تُعد الفنانة التشكيلية أريج عبيد أحد الأسماء البارزة في ساحة الفن التشكيلي السعودي المعاصر من جيل الشباب الصاعد، وتمتاز بتجربة فنية ترتكز على خلفيتها الأكاديمية في علم النفس، ما يمنح أعمالها بُعدًا وجدانيًا باطنيًا عميقًا يتجاوز السطح الجمالي إلى أغوار النفس البشرية في الشخصية الإنسانية.
(البورتريه بوصفه مرآة للداخل) على خلاف تقاليد البورتريه الكلاسيكي الذي يحتفي بالملامح الدقيقة وتفاصيل الوجه، تتجه أريج نحو تشويه الملامح أو محوها بالكامل، تُصوّر الوجوه بعيونٍ سوداء غائرة، بلا ملامح واضحة، كأنها تقول إن الهوية لا تُرى بل تُشعر، وإن الوجه ليس بالضرورة مرآة للروح، بل قد يكون قناعًا يخفيها. تقدم في أعمالها التشكيلية أسلوبًا مميزًا في رسم البورتريه يخرج عن الإطار الكلاسيكي المتعارف عليه لاكتشاف بواطن النفس وطبيعة الروح من خلال الجسد، هذا ما يتطلب تحليلًا فنيًا ونفسيًا لأعمالها.
بتحليل أسلوبها البصري من عدة زوايا، تستخدم أريج أسلوبًا تجريديًا وغرائبيًا في ملامح الوجوه، حيث تغيب التفاصيل الواقعية مثل العيون والفم، وتحل محلها فجوات سوداء عميقة، ما يخلق إحساسًا بالفراغ أو الغموض، أو عيون مغمضة حتى لا تقرأ لغتها وتفهم ما يجول بداخلها من أفكار ومشاعر ومعانٍ.
أما غياب الملامح والهوية من الوجوه في تجربتها، فيمكن اعتباره تعبيرًا رمزيًا، يشير لهوية مفقودة أو مشوشة، وربما يعكس حالات نفسية مثل الانعزال، الانفصال عن الذات أو عدم القدرة على الاتصال والتعبير.
حيث يظهر صندوق أمام الفتاة، برمزية الذكريات أو الأسرار أو الباطن “الذات الداخلية” التي يصعب الوصول إليها واكتشاف ما بها. وجود فتياتها داخل صندوق أو مساحة ضيقة في الصورة يوحي بالتقييد أو الاحتجاز. يجاوره تركيب الشخصية في المكان مع خلفيات محدودة ومغلقة، يعزز فكرة الانغلاق النفسي أو الشعور بالحصار.
بلغة بصرية تُفضّل عبيد لوحة ألوانٍ خافتة ومائلة للرماديات والداكنات، ما يخلق أجواءً درامية غامضة مشحونة بالرهبة والتأمل، ويعزز الشعور بالكآبة أو التأمل الداخلي. الخلفيات مغلقة، والمساحات الضيقة، توحي بمناخ داخلي خانق، يُحاكي حالات مثل العزلة، التوتر، الكبت، أو الغربة الوجودية.
أما التحليل النفسي، فمن الواضح أن الخلفية النفسية للفنانة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل موضوعات أعمالها. فبدلًا من التركيز على الجماليات السطحية، تختار أن تعبر عن حالات شعورية داخلية عميقة في الوجدان الإنساني عند فتياتها وعموم شخصياتها، قد تكون حالة معقدة ومضطربة مثل الاكتئاب، الخوف، أو فقدان الهوية، أو حالة مستقرة ومرتاحة وسعيدة.
تستخدم أريج عبيد الفن فعليا كأداة تحليلية تعبيرية تعكس فهمًا عميقًا للنفس البشرية، وتمنح المتلقي فرصة للتأمل في الداخل أكثر من الخارج. تكمن قوتها في قدرتها على دمج علم النفس بالفن التشكيلي في رسم الشخصيات من أعماقها واضطراباتها واستقرارها الداخلي لإنتاج أعمال ذات طابع إنساني عاطفي عميق ومؤثر.
(النفس كمساحة تشكيلية) تظهر آثار التخصص النفسي للفنانة في طريقة مقاربتها للشخصيات. نشاهد في أعمالها كائنات ذات ملامح غير طبيعية البشر، كفتاة تجلس داخل صندوق خشبي ضيق، تقابلنا بنظرة مغيبة وملامح مطموسة، تحتضن صندوقًا مغلقًا، في رمزية واضحة لأسرار مدفونة في عمق اللاوعي.
(الفن كأداة علاج وتحليل) يمكن قراءة أعمال أريج عبيد بوصفها علاجًا ذاتيًا بصريًا، حيث يُستخدم الفن كوسيلة لفهم وتشخيص حالات الإنسان النفسية. إنها لا ترسم وجوهًا، بل ترسم ما خلف الوجوه، وتدعونا بصمت عميق للتفكر -من الجوهر للقشرة- في دواخلنا أكثر من تأمل السطح.
ختاما، تمثل الفنانة أريج عبيد تيارًا تشكيليًا نفسيًا متجددًا في المشهد الفني العربي، يزاوج بين الحس الجمالي والبُعد التحليلي، لتقدم أعمالًا شاعرية تنبض بالصدق والجرأة في آن. أعمالها ليست مجرد صور، بل نصوص بصرية تحتاج إلى قراءة، ومساحات شعورية تحتاج إلى إصغاء.
مقال رائع ابدعت يادكتور عصام في تحليل جماليات اعمال الفنانه اريج عبيد والفنانه اريج ابدعت في عرض اعمالها بطريقه جميله ترمز الى الذات والمشاعر الداخليه شكراً يادكتور عصام وشكراً للفنانه اريج . تحياتي
الفنان التشكيلي صالح حيدر
مرحبا.. يعطيك العافيه دكتور عصام
مقال جميل بجمال روحك المشعة بالعطاء ..
في هذه المقالة توقفت عند حديثك (تتجه أريج نحو تشويه الملامح أو محوها بالكامل) .. وكذلك عندما ذكرت
(تستخدم أريج عبيد الفن فعليا كأداة تحليلية تعبيرية تعكس فهمًا عميقًا للنفس البشرية، وتمنح المتلقي فرصة للتأمل في الداخل أكثر من الخارج).
وكانك تريد القول بأن الفنانه تريد التحدث عن طبيعة النفس واصلها.. من خلال السؤال الشهير ..
Tell me about yourself
حدثني عن نفسك بدون ذكر البلد والانتماء والديانه والمكانة الاجتماعية … إلخ.
فقط الحديث عن حقيقة ومكنون النفس وجوهر الذات .. كما هي بملامحها الحقيقية وبدون تزيف او تجميل او تلميع ..
شكرا د. عصام على هذه المقالة
وشكرا للفنانه أريج على هذا التعبير العميق. 💐
حسن الغامدي..
مرحبا.. يعطيك العافيه دكتور عصام
مقال جميل بجمال روحك المشعة بالعطاء ..
في هذه المقالة توقفت عند حديثك (تتجه أريج نحو تشويه الملامح أو محوها بالكامل) .. وكذلك عندما ذكرت
(تستخدم أريج عبيد الفن فعليا كأداة تحليلية تعبيرية تعكس فهمًا عميقًا للنفس البشرية، وتمنح المتلقي فرصة للتأمل في الداخل أكثر من الخارج).
وكانك تريد القول بأن الفنانه تريد التحدث عن طبيعة النفس واصلها.. من خلال السؤال الشهير ..
Tell me about yourself
حدثني عن نفسك بدون ذكر البلد والانتماء والديانه والمكانة الاجتماعية … إلخ.
فقط الحديث عن حقيقة ومكنون النفس وجوهر الذات .. كما هي بملامحها الحقيقية وبدون تزيف او تجميل او تلميع ..
شكرا د. عصام على هذه المقالة
وشكرا للفنانه أريج على هذا التعبير العميق. 💐
حسن الغامدي..
جميل دكتور هذا النقد الذي يفسر العملية الابداعية و يقربه للقاريء شكرا لك