عبدالعظيم محمد الضامن*

ليس من قبيل المصادفة أن يستخدم الكثير من الفنانين التشكيليين السعوديين والعرب عوالم كل من التقاليد الشعبية والأدب وذاكرة المكان والزمان، والألعاب الشعبية وحتى الخرافات التي كانت تحكيها الجدات في أعمالهم الفنية، يستمدون من ذلك إلهامهم وإبداعهم، وقد أثبتت عملية استعادة الجذور الثقافية الأصلية بأنها مسألة ذات أهمية أساسية في الهوية الوطنية.

ولعلنا في هذا البحث نستطيع المقاربة بين ما أنتجه الفنان السعودي من أعمال فنية مرتبطة بذاكرة الواسطي في مقامات الحريري، ومقارباته بتلك الرسوم التي رسمت على الصخور في فترة العصر الحجري.

‏الفنون الصخرية 

(هي تلك الرسوم من الأشكال الآدمية والحيوانية وبعض الأدوات التي كان يستعملها الإنسان في بيئته التي قام الإنسان في مرحلة زمنية ماضية بنحتها على الصخور، وبقيت آثارها موجودة، وكان توافر الصخور على الأرض فرصة عظيمة للإنسان كي يدون عليها أفكاره ومعتقداته من خلال تلك العناصر الفنية، سواء أكان ذلك بالحفر أم النقر، وعندما صارت هذه الفنون تدرس بطريقة علمية أطلق عليها الفن الصخري أو الفنون الصخرية Rock Art).

(وتعكس تلك الفنون جوانب كثيرة من مظاهر البيئة والظروف المعيشية وعناصر الثقافة المادية والمعتقدات، أضف إلى ذلك أن تتبع الأساليب الفنية لهذه الفنون يمكن أن يقود إلى معرفة الجماعات البشرية التي تركت وراءها هذه الفنون، حيث إن كل أسلوب فني يمثل حقبة مختلفة في الترتيب الحضاري، ومن ثم فإن فرز الفنون الصخرية المتشابهة وتصنيفها حسب فئات أسلوبها يمكن من كشف تفاصيل كثيرة لهذه الفنون، حيث إن جميع الأشكال والرموز التي ترد في الفنون الصخرية بسياقات مختلفة تدل على أغراض مختلفة، يختلف المعنى الفني من مكان إلى آخر، وهذه الرسوم الصخرية هي مصدر لمعرفة تاريخ الشعوب القديمة).

‏(تعد الرسوم الصخرية والنقوش مصدرًا مهمًّا من مصادر دراسة تاريخ حضارات الممالك والمدن والمجتمعات المتباينة في شبه الجزيرة العربية، حيث يتضح من خلالها تاريخ ونشاط وثقافة تلك المجتمعات الفكري لمجتمعاتهم، وطريقة تفاعلهم وتكيفهم مع البيئة). 

الفنان عبدالله الشيخ:

فنان تشكيلي سعودي ولد في الزبير عام 1936م، يعد واحدًا من أبرز الفنانين التشكيليين السعوديين الذين أثروا الساحة التشكيلية المحلية بأعمالهم ومشاركاتهم التي بدأت في المملكة منذ انطلاقة معرضه الفردي في الخبر بالمنطقة الشرقية عام 1982م.

وهو أحد رواد الفن التشكيلي السعودي، عاش مجربًا في عدد من التجارب اللونية، حتى أصبح له أسلوبه الخاص، وعاش تجارب جغرافية وفنية مختلفة إنسانيًّا وبصريًّا بشكل إيجابي ومؤثر على مستوى إبداعه الفني، وحين ارتبطت أعماله بالبيئة المحلية من خلال رموزها المختلفة، فإنه لم يتوقف عند رؤية واحدة منها، بل سبح في فضاء الفن عربيًّا وعالميًّا، وتمازجت الرؤى لديه، ونجح في رسم خطوط وألوان خاصة به، وجعلت له أسلوبًا مميزًا.

لقد جاء الكثير من أعمال الفنان عبدالله الشيخ عبارة عن إطار معماري تظهر فيه البيوت بجدران صامتة، رغم تبيان تلك الحياة والروح فيها، وفي كثير من الأحيان تكون النخلة تتسيد اللوحة، وهي أشبه ما تكون إحدى صفحات مقامات الحريري وحكاياته في أعمال الواسطي.

‏تحتوي أعماله الفنية على بعض النماذج للبناء والإنسان والمكان، كأنه ينحت على الصخر تلك النقوش التي رأيناها في فترة من الزمن تعود إلى العصور الحجرية، ينحت الشجر والبناء والإنسان، ويصيغ أعماله الفنية إلى مجموعة ألوان مليئة بالدلالات الرمزية، التي توحي بدلالة المكان، حيث إنه عاش جل حياته متنقلًا بين هنا وهناك، وهذا التنقل ساعده في التنوع المعرفي، بالتالي أصبحت أعماله التشكيلية أيضًا مليئة بتلك الألوان وتلك الرموز بتنوع تلك الثقافات التي عاشها.

‏النخلة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أعماله التشكيلية، كأن كل عمل فني له قصة، وتلك القصص مرتبطة بالمكان، لا بد أن تتضمن مجموعة من العناصر، قد يكون أهمها النخيل وهي دلالة المكان الذي عاشه في طفولته وعاش فيه شبابه، بين الزبير والعراق وبين الجبيل الدمام وبين أماكن أخرى متنوعة عاشها، لتكون النخلة أيضا جزء من حياته الفنية وحياة الناس.

‏قام الفنان عبدالله الشيخ بتنفيذ عدد كبير من أعماله الفنية بأسلوب تخطيطي يعتمد على توظيف عنصر الخط لتحديد ملامح الشكل، كما تعكس اللوحة تأكيد الحس الواقعي الانطباع، في تسجيل الأحداث الذي أظهر التسجيل برموز ذات دلالة تمثل تلك الحالة التي رأيناها على نقوش الصخرية الممتدة على تلك الجبال في مناطق مختلفة من المملكة، كأنه يريد القول إن تلك النقوش التي رسمت في العصر الحجري كان لها أثر كبير على مخيلة الفنان ومعالجتها ولو بطرق حديثة، لذلك أصبح الفنان عبدالله الشيخ واحدًا من فناني المملكة الذين وظفوا فنهم في التواصل مع الحضارات التي مرت على أرض الجزيرة العربية.

‏عبدالله الشيخ يتنقل عبر لوحاته من موضوع إلى آخر ومن اتجاه إلى آخر، لكنه يظل وفيًّا للتراث الذي تجذر في ذاكرته ووجدانه.

*فنان تشكيلي، من رواد الفن السعودي بالمنطقة الشرقية