت الجميع لحظة، ثم ارتفعت أنفاس الليل كأنها تستمع لجدالٍ قديم يعود في هيئة حنين جديد.
أغمضت عينيّ، فإذا بي أراها هناك،
تمسك فنجان قهوتها كما كانت تفعل دائمًا،
تتأمل بخيوط الصمت كوبها، وتحركه عسى أن يتحدث، تتحدث هي بصمت، وأفهم أنا بصوتٍ لم يسمعه أحد.
قلت للذاكرة:
ــ هل يمكن للخيال أن يكون امتدادًا للحياة؟
قالت:
ــ إن صدّقته، صار واقعًا… وإن أنكرتَه، قتلك ببطء.
تدخلت الريح من جديد، متأملة زجاج النافذة:
ــ أغرب ما فيكم أنكم تبحثون عن وجوهكم في أعين الآخرين، فإذا رحلوا، فقدتم ملامحكم.
ــ لأننا وُلدنا من انعكاس الحب، لا من وحدتنا.
ضحكت الذاكرة بخفوت وقالت:
ــ بل من وحدتكم يبدأ كل حب، ثم ينتهي إليها.
بقيت صامتًا، أتتبع بخيط بصري حركة ورقةٍ سقطت في الخارج، تدور حول نفسها كأنها تبحث عن شجرةٍ أخرى تمنحها هوية جديدة.
كم تشبهني هذه الورقة!
حين هممت بإغلاق النافذة،
همست الريح بصوتٍ لم يأت من الخارج، بل من عمق صدري:
«لا تبحث عنها في الماضي… إنك أنت الذي غادرت، لا هي».
ابتسمت للفراغ وقلت:
ــ ربما، لكن بعض الوجوه لا ترحل… بل تسكن في حدقة الخريف.
*كاتب من السعودية
التعليقات