مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

شذى الجاسر* كان قلبها حديقة مغلقة، تزرع فيها أسرارًا لا تحصى.. وأكثرها جمالًا وأ …

في حضن العاصفة

منذ يومين

12

0

شذى الجاسر*

كان قلبها حديقة مغلقة، تزرع فيها أسرارًا لا تحصى.. وأكثرها جمالًا وأقساها ألمًا… هو.

كانت تحبه في صمت يصرخ في وجدانها، وتخفي غيرة تأكلها مثل نار تحت الرماد.. كانت قوية كالجبل في ابتعادها، وضعيفة كزهرة تحت المطر حين حضوره.. وكانت تخاف أن تنطق، فيتحول حبها إلى عاصفة تمزقها.

اكتفت به من بعيد، وفي كل مرة تلتقيه ينمو لقلبها جناحان.. كان قمرًا ينير ظلمتها، وشمسًا لا تحجب، ونجمًا تهتدي به في متاهاتها.. كان يوسفيًا في جماله وعقله، عالمًا من الأسرار كعالم أليكس.. صوته كان موسيقى ترقص لها طيور روحي.

لكنها كانت تتمنى له السعادة حتى لو كانت دونها.. ليس زهدًا به، بل إيمانًا بأنه يستحق الأفضل، امرأة لا تحمل في صدرها طفلة خائفة.

في أحد الأيام كانوا في أحد المقاهي هي وبعض الكتاب والكاتبات واسترسل الحديث حول الطفولة والطفل الداخلي وتأثيره على الكاتب، كانت تستمع وعقلها يسوقها لذكرى تود أن تموت…

كانت طفلة لا تزال في السابعة وصندوق خشبي توجه لوجهها بسبب ممارستها لطفولتها من قبل أحد أبويها، تنعزل في حجرتها المظلمة، وصوت أنين الظلم من والديها تمرد وخرج حتى ملأ تلك الحجرة…

ويومًا ما… بعد حديث عن الفن، أرسل للمجموعة في برنامج (الواتساب) لغزًا وحين لم يجبه أحد طلب منها الإجابة عليه، تعجبت من تصرفه، فهو ليس من هذا النوع من العقول، ثم سألها عن أغنية “يا ناس أحبه”.. من حيث الموسيقى والأداء، تساءلت في صمتها: أهو اعتراف أم سؤال عابر؟ همت بالاعتراف له لكن خوفها منعها ثم سرقها إلى ماض آخر… إلى فتاة الخامسة عشرة تعيش لحظاتها تصنع سعادتها رغم وحدتها، وأثناء تواجدها بأحد الأندية سقطت سقوطًا قويًا خلّف جروحًا وكدمات، لكن الأهم وجدت بعد عودتها للمنزل بعض قطرات الدم…

تملكها الخوف فمن سيصدق كلامها، هي أنثى في مجتمع شرفه يتمحور في قطرة وخرقة سوداء تلف الجسد يقدسهما.. يكذب، يخون، يغدر، يقتل، لا مانع فهو شريف طالما لم تمس تلك القطرات والخرقة، مجتمع يقدس غشاء ويهشم الإنسانية، فالإنسانية لديه مذهب كافر. عاشت سنينًا وكل خلاياها ترتعد من تلك الذكرى، حتى التقت عينيه التي احتضنت الطفلة الخائفة فيها، وصدق براءتها، وخضع لطلبها بالذهاب لأحد المستشفيات والتأكد من سلامتها، ورغم تأكدها الخوف والشك لا يزالان يتملكانها، أثناء ركوبها معه رأتهما والدتها صدفة، وبعد عودتها للمنزل كانت الفضيحة وسلك مطاطي يرسم لوحات العار وغضب الأم على جسدها، لتعود بعد ذلك لتلك الغرفة المظلمة.

في اليوم التالي خرجت لإنهاء بعض مشاويرها الخاصة.. كانت تستمع لأغنية “أنا بعشقك” بصوت الفنانة الرقيقة نانسي عجرم، وعند إشارة مرور تقف تنظر ناحية يمين سيارتها، وجدت من كان زوجًا لها، بعد كل تلك السنين التي فصلت بينهما الآن هو أمامها، صرفت بصرها كأنها تخادع عقلها بأنها لم تره وأنه من صنع خيالها، هو لم ينتبه لها، غيرت وجهتها للبر، جلست تنظر للأفق وللسماء تحط على الرمال حزنها، تأتي ذكرياتها مختالة كأنها انتصرت وظهرت للأفق…

كان يجلس في المجلس أمام ذويها يحدثهم برغبته بالارتباط بها.. تم الأمر.. لكن الأصوات الخارجية، والأذان الكبيرة، حولت حياتهما إلى جحيم، وانتهى الأمر بالطلاق.

رغم أنها هي التي اختارت النهاية لكن عقلها ترجمها بأنها هي من فشلت، تردد على مسمعها كل ما كان يقال لها في الصغر (فاشلة، حمقاء، من هذا الذي يرتضي بك) وبعد طلاقها سمعت كلامًا أقسى من ذلك… قسوة ووحدة وظلام هكذا كانت حياتها رغم كل لطف المقربين منها، ورغم تغيرهم واحترامهم لحريتها، لكن الوقت فات، روحها سكنتها الوحشة والوحدة، حاولت مرارًا أن تثق بمن حولها لم تستطع، كل شيء كان يمثل حاجزًا يقيدها… سمعت صوت هاتفها، كان أخوها من يتصل.. أجابته وهي تخط على الرمال شيئًا ترجمه عقلها دون وعي منها.. أنهت المكالمة وجدت اسم من أحبت مكتوبًا على الرمال، تساءلت لماذا ظهر اسمه؟! هل هو إعلان للانسحاب من هذه العلاقة فبدأ عقلها اللا واعي يخرجه كي لا يحتفظ بذكرى له، أم كان إشارة إلهية بأن حياتها ستكون قدرًا جميلًا معه؟ لا تعلم…

كل ما تعلمه أنه شخص رائع ممسك بيدها مشجع لها، يمتلك نفس أفكارها وتوجهاتها لا يهتم للعادات الزائفة، الدين المجتمعي لا يؤمن به، هو يؤمن بأنه لا يقرب الحرام ولا يسيء للغير ويحترم ذاته، إنساني جدًا…

توجهت لسيارتها ومع تحريك المحرك قررت وأد مشاعرها والاحتفاظ به أيًا كان مسماه، فهو من أعاد النور لروحها والحياة…

لا تريد فقد كل شيء من أجل مشاعر قد تكون هي نهاية كل شيء، أمسكت هاتفها وكتبت في رسالة ترانيم وداعه…

هي جريئة.. لكن خوفها من فقده هو الحاجز وحبل المشنقة، لأنها تعلم جيدًا لو كان يبادلها المشاعر لأرسل لها رسالة عبر عينيه لعينيها، لكنه لم يفعل، تبسمت ثم حادثت نفسها بأنها على حق وأن قرارها صائب…

وعند وصولها لوجهتها وقبل التخلي عن مقعد سيارتها هاتفته لتخبره أنها ممتنة لوجوده في حياتها، وتسأل الله له التوفيق في حياته واختياراته، تعجب من حديثها، سألها ممازحًا إن كان هذا اتصال وداع! أجابته: بل بداية جديدة. أغلقت الهاتف وبعد ساعة تلقت رسالة منه جعلتها تبتسم مرة أخرى! 

*كاتبة من السعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود